هضبة الصُّمَّان بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
هضبة الصُّمَّان بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية

هضبة الصُّمَّان بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية.

 
تقع هضبة الصُّمَّان بين السهل الساحلي على الخليج العربي شرقًا ونطاق رمال الدَّهْنَاء غربًا، وهي هضبة صخرية مستطيلة الشكل ذات سطح شبه مستوٍ يراوح عرضها بين 80 و 250كم وتتجه من الشمال إلى الجنوب. ويتدرج ارتفاعها فهو يراوح بين 400م في المتوسط في الغرب، و 250م عند حافتها الشرقية، بمعدل انحدار 0.7م /م. والطرف الشرقي لهذه الهضبة هو حافة بارزة قطعتها مجاري الوديان القديمة، وربما أسهمت التعرية البحرية إلى حد ما في نشوئها، ويقع حقل الغَوَّار وهو أكبر حقول البترول في العالم تحت هذه الهضبة في غرب الهُفُوف 
 
ويتكون سطح هضبة الصُّمَّان  من الصخور الجيرية الرملية التابعة لتكوين الهُفُوف واللِّدَام والهَيْدَرُوك من عصري المايوسين والبلايوسين، ومن الأحجار الرملية الجيرية والأحجار الجيرية الرملية ومن حجر الجير ذي اللون القشدي التابع لتكوين أمّ رَضَمَة التابع لعصري الباليوسين والأيوسين. وتتداخل مع هذه الصخور رقائق من الطفل والمارل، وفوق سطح الهضبة تشكلت قشرة كلسية صلبة. ويمتاز سطح هضبة الصُّمَّان بوجود الدُّحُول، ومفردها دحل وبخاصة في النصف الشمالي منها، وهي فجوات في الأرض الجيرية، أي هي ظاهرات كارستية تنتج من إذابة مياه الأمطار التي تتسرب خلال الشقوق والفواصل للمادة الجيرية، فتتكون حفر عميقة أطلق عليها العرب (دحولاً)، وقد تصل إلى مستوى المياه الباطنية فتصبح موردًا للمياه  
 
وحدود هضبة الصُّمَّان الشمالية الغربية غير واضحة، فليست هناك ظاهرات تضاريسية تميز نهاية الصُّمَّان وبداية هضبة الحَجَرَة. ويمكن القول عمومًا إن هضبة الصُّمَّان تبدأ حيث ينتهي سهل الدِّبْدِبَة الحصوي غربًا عند خط طول 20 َ 45 ْ شرقًا تقريبًا، وهو الحد نفسه الذي تبدأ عنده هضبة الحَجَرَة؛ ما يجعل منطقة الهَذالِيْل التي تشتهر بالأودية المقلوبة تقع في هضبة الحَجَرَة وليس في هضبة الصُّمَّان. أما من ناحية الجنوب فهي تنتهي في الرُّبْع الخَالِي عند درجة عرض 00 َ 21 ْ شمالاً. وعلى هذا يبلغ امتدادها الطولي 996كم، تتخذ خلالها عددًا من الأسماء المحلية؛ ففي غرب وسط الهضبة وعلى مساحة شاسعة تمتد هضبة الصُّلْب من درجة عرض 15 َ 24 ْ شمالاً حتى درجة عرض 30 َ 27 ْ شمالاً وإلى الشمال من وادي السَّهْبَاء. وتمتاز الصُّلْب بالاستواء لهذا تقل بها الأودية والشعاب وتكثر الفياض والدُّحُول. وتنحدر هضبة الصُّلْب نحو الشرق انحدارًا هينًا، وفي جزئها الشمالي لا تفقد اسمها حتى تصل إلى حافة الصَّرَّار على درجة عرض 00 َ 27 ْ شمالاً وخط طول 22 َ 48 ْ شرقًا، ولكن الحال يختلف في جزئها الجنوبي؛ فعند درجة عرض 00 َ 25 ْ شمالاً تتدرج الأسماء من سهول الصُّلَيْبِيخ عند حدود الدَّهْنَاء الشرقية، إلى المَنْسُونِيَّة إلى الشرق، ثم هضبة الصُّلْب، وهضبة رُبَيْدَاء، وهضبة الشِّعْب وجبالها التي تقع بعدها حافة هضبة الصُّمَّان  . 
 
وتوجد بعض التلال والشواهد التي سلمت من التعرية ربما لتغطيتها بقشرة كلسية صلبة، أو أنها بطون أودية مقلوبة، ففي جنوب هضبة الصُّلْب نجد خشم الزَّيْنَة، وخشم مُطْرِب، وخشم أبا العِكْرِش، وفي الشمال نجد جبال العَقَائِر 200م، وضُلَيْعات النُّهَيْدَيِن 294م، وحَزْم المُجَيْلِس 280م، وقارة عُّلَيَّة وغيرها. وهي شواهد تتكون من تلال محلية لا يكاد يتبينها المسافر حتى يصل إليها  .  وقد سمَّى العرب هذه الشواهد (قفاف الصُّمَّان) واحدها (قف). وعرفها ابن شميل في تهذيب اللغة 8 /196 فقال: القف حجارة غاص بعضها ببعض، حمر، لا يخالطها من اللين والسهولة شيء وهو جبل غير أنه ليس بطويل في السماء، فيه إشراف على ما حوله، وما أشرف منه على الأرض حجارة، وتحت تلك الحجارة حجارة ولا تلقى قفًا إلا وفيه حجارة متقلعة عظام مثل الإبل البروك وأعظم وأصغر 
 
وإلى الشرق من هضبة الصُّلْب تبدأ حافة هضبة الصُّمَّان بالظهور، وهي حافة تواجه الشرق، ولها عدة أسماء؛ ففي الشمال الشرقي هناك حافة الصَّرَّار التي تتقطع إلى جبال منخفضة منها جبل الأدْهَم 217م، وجبل أبوحَصَاة 146م، وجبل أبوعَلابِي 241م، وضِلْعَان الجَاهِليَّة 200م، وجبال الدُّغُم 200م، وجبل الدُّوَيْرات 260م، وجبل أم زَوْر 264م، وجبل حَذَار 265م، وجبل مُطْعِم 208م، وجبل أبوظُهَيْر 250م وغيرها.
 
وإلى الجنوب من حافة الصَّرَّار تبدأ حافات صخرية أخرى أكثر وضوحًا منها تمتد من شمال غرب مدينة أبقيق قليلاً حتى وادي السَّهْبَاء. ويطلق على الحافة اسم (نَعَلَة)، وعلى الأرض المنخفضة المحصورة بين جوانب ذات انحدارات هينة (جَوّ). ومن هذه الحافات نَعَلَة شَدْقَم والغَوَّار التي يقع شرقها بعض الفرائد الجبلية مثل المُحْتَرَقَة، وبرقاء رُكْبَان، وجبل أبوغَنِيْمَة، وبرقاء مَلْدَة وتقع إلى الغرب من الهُفُوف. وهذه الفرائد الجبلية تظل شواهد على تراجع هذه الحافات الجبلية نحو الغرب. وإلى الشمال الغربي من حافة شَدْقَم والغَوَّار يقع جَوّ الشَّنَائِن، وجو أم عُنَيْق. وتقع إلى الغرب وإلى الجنوب الغربي من حافة شَدْقَم والغَوَّار نَعَلَة السَّعْدَانِي ونَعَلَة الفُرُوق. ونظرًا لامتدادها الكبير يطلق عليها اسم (النَّعَلَة) فقط من دون إضافة إلى اسم آخر. والنَّعَلَة هي الأرض الصلبة. ذكر ياقوت أن: نَعْل بلفظ النعل التي تلبس في الرجل، هي الأرض الصلبة.
 
ويقع جَوّ الغَار بين حافة الغَوَّار ونَعَلَة الفُرُوق، وإلى الجنوب منه يقع جَوّ دُخَان، ومن خلالهما يمر طريق حَرَض - الأحسَاء المسفلت. وإلى الشرق من جَوّ دُخَان تقع بَرقاء الضَّمْرَان التي تمتد إلى حَرَض. وتمتد سكة حديد الرِّيَاض - الدَّمَّام شرق هذه الحافات تمامًا؛ إذ لا يقع شرقها إلا بعض الجبال البسيطة مثل جبل الحَرْمَلِيَّة 252م، وجبل الخَرْمَاء 244م جنوب الأحسَاء.
 
وجنوب درجة عرض 40 َ 24 ْ شمالاً تصبح الحافة الشرقية لهضبة الصُّمَّان أقل بروزًا؛ ولهذا نجد هضبة الصُّمَّان تتخذ أسماء محلية مضافة لاسم الموقع؛ ففي جنوب درجة العرض المذكور نجد صُمَّان الأمَشْاء، وعند حَرَض هناك صُمَّان حَرَض، ثم صُمَّان يَبْرِين عند يَبْرِين. وإلى الجنوب من درجة عرض 40 َ 22 ْ شمالاً تقريبًا يبدأ صُمَّان الطُّوَال الذي ينتهي في أبوبَحْر عند رمال الرُّبْع الخَالِي. ويطلق على الجزء الغربي من صُمَّان يَبْرِين وصُمَّان الطُّوَال ما يلي الدَّهْنَاء الحَقُو.
 
وتشتهر هضبة الصُّمَّان بوجود المنخفضات ذات الأحجام المختلفة والأنواع الكثيرة مثل القيعان والخباري والفياض. وهذه الفياض غنية بأشجار السدر (Ziziphus Spina-Christi) والحشائش، وتتحول هذه الفياض في مواسم المطر إلى مراع غنية. وفي النصف الشمالي من الهضبة تنتشر انتشارًا كبيرًا  . 
 
ونعرض فيما يأتي ثلاثة موضوعات لها علاقة بهضبة الصُّمَّان وما يليها شرقًا، هي: مجموعة السهول الحصوية، وظاهرة الدُّحُول، وهضبة شَدْقَم:مجموعة السهول الحصوية:
 
من أهم السهول الحصوية سهل الدِّبْدِبَة، والسَّهْبَاء ووَادِي الدَّوَاسِر. وتعد الدِّبْدِبَة من الملامح الرئيسة للواجهة الساحلية للخليج العربي وشمال غرب هضبة الصُّمَّان، وهي حوض بحيري واسع تحول إلى سهل غريني عظيم يقع إلى الجنوب الغربي من الكويت. والدِّبْدِبَة على شكل دلتا نهرية قمتها قرب مدينة القَيْصُومَة حيث تنتشر من هناك تجاه الشمال الشرقي إلى شط العرب. وسطح هذا السهل الحصوي يقطعه مجرى وادي البَاطِن الموجود الآن. وتحتوي الدِّبْدِبَة على الحصى وكسر من صخور تتناقص تدريجيًّا في الحجم تجاه الأطراف الخارجية، وهي مشتقة من الكوارتز والصخور النارية والمتحولة والأحجار الجيرية مع رواسب أدق مختلطة معها  .  وقد حمل وادي الرُّمَة وامتداده وادي البَاطِن هذه المشتقات من الصخور النارية والمتحولة الموجودة في سهل الدِّبْدِبَة الحصوي من الدرع العربي خلال الفترات المطيرة  ،  فقد أدى تدفق وادي الرُّمَة أثناء الفترات المطيرة في الزمن الرابع إلى أن يصل بمجراه إلى شط العرب عند الخليج العربي. وبعد بدء فترات الجفاف ونشاط التعرية الريحية ردمت رمال نفود الثُّوَيْرَات والدَّهْنَاء مجرى وادي الرُّمَة الواقع بين شرق بلدة البَنْدَرِيَّة بمحافظة الأسياح وبئر الثُّمامي مبتدأ وادي البَاطِن الذي يمثل الامتداد السابق لوادي الرُّمَة نحو الشمال الشرقي  . 
 
وفي وسط شبه الجزيرة العربية مساحات كبيرة من السهول الحصوية المندمجة التي لها صفة الدلتاوات تنبثق من أنظمة صرف الأودية الرئيسة مثل وادي السَّهْبَاء، ووادي الدواسر، وواديي نجران وحَبُونَا. ويظهر التوزيع الحالي للمنكشفات أنه قبل تكوُّن رمال الربع الخالي ونفود الجافُورة التي طمرت قسمًا كبيرًا من سطح المنطقة وغطته بكميات هائلة من الرمال كان جزء كبير من المواقع الموجودة عمومًا غرب درجة طول 00 َ 51 ْ شرقًا مغطى بحطام صخري خشن حملته تلك الأودية النهرية  . 
 
وينتهي وادي حنيفة في سهول الخرج التي تنتهي فيها كذلك أودية أخرى مثل وادي نساح، ووادي السُّليّ الذي يجري من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي إلى الشرق من طريق الرياض - الخرج السريع وتحده في الشرق حافة الجُبَيْل (هِيت)، ومجموعة أودية برك والحوطة والسوط. ويخرج من حوض سهول الخرج وادٍ عظيم كان يجري بالمياه أثناء الفترات المطيرة هو وادي السَّهْبَاء، وينتهي في الشرق عند الخليج العربي. وقد رسَّب وادي السَّهْبَاء سهلاً حصويًا له خواص الدلتا عند حرض، فرأس دلتاه يقع عند حرض ويمتد شرقًا إلى الحد الغربي لسبخة مَطِّي جنوب غربي الإمارات العربية المتحدة. ويصعب تمييز الوادي بسهولة بعد أن يتخذ شكل سهول حصوية في حرض. وتتفاوت درجة انحدار هذا السهل الحصوي من 1.02 - 0.88 مترًا في الكيلو متر الواحد   ومع أن الرمال تعترض مجرى وادي السَّهْبَاء، فإن جلاميد من صخور الرايوليت والكوارتز توجد في السهول الحصوية، ولا يحتمل أنها أتت من جرف طُوَيْق حيث لا يوجد سوى الحجر الجيري والمارل، ولذلك يفترض أنها جاءت من الدرع العربي؛ ما يوحي بأن وادي نساح ووادي برك كانا في السابق يبدآن من ذلك المكان في طريقهما إلى السهل الحصوي خلال الزمن الرابع   ويمكن تتبع مجرى وادي السَّهْبِاء على الخرائط الطبوغرافية جنوب شرق حَرَض حيث يستمر في الاتجاه تحت رمال الجافورة ويصل إلى ما وراء درجة طول 00 َ 51 ْ شرقًا، ووجود آثار المجرى والمشاش في المجرى العريض نسبيًّا يجعله متميزًا عما حوله من أماكن رملية.
 
ويتركز السهل الحصوي في مجاري الأودية النهرية القديمة التي تظهر في شكل أودية مقلوبة تقف على علو أمتار قليلة فوق السهول المجاورة. وهذه التضاريس المعكوسة تعكس نشاط الرياح في بعض الفترات الجافة من الزمن الرابع التي قامت بتذرية الرواسب الناعمة من الإرسابات الدلتاوية وما بين المجاري المرفوعة؛ ما أوجد ضلوعًا حصوية كانت في الأصل مجاري مائية. وقد يصل فرق المنسوب بين هذه الضلوع ومواقع التذرية المجاورة 25م. وهذا قد يشير إلى كمية الرواسب الناعمة التي تمت تذريتها ونقلها إلى الأمكنة المجاورة في رمال الجَافُورَة وشمال الرُّبْع الخَالِي.
 
أما سهل وَادِي الدَّوَاسِر وسهل وادي نَجْرَان فقد دفن معظمهما تحت كثبان الرُّبْع الخَالِي ويظهر بعضهما على شكل أودية مقلوبة في بعض الأمكنة المفتوحة، كما تظهر عند الأطراف الجنوبية لسهل وادي السَّهْبَاء  - الدُّحُول:  معروف أن الدُّحُول توجد في معظم أجزاء هضبة الصُّمَّان شمال وادي السَّهْبَاء، مع أنها تتركز في هضبة الصُّلْب.
 
وقد ورد اسم الدحل على لسان عدد من الشعراء الأقدمين كامرئ القيس والنابغة الذبياني وزهير بن أبي سلمى، ولكن أفضل من شرح معناه من اللغويين العرب هو الأزهري الذي مر بتلك الدُّحُول ودخلها ووصفها بقوله:
 
وقد رأيت بالخلصاء ونواحي الدَّهْنَاء دحلانًا كثيرة، وقد دخلت غير دحل منها، وهي خلائق (أي حفر) خلقها الله تحت الأرض، يذهب الدحل منها سَكًَّا في الأرض قامة أو قامتين أو أكثر من ذلك، ثم يتلجف يمينًا أو شمالاً، فمرة يضيق ومرة يتسع في صفاة ملساء لا تحيك فيها المعاول المحددة لصلابتها. وقد دخلت منها دحلاً فلما انتهيت إلى الماء، إذا جَوّ من الماء الراكدة فيه لم أقف على سعته وعمقه وكثرته لإظلام الدحل تحت الأرض، فاستقيت أنا وأصحابي من مائه، لأنه من ماء السماء يسيل إليه من فوق ويجتمع فيه  . 
 
وقد ذكر البعض   أن هضبة الصُّلْب هي أكبر جزء في هضبة الصُّمَّان، تتكون من سطح متموج شاسع من صخور فتاتية قارية من العصور المايوسينية والبلايوسينية، وهي كثيرة التلال المتطامنة والحفر المنخفضة التي يميزها حجر أمّ رَضَمَة الجيري شديد القابلية للذوبان الذي جعل سطح الهضبة وعرًا من كثرة الحفر المتعمقة ذات الكهوف التي تسمى دحولاً. وهذه الظاهرة الكارستية موجودة تحت السطح الذي تتجلى فيه مداخل الدُّحُول. وبعض هذه الدُّحُول مفتوح إلى أعماق تزيد على خمسين مترًا، كما توجد دحول ذات كهوف أفقية على أعماق متنوعة مثل دحل أبومَروة.
 
وبهضبة الصُّمَّان عدد هائل من المنخفضات التي تتجمع فيها سيول الأودية المجاورة كالقيعان والخباري والفياض. والدُّحُول في هضبة الصُّمَّان يقع معظمها عند جوانب المنخفضات التي تكثر فيها والتي تبدو في حجم الروضات  ، والفرق بين الروضات التي تنتشر في الصُّمَّان وبين منخفضات الدُّحُول هو أن الماء يتريض في الروضة ويمكث بعد سقوط المطر؛ ما يؤدي إلى ازدهار الحياة النباتية فيها. أما منخفضات الدُّحُول فينصرف ماء المنخفض إلى فتحة الدحل ويغور فيها. وعلى هذا قد تكون الرياض والخبراوات المنتشرة فوق سطح هضبة الصُّمَّان مرحلة من مراحل تكوُّن الدُّحُول كما يرى ذلك الغنيم  .  هضبة شَدْقَم:
 
يعد هذا الجزء من حافة هضبة الصُّمَّان الشرقية مثالاً نموذجيًّا للتطور الجيومورفولوجي لأشكال سطح الأرض بهضبة الصُّمَّان والأحسَاء.
 
هضبة شَدْقَم جزء من هضبة الصُّمَّان وتقع جنوب غرب أبقيق وشمال غرب الهُفُوف بالمنطقة الشرقية. ويتسم سطح هذه الهضبة بالاستواء الشديد غير أن حافتها الشرقية جرف بارز يطل على السهل الساحلي للخليج العربي. وقد جرت تعرية هذه الحافة؛ ما جعلها موئلاً لخليط معقد من أشكال الأرض التي يحميها غطاء من قشرة كلسية صلبة. ويقع تحت هضبة شَدْقَم تكوين الهُفُوف الذي يعود إلى أواخر المايوسين أو البلايوسين، وسمكه في هضبة شَدْقَم 95م. وهو يتألف من الكونجلوميريت، والحجر الرملي، والحجر الجيري الرملي، والمارل الرملي، والطفل الرملي. ويعلو سطح الهضبة والفرائد الجبلية المنعزلة حجر جيري رملي تكَوَّن في مياه عذبة. ويتميز تكوين الهُفُوف بأربع خصائص أثَّرت في تعرية سطح الهضبة. وهي أن كل طبقاته أفقية، وبسبب اختلاف بسيط في المقاومة تجري تجويتها بمعدلات مختلفة، فبعض الطبقات تجري تجويتها بسرعة وتقطيعها إلى وحدات منفصلة منخفضة وبعضها تقاوم وتقف كجروف بارزة. والخاصية الثانية أن معظم الطبقات جيرية وقابلة للإذابة ولو جزئيًّا. وساعدت هذه الخاصية على تكوُّن الدُّحُول في هذه الهضبة، وعلى نشأة الطبقة الكلسية الصلبة التي تغطي سطح معظم هضبة الصُّمَّان. والخاصية الثالثة هي وجود شقوق رأسية يضرب معظمها نحو الشمال الغربي، وقليل منها نحو الشمال الشرقي. وقد أدت هذه الشقوق عددًا من الوظائف فقسمت الطبقات إلى وحدات منفصلة ما أسرع في تحطيمها، وكانت السبب الرئيس في تشكل الدُّحُول، وحددت مجاري الشعاب والأودية، كما كانت فعَّالة في نشأة الموائد والكتل الصخرية في الحافة. والخاصية الرابعة أن القشرة الكلسية الصلبة التي تطورت في هذا التكوين قد حمت عددًا من أشكال الأرض  . 
 
