معلومات عن أنماط المساكن بمنطقة الباحة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
معلومات عن أنماط المساكن بمنطقة الباحة في المملكة العربية السعودية

معلومات عن أنماط المساكن بمنطقة الباحة في المملكة العربية السعودية.

 
تتكون منطقة الباحة من ثلاثة أقسام: بادية وسراة وتهامة، ولكل منها أنماطه الخاصة في المساكن. فسكان البادية - كما هو معروف - يعتمدون في حياتهم على الترحل والانتقال من مكان إلى آخر بحثًا عن الماء والكلأ، وهذا النوع من الحياة تناسبه المساكن المتنقلة، فبيوت الشعر - التي كانت معروفة في المنطقة باسم (الخدور) - هي المساكن التي كان يعتمد عليها سكان البادية، ليس فقط في منطقة الباحة، وإنما في جميع مناطق المملكة تقريبًا. وكانت النساء تقوم بنسج بيوت الشعر من أصواف المعز غالبًا، ولهذا فإن اللون الأسود كان هو اللون الغالب عليها، ومن السهل تفكيكها وطيها وحملها على الجمال من مكان إلى آخر، وهي رديئة التوصيل للحرارة، وتقي جيدًا من حر الشمس، ولكنها لا تقي كثيرًا من البرد لكثرة فتحاتها وسهولة دخول الهواء البارد إليها. وكان أغلب سكان البادية يملك بيت شعر واحدًا، يُستخدم نصفه للجلوس والطبخ، والنصف الآخر للنوم، وبعضها يوجد فيه فاصل بين الجزأين وهو ستارة منسوجة من مواد بيت الشعر نفسه.
 
ويسهل اقتحام بيوت الشعر وسرقة ما فيها والاعتداء على ساكنيها، ولهذا نجد سكان البادية أكثر شجاعة من سكان المدن كما أشار إلى ذلك ابن خلدون في مقدمته  ،  فساكن البادية يعتمد على نفسه في الدفاع عن نفسه وماله وعرضه، ولهذا نجده لصيقًا بسلاحه، مستعدًا لاستخدامه عند الضرورة، إلا أن سرقة بيوت الشعر نادرة لندرة ما يوجد فيها من أشياء تستحق السرقة، فسكان البادية يهمهم توفير الضروري لمعاشهم، ولا يهتمون كثيرًا بالكمالي؛ لصعوبة حصولهم عليه، وانصراف جلّ أوقاتهم وهمِّهم لتوفير الضروري من طعام ولباس ومسكن بسيط يتمثل في (الخدور).
 
وظل سكان البادية يعتمدون على بيوت الشعر في مساكنهم إلى أواسط تسعينيات القرن الرابع عشر الهجري/أواسط سبعينيات القرن العشرين الميلادي، إذ بدأ بعضهم يستخدم الخيام الجاهزة؛ لرخص أسعارها، وسهولة تفكيكها ونقلها. وبمرور الوقت استقر سكان البادية في الأمكنة التي كانوا يتنقلون في محيطها، واتخذوا البيوت الحديثة، وأحيوا الأراضي الموات (البور) بوساطة المعدات الحديثة، وتحولوا إلى مزارعين، ولكنهم لم ينقطعوا عن تربية الماشية، فلا يزال معظمهم يربي الماشية وبخاصة الأغنام والإبل.
 
أما سكان السراة فكانوا يعتمدون في بناء مساكنهم على ما تجود به البيئة المحلية من مواد أولية؛ فالجدران تُبنى بالحجارة،  وتُسقف بالأشجار التي تعلوها حجارة رقيقة تُسمى (الصلي؛ مفردها صلاة)، وتوضع فوق تلك الحجارة الرقيقة تربة ناعمة يتم اختيارها من المزارع بعناية لتكون متماسكة في أوقات الأمطار. ويُوضع في وسط المنـزل عمود - أو أكثر - من الخشب، يُسمى في زهران بـ (الزافر) ويُسمى في غامد بـ (المرزاح)،  وكانوا ينقشون الأعمدة التي تُخصص للمجالس، ويتفننون في ذلك. وكان جميع من يقوم بالعمل في البناء من أبناء المنطقة، فقلع الحجارة من الجبال يحتاج إلى استخدام البارود؛ لأن الحجارة يجب أن تكون قاسية وصلبة لتثبت مع الأيام، وعكسها الحجارة (الكثَّانة) وهي الحجارة الضعيفة التي يسهل تفتتها وتحطمها، ولونها غالبًا ترابي، في حين أن الحجارة الصلبة لونها أزرق أو أخضر أو رصاصي.
 
والذي يمارس هذه المهنة يُسمى (المقلِّع) بكسر اللام وتشديدها، أما المكان الذي تُستخرج منه الحجارة فيُسمى (المقلَّع)  بفتح اللام وتشديدها. والمقلِّع يجب أن يكون قوي البنية ليقوم بحفر ثقوب في الصخر بوساطة العُتُل التي تُسمى (النقور؛ مفردها نقر)، وربما سُميت كذلك لكثرة النقر في الصخر حتى يتم إيجاد فتحة يزيد قطرها قليلاً عن قطر العتلة التي تُستخدم لذلك، وعمقها قد يصل إلى نصف متر، وعند الانتهاء من نحت النقر - أو النقور - في الصخر يقوم (المقلِّع) بوضع كمية من البارود في أسفله فوقها طبقة رقيقة من الطين شبه الجاف، ويُؤخذ مما تم إخراجه من النقر، ويوضع في جانب من النقر قضيب حديدي قطره نحو 1سم تقريبًا ويُسمى (العين)، يمتد من أعلى النقر إلى أسفله، وينتهي في أعلاه بحلقة دائرية ليسهل تحريكه، بعد ذلك يقوم المقلِّع بما يُسمى بـ (دكّ) النقر حيث يضع قطعًا من الحجارة الصغيرة وبعض الطين شبه الجاف ويقوم بدكها لتتماسك في داخل النقر، وبين فترة وأخرى يقوم بتحريك القضيب الحديدي (العين) بطريقة دائرية وهو في مكانه حتى يسهل إخراجه في النهاية، وبعد الانتهاء من عملية الدك يتم إخراج القضيب بهدوء تام حتى لا يُحدث شررًا يؤدي إلى اشتعال البارود في أسفل النقر، ويتم ملء الفراغ الذي يُحدثه إخراج القضيب بالبارود. ولكي يعطي المقلِّع نفسه فرصه للهرب عند إشعال اللغم؛ فإنه يقوم بذرِّ البارود بشكل خيط من عين النقر إلى مسافة مناسبة، ثم يقوم بإشعال النار فيها ويهرب، ويتواصل اشتعال البارود حتى يصل إلى الكمية الموجودة في أسفل النقر فيُحدث انفجارًا مدويًّا يؤدي إلى تفكيك الصخور عن بعضها تمهيدًا للاستفادة منها. عندها يقوم المقلِّع (أو المعلم كما يسميه بعضهم) ومساعدوه (ويُسَمَّون الصبيان؛ مفردها صبي، وهو هنا الشاب القوي مفتول الساعدين) بحمل الحجارة إلى خارج المقلَّع، فيقوم اثنان برفع الحجر عن الأرض ويضعانه على ظهر رجل ثالث قد وُضعت على ظهره وقاية تُسمى (الحلسة) وهي في الغالب وعاء من الصوف بداخله (رُفَّة) وهي الكلمة المحلية للتبن.
 
وبعد أن تتجمع كمية كبيرة من الحجارة يقوم صاحب العمارة بنقلها من مكانها على ظهور الجمال إلى المكان الذي ينوي أن يقيم المبنى فيه، وإذا لم يكن صاحب العمارة يملك جملاً فإنه يقوم باستئجار جمل أو أكثر، ويستأجر من يساعده في عملية النقل. ومما يجدر ذكره أن صاحب المشروع كان ملزَمًا في الغالب بالإنفاق على الذين يعملون عنده، فيقدم لهم الطعام والشراب والسكن، كما كان يقوم بتقديم العلف للجمال التي تُستخدم في نقل الحجارة. ويجب أن يكون الطعام المقدَّم جيدًا، ويتكون غالبًا من الخبز المصنوع محليًّا، والمرق، واللحم، وبعض التمر، والفواكه المحلية إن كان العمل في موسمها، وفي مراحل متأخرة كان يتم تقديم الأرز، وبعض الفواكه المستوردة، مثل البرتقال والتفاح والموز، وكان هذا نادرًا ومقصورًا في الغالب على الأثرياء، ويتم في المناسبات الخاصة مثل بداية المشروع أو نهايته.
 
وبعد جمع الحجارة - ومن أسمائها المحلية (الحصى) - تبدأ مرحلة البناء بحفر الأساسات، ويكون عرض الأساس من 80 - 100سم تقريبًا، ويقود الفريق شخص يُسمى (الباني) وتعني البنَّاء، كما يُسمى (المعلم)، ويساعده مجموعة من الصبيان، يختارون له الحجارة المناسبة، ويرفعونها له فوق (المدماك) الذي يبلغ عرضه - مثل عرض الأساسات - من 80 - 100سم. ويرافق عملية البناء وجود النجار الذي يُعِد النوافذ، والأعمدة (الزُّفَّر؛ جمع زافر)، ويهيئ الأسقف. وبعض أعمال النجارة يكون عاديًّا لا يتم فيه سوى تعديل الأخشاب ورصفها، وبعضها يكون راقيًا إذ يتم فيه نقش العُبَّر (جمع عابر) وهي حِلَق الباب أو النافذة، ونقش مصاريع (درف) الأبواب والنوافذ،  ونقش الزُّفَّر والسقف،  وتُعد البيوت المنقوشة آية في الجمال. ويتوارث النجارون أسرار هذه الحرفة كابرًا عن كابر، ولها أدواتها الخاصة، وبعضهم يقوم بتلوين النقوش بالألوان المختلفة بعد ظهور الدهانات الحديثة، أما قبل ذلك فكانت تُدهن بالزيت الأسود الذي كان يُستخرج محليًّا من شجر الزيتون الذي يُسمى محليًّا (العُتُم). ولا يقوم بنقش الأخشاب في المنازل إلا المقتدرون ماليًّا.
 
وبعد أن يتم البناء تأتي مرحلة التسقيف، وفيها يتم نصب الزُّفَّر، ووضع السواري عليها، وطرح الأخشاب، ووضع الحجارة الرقيقة وتغطيتها بالطين، ويُسمى هذا اليوم الختامي بـ (يوم الطينة)، ويشارك فيه كل مقتدر على المشاركة، ويقوم صاحب العمارة بإعداد الطعام لهم وذلك بتقديم ذبيحة أو أكثر، وتكثر الأهازيج والأناشيد المحلية في هذا اليوم، وفي النهاية يغادر الجميع إلى مكان المائدة وهم يعرضون ويغنون ويحتفلون فرحًا بانتهاء العمل والمشروع.
 
وقبل أن ينتقل الساكن إلى منـزله الجديد يقوم بتسوية جدرانه من الداخل بالطين المخمر المخلوط بالتبن، وأحيانًا يُضاف إليه بعض سماد البقر، ويُكثَّف التبن (الرُّفة) في النصف الأسفل من الجدار لكثرة الاحتكاك به، وأحيانًا يقومون بنقش هذا الجزء بألوان يأخذونها من النباتات ومن التربة الملونة، وهذا لا يتم إلا في مجالس الرجال، وعند أصحاب المكانة الاجتماعية المرموقة.
 
أما المساجد فكانت تُبنى بالحجارة،  ولها فناء يجتمع فيه الناس قبل الصلاة، وبعضها تتبعه بركة تُملأ بمياه الأمطار الهاطلة على سقف المسجد، أو تُملأ بوساطة القِرَب. أما أمكنة الوضوء فقد تكون حنفية مبنية ومليَّسة وتُملأ بالماء ولها عدد من الصنابير،  أو مجموعة من الحفر تُملأ من قناة صغيرة لها شعبة تصل إلى كل حفرة، وكل حفرة تشبه (الطاسة) في شكلها.
 
شارك المقالة:
36 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook