ماهي مكونات المسكن في منطقة الباحة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
ماهي مكونات المسكن في منطقة الباحة في المملكة العربية السعودية

ماهي مكونات المسكن في منطقة الباحة في المملكة العربية السعودية.

 
معظم المنازل المبنية من الحجارة في (السراة) من منطقة الباحة تتكون من طابقين أو أكثر، ويُخصص الطابق الأرضي عادة - ويُسمى (السِّفل) لوقوعه في أسفل البناء - للحيوانات والأعلاف، حيث توضع فيه الأبقار، وأحيانًا الأغنام والحمير؛ وذلك للحفاظ عليها من السرقة، ولسهولة تقديم العلف لها وحلبها والعناية بها. وفي كثير من البيوت توجد فتحة تصل ما بين الدور الأرضي (السِّفل) والدور الذي فوقه تُسمى (الطاقة)، وفيها سلم خشبي أو أحجار بارزة في الجدار تقوم مقام السلم، وبهذا يسهل على أهل البيت - وبخاصة النساء - النـزول إلى الدور الأرضي وحلب الأبقار والأغنام وتقديم العلف لها، دون الحاجة إلى الخروج من البيت.
 
أما الدور العلوي فإنه يتكون غالبًا من مكان للجلوس، يتوسطه موقد للنار مربع الشكل يُسمى (الملَّة)، تعلوها فتحة في السقف تسمح بخروج الدخان وتُسمى (الخوَّة) وبعضهم يسميها (الكوة)، وتبقى (الخوّة) مفتوحة طوال العام إلا عند سقوط الأمطار، فإنها تُغلق بوضع حجر رقيق عليها، وحول الملة  يجتمع أفراد الأسرة لطبخ الطعام وتناول القهوة والاستفادة من نار الطبخ لتدفئة المكان في أيام البرد. وفي بعض الأحيان تكون مقدمة البيت معدَّة لاستقبال الضيوف، ومؤخرته معدَّة لجلوس أهل المنـزل من النساء عندما يوجد ضيوف، فيوجد عندئذٍ مكانان للنار (ملَّتان)، تُستخدم التي في قسم الرجال للتدفئة وصنع الشاي والقهوة، وغالبًا ما يقوم بصنع الشاي والقهوة صاحب المنـزل؛ لأن في ذلك خدمة وتشريفًا لضيوفه، وأما الملَّة التي في قسم النساء فتُستعمل للطبخ وإعداد الطعام.
 
ويفصل بين قسم الرجال وقسم النساء جدار من الحجارة، ولا يُستخدم جدار الحجارة إلا إذا كان تحته جدار في الدور الأرضي (السِّفل) ليتحمل ثقله، أما إذا لم يوجد جدار في الدور الأرضي فإنهم يفصلون القسمين بما يُسمى محليًّا بـ (الرَّص) وهو مجموعة من الأخشاب التي تشبه سعف النخل تُرص بجوار بعضها، وتُربط بفتيل يُصنع من ليف النخل غالبًا، وتُسد الفتحات التي بين تلك الأعواد بالطين المخمر المخلوط بالرُّفة (التبن). والرَّص أخف على السقف الذي يكون تحته، ولا يأخذ مساحة كبيرة مثل الجدار، ولهذا كان استعماله كثيرًا. وفي مؤخرة المنـزل تُخصص غرف صغيرة للنوم وحفظ الأشياء الثمينة، تُسمى كل واحدة منها (عِليَّة). أما الحبوب فإنها تُوضع في (خصاف؛ جمع خصفة) وتُسمى أيضًا (قِفاف؛ جمع قُفَّة)، وهي كبيرة الحجم تتسع كل واحدة منها لأكثر من 200كجم، وكان بعضها يُوضع في المجالس، وبعضها يُوضع في العلالي، وبعضها يُوضع في أمكنة جلوس العائلة. وتُصنع القُفّة من سعف النخل، وتكون واسعة من أسفلها، وتضيق كلما ارتفعت حتى تنتهي بفتحة تسهل تغطيتها بأي غطاء لمنع الغبار والحشرات من الوصول إلى الحبوب.
 
وأثاث المنـزل في منطقة الباحة كان بسيطًا ومعظمه من البيئة المحلية، فالفُرُش تُصنع من سعