وقعة الصريف في منطقة القصيم في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
وقعة الصريف في منطقة القصيم في المملكة العربية السعودية

وقعة الصريف في منطقة القصيم في المملكة العربية السعودية.

 
خلال السنوات العشر التالية لمعركة المليداء تغيرت الظروف السياسية داخل بلاد نجد وفي أطرافها، وكانت منطقة القصيم دائمًا في قلب الأحداث. ففي سنة 1307هـ / 1889م توفي الإمام عبد الله بن فيصل، وفي سنة 1311هـ / 1893م توفي أخوه محمد بن فيصل، وفي سنة 1313هـ / 1895م قتل أمير الكويت محمد بن صباح وأخوه جراح على يد أخيهما مبارك الصباح، وفي سنة 1315هـ / 1897م توفي أمير جبل شمر محمد بن عبد الله بن رشيد وتولى الإمارة بعده ابن أخيه عبد العزيز بن متعب بن رشيد. هذه التطورات في بلاد نجد جعلت الحمل ثقيلاً على الإمام عبد الرحمن بن فيصل الذي أصبح الأمل الوحيد لبقاء الأسرة السعودية في حكم نجد أو بعض بلدانه أمام تنامي قوة آل الرشيد.
 
لم يكن ابن رشيد هو الهاجس الوحيد للإمام عبد الرحمن بل كانت المنافسة بينه وبين الشيخ مبارك أمير الكويت وأهدافهما المعلنة والخفية تقلق الإمام عبد الرحمن. ومع اقتراب العقد الثاني من القرن الرابع عشر الهجري من نهايته / بداية القرن العشرين الميلادي أصبحت الخيارات أمام الإمام عبد الرحمن قليلة لكن الأمل ظل دائمًا ملازمًا له.
 
في سنة 1318هـ / 1901م وصل العداء بين الشيخ مبارك الصباح وابن رشيد ذروته بسبب اتهام الأول للثاني بأنه يؤوي يوسف الإبراهيم ويحميه   وكانت النهاية الحتمية لهذه العلاقة هي المجابهة العسكرية التي دارت رحاها في القصيم. جهز ابن صباح جيشًا كبيرًا ضم ألف رجل من سكان الكويت بالإضافة إلى عشائر بني خالد والعجمان ومطير والعوازم وآل مرة وعريب دار وبني هاجر والظفير والمنتفق. وكان يرافقه الإمام عبد الرحمن وزعماء القصيم المقيمون في الكويت منذ تغلب ابن رشيد على بلادهم؛ وبخاصة آل سليم من عنيزة وآل أبا الخيل من بريدة وفي الطريق توجه الملك عبد العزيز إلى الرياض لمحاولة استعادة حكم آبائه وأجداده، وبالفعل تمكن من دخول البلد ورحب به الأهالي لكن حامية ابن رشيد المتمركزة في القصر استعصت عليه فحاصرها مدة أربعة أشهر. وعند وصول حملة الشيخ مبارك إلى القصيم دخل آل سليم بلدهم عنيزة، ودخل آل أبا الخيل بلدهم بريدة لكي يستعيدوا إمارتهم فيهما لثقتهم بنجاح الشيخ مبارك في المعركة. أما الجيش الرئيس فقد كان بقيادة الشيخ مبارك الصباح. وعندما علم عبد العزيز بن متعب بن رشيد جمع جموعه لمقابلتهم، وقد التقى الطرفان في معركة كبيرة سميت معركة الطرفية نسبة إلى المكان أو الصريف نسبة إلى ماء هناك في السابع عشر من ذي القعدة 1318هـ الموافق 1901م. وفي غضون ثلاث ساعات حلت الهزيمة بابن صباح وجيشه، وقتل منهم عدد كبير، ولم ينجُ منهم إلا ابن صباح والإمام عبد الرحمن وشيخ المنتفق ونفر قليل معهم، وعاد كل من ابن صباح، وآل أبا الخيل، وآل سليم إلى الكويت  
 
