أَذِنَ الله -تعالى- لنبيّه محمّدٍ -عليه الصلاة والسلام- بالحجّ إلى البيت الحرام بعد استقرار أمر الإسلام؛ بتطهير الأرض من مظاهر الجاهليّة، وعلامات الوثنيّة، وحين غَدَت نفوس المسلمين مُشتاقةً إلى شَدّ الرِّحال إلى بيت الله، وقد كانت تلك الحجّة علامةً على قُرب انتقال النبيّ -عليه الصلاة والسلام- إلى جِوار رَبّه، ومُفارقته أمّتَه وصَحْبَه، مع إظهار الحُبّ، والأُلفة، والطُّهر، والرَّحمة، وقد شَدّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام
نُقِل عن علماء الأمّة إجماعُهم دون خِلافٍ بينهم على أنّ حجّة الوداع كانت في السنة العاشرة للهجرة،فقد ذهب إلى ذلك ابن كثير -رحمه الله-، وذلك في كتابه البداية والنهاية؛ إذ قال إنّ حجّة الوداع التي تُعرَف بحجّة الإسلام، أو حجّة البلاغ كانت في السنة العاشرة للهجرةوقال الإمام القرطبيّ في تفسير قَوْل الله -تعالى-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)
سُمِّيت حجّة الوداع بأسماءٍ أخرى، منها: حجة البلاغ والتمام؛ لأنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- بَيَّن فيها اكتمال مَهمّة تبيلغ شَريعة الله، وآذنَ فيها المسلمين بكمال الدِّيْن، وتمامه، كما أنّه علّمَ المسلمين فيها مناسكَ الحجّ، وما شُرِع فيها من الأقوال، والأعمال(أفاضَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ في حجَّةِ الوداعِ، وعلَيهِ السَّكينةُ، وأمرَهُم بالسَّكينةِ، وأمرَهُم أن يرموا، بمثلِ حَصى الخذَفِ، وأوضعَ في وادي مُحسِّرٍ، وقالَ: لتَأخُذْ أمَّتي نسُكَها، فإنِّي لا أدري لعلِّي، لا ألقاهم بعدَ عامي هذا)وفي روايةٍ للإمام مُسلم في صحيحه: (لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فإنِّي لا أَدْرِي لَعَلِّي لا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتي هذِه)