معركة جودة ونتائجها بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
معركة جودة ونتائجها بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية

معركة جودة ونتائجها بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية.

 
في شهر ذي القعدة من عام 1286هـ / مارس 1870م بعث الإمام عبدالله بن فيصل على رأس قوة عسكرية إلى الأحساء فهد بن دغيثر، وطلب منهم الإقامة عند ناصر بن جبر الخالدي. وكانت قوة أخيه سعود قد تعززت بمساعدة قبائل بني خالد والعجمان بزعامة راكان بن حثلين الذي انتقل من البريمي إلى البحرين، وأخذ يكاتبهم ويكاتبونه، ويعدونه بالنصرة، ويسألونه القدوم إليهم في الأحساء، فقدم إليه منهم عدد كبير. وتشير بعض المراجع إلى أن سعودًا كان قد وعد زعيم العجمان بحكم المنطقة الشرقية. وفي الوقت نفسه كان العجمان يتملقون ناصر بن جبر أمير الأحساء، وفهد بن دغيثر قائد القوة التي بعثها الإمام عبدالله بن فيصل. وعندما وجد سعود بن فيصل من نفسه قوة سار من البحرين ومعه أحمد بن الغتم بن خليفة وعدد من أهل البحرين إلى الأحساء. وكان الدافع لشيخ البحرين في مساعدته سعودًا أنه كان يطمع باستعادة الامتيازات التي كان يتمتع بها في القطيف وسيهات من جهة، وليتخلص من دفع الزكاة للدولة السعودية من جهة أخرى. وعندما وصلوا إلى العقير اجتمع عليهم عامة العجمان وآل مرة ومن تبعهم من البوادي مشكلين قوة كبيرة، ثم توجهوا وعلى رأسهم سعود بن فيصل من العقير إلى الأحساء، فلما وصل إلى بلد الجفر حاول أهلها الامتناع عنه، ولكنهم لم يستطيعوا، حيث دخل الجنود البلدة، ونهبوها، وعاثوا في قرى الأحساء فسادًا. وقد قام ابن حبيل أمير بلدة الطرف مع سعود؛ ما أوقع الخوف في نفوس أهل البلد، واضطرب الأمن. وعند هذا الحد من الفوضى طلب كل من حزام بن حثلين وابن أخيه راكان بن فلاح بن حثلين ومنصور بن منيخر من الأمير ناصر بن جبر وفهد بن دغيثر ورؤساء الأحساء الخروج لقتال سعود ومن معه من الجنود. ولتأكيد صدقهم أقسموا الأيمان المغلظة على التعاون والتناصر على قتال سعود ومن معه، فخرج أهل الأحساء معهم، فلما وصلوا إلى الوجاج المعروف غدر بهم العجمان، وانقلبوا عليهم، وأخذوهم، وقتلوا منهم نحو ستين رجلاً، منهم عبدالله بن محمد بن ملحم، وسليمان بن ملحم، وانهزم بقيتهم إلى الهفوف ما بين جريح ومسلوب، فتحصن أهل الهفوف بعد هذه الواقعة في بلدهم، واستعدوا للحرب. وبعد ذلك زحف سعود مع من معه من الجنود، ونـزل في الهفوف، وحدثت معركة بينه وبين أهل البلد، وحاصرهم أربعين يومًا كان خلاله أهل الأحساء يبعثون إلى الإمام عبدالله بن فيصل الرسل يطلبون منه العون، ويحثونه على الإسراع، وعندما تأكد له خروج أخيه سعود من البحرين إلى الأحساء، طلب من بلدان نجد، خصوصًا ضرما والمحمل وبلدان سدير، التجهز للحرب والقدوم عليه في الرياض. وعندما اجتمعت الجموع طلب من أخيه محمد أن يسير بهم، بالإضافة إلى المقاتلين من أهل العارض وسبيع والسهول إلى الأحساء لمقاتلة جيش سعود. وعندما علم سعود بهذه الحملة، وكان محاصرًا الهفوف ارتحل لملاقاة أخيه محمد، وسبقه إلى ماء جودة المعروف، فنـزل عليه ومعه جموع كثيرة من العجمان وآل مرة وأهل المبرز وأحمد بن الغتم بن خليفة وابن حبيل. وعندما جاء محمد بن فيصل بقواته وجد أخاه سعودًا نازلاً في ماء جودة، فنـزل محمد ومن معه بالقرب منهم. وفي اليوم السابع والعشرين من شهر رمضان من سنة 1287هـ الموافق 1 ديسمبر 1870م حصلت بين الأخوين وقعة سميت معركة جودة، نسبة إلى المكان، انهزم فيها محمد، وقتل من قواته نحو أربعمئة رجل، كما قُتل من رجال سعود عدد كبير. ويعود سبب الهزيمة إلى خيانة بعض جنود محمد بن فيصل، حيث انقلبوا على أصحابهم ينهبونهم. وقد أسر سعود أخاه محمد بن فيصل، ثم أرسله إلى القطيف حيث سجن هناك، وبقي في سجنه حتى أطلق العثمانيون سراحه خلال حملة نافذ باشا على الأحساء. سيأتي تفصيله. وبهذه الهزيمة التي مني بها جيش الدولة بقيادة محمد بن فيصل دانت المنطقة الشرقية وقاعدتها الأحساء للأمير سعود. وبذلك حرمت الدولة السعودية الثانية وعلى رأسها الإمام عبدالله بن فيصل من طرق التموين التي تأتي من المنطقة الشرقية، كما فقدت ثغورها الشرقية التي تصلها بالعالم الخارجي عن طريق البحر  . 
؟
 