لقد كان تأثير المعركة على أهل القصيم سيئًا وشديدًا، فقد زاد ابن رشيد من طغيانه وظلمه ونكل بمن قبض عليه من زعمائهم حتى من عامتهم، كما فرض على جميع سكان القصيم الضرائب الباهظة رغم تظاهره بالعفو عنهم بعد المعركة، وعلى الرغم من معاناة أهل القصيم نتيجة هزيمة الشيخ مبارك وتسلط ابن رشيد فقد كانت هذه المعركة بداية النهاية لابن رشيد على الرغم من انتصاره الحاسم فيها، حيث دفع هذا الانتصار ابن رشيد إلى الاغترار بنفسه وبقوته وزاد من طموحه وطغيانه فزاد ذلك من كره أهل القصيم له ولحكمه وأصبحوا يتمنون أي فرصة للانتقام منه وهو ما حصل عندما نجح الملك عبد العزيز في استعادة الرياض ثم باقي أقاليم نجد تباعًا بما فيها منطقة القصيم من ابن رشيد.
 
المملكة العربية السعودية 1322هـ / 1904م
 
يظهر من الأحداث السابقة ما كان لمنطقة القصيم من دور مؤثر في الأحداث في إقليم نجد خلال عهد الدولتين السعوديتين الأولى والثانية. وقد تعاظم هذا الدور خلال مسيرة الملك عبد العزيز لتوحيد المملكة  ،  وقد كان لمعركة الصريف السابق ذكرها آثار مختلفة، لكن ما يهمنا منها هنا هو أنها كانت فرصة عملية للملك عبد العزيز في ميدان الحرب عندما استطاع دخول الرياض ومحاصرة قلعتها مدة أربعة أشهر في سنة 1318هـ / 1901م قبل أن يتركها بسبب فشل حملة الشيخ مبارك الصباح في تلك المعركة. لكن تجربة الملك عبد العزيز هذه زادته أملاً في استعادة ملك آبائه وأجداده، فكرر التجربة في العام التالي واستطاع أن يستعيد الرياض وأن يعلن قيام الحكم السعودي من جديد، وما يهمنا هنا هو التطورات التاريخية التي شهدتها منطقة القصيم خلال فترة توحيد مناطق شبه الجزيرة العربية.
 
وقد وفق الله الملك عبد العزيز في استعادة بلاد جنوبي نجد ثم وسطها في وقت قياسي لم يتعد سنتين من استعادته الرياض، ثم وجه اهتمامه إلى استعادة القصيم، وهي أهم مناطق إقليم نجد موقعًا وأخصبها أرضًا، وهي الميزات التي أغرت آل الرشيد في بسط السيطرة عليها بعد موقعة المليداء التي حدثت سنة 1308هـ / 1891م خلال فترة الاضطراب في نهاية الدولة السعودية الثانية، لقد أدرك كل من الملك عبد العزيز، وعبد العزيز بن متعب الرشيد أن منطقة القصيم ستكون ميدان الحسم بينهما؛ إذ سعى الأول إلى انتزاعها من الثاني بكل الوسائل واستعادة كيان أسرته، في حين حرص الثاني على الاحتفاظ بها بكل ما أوتي من قوة مهما كلفه ذلك من تضحيات  ؛  ولهذه الأسباب مجتمعة كان متوقعًا أن تشهد منطقة القصيم أعنف المعارك بين الملك عبد العزيز المدعوم من أهالي المنطقة، وعموم نجد وبين عبد العزيز بن متعب الرشيد المدعوم من الدولة العثمانية، وقد كسب الملك عبد العزيز في النهاية في ميادين السياسة والحرب، وتلاشى حكم آل الرشيد من خريطة الجزيرة العربية، كما ستوضحه الصفحات الآتية  
 
شارك المقالة:
164 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook