إذا بعدت المسافة بين المصلّي والكعبة المشرفة عليه أن يجتهد في إصابتها، وليس شرطاً أن يكون وجه المصلّي باتجاه الكعبة نفسها، وإنّما عليه أن يصيب الجهة التي فيها الكعبة، وذلك لقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (ما بينَ المشرقِ والمغربِ قبلةٌ)، وكان قول الرّسول السابق لأهل المدينة، فالمسلم ينظر في الخريطة ليجد أين مكانه بالنسبة للكعبة المشرفة ثمّ يتوجّه نحوها عند إقامة الصلاة، وإذا كان هناك وسائل أخرى من أجهزة أو أدوات يستطيع فيها المسلم أن يحدّد مكان قبلته وجب عليه أن يستخدمها؛ لأنّ ما لا يتمّ الواجب إلّا به فهو واجب، وإذا كان المسلم في مكان لا يعلم فيه الاتجاهات وكان أهلها مسلمون يعرفون اتجاه القبلة فيسألهم عن صلاتهم ويقلّدهم في ذلك، ويجب على المسلم أن يسأل الثقات ممّن حوله عن القبلة حتى يطمئن إلى صحّة صلاته، حيث ورد في الموسوعة الفقهيّة: (ولا يقبل خبر الكافر في شأن القبلة، ولا خبر المجنون والصبي الذي لم يميِّز)؛ فينبغي سؤال المسلم البالغ العدل العاقل عن اتجاه القبلة رجلاً كان أو امرأة، واختلف الفقهاء في إخبار الصبي المميّز والفاسق، فذهب الجمهور إلى عدم قبول إخبارهما؛ لأنّ روايتهما وشهادتهما لا تقبل، وتأخذ رواية المرأة الكافرة أو غير المحجبة نفس الحكم.
ويستطيع المسلم أن يحدّد اتجاه القبلة من محاريب المساجد أيضاً، حيث اعتاد المسلمون في بناء المساجد بأن تكون المحاريب موجّهة للقبلة، وخصّ الفقهاء في ذلك أربعة مساجد؛ هي: مسجد النبيّ ـصلّى الله عليه وسلّم ـ في المدينة المنوّرة، ومسجد بني أميّة في الشّام، ومسجد القيروان في شمال أفريقيا، ومسجد عمرو بن العاص في مصر القديمة، فلا يجوز في حال وجودها أن يتحرّى المسلم اتجاه القبلة، أمّا غير تلك المساجد فيجوز لمن يجدها في المدن أن يقلّدها حتى لو كان من أهل التحرّي والاجتهاد، أمّا إذا كانت في القرى، فلا يجوز للمجتهد أن يقلّد وإنّما يجب عليه أن يتحرّى القبلة، ويجوز التقليد لِمن هو ليس أهلاً للتحرّي، ويُفتي الشافعيّة بجواز الاستدلال على القبلة بالطرق المعروفة برغم وجود المحاريب.
وهناك طريقة أخرى يستطيع المسلم استخدامها من أجل تحديد الاتجاهات لمعرفة القبلة ويستفيد منها المسلم ليلاً مُستخدماً مواقع النجوم، وتكون بمتابعة نجم القطب الشماليّ؛ وهو نجم صغير يتبع مجموعة نجوم نعش الصغرى، إذْ يكون خلف الأذن اليسرى للمصلّي بالنسبة لأهل مصر، ويكون خلف الأذن اليمنى للمصلّي عند أهل العراق، ويكون خلف المصلّي تماماً في بلاد الشام، وفي أهل اليمن يكون أمام المصلّي مع الميل إلى الجانب الأيسر، فإذا حدّد المصلّي مكان النّجم سهُل عليه تحديد قبلته في عموم تلك البلدان.
بيّن العلماء عدداً من الأحكام المتعلّقة بالقبلة، وبيان بعضها فيما يأتي:
موسوعة موضوع