مظاهر و أسباب هجر القرآن الكريم

الكاتب: مروى قويدر -
مظاهر و أسباب هجر القرآن الكريم

مظاهر و أسباب هجر القرآن الكريم.

 

 

فضل تلاوة القرآن

 

إنّ تاليَ القرآن ممتدح عند الله تعالى، وقد أمر الله -عز وجل- بتلاوته؛ فقال مخاطبا نبيّه صلى الله عليه وسلم: (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا)، وقال عليه السلام: (لا حَسَدَ إلَّا في اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ القُرْآنَ، فَهو يَتْلُوهُ آناءَ اللَّيْلِ، وآناءَ النَّهارِ، فَسَمِعَهُ جارٌ له، فقالَ: لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ ما أُوتِيَ فُلانٌ، فَعَمِلْتُ مِثْلَ ما يَعْمَلُ، ورَجُلٌ آتاهُ اللَّهُ مالًا فَهو يُهْلِكُهُ في الحَقِّ، فقالَ رَجُلٌ: لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ ما أُوتِيَ فُلانٌ، فَعَمِلْتُ مِثْلَ ما يَعْمَلُ)، وقُصِدت الغِبطة في الحديث؛ أي تمنّي الخير الذي ناله الغير مع عدم تمنّي زواله منه، فتلاوته نعمة ورفعة في درجات الدنيا والآخرة، وهجره نقمة، ويعرّف القرآن الكريم اصطلاحاً بأنه كلام الله الذي أنزله على آخر الأنبياء محمد -عليه أفضل الصلاة والسلام-، المتعبّد بتلاوته، المنقول إلينا عن الرسول بالتواتر، المكتوب بالمصاحف من سورة الفاتحة إلى سورة الناس.

 

مظاهر هجر القرآن

 

مفهوم هجر القرآن

 

بيّن العلماء المقصود بهجر القرآن الكريم في اللغة والاصطلاح، وتفصيل ذلك فيما يأتي:

  • هجر القرآن الكريم لغة: الهجر لغةً الترك والإعراض والبُعد عن الشيء، وهجر القرآن تركه والإعراض عنه.
  • هجر القرآن الكريم اصطلاحا: هو الابتعاد عن القرآن الكريم وترك تلاوته وتدبّر آياته وأحكامه، وعدم تطبيق أوامره وما جاء فيه، واللهو عنه ونسيانه، والافتراء بكلامٍ ليس فيه بغير حق، وعدم الإيمان اليقينيّ به.


وقد اختلف أهل العلم في تفسير قوله تعالى: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَـذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا)، وفُسّر الهجر هنا بعدّة أقوالٍ منها:

  • من الهُجر؛ أي وصف القرآن بأوصافٍ ليست فيه، والقول السيء فيه بغير الحق؛ كالزعم أنه سحرٌ أو شعرٌ.
  • إعراض المشركين عن القرآن الكريم، والابتعاد عنه وعن سماعه.
  • ترك القرآن الكريم بالكلية، وعدم الالتفات لما فيه، وعدم الإيمان والتصديق الجازم به وبما جاء فيه، وترك العمل به، وعدم التأثّر بوعده ووعيده.
  • الزعم بأنه من أساطير الأوّلين، أو رفع الأصوات عند سماعه حتى لا يستمع فاعل ذلك لما فيه من الأحكام والإنذار والعظة.
  • ترك تلاوة القرآن الكريم، وكلما تباعدت المدة بترك تلاوته تحقّق الهجر أكثر.


ولم يحدّد العلماء عدداً معيناً للأيام التي تعدّ عدم القراءة فيها للقرآن هجراً، لكن هناك بعض الروايات لأهل العلم في مدّة ختم القرآن الكريم، فقيل إنه على المسلم قراءة القرآن الكريم كاملاً في السنة الواحدة مرّتين، فيكون بذلك قد أدّى حقّه، وهو قول الإمام أبي حنيفة رحمه الله، وقيل يُكره تأخير ختم القرآن أكثر من أربعين يوماً بلا عذر، وهو قول الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، وقد توعّد الله -سبحانه وتعالى- من أعرض عن القرآن الكريم بالوعيد الشديد يوم القيامة، قال الله سبحانه وتعالى: (مَن أَعرَضَ عَنهُ فَإِنَّهُ يَحمِلُ يَومَ القِيامَةِ وِزرًا خالِدينَ فيهِ وَساءَ لَهُم يَومَ القِيامَةِ حِملًا)، وأما في حياته الدنيا فتكون مليئةً بالهموم والضيق وعدم الطمأنينة والراحة، قال الله تعالى: (وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكري فَإِنَّ لَهُ مَعيشَةً ضَنكًا وَنَحشُرُهُ يَومَ القِيامَةِ أَعمى).

 

أنواع ومظاهر هجر القرآن

 

هناك أنواعٌ ومظاهر عديدة لهجر القرآن الكريم بعضها أشدُّ من بعض، منها:

  • هجر سماعه والإصغاء إليه وعدم احترامه؛ بإكثار اللهو والكلام واللغو أثناء تلاوته.
  • هجر العمل بما جاء به بعدم تطبيق أوامره واجتناب نواهيه؛ فالقرآن الكريم كتابٌ نزل حتى يكون منهج حياةٍ للمؤمن.
  • هجر التحاكم إليه في أصول الدين؛ فقد وضع القرآن الكريم التشريعات اللازمة والمناسبة لحل الاختلافات بين الناس، وقد نهانا الله عز وجل عن الاحتكام لغير القرآن الكريم، فهو شريعة المؤمن ومنهاجه في دينه ودنياه.
  • هجر تدبّره وفهمه؛ فقد أنزل الله القرآن الكريم لنا حتى نتدبّر ما فيه ونفهم معانيه ومقاصده، قال تعالى: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ).
  • هجر الاستشفاء والتداوي به؛ فقد نزل القرآن حتى يكون شفاء ورحمة للمؤمنين، قال تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنينَ).

 

أسباب هجر القرآن الكريم

 

أسباب هجر تدبّره

 

يُقصد بتدبّر القرآن أي التفكر فيه وفهم معانيه والوقوف على دلالاته، وله أهمية عظيمة وخيرٌ كبير في حياة قارئ القرآن؛ فهو استجابة لأمر الله تعالى، وسببٌ لصلاح العبد واستقامته من خلال تطبيق ما فيه، ويعدّ هجر تدبّر القرآن الكريم من أنواع هجر القرآن الكريم، وله أسباب كثيرة منها:

  • كثرة الذنوب والمعاصي، والإصرار عليها، فالذنب ينكت في القلب، والذنب بعد الذنب يُعمي القلب، فيصبح عليه الغشاوة، ولا يعود الإنسان بعدها قادر على تدبّر القرآن الكريم لكثرة تلك الذنوب التي غطّت على قلبه، قال الله تعالى: (وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا)، فينبغي على المؤمن أن يبتعد عن الذنوب والمعاصي التي تؤثّر على تدبّره للقرآن الكريم.
  • ترك الدعاء، إذ يعتبر الدعاء وسيلةً للتقرب إلى الله -تعالى- وطلب الإعانة منه على فهم القرآن وتدبره، وقد كان ابن تيمية -رحمه الله- يقول في دعائه دائماً: "اللهم يا معلّم آدم وإبراهيم علّمني، ويا مفهّم سليمان فهّمني".
  • الجهل باللغة العربية، لأن القرآن الكريم نزل باللغة العربية، وهي من أفصح اللغات وأكثرها سعة وبياناً، وهي ذات قدرة على تأدية المعاني التي تحتاجها النفوس، فإذا كان قارئ القرآن لا يفهم لغته فكيف سيتمكّن من تدبر كتاب الله.
  • عدم التخلي عن موانع الفهم؛ وذلك بأن يكون همّ القارئ تطبيق أحكام التجويد وإخراج الحروف من مخارجها مع غفلته عن تدبّر الآيات والمقصود من معانيها، أو التعصّب لمذهب ما في القراءة وتقليده، مما يجعل الذهن منصرفاً عن الفهم والتدبر.
  • عدم الاهتمام لمطالعة ما ورد في كتب التفسير من علوم القرآن وأسباب النزول وغيرها، فقد يخطئ القارئ بفهم بعض الآيات ويستدل بها على أمرٍ غير مراد فيها، أو قد يؤوّلها لمقصودٍ آخر، وبالتالي يخطئ في تطبيقها، فكانت المصادر الموثوقة لتفسير القرآن الكريم خير دليلٍ يرجع إليه المؤمن لفهم آيات القرآن وعلومه وأحكامه.

 

أسباب هجر تلاوته

 

إن من أسباب هجر تلاوة وقراءة القرآن الكريم ما يأتي:

  • الجهل بفضل تلاوة القرآن الكريم، فغفلة المؤمن عن الثواب المترتّب على قراءته للقرآن الكريم قد تجعله ينصرف عن تلاوته، وإذا أدرك الأجر العظيم المترتب على قراءته للقرآن حرص على عدم التغافل عنه لينال الثواب العظيم، ويكون القرآن عندئذٍ جليسه وونيسه آناء الليل وأطراف النهار، قال صلى الله عليه وسلم: (مَن قرأَ حرفًا من كتابِ اللهِ فلَهُ بِهِ حسنةٌ والحسنةُ بعشرِ أمثالِها لا أقول الم حرفٌ ولَكن ألفٌ حرفٌ ولامٌ حرفٌ وميمٌ حرفٌ)، وقال عليه الصلاة والسلام: (يقالُ لصاحبِ القرآنِ: اقرأْ وارقَ ورتِّلْ كما كنتَ ترتلُ في الدنيا، فإنَّ منزلتَك عندَ آخرِ آيةٍ تقرأُ بها).
  • الانشغال بالدنيا، وعدم معرفة الإنسان أن غاية وجوده في هذه الدنيا هو عبادة الله وحده، فترى الإنسان يسعى دائما لتحصيل حاجاته المهمّة والكمالية، وينسى أن يخصّص وقتاً للقرآن الذي تحتاج إليه النفوس، فلا بد للمؤمن أن يجتهد ويجدّ بالعمل للآخرة والفوز فيها، وأن يأخذ من الدنيا بقدر ما يوصله للآخرة، قال تعالى: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّـهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّـهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ).
  • الفتور وضعف الهمة، ويكون علاج ذلك بالإكثار من الأعمال الصالحة والاستمرار عليها وإن قلّت، فقليلٌ دائمٌ خيرٌ من كثيرٍ منقطع.

 

أسباب هجر العمل به

 

إنَّ سبب هجر العمل بالقرآن الكريم هو عدم الامتثال لأوامره واجتناب نواهيه، فلا بد من المؤمن أن يطبّق ما جاء فيه من الفرائض ويتعلّمها حتى يتقنها ويعمل بها، وأن يبتعد كل البعد عن المحرمات التي نهانا الله -سبحانه وتعالى- عنها في كتابه الكريم، فينال رضى الله -تعالى- والسعادة في دنياه وآخرته.

 

آثار هجر القرآن الكريم

 

إنَّ هجر القرآن الكريم يُورث في قلب هاجره القسوة، لأن القرآن يرقّق قلب قارئه، فبذكر الله -عز وجل- يأنس القلب ويُشرح الصدر وتطمئن النفوس، قال تعالى: (الَّذينَ آمَنوا وَتَطمَئِنُّ قُلوبُهُم بِذِكرِ اللَّـهِ أَلا بِذِكرِ اللَّـهِ تَطمَئِنُّ القُلوبُ)، بالإضافة إلى أن هجر القرآن الكريم يُفقد صاحبه حفظ الله -تعالى- وحمايته له؛ حيث إن ذكر الله -تعالى- هو خيرُ حافظٍ للمؤمن، وهاجر القرآن قد ضيّع الأجر والفضل العظيم من الله تعالى، وفوّت على نفسه شفاعة القرآن الكريم له يوم القيامة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإنَّه يَأْتي يَومَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأَصْحابِهِ)، هذا بالإضافة إلى كثرة انتشار البدع بسبب هجر القرآن والإعراض عنه، وهجر كتاب الله يدفع إلى هجر السنّة، وبالتالي يكثر الجهل ويقلّ العلم، ويكثر العمل وفقاً للأهواء والشهوات؛ فتزيد البدع والضلالات.

 

علاج هجر القرآن الكريم

 

إنّ من طرق العلاج الرئيسية لهجر القرآن الحرص على وجود وردٍ يلتزم به المسلم في يومه ويحافظ عليه، ويؤثر القرآن الكريم على انشغالات الدنيا فيقرأه ويتدّبره، ومن أفضل الأوقات لذلك في الصباح الباكر وذلك لوجود البركة في هذا الوقت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بُورِكَ لأُمَّتِي في بُكورِها)، بالإضافة إلى الحرص على قراءة كلام الله -تعالى- كأنّه كلامٌ يتنزّل على القارئ له حتى يستشعر برسائله فيؤمن بها ومن ثم يعمل بها ويطبّقها، ويبتعد عن الاستماع عن كل ما يُبعده عن فهم القرآن الكريم ومقاصده، ولا بد من احترام كلام الله وتعظيمه وعدم مقاطعة وقت القراءة بأمورٍ أخرى.


ومن الأمور التي لابد من مراعاتها أن يطبّق المسلم آداب تلاوة القرآن الكريم، ومنها حُسن الاستماع إليه مع تحقّق الإنصات له والتركيز التامّ بما يُقرأ من آياته، وهناك بعض أوقات الفراغ التي يستطيع المسلم استثمارها لتلاوة القرآن الكريم؛ مثل وقت التنقّل بالسيارة، أو في الطريق إلى العمل، أو عند الاضطجاع قبل النوم، ومن لا يتقن القراءة جيّدا ويحاول جاهداً أن يحسّن تلاوة القرآن فإنّ أجره مضاعف؛ حيث له أجر المشقّة وأجر التلاوة، ومن الأمور المعينة على عدم الهجر تطبيق ما يرد في القرآن من الأحكام واجتناب النواهي، بالإضافة إلى الحرص على تحسين القراءة تجويداً وترتيلاً، قال صلى الله عليه وسلم: (تعلَّموا القرآنَ، واقرءُوه، فإنَّ مثلَ القرآنِ لمن تعلَّمه فقرأه وقام به كمثلِ جرابٍ مَحشُوٍّ مسكًا، يفوحُ ريحُه في كلِّ مكانٍ، ومثلُ من تعلَّمَه فيرقدُ وهو في جوفِه كمثلِ جرابٍ وُكِئَ على مِسكٍ). وجميلٌ أن يحرص المؤمن على ختم القرآن الكريم، فإذا أنهى خِتمةً بدأ بختمةٍ أخرى، وخير قدوة لنا السلف الصالح؛ فمنهم من كان يختم القرآن الكريم في كل شهرين، ومنهم من كان يتلوه كاملاً كل شهر، وآخرون كل عشر ليال ختمة وآخرون أقل من ذلك، مع الحرص على تدبّر ما جاء به من المعاني العظات.

شارك المقالة:
73 مشاهدة
المراجع +

موسوعة موضوع

هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook