نهاية الدولة السعودية الثانية في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
نهاية الدولة السعودية الثانية في المملكة العربية السعودية

نهاية الدولة السعودية الثانية في المملكة العربية السعودية.

 
 
بات واضحًا تفوُّق قوة محمد بن عبدالله بن رشيد على جميع القوى داخل نجد، بما فيها قوة الدولة السعودية. ومع أن ابن رشيد استطاع الوصول إلى الرياض وتعيين عامل من قِبَله هناك؛ والقضاء على القوى المناوئة له وبخاصة أبناء سعود بن فيصل وبعض القوى الأخرى المتعاونة مع الدولة السعودية، فقد بدأ بمناوئة حلفائه السابقين من آل مهنا زعماء بريدة؛ ففي عام 1306هـ / 1888م حصل نـزاع بين ابن رشيد وحسن بن مهنا عندما حاول ابن رشيد تحصيل الزكاة - التي تعني التبعية السياسية - من مناطق تابعة لأمير بريدة؛ ما دفع ابن مهنا إلى التحالف مع زامل بن سليم أمير عنيزة، وتكوين قوة متحدة ضد أطماع ابن رشيد  . وفي عام 1307هـ / 1889م بدا لابن رشيد أن تحالُف زعيمَي بريدة وعنيزة ضده قد يُفقده ما حصل عليه من مكاسب سابقة، ولإحكام قبضته على الأمور في الرياض أعاد سالم بن سبهان رئيسًا للحامية فيها؛ ما يعني تقليص نفوذ آل سعود، كما يعني من الناحية السياسية أن الحكم أصبح بيده، وقد أراد أن يستغل سلطة الإمام عبدالرحمن للإبقاء على الأمر الواقع حتى يتخلص من باقي أعدائه، وبخاصة زعماء القصيم الذين شكلوا حلفًا ضده.وعلى الرغم من تقلص نفوذ الإمام عبدالرحمن واقتصاره عمليًا على الرياض؛ إلا أنه أمر بالقبض على ابن سبهان بعد أن اكتشف أنه يدبر مؤامرة ضده. علم ابن رشيد بحال عامله على الرياض، فقام على الفور بتجهيز حملة عسكرية عام 1308هـ / 1890م ضد الإمام عبدالرحمن، وحاصر العاصمة، لكنه في النهاية رحب بالتفاوض مع أهل الرياض وهم: الأمير محمد بن فيصل والأمير عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل، والشيخ عبدالله بن عبداللطيف والشيخ حمد بن فارس؛ ليتفرغ للقضاء على قوة القصيم. أدت المفاوضات إلى تثبيت مركز الإمام عبدالرحمن في العارض والخرج، على أن يطلق سراح ابن سبهان، مقابل أن يطلق ابن رشيد ما لديه من المحبوسين؛ وبخاصة من آل سعود  .كانت المواجهة بين أهل القصيم وابن رشيد مسألة مصيرية بالنسبة إليه؛ نظرًا لما تشكله هذه المنطقة من قوة عسكرية كانت على الدوام ندًا لإمارة جبل شمَّر، كما أن السيطرة عليها تعني شيئًا كثيرًا بالنسبة إليه؛ لما تتمتع به تلك المنطقة من ثقل سياسي وأهمية اقتصادية وجغرافية واجتماعية؛ لذلك استجمع قواه وسار إلى القصيم، ووصلها قبل أن يصل إليها الإمام عبدالرحمن بقوة من الرياض. وقعت بين الطرفين المعركة الفاصلة في المليداء في 13جمادى الآخرة 1308هـ الموافق يناير 1891م وانهزم فيها جيش القصيم، وقُتل كثير منهم وعلى رأسهم زامل بن سليم أمير عنيزة، كما وقع حسن بن مهنا أمير بريدة في الأسر. وبنتيجة هذه المعركة خضع القصيم لحكم ابن رشيد، أما الإمام عبدالرحمن فبعد أن عرف نتيجة معركة المليداء داخله اليأس، وعرف أَنْ لا قبل له بقوات ابن رشيد؛ لذلك فضَّل الانسحاب وترك العاصمة بيد أخيه محمد بن فيصل تحت نفوذ ابن رشيدوخرج بعائلته إلى قبيلة العجمان بالأحساء  . وعلى الرغم من أن معركة المليداء حسمت مسألة الحكم في نجد لصالح ابن رشيد؛ إلا أن الإمام عبدالرحمن بدأ يهاجم مناطق نفوذ ابن رشيد، وقد تشجع بانضمام إبراهيم بن مهنا الذي أراد الانتقام لأخيه حسن. كما حاول الإمام عبدالرحمن من جانب آخر الاتصال بالدولة العثمانية من أجل التفاوض على بقائه حاكمًا على نجد من قِبَل الدولة العثمانية. وقد قَبِل الباب العالي مبدأ التفاوض مع الإمام عبدالرحمن، ليس من أجل مساعدته؛ بل من أجل تحقيق توازن بين القوى في المنطقة، خصوصًا بعد الانتصارات المتوالية التي حققها ابن رشيد على حساب الدولة السعودية، وما قد يفرزه ذلك من تطلع ابن رشيد إلى تحقيق مكاسب سياسية على حساب الدولة العثمانية نفسها.وقد التحق إبراهيم المهنا، أخو حسن بن مهنا أمير بريدة بالإمام عبدالرحمن بن فيصل بعد معركة المليداء وشجعه على إعادة نشاطه ضد ابن رشيد، فهاجم الإمام بفرقة من جيشه وصلت إلى الرياض ودخلتها. وعندما علم ابن رشيد قام في شهر ربيع الآخر من عام 1309هـ / 1892م بحملة ضد الإمام عبدالرحمن في الرياض، وانضم إليه مؤيدوه من أهل القصيم والوشم وسدير. وعندما بلغ الإمام عبدالرحمن قيام ابن رشيد بحملته جمع جموعه من أهل الرياض ومن المؤيدين له من خارجها ومن أهل البادية، والتقى الطرفان قرب حريملاء، فكان النصر حليف ابن رشيد، ورجع الإمام عبدالرحمن إلى الرياض، ورجع ابن رشيد إلى حائل.لم تدعم الدولة العثمانية الإمام عبدالرحمن عسكريًا، لكنها عرضت عليه ولاية الرياض على أن يعترف بسيادة الدولة العثمانية، ويكون تابعًا لها. لكن الإمام عبدالرحمن رفض هذا العرض.أما الرياض فقد سيطر عليها ابن رشيد، وأمر بهدم سورها وقصرَيها القديم والجديد. وعيَّن محمد بن فيصل أميرًا عليها، وظل في ذلك المنصب حتى توفي عام 1311هـ / 1894م، وتوقفت بذلك محاولات الإمام عبدالرحمن لاستعادة الحكم، إيذانًا بانتهاء الدولة السعودية الثانية من الناحية السياسية  . 
 

أنظمة الدولة السعودية الثانية

 
 
أ) نظام الحكم والإدارة:
 
اعتمد الحكم في الدولة السعودية الثانية على الدعوة الإصلاحية التي قامت على أساسها الدولة السعودية الأولى  ،  فقد كان للدعوة الإصلاحية التي قام بها الشيخ محمد بن عبدالوهاب أثر بارز في تأصيل نظم الحكم والإدارة في الدولة السعودية بأدوارها الثلاثة؛ والتي استمدت من الشريعة الإسلامية دستورها في الحكم والإدارة  ،  فكانت مصادر التشريع الإسلامي هي المرجع في نظم الدولة وأساليب إدارتها في شتى مجالات الحياة.يمثل الإمام قمة الهرم الإداري في الدولة، وهو الحاكم الذي يجمع السلطتين الدينية والسياسية، ويسيِّر سياسة الدولة حسب الشريعة الإسلامية  .  وقد حافظت الدولة السعودية الثانية على لقب الإمام بوصفه حاكمًا للدولة لكون هذا اللقب شعارًا لنظام الحكم الإسلامي، فقد كانت مهمة الإمام هي حفظ الدين وتدبير شؤون الرعية على أسسٍ من الكتاب والسنة وعمل السلف الصالح، فللإمام الصلاحية بإصدار الأوامر والتنظيمات، وعقد معاهدات الصلح، وغير ذلك مما يقتضيه تدبير شؤون الحكم  ،  وله ديوان في قصر يجتمع فيه مستشاروه وقضاته وأمراؤه ورؤساء الأقاليم ومشائخ القبائل. وكانت الرياض مقر الدولة السعودية الثانية وعاصمتها  . ويأتي ولي العهد بالمرتبة الثانية بعد الإمام في سلم تنظيم الدولة الإداري  ،  وقد كانت ولاية العهد حسب النظام الوراثي للابن الأكبر من أبناء الإمام. ومن اختصاصات ولي العهد وواجباته أنه ينوب عن الإمام أثناء غيابه لمرضٍ أو غيره، ويُعْهَد إليه بالزيارات وقيادة الجيوش، فقد كان يُعَيَّن حاكمًا (أو أميرًا) على إقليم من الأقاليم وذلك لتدريبه وتعليمه وتعويده على الأمور السياسية ومهمات الإدارة والتعرُّف إلى مشكلات الناس ومطالبهم ولكي يستعد لتولي الحكم بعد ذلك؛ ومن الأمثلة على ذلك تعيين الأمير عبدالله بن فيصل زمن إمامة أبيه  .وبما أن الدولة تتكون من أقاليم متعددة قد تكون مجاورة لمركز الدولة أو بعيدة عنها؛ فإنه يتعذر على الحاكم أن يتولى بنفسه الإدارة المباشرة لهذه الأقاليم، فهو يستعين بممثلين له في أقاليم الدولة ليعملوا على تنفيذ أنظمة الدولة وأحكامها تحت إشرافه بوصفهم نائبين عنه.وكان مع أمير الإقليم مَن يساعده ويسانده في تولي بعض الأمور الخاصة بإقليمه مثل مهمة القضاء، وبيت المال، وجمع الزكاة. ومكانة أمير الإقليم تأتي بالمرتبة الأولى في إقليمه، وتكون بيده صلاحيات واسعة في الإقليم المعيَّن عليه، فهو المشرف على الإدارة والجوانب المالية والمسؤول عن جمع القوات للحرب في إقليمه، وقد يجمع بين منصبين إذ يكون نائبًا لبيت المال إلى جانب كونه أميرًا للإقليم في آنٍ واحدٍ  . وقد كان للشورى في عهد الدولة السعودية الثانية دور مباشر في إدارة نظام الحكم في البلاد  . كما كانت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مساندة لأعمال الأمير والقاضي، وقد كان للمكلَّف بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سلطة واسعة في حدود وظيفته؛ فهو يقوم بالمرور بالأسواق لتذكير الناس بأوقات الصلاة وترك الأعمال لأداء الصلاة جماعةً في المساجد، كما يقوم بالإشراف على الموازين والمكاييل ومراعاة أحكام الشرع في عمليات البيع والشراء  . 
 

الأمن والشؤون العسكرية

 
كان النظام العسكري في الدولة السعودية الثانية مشابهًا للنظام العسكري في الدولة السعودية الأولى من حيث قيادة الجيش وتنظيمه وطريقة تكوينه ووسيلة الإنفاق عليه، فقد كان الإمام يشرف على إعداد القوات، كما يكلف عماله على الأقاليم وشيوخ القبائل ورؤساءها بإعداد الجيوش وما يلزمها من عدة وعتاد، ويحدد لهم موعدًا معلومًا في مكان معيَّن يجتمعون فيه. وكان الإمام يقود الجيش بنفسه في كثير من المعارك وأحيانًا يعيِّن نائبًا عنه في قيادة الجيش وغالبًا ما يكون ابنه الأكبر أو أحد إخوانه أو أحد القادة المشهورين بحسن القيادة والإخلاص والولاء للدولة  . 
 

 النظام المالي

 
يشابه النظام المالي في الدولة السعودية الثانية النظام المالي للدولة السعودية الأولى من حيث مصادر الدخل ووجوه الإنفاق (الإيرادات والمصروفات)؛ فقد كانت واردات النظام المالي تتمثل في الزكاة التي تمثل الركن الثالث من أركان الإسلام، وهي تؤخذ من الأغنياء وتُصرف في مصارفها الشرعية، وتُعد من أهم موارد بيت المال ومن أهم مصادر الدخل في الدولة السعودية الثانية، كما أنها من أهم وسائل التكافل؛ لذلك أولاًها قادة الدولة السعودية الثانية اهتمامًا كبيرًا من ناحية جبايتها وإنفاقها في مصارفها الشرعية.وإلى جانب إشراف الإمام على جباية الزكاة كان أمراء الأقاليم يعملون على جمع الزكاة، إذ تُجبى عادةً من الأقاليم، والمسؤول الأول عن جبايتها هو أمير الإقليم الذي يعيِّن جباةً أو محصلين يجمعون الزكاة في إقليمه ثم يرسلها إلى بيت المال في عاصمة الدولة (الرياض).وإلى جانب الزكاة كانت هناك الجمارك التي تؤخذ على البضائع التي تدخل من الخارج، وهذه الجمارك كانت موجودة منذ عهد الدولة السعودية الأولى  . 
 

العلم والتعليم

 
أولى حكام الدول السعودية الثانية اهتمامًا كبيرًا للعلم والتعليم، فقد كان الإمام يحضر مجالس التعليم ويشارك في المناقشات التي تدور بين العلماء وطلابهم في حلقات العلم، وكان يعيِّن المخصصات التي تكفي حاجة العلماء، ويجتهد في حل المشكلات التي تعترض طلبة العلم، ويخصص لهم من خزينة الدولة ما يكفيهم مدة دراستهم، كما كان أيضًا يهتم بحثِّ أبنائه وأبناء أسرته على حضور مجالس العلم مثل بقية الطلاب. ومن شدة حرص الإمام على نشر العلم كان يضع أوقاتًا معلومة للتدريس وذلك بالاتفاق مع المعلمين من العلماء والمشائخ، ويُراعى فيها أن تكون أوقاتًا مناسبة للتدريس وتلقِّي العلم وتكون من بعد صلاة الفجر حتى طلوع الشمس، ومن بعد صلاة العصر حتى قبيل الغروب. ومن الجدير بالذكر أن التعلم كان لا ينقطع حتى في أوقات الحرب، فقد كان الإمام يحرص على أن يصحب المعلمون الجيش أثناء سيره؛ وذلك ليُلقوا الدروس النافعة في العلوم الشرعية وغيرها على طلاب العلم  . 
 
شارك المقالة:
31 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook