إنّ الصيام شعيرةٌ من شعائر الدين الحنيف، ودليلٌ جازمٌ على القيام بأوامر الله، وطاعته عن حبٍ، ورضى، وانقيادٍ، وخضوعٍ، ولمّا فرض الله -تعالى- الصيام على عباده، فرضه لحِكمٍ عديدةٍ، كلّها تقوم على تحقيق المصلحة للإسلام والمسلمين، منها: أنّ الصيام يربّي النفس على العزيمة والإرادة؛ ذلك أنّ المسلم حين يمتثل لأمر ربّه فيجاهد نفسه، ولا يسير معها وفق رغباتها وشهواتها، فيمنعها ممّا تشتهيه من المآكل، والمشارب رغبةً في تنفيذ أوامر الله، والحصول على رضاه، فإنّه بذلك يربّي نفسه على الإرادة القوية، وصار عبداً لله تعالى، لا عبداً لشهوات نفسه ومطامعها، وكان قادراً على توجيه نفسه في الاتجاهات الصالحة، فليس الهدف والغاية من الصيام هو إتعاب النفس، وإرهاقها كما يزعم البعض، وإنمّا تزكية النفس، وتربيتها، وتعليمها الصبر، وتدريبها على الطاعات، فقد روى أبو هريرة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أنّه قال: (الصيامُ نِصْفُ الصبرِ)،فالله -عزّ وجلّ- غنيٌّ عن أعمال عباده، ولم يفرض الصيام عليهم إلّا لمنفعتهم، وإعدادهم للقائه، والفوز بجناته ورضوانه، ولا يقتصر الصيام على ذلك، فالذي يصوم إيماناً واحتساباً لا يرضى لنفسه أن يقع في المعاصي، فينظر الله إليه ويراه على المعصية، فلا يأكل أموال غيره بالباطل، ولا يخون أماناتهم أو أعراضهم، كما أنّ الصيام من أقوى المربيّات على كبح جماح النفس عن الأهواء، وبه يتذكّر الأغنياء أنّ لهم إخوةً من الفقراء يعانون ألم الجوع ومرارته، فيُواسوهم، ويعطفوا عليهم، ويشعروا بما فيهم من الألم، فقد تعوّذ رسول الله من الجوع ،فقال: (اللهمَّ إنِّي أعوذُ بك من الجوعِ، فإنَّه بئْسَ الضجيعُ)، فضلاً عمّا يحصل للأبدان من الفوائد الجسمانيّة به، فالصيام يقوّيها، ويجفّفها من الرطوبة، وكما يقي النفس من الوقوع في الآثام، فإنّه يقي الجسد من الإصابة بالأمراض.
يتمثّل الصيام في العديد من الشروط التي إن توافرت في الإنسان كان الصيام واجباً عليه، فيما يأتي بيان هذه الشروط بشكلٍ مفصّلٍ:
ذكر الله -عزّ وجلّ- في القرآن الكريم؛ أنّه كما فُرض الصيام على هذه الأمة، فإنّه فُرض كذلك على من قبلها من الأمم، فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، وقد ورد عن بعض العلماء قولهم في هذه الآية؛ أنّ الله فرض الصيام على الأنبياء، وأممهم منذ النبيّ آدم إلى آخر الدهر، مع اختلاف كيفيته ووقته، فقد كان مفروضاً على اليهود، فتركوا هذا الفرض واستبدلوه بصيام يومٍ واحدٍ في السنة، زعموا أنّه اليوم الذي أغرق الله -تعالى- به فرعون ومن كان معه، وكتبه الله أيضاً على النصارى، لكنّهم بعد صيامهم زمناً صادف فيه الحرّ الشديد، شقّ عليهم فقرروا أن يجعلوه في وقتٍ من السنة ما بين الشتاء والصيف؛ أي الربيع، وزادوا على أيام صيامهم عشرة أيامٍ؛ كفارةً لما غيروا فيه، فأصبح صيامهم أربعين يوماً، وقد كان المسلمون في بداية الإسلام مخيّرين ما بين الصيام ودفع الفدية، حيث قال الله تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)، ثمّ بعد ذلك نُسخ الحكم فصار الصيام فرض عينٍ، حيث قال الله تعالى: (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)، وهذا التدرّج في تشريع الحكم كان هدفه التيسير على الناس؛ نظراً لما وجدوه من المشقّة في الصيام كونهم لم يألفوه، ثمّ بعد أن ألفوه كان فرضاً عليهم، وقد فرض الله -تعالى- على عباده الصيام في السنة الثانية من الهجرة، وصام رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- تسعة رمضانات، وأصبح الصوم فرضاً وركناً من أركان الإسلام، مَن جحد وجوبه فقد كفر، ومَن أفطر فيه بغير عذرٍ وجب تعزيره، وردعه، وتوبته من هذا الذنب العظيم، وعليه قضاء ما أفطر من الأيام.
موسوعة موضوع