وقد وصف أحد الباحثين المظهر الطبيعي بهذا التكوين وبخاصة الأجزاء الواقعة إلى الشرق من الحافة قائلاً:
 
يسير الآتي من الشرق نحو الهضبة فوق سهل منبسط عريض يتكون من رمال ناعمة ومتوسطة الخشونة، وتزداد كمية الرمال الخشنة، ويظهر بها نسبة من حصى متناثر كلما اتجهنا نحو حافة الهضبة حتى يتحول السهل إلى سطح حصوي خشن. وينحدر السهل انحدارًا هينًا نحو الشرق، ولكن تشتد درجته قليلاً بالقرب من حافة الهضبة. وبهذا الوصف فنحن أمام بدمونت شبه مثالي لا ينقصه إلا قياس سمك هذه الرواسب الرملية والحصوية للتعرف عما إذا كان هذا السمك يقل بالاقتراب من الحافة حتى تكتمل صفات البدمونت. وقبل الوصول إلى حافة الهضبة بنحو كيلومتر واحد نلاحظ أعمدة وكتلاً ضخمة من الحجر الجيري الأبيض تنتصب بارتفاع متوسط يبلغ نحو 20م، بالإضافة إلى كتل صخرية متكسرة ومتناثرة هنا وهناك تغطي المسافة حتى الحافة. وأخيرًا تظهر الحافة على شكل حائط صخري وعرٍ قد يرتفع عن سهل البدمونت الواقع أمامه بنحو 50م. وقد لوحظت الشقوق والكهوف على شكل فتحات رأسية عرضها نحو ثلاثة أمتار تتعمق داخل الواجهة الصخرية إلى مسافة نحو 15م. وتتكرر هذه الكهوف أو التجاويف على مسافات تكاد تكون متساوية وتراوح بين 80 و 100م. كما يحزز الحافة عدد من الأودية الخانقية القصيرة ما عدا وادي الخرابيش الذي يبلغ طوله نحو ستة كيلومترات متوغلاً في الهضبة. وبالصعود إلى سطح الهضبة يلاحظ عدم وجود مجار مائية واضحة ومحدودة، كما تكثر الشقوق الطولية المتقاطعة التي تحدد سطح الهضبة على طول امتدادها بعمق نحو 35سم في الشقوق الرئيسة منها. ويغطي سطح الهضبة وقمم الأعمدة والكتل الصخرية المنتصبة أمام واجهتها قشرة كلسية داكنة اللون سُمكها نحو 2.5م  
 
وفي الواقع فإن البدمونت العريض الذي تم وصفه ينتهي ببدمونت يصعد الحافة ويغطى بفرشة من الحصى والرمل، ويعظم سُمك هذه الفرشة كلما اتجهنا شرقًا نحو البدمونت حتى تختلط مع السهل الساحلي الشرقي. ويوجد عدد من الفرائد التلالية المنعزلة قرب مصب وادي الخرابيش ترتفع فوق مستوى سهل البدمونت بنحو 30 - 60م وتبتعد عن الحافة بمسافات مختلفة قد تزيد على ثلاثة كيلومترات في بعض الأحيان. ولا شك أن هذه التلال المنعزلة البعيدة والسهل البدمونتي العريض يشيران إلى تراجع الحافة المستمر نحو الغرب بعدد من الكيلومترات. وبما أن انحدار سهل البدمونت يقل نحو الشرق فإن متوسط ارتفاع حافة الهضبة قد تناقص أيضًا  
 
ومن المعتقد أن هضبة شَدْقَم بدأت في الارتفاع التدريجي خلال أواخر عصر البلايوسين واستمر ارتفاعها خلال عصر البلايستوسين، ولكن سطح الهضبة فيما يبدو لم يتغير إلا قليلاً. ويشير استواء الهضبة، وغياب المجاري المائية المحددة تحديدًّا واضحًا في داخل الهضبة، ومسامية صخورها إلى أن ارتشاح مياه السيول أكثر أهمية من الجريان السطحي خلال الفترات المطيرة في عصر البلايستوسين. ولا يظهر على سطح الهضبة أي آثار للتعرية النهرية ما عدا التي ذُكِر بعض منها. وخلال الفترات الجافة نشأت قشرة كلسية صلبة كانت تزداد سُمكًا مع الوقت حيث إن سُمكها قد يصل إلى ما يقرب من ثلاثة أمتار. وقد ساعدت القشرة الكلسية على حفظ سطح الهضبة من التآكل  .  وتشير دراسات المياه الجوفية في المنطقة الشرقية إلى أهمية ارتشاح مياه الأمطار إلى باطن الأرض من خلال الشقوق والفواصل والدُّحُول في تغذية مصادر المياه الجوفية للمنطقة 
 
وتعد الشعاب الصغيرة في هضبة شَدْقَم أهم المظاهر التضاريسية التي يمكن ملاحظتها، فهناك عدد لا يحصى منها تحزز حافة هضبة شَدْقَم الشرقية. وقد حفرت مجاريها في ظل مناخ أكثر رطوبة من الوقت الحالي. وتراوح أطوال بعضها بين 1 و 2كم، وهي تسبق في نشأتها القشرة الكلسية الداكنة التي تغطي بعض جوانبها ومصاطبها، وبعضها الآخر شعاب صغيرة جدًّا لا تزيد أطوالها على 500م فقط، وهي حديثة النشأة بدليل أن قشرتها الكلسية الرقيقة فاتحة اللون.
 
وتعود نشأة معظم أشكال التضاريس في هضبة شَدْقَم إلى أواخر البلايوسين، والبلايستوسين، والهولوسين بفعل السيول بصفة رئيسة خلال عصور المطر، وقد تأثرت بعملية الرفع المتكررة للمنطقة، وربما بتذبذب مستوى سطح البحر؛ فقد قامت الأودية القديمة بالنحت المتراجع نحو المنابع، كما أن جزءًا من السيول جرى نحو الحافة وسقط منها كشلالات مؤديًّا إلى تقطيع الحافة وإلى تعميق مجاري الأودية. وعلى كل حال فمعظم مياه الأمطار التي سقطت على هضبة شَدْقَم تسربت من خلال الشقوق والفواصل، ثم خرجت عند منابع الأودية كنضيح أو نَزّ أو ينابيع. وقد أدت المياه المتسربة إلى نحت الصخور اللينة تحت القشرة السطحية الصلبة ثم تهديم سقوف هذه الكهوف التي تتسرب من خلالها المياه وسببت استطالة الأودية بالنحت المتراجع، وبذلك فإن نشأة هذه الأودية كارستية في الأساس.
 
ولوادي الخرابيش أربع مصاطب تنحدر ببطء نحو المصب وبانحدار أشد نسبيًّا نحو محور الوادي، وتلتقي هذه المصاطب عند سطح الهضبة. وتشكل هذه المصاطب ما يشير إلى حدوث حركة رفع متقطعة لهضبة شَدْقَم، صاحبتها أربع دورات تعرية نهرية متتابعة. ومن الواضح أن حركة الرفع هذه حدثت على مراحل تفصلها فترات من استقرار الأرض؛ ما أسهم في توسيع مجاري الأودية، وتسوية أرضيتها. ويعقب كل حركة رفع عملية حفر متعمقة في أوديتها، تاركة جوانب الأودية القديمة تقف مصاطب. ولا يستبعد أن يكون لتغير مستوى البحر أثر في شكل هذه المصاطب؛ فمن المعروف أن مستوى سطح البحر خلال آخر تقدم جليدي كان منخفضًا بنحو 110م عن مستواه الحالي. ومن المحتمل أن يكون قد أدى انخفاض مستوى البحر إلى تطور هذه المصاطب النهرية في هضبة شَدْقَم بسبب زيادة نشاط المجاري النهرية لتسوية قطاعاتها الطولية؛ ولهذا فإن هذه المصاطب هي مصاطب صخرية وليست مصاطب فيضية 
 
شارك المقالة:
35 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook