شرع الله -تعالى- لعباده صلاة النوافل لتوثيق صلة العبد بربّه، ولكسب المزيد الأجر والثواب، ومن هذه الصلوات صلاة التسابيح؛ وهي صلاة نافلة مخصوصة تحتوي على ثلاثمئة تسبيحة، وسُمِّيت بهذا الاسم؛ لكثرة التسبيح غير المعتاد في الصلوات الأخرى.
اختلفت آراء الفقهاء في حُكم صلاة التسابيح؛ نظراً لاختلاف مواقفهم من ثبوت صحّة الحديث الوارد بشأنها، وذلك على أقوال، هي:
وقد قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- للعبّاس في صلاة التسابيح: (يا عمِّ ألا أصلُكَ، ألا أحبوكَ، ألا أنفعُكَ، قالَ: بلى يا رسولَ اللهِ، قالَ: يا عمِّ، صلِّ أربعَ رَكعاتٍ تقرأُ في كلِّ رَكعةٍ بفاتحةِ الكتابِ وسورةٍ، فإذا انقَضتِ القراءةُ، فقلِ: اللَّهُ أَكبرُ، والحمدُ للَّهِ، وسبحانَ اللهِ، خمسَ عشرةَ مرَّةً قبلَ أن ترْكعَ، ثمَّ ارْكع ...)،وذكر كيفية أدائها، واختلف العلماء في صحّة حديث صلاة التسابيح على آراء، هي:
وصلاة التسابيح ليست من النفل الذي تُشرَع فيه الجماعة، إلّا أنّ ما ورد في المذهب الشافعي أنّها إذا صُلِّيت جماعة لا يأثم فاعلها، وإنّما يحصل على ثواب النفل، ولا يحصل على ثواب الجماعة، ولا تُكرَه الجماعة لها؛ لأنّه لا يوجد في المذهب الشافعيّ نفلٌ تُكرَه الجماعة له، وإذا أُقِيمت جماعة بقَصد تعليمها للعوامّ، كان هذا حَسَناً، وتُكرَه في حال كانت صلاتها جماعة تُؤدّي إلى فَهم سُنّية صلاتها جماعة.
عدد ركعات صلاة التسابيح أربع ركعات، إلّا أنّ هناك روايتَين في طريقة أدائها، وذلك على النحو الآتي:
ويُشار إلى أنّ عدد التسبيحات في صلاة التسابيح يبلغ ثلاثمئة تسبيحة في الصلاة كاملة؛ ففي كلّ ركعة خمسٌ وسبعون تسبيحة، هي: "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر" جملة واحدة، فيكون بعد الانتهاء من الصلاة قد ذكر الله -تعالى- بثلاثمئة تسبيحة، وثلاثمئة تحميدة، وثلاثمئة تهليلة، وثلاثمئة تكبيرة، وقد جاء عن أحد السلف أنّ من أتمّ هذا العدد ولو في العمر مرة، فإنّه يدخل في قوله -تعالى-: (وَالذَّاكِرِينَ اللَّـهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ).
بالإضافة إلى أنّ المسلم إن صلّى نهاراً، فيُستحَبّ له أن يُصلّيها أربع ركعات مُتتالية، وإن صلّاها ليلاً أن يُصلّيها بتسليمتَين، فإذا صلّاها أربعَ ركعات، كلّ ركعة بتشهُّد وسلام، فإنّ ذلك يصحّ؛ إذ لا يُشترَط عدم الفصل بين تسليماتها حتى وإن طال هذا الفصل،وجاء في معظم الطرق أنّ السورة التي تُقرأ في صلاة التسابيح بعد الفاتحة مُطلَقة؛ أي يقرأ المُصلّي ما يشاء، إلّا أنّ بعض العلماء ذكروا أنّ المُصلّي يقرأ من قصار المفصل*، وقِيل: "يقرأ من طوال المفصل"، وقال أبو محمد الحلبي: "يُستحَبّ أن يقرأ المُصلّي بعد الفاتحة في الركعة الأولى (سورة الأعلى)، وفي الركعة الثانية (سورة الزلزلة)، وفي الركعة الثالثة (سورة الكافرون)، وفي الركعة الرابعة (سورة الإخلاص)، وذكر بعض المُتأخِّرين أن يقرأ المُصلّي بعد الفاتحة في الركعة الأولى (سورة الواقعة)، وفي الركعة الثانية (سورة الملك)، وفي الركعة الثالثة (سورة الزلزلة)، وفي الركعة الرابعة (سورة الإخلاص)؛ لما في هذه السُّوَر من فضائل.
يُستحَبّ للمُصلّي إذا فرغ من صلاة التسابيح أن يدعو بعد التشهُّد، وقبل السلام بهذا الدعاء: "اللهمّ إنّي أسألك توفيق أهل الهدى، وأعمال أهل اليقين، ومناصحة أهل التوبة، وعزم أهل الصبر، وجِدَّ أهل الخشية، وطلب أهل الرغبة، وتعبد أهل الورع، وعرفان أهل العلم حتى أخافك، اللهم إني أسألك مخافة تحجزني عن معاصيك، حتى أعمل بطاعتك عملا أستحق به رضاك وحتى أناصحك بالتوبة خوفا منك، وحتى أخلص لك النصيحة حياءً منك، وحتى أتوكل عليك فى الأمور، حُسن ظنٍ بك، سبحان خالق النور"، ولم يرد سوى هذا الدعاء في صلاة التسابيح، وهو ضعيف الإسناد.
تُصلّى صلاة التسابيح في الأوقات جميعها ما عدا أوقات الكراهة؛ والأوقات التي تُكره فيها الصلاة لخّصها أهل العلم بما يأتي:
موسوعة موضوع