نمط التعليم السائد بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
نمط التعليم السائد بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

نمط التعليم السائد بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية.

 
 
ساد في المنطقة أنماط مختلفة من التعليم خلال تاريخها. والذي يهمنا هنا هو تلك الفترة التي صاحبت قيام المملكة العربية السعودية، والتي شهدت - إضافة إلى التعليم في المسجد النبوي - اختلاط نمطين من أنماط التعليم هما: النمط التقليدي (الكتَّاب) الذي عُرف في جميع البلدان الإسلامية تقريبًا، والبدايات الأولى للتعليم المنظم (المدرسة) التي تعدُّ أيضًا مدرسة تقليدية من حيث طريقة التعليم بها، وإن اختلفت عن (الكتَّاب) في كثير من أمورها التنظيمية.
 

الكتَّاب

 
هو حجرة للدراسة في أحد المباني، وقد يُلحق بها مرحاض، وأحيانًا صالة صغيرة تحتوي على زير يوضع فيه الماء ليشرب منه التلاميذ، وحوض صغير يوضع فيه ماء لغسل الألواح التي يكتبون عليها، وفي هذا الكتَّاب يتولى الشيخ تدريس التلاميذ القرآن الكريم ومبادئ القراءة والكتابة، وتفرش حجرة الدراسة هذه بالخصف (الحصير) ويجلس التلاميذ عليه صفوفًا منتظمة، صغارًا وكبارًا. وقد يصل عدد التلاميذ في بعض الكتاتيب إلى أربعين تلميذًا في الحجرة التي لا تزيد مساحتها - غالبًا - على 24م  ، وأحيانًا يكونون على شكل مجموعات صغيرة وفقًا لمستوى حفظهم كتاب الله أو مدى تقدمهم في القراءة والكتابة أو تفوقهم في التحصيل والأناشيد.
 
ولم تكن توجد في هذه الكتاتيب سجلات لقيد التلاميذ أو أي سجلات أخرى، كما لا يوجد أي جهاز إداري أو فني يساعد الشيخ في أداء مهمته، بل كانت ذاكرة الشيخ هي السجل الوحيد؛ إذ إنها تستوعب كل هذه المهام المنوطة به، فهو صاحب قدرة عجيبة على حفظ أسماء تلاميذه جميعهم، ومعرفة أولياء أمورهم، كما أنه يعرف عناوين مساكنهم، ويحفظ أيام الغياب والحضور لكل تلميذ، ويعرف المتفوقين والمتأخرين دراسيًا، ومَن سلَّم إليه الأسبوعية (الخمسية) ومن لم يسلم (وهي أجرة الشيخ المتعارف عليها)، وكان يتابعهم متابعة جادة ويتفقدهم بذكاء وحيوية.
 
وللكتَّاب عريف يختاره الشيخ من التلاميذ الكبار المتقدمين في حفظ القرآن الكريم، وتنحصر مهمته في مساعدة الشيخ في ترتيب التلاميذ، والكتابة على ألواحهم، وضبط الهدوء والنظام في الكتَّاب، وقد يتغير هذا العريف من آن إلى آخر، وذلك عندما يتخرج من الكتَّاب بعد حفظه القرآن الكريم كاملاً، وكان يوجد في بعض الكتاتيب عريف دائم ملمٌّ بالقراءة والكتابة والحساب وحافظ لكتاب الله الكريم، ينوب عن الشيخ في جميع الحالات ولا سيما إذا خرج لقضاء شؤونه الخاصة. كما كان يوجد في بعض الكتاتيب أكثر من شيخ، وهم على قدر كبير من العلم والمعرفة والتربية، وبعضهم يكون دوامه صباحًا وبعضهم عصرًا، وكان الكتَّاب يقوم بتعليم التلاميذ القرآن الكريم وتجويده، والهجاء على الطريقة البغدادية، والقراءة والكتابة، والإملاء والخط، ومبادئ الحساب، كل تلميذ حسب قدرته ودرجة استيعابه، وكانت طريقة التعلم تتم بأن يبدأ الشيخ بالتعريف بالحروف الهجائية، وكتابتها على الألواح، ثم كتابة الأبجدية، فإذا ما اطمأن الشيخ إلى إجادتها كتب البسملة وسورًا قصيرة من القرآن الكريم حتى يجيدها التلميذ خلال أسبوع، ثم يختبر التلميذ في نهاية الأسبوع في كل ما تلقاه وكتبه وحفظه، وكان الشيخ يرفع تقريرًا لولي أمر التلميذ عند مراجعته الكتّاب في نهاية كل أسبوع ليقف على مستوى ابنه الدراسي  . 
 
وقد كانت هناك كتاتيب خاصة بالفتيات يتولى تعليمهن بعض النساء اللاتي منّ الله عليهن بقسط من العلم في حفظ القرآن الكريم ومعرفة القراءة والكتابة. وكانت كتاتيب المدينة المنورة على ثلاثة أقسام:
 
1 - الكتاتيب داخل المسجد النبوي: 
 
وهي أربعة كتاتيب على النحو الآتي:
 
 الكتَّاب الواقع على يمين الداخل إلى المسجد النبوي من باب المجيدي. كان للشيخ الطرودي، وكان معه العريف الشيخ محمد أمين بن سالم، وبعد وفاة الشيخ الطرودي تسلم الكتَّاب الشيخ محمد بن سالم، ويعمل معه الشيخ عبدالحميد هيكل.
 
 الكتَّاب الثاني المجاور له للشيخ بشير، وبعد وفاته تسلمه الشيخ عبيد السناري، وبعد وفاته تسلمه الشيخ حسن تاج الدين، وبعد وفاته تسلمه الشيخ طه السناري ومعه الشيخ حامد الصعيدي.
 
 الكتَّاب الثالث الواقع على يسار الداخل إلى المسجد النبوي من الباب المجيدي. كان للشيخ إبراهيم فقيه وكان معه ولده مصطفى فقيه، وبعد وفاته تسلمه الشيخ مصطفى فقيه ومعه الشيخ عبدالفتاح أبوخضير.
 
 الكتَّاب الرابع المجاور له كان للشيخ الظهار وكان معه الشيخ خليل، وبعد وفاته اتخذته إدارة الحرم مستودعًا للسجاد.
 
2 - الكتاتيب خارج المسجد النبوي:
 
وقد كانت ثمانية كتاتيب وهي كما يأتي:
 
 كتَّاب الشيخ حامد مرشد في زقاق الطوال.
 
 كتَّاب الشيخ حامد شيخ في المرادية بالعنبرية.
 
 كتَّاب الشيخ محمد بشير في مسجد بهرام آغا في العنبرية.
 
 كتَّاب الشيخ حسين عويضة في حوش التاجوري.
 
 كتَّاب الشيخ خليل أبوتيج في مسجد الغمامة.
 
 كتَّاب الشيخ أحمد عبدالرحمن السناري في القبة بالمناخة.
 
 كتَّاب الشيخ صالح بن محمد اليماني في القشاشي.
 
 كتَّاب الشيخ عبدالله بن أحمد الفلاتي في رباط عزت باشا العابد بباب المجيدي.
 
3 - كتاتيب البنات، وهذه الكتاتيب هي:
 
 كتَّاب الشيخة زينب مغربلية في حوش درج.
 
 كتَّاب الشيخة التركية معمرة في باب بصري.
 
 كتَّاب الشيخة فاطمة هانم بنت يوسف في الساحة.
 
 كتَّاب الشيخة سلمة بنت مبارك في حوش الراعي.
 
 كتَّاب الشيخة زهرة سنارية حرم حسن تاج الدين في زقاق البدور.
 
 كتَّاب الشيخة عائشة بنانية في الساحة، حوش التكارنة.
 
 كتَّاب الشيخة فاطمة بنت الشيخ خليل التكرونية في حارة الأغوات.
 
 كتَّاب الشيخة خديجة النظيفة في حوش التاجوري.
 
 كتَّاب الشيخة سلمة بنت محمد عابد في الجديدة.
 
 كتَّاب الشيخة فاطمة بنت أحمد التكرونية في باب المجيدي رباط عزت باشا.
 
 كتَّاب زوجة الشيخ الشامي في زقاق العاصي في الفقشاشي.
 
 كتَّاب الشيخة عابدة في باب المجيدي بجوار بيت الشاعر.
 
 كتَّاب الشيخة فخرية هاشم بالشونة  . 
 
كما أن هناك كتاتيب أخرى في العلا وخيبر والمهد وبدر وغيرها من البلدات التابعة لمنطقة المدينة المنورة، وكانت تتّبع الأسلوب نفسه تقريبًا، من تعليم التلاميذ القراءة والكتابة والقرآن الكريم والفقه ومبادئ الحساب، وقد كانت هذه الكتاتيب تسمى أحيانًا (المدارس الأهلية) تمييزًا لها عن المدارس النظامية العثمانية التي وجدت بصفة نادرة في بعض الأمكنة.
 

المدرسة

 
عرفت المدرسة النظامية في المدينة المنورة ومكة المكرمة وبقية مدن الحجاز قبل أن تعرف في مناطق أخرى من الجزيرة العربية، ولكن لظروف سياسية وتاريخية معينة كانت ثقة الناس بتلك المدارس قليلة؛ ولذلك لم يكن الإقبال عليها شديدًا، فكان الناس يتخوفون من حركة التتريك التي نشطت في آخر حكم العثمانيين، إذ شملت تدريس كثير من المواد - حتى النحو والصرف -، ولهذا السبب لم يفرط الناس في الكتَّاب بصفته نمطًا محليًا للتعليم، على الرغم من أن هناك عددًا من المدارس الابتدائية والثانوية النظامية في المدينة المنورة وما جاورها.
 
وكان الناس لا يرسلون أولادهم إلى تلك المدارس إلا بعد إتمام الدراسة في الكتَّاب، وأخذ قسط كبير من القرآن الكريم أو ختمه كاملاً، والإلمام بمبادئ القراءة والكتابة وبعض العلوم الشرعية - مثل الفقه - وما يتعلق بها. وكانت الدراسة في تلك المدارس تنقسم إلى:
 
 المرحلة التحضيرية ومدتها ثلاث سنوات.
 
 المرحلة الابتدائية ومدتها أربع سنوات.
 
ويدرس الطلاب في هاتين المرحلتين مواد مختلفة منها: القرآن الكريم، والتجويد، والتوحيد، والفقه، والتهذيب، والمحادثة، والإنشاء، والمطالعة، والإملاء، والمحفوظات، والقواعد، والتطبيقات، والخط العربي، والتاريخ، وتقويم البلدان، والصحة، والحساب، والهندسة، ومسك الدفاتر، واللغة الإنجليزية، ثم أُدخلت اللغة التركية، وأصبحت لغة التعليم في كثير من المدارس إلى أن انتهى حكم العثمانيين. وخلال الحكم الهاشمي تراجع التعليم في الحجاز، على الرغم من أنه تم إنشاء عدد من المدارس ومنها أربع مدارس في المدينة المنورة، وخلال تلك الفترة نشط الأهالي في إنشاء مدارس أهلية يقوم عليها بعض أهل العلم من أبناء المدينة المنورة، إلى أن يسر الله - تعالى - قيام الدولة السعودية فشملت برعايتها التعليم، وحُوِّل كثير من تلك المدارس الأهلية إلى مدارس حكومية تابعة لوزارة المعارف آنذاك (التربية والتعليم حاليًا) التي تولت الإشراف والإنفاق عليها وعلى معلّميها، وتوفير ما تحتاج إليه من متطلبات، وأصبح نظام التعليم موحدًا في مناطق المملكة العربية السعودية جميعها. أما عن أوقات الدراسة في تلك المدارس التقليدية، فقد كانت - في الغالب - على فترتين: صباحية حتى صلاة الظهر، ومسائية: تبدأ من صلاة العصر وتستمر ساعتين.
 
وكان بعض التلاميذ يفدون إلى المدينة المنورة من المدن والقرى المجاورة لإكمال دراستهم في مدارسها، فقد كانت بعض المدارس خارج المدينة المنورة لا تمنح الشهادة الابتدائية، وبعض هؤلاء التلاميذ قد حصل على الابتدائية ويرغب مواصلة التعليم الثانوي؛ فقد وفرت لهم الدولة السعودية سكنًا يسمى (القسم الداخلي) وهو ملحق ببعض المدارس، وتقدم فيه الوجبات كاملة وبعض الملابس، إضافة إلى مكافأة نقدية لكل طالب مغترب 
 

التعليم في المسجد النبوي الشريف

 
هو نمط خاص من التعليم الإسلامي، يشمل الصغير والكبير، ويشارك فيه قراء ومعلمون وعلماء كبار، ويدرّس فيه القرآن وعلومه، والتفسير، والنحو، والبلاغة، والفرائض، والأدب، والمنطق، والفلسفة، ولا تكاد تنقطع فيه حلقات الدرس طوال ساعات النهار وأجزاء من الليل، إضافة إلى تعدد الحلقات في الوقت الواحد.
 
ويقوم الطالب باختيار العلم الذي يأنس في نفسه الاستعداد لدراسته، وحلقة الشيخ الذي يحس أن بإمكانه الاستفادة منه، وتطيب له الدراسة على يديه، كما أن لديه الخيار في عدد المواد التي يدرسها، وكلما أتقن الطالب علمًا على يد شيخ منحه إجازة تشهد بإتقانه، وقد تكون الإجازة مقصورة على كتاب من أمهات الكتب، كما قد تكون مصحوبة بسند الشيخ، وهو بهذه الصورة يطبق نظامًا تعليميًا من أرقى الأنظمة التعليمية المعاصرة، ويزيد عليها في عدة أمور: منها أن المدرس لا يكتفي فيه بحيازته على وثيقة دراسة فقط، بل لا بد أن يجتاز مقابلة علمية يجريها له كبار علماء المسجد النبوي، ويزيد عليها أيضًا أن الهيمنة الإدارية تكاد تكون مفقودة على الطالب والمدرس، وأنه لم يكن يُدفع للمدرسين - في الغالب - أي راتب أو مكافأة، بل كان الاحتساب وحب العلم وأهله الدافع الأول لهؤلاء المعلمين وطلابهم  
 
هذا بالنسبة إلى الكبار من طلبة العلم، أما الصغار فقد أسهم المسجد النبوي أيضًا باحتضان عدد من الكتاتيب - المذكورة سابقًا - التي تولت تعليم الصغار القرآن الكريم ومبادئ القراءة والكتابة ليكونوا بعد ذلك قادرين على الالتحاق بحلقات العلم المشار إليها، أو الذهاب إلى المدارس النظامية خارج المسجد النبوي لمواصلة تعليمهم.
 
 
 
شارك المقالة:
44 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook