يعدّ شهر رجب من الأشهر الحُرُم، ويقع بين شهري شعبان وجُمادى، وقد سُميّت الأشهر الحُرُم بهذا الاسم؛ لأنّ العرب كانوا يحرّمون القتال فيها، ويمنعوه قطعاً، كما أنّ ارتكاب الذّنوب والمعاصي فيها أشدّ حُرمةً من وقوعها في غيرها من الأشهر، وقد سُميّ شهر رجب بعدّة أسماء؛ منها: رجم؛ للقَوْل بأنّ الشياطين كانت تُرجم فيه، كما سُميّ بشهر رجب الأصمّ؛ لعدم وقوع أي قتالٍ فيه، وسُميّ أيضاً بالأصبّ؛ لصبّ الرّحمة فيه صبّاً، وسُميّ بالمُعكعك، والمُعلّى، والمقيم؛ لقيام وثبوت الرّحمة فيه، أمّا الاسم الشرعيّ له فهو: رجب؛ من الترجيب؛ أي التعظيم.
وردت العديد من الأحاديت المتعلّقة بصيام شهر رجب؛ إلّا أنّها إمّا ضعيفةٌ لا يُستدلّ بها، أو موضوعةٌ على النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، ممّا يعني أنّ تخصيص شهر رجب بالصيام من الأمور المُحدثة في الدِّين، التي ليس لها أيّ أصلٍ، وقد ذكر مصطفى العدوي في سلسلة تفسيره عدم العلم بنصٍّ صريحٍ ثابتٍ عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يتعلّق بخصوصية الصيام في شهر رجب، إلّا ما ورد عموماً ممّا يدلّ على أنّ شهر رجب من الأشهر الحُرُم، إذ قال -تعالى-: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهورِ عِندَ اللَّـهِ اثنا عَشَرَ شَهرًا في كِتابِ اللَّـهِ يَومَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرضَ مِنها أَربَعَةٌ حُرُمٌ). ورغم عدم صحّة أي دليلٍ متعلّقٍ بصيام شهر رجب ورد عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، أو عن الصحابة -رضي الله عنهم-؛ إلّا أنّه يُمكن الاستدلال على فَضْل صيام شهر رجب بما ورد عموماً في بيان فَضْل الصيام مُطلقاً، دون الاعتقاد بخصوصية شهر رجب بالصيام، لينال بذلك العبد فضيلة الصيام، مع الإشارة إلى عدم صيام شهر رجب كاملاً كشهر رمضان. وتجدر الإشارة إلى أنّه لا يوجد أي فرقٍ بين شهر رجب وشهر جمادى الآخرة الذي يسبقه، إلّا أنّ شهر رجب من الأشهر الحُرُم، ممّا يعني أنّ شهر رجب لا يُختصّ بصيامٍ، أو عُمرةٍ، أو صلاةٍ، فالعبادة فيه كالعبادة في باقي الأشهر، ويُندب الصيام في شهر رجب باعتباره أحد الأشهر الحُرُم، بما ورد من نصوصٍ حاثّةٍ على الصيام فيها، أمّا ما يتعلّق بتخصيص النَّدْب في الصيام بشهر رجب، أو تنهى عنه؛ فجميعها ضعيفةٌ لا يُستدلّ بها، منها: ما رواه ابن عباس -رضي الله عنهما-: (أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ نهى عَن صيامِ رجبٍ)، وما رُوي عن خرشة بن الحرّ أنّه قال: (رأيتُ عمرَ بنَ الخطَّابِ يضربُ أكفَّ الرِّجالِ في صومِ رجبٍ حتَّى يضعونَها في الطَّعامِ ويقولُ رجبٌ وما رجبٌ إنَّما رجبٌ شهرٌ كانَ يعظِّمُهُ أهلُ الجاهليَّةِ فلمَّا جاءَ الإسلامُ تُرِكْ)، وما رُوي عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: (أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ لم يتمَّ صومَ شهرٍ بعدَ رمضانَ إلَّا رجبَ وشعبانَ).6 ولا يصح الاحتجاج بأيٍّ منها.
أمّا فيما يتعلّق بالصيام في الأشهر الحُرم؛ فيُستحبّ صيامها عند الشافعيّة، والمالكيّة، ويُستحبّ صيام شهر الله المُحرّم عند الحنابلة، باعتباره أفضل الصيام بعد شهر رمضان؛ لما أخرجه الإمام مُسلم في صحيحه، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (أَفْضَلُ الصَّلَاةِ، بَعْدَ الصَّلَاةِ المَكْتُوبَةِ، الصَّلَاةُ في جَوْفِ اللَّيْلِ، وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ، صِيَامُ شَهْرِ اللهِ المُحَرَّمِ)، ويُفضّل يوم عاشوراء من شهر مُحرّم، أمّا الحنفيّة؛ فقد استحبّوا صيام ثلاثة أيّامٍ من كل شهرٍ مُحرّمٍ؛ وهي: الخميس، والجمعة والسبت.
يعدّ صيام شهر رجب من صيام التطوّع، ومن صور صيام التطوع: صيام يومٍ وإفطار يومٍ، وصيام يومي الاثنين والخميس، إذ إنّ صيامهما سببٌ في رَفْع الدرجات، وتكفير السيئات، ومن صيام التطوّع ما يتكرّر مع تكرّر الأشهر؛ كالأيام البِيض؛ وهي: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر من كلّ شهرٍ، وكذلك الأيام السُّود؛ وهي: الثامن والعشرون، والتاسع والعشرون، والثلاثون، وإن كان الشَّهر أقل من ثلاثين يوماً؛ فيُعوّض اليوم الثلاثين بأوّل الشَّهر، ويُمكن التعويض أيضاً بصيام اليوم السابع والعشرين احتياطاً، وخُصّت الأيّام البِيض والأيّام السُّود بالصيام؛ شُكراً وحَمْداً لله -سُبحانه- على النُّور في الأيّام البِيض، وطلباً منه كشف السَّواد في الأيّام السُّود بالسواد، وفيما يأتي تفصيل صيام التطوّع الذي يُمكن أن يكون في الأشهر الحُرم، وغيرها من الأشهر:
موسوعة موضوع