أنزل الله -سبحانه- القرآن الكريم على رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ هدايةً ورحمةً للبشرية، وتبليغاً لهم بحُكم الله وشريعته، كما أنّ القرآن هو معجزة النبيّ الكُبرى التي تحدّى الله بها العرب والعالَمين أن يأتوا ولو بسورة من مثله، وقد نُقِل إلينا القرآن نقلاً مُتواتراً، وهو محفوظ في الصدور، ومكتوب في المصاحف، ويتميّز القرآن الكريم بأنّه نزل بالشريعة الخاتمة التي جعل الله فيها النور الذي يهدي إلى الحقّ، والقانون الذي تستقيم به حياة الناس، وفيه من أخبار الأمم السابقة واللاحقة، كما وصفه الله -سبحانه وتعالى- بأنّه كتاب مبارك، وبأنّه التبيان، والهدى، والبشرى، والرحمة، قال -تعالى-: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ).
وردت في القرآن الكريم آيات تدلّ على أنّ القرآن قد نزل جملة واحدة، كقوله -تعالى-: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ)، وآيات أخرى يُفهَم منها أنّ القرآن نزل مُتفرّقاً على سنوات، ومن ذلك قوله -تعالى-: (وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا)، وقد فصّل العلماء في هذه المسألة، وقسّموا نزول القرآن إلى ثلاث مراحل كما يأتي:
ويتأكّد في نزول القرآن على ثلاث مراحل نَفي الشكّ عنه؛ فنزوله أوّلاً إلى اللوح المحفوظ، ثمّ إلى بيت العزّة، ثمّ مُفرَّقاً على النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أدعى للتوثُّق من أنّه كلام الله، وزيادة للإيمان به، وهذا التنزيل يُزيل الرَّيب، والشكّ عنه، ويدعو إلى التسليم به، وقد كان لهذه التنزُّّلات الثلاثة حِكَم عديدة، منها ما يأتي:
تتعدّد كيفيّات نزول القرآن على النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وقد ذُكِرت هذه الكيفيّات في كُتب الحديث، ومنها: أنّ جبريل -عليه السلام- كان يأتي إلى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- على هيئة بشر، وأكثر ما كان يتمثّل بصورة الصحابيّ دحية الكلبيّ -رضي الله عنه-، وأحياناً أخرى كان لا يتمثّل بصورة أحد؛ فيأتي إلى النبيّ -عليه السلام- ولا يراه أحد ممّن هم حول النبيّ، وقد يسمعون صوتاً يشبه دَويّ النحل، أو صلصلة الجرس، وما كان يأتي النبيَّ شيءٌ من القرآن على شكل إلهام، أو منام، أو تكليم، وإنّما كان يأتيه وهو يَقِظ عن طريق جبريل -عليه السلام- فقط؛ ودليل ذلك ما رُوِي عن عائشة -رضي الله عنها-؛ إذ قالت: (أنَّ الحارثَ بنُ هشامِ سألَ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ كيفَ يأتيكَ الوحيُ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ يأتيني مثلِ صَلصلةِ الجرَسِ وَهوَ أشدُّهُ عليَّ وأحيانًا يتمثَّلُ لي الملَكُ رجلًا فيُكلِّمني فأعي ما يقول قالَت عائشةُ فلقد رأيتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ ينزلُ عليْهِ الوحيُ في اليومِ البردِ الشَّديدِ فيَفصِمُ عنْهُ وإنَّ جبينَهُ ليتفصَّدُ عرقًا).
نزلت كثير من سُور القرآن مُفرَّقة، كما نزل عددٌ منها جملة واحدة؛ فممّا نزل منه مُفرَّقاً: الآيات الأولى من سورة العلق، والآيات الأولى من سورة الضحى، ومن السُّور التي نزلت مرّة واحدة كاملة: سورة الأنعام، وسورة المرسلات، وقد نزلت المُعوّذتان معاً، إلّا أنّ عموم ما نزل على النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- كان مُفرَّقاً طوال فترة دعوته.
استمرّ نزول القرآن الكريم مدّة ثلاثة وعشرين عاماً؛ إذ أوحى الله -تعالى- به إلى النبيّ محمد -عليه الصلاة والسلام- بعد أن بلغ الأربعين من عُمره، وأوّل نزول القرآن الكريم على محمد -صلّى الله عليه وسلّم- كان في ليلة القدر، قال -تعالى-: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)؛ من شهر رمضان، قال -تعالى-: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ)،وأول ما نزل من القرآن على الرسول -عليه الصلاة والسلام- هو صدر سورة العلق، وهي الىيات الكريمة: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ*خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ*اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ*الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ*عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)، وقد وردت عن العلماء عدّة أقوال في آخر ما نزل من القرآن الكريم، وهذه الأقوال كما يأتي:
موسوعة موضوع