أقام سعود في ماء جودة، ثم طلب من رؤساء أهل الأحساء القدوم عليه ومبايعته ففعلوا. وبعد ذلك ارتحل عن ماء جودة، وذهب إلى الأحساء، واستولى عليها، لكنه لم يكتفِ بذلك بل أخذ من أهلها أموالاً كثيرة، ووزعها على العجمان الذين ساعدوه في معركة جودة. ولم يغامر سعود بالتوجه إلى الرياض، بل اتخذ الأحساء مقرًا له، حتى يثبت قوته. وعندما علم الإمام عبدالله بن فيصل بما حدث في معركة جودة أدرك أن الكفة مالت لصالح أخيه سعود، وتوقع أن يقوم سعود بهجوم سريع على الرياض، فخرج من الرياض بعائلته وأمواله وخدمه ومواشيه قاصدًا حائل لطلب المساعدة، إذ إنه يرتبط بصلة نسب مع آل رشيد  .  وكان يرافق الإمام عبدالله بعض أعوانه، ومنهم: عبدالعزيز بن الشيخ عبدالله أبابطين، وناهض بن محمد بن ناهض، فلما وصل إلى البعيثة، الماء المعروف في العروق، نـزل فيه ونصب خيامه، ثم أرسل عبدالعزيز أبابطين برسائل وهدايا إلى والي بغداد ووالي البصرة ونقيب الأشراف وطلب منهم النصرة والمساعدة على أخيه سعود، فوعدوه خيرًا، ثم أخذوا في تجهيز العساكر إلى الأحساء والقطيف. وقد أقام عبدالعزيز أبابطين عندهم لكي يسير معهم.
 
وفد في شهر شوال من هذه السنة محمد بن هادي بن قرملة رئيس قبيلة قحطان ومعه عدد من رجال قبيلته على سعود بن فيصل وهو في الأحساء، لكنه لم يستقبلهم الاستقبال الذي كانوا يتوقعونه، ويرجع ذلك إلى الخلاف المستحكم بين قبيلتي قحطان والعجمان من جهة، وإلى خشية سعود من غضب ابن حثلين، إن هو أكرم ابن هادي من جهة أخرى. وقد خرجوا من الأحساء، وتوجهوا إلى الإمام عبدالله بن فيصل وهو على البعيثة، وعاهدوه على السمع والطاعة، فارتحل معهم من البعيثة، وتوجه إلى الرياض، فدخلها في شهر ذي القعدة من السنة نفسها. وفي آخر شهر ذي القعدة خرج سعود بن فيصل من الأحساء متوجهًا إلى الرياض، فلما كان في الطريق بلغه الخبر بأن أخاه عبدالله قد رجع إلى الرياض ومعه قحطان، فرجع سعود إلى الأحساء  
 
وفي المحرم عام 1288هـ / 1871م خرج الأمير سعود بجنوده من الأحساء، وترك فيه فرحان بن خير الله أميرًا، واتجه إلى الرياض، فلما قرب منها خرج الإمام عبدالله بن فيصل قاصدًا بوادي قحطان الموالية له في الجنوب، وكان قد أرسل قبل خروجه من الرياض أمتعته وأثاثه ومدافعه وأسلحته مع سرية بقيادة حطاب بن مقبل العطيفة، وقد صادفهم سعود في الجزعة، فحصل بينه وبين السرية المذكورة قتال شديد انهزم فيه حطاب ومن معه، وأخذ سعود ركابهم وسلاحهم وجميع ما معهم. وقُتِلَ حطاب وآخرون من أتباعه  
 
رجَّحت الأحداث السابقة كفة الأمير سعود بن فيصل فقد أفسحت له المجال لدخول الرياض، ومعه عدد كبير من العجمان. ولم يكن الأمير سعود متسامحًا مع أهل الرياض، إذ قام هو وجنوده وأتباعه والموالون له بالانتقام منهم، حيث عاثوا في الرياض فسادًا، ثم ارتحلوا إلى بلدة الجبيلة، ونهبوها، وقتلوا جماعة من أهلها، وقطعوا نخيلها، وخربوها، واضطر باقي أهلها إلى التفرق في بلدان العارض. وبذلك تغير ميزان القوى في بلاد نجد "وانحل نظام الملك وكثر في نجد الهرج والمرج، واشتد الغلاء والقحط وأُكلت جيف الحمير، ومات خلائق كثيرة جوعًا، وحل بأهل نجد من القحط والجوع والمحن والنهب والقتل والفتن والموت الذريع أمر عظيم وخطب جسيم"  
 
وبدخول الإمام سعود الرياض بويع بإمامة الدولة السعودية الثانية مع الأخذ بالاعتبار عدم تماسك هذه الدولة، وضعف سيطرته على مناطقها. وقد كتب سعود إلى رؤساء البلدان، وأمرهم بالقدوم عليه للمبايعة، فقدموا عليه، وبايعوه، وأمرهم بالتجهز للغزو لإخضاع البلدان والقبائل التي ما زالت تكنُّ ولاءً لأخيه عبدالله  
 
تلاحقت الأحداث سريعًا، وأصبح الحكم في الرياض غير مستقر، ففي عام 1290هـ / 1873م حصلت بين الأخوين عبدالله وسعود ابني فيصل معركة الجزعة قرب الرياض جنوب بلدة منفوحة، انهزم فيها عبدالله بن فيصل، فاستأثر أخوه سعود بالحكم في الرياض  
 
وفي آخر عام 1291هـ / 1874م خرج سعود بن فيصل من الرياض على رأس حملة عسكرية، وعندما وصل حريملاء مرض فرجع إلى الرياض، وتوفي بعد وصوله إليها بأيام قليلة في الثامن عشر من ذي الحجة من السنة المذكورة. فتولى الأمر من بعده أخوه الإمام عبدالرحمن بن فيصل آخر حاكم للدولة السعودية الثانية. أما عبدالله بن فيصل وأخوه محمد بن فيصل فقد كانا يقيمان في بادية عتيبة  
 
ازداد الوضع سوءًا بعد بروز منافس قوي للأسرة السعودية، وهو آل رشيد الذين سيطروا على أجزاء كبيرة من بلاد نجد حتى وصلت بهم الحال إلى الاستيلاء على الرياض وإنهاء حكم الدولة السعودية الثانية.
 
أدرك الإمام عبدالرحمن بن فيصل أن قوته لن تستطيع أن تجاري قوة محمد بن عبدالله بن رشيد، فآثر حقن الدماء، وتوجه بعائلته - وفيها ابنه عبدالعزيز بن عبدالرحمن   - إلى الملاذ الآمن في صحراء الربع الخالي.
 
في هذه الفترة كانت المنطقة الشرقية على موعد مع الأسرة السعودية ليس بوصفهم حكامًا، وإنما بوصفهم مطالبين بالحكم. وانتهى بهم المقام أخيرًا في الكويت قرابة عشر سنوات كانت كافية لصقل مواهب الفتى الطموح عبدالعزيز بن عبدالرحمن سياسيًا؛ ما أهّله لأن يقوم بحمل هموم الأسرة، وأن يغامر بنفسه ومصيره في سبيل استعادة حكم آبائه وأجداده في نجد، ومن ثَمَّ في أنحاء الجزيرة العربية؛ وهو قيام الدولة السعودية الحديثة، حيث نجح في مسعاه عام 1319هـ / 1902م كما سنرى في الصفحات التالية  
 
 
شارك المقالة:
599 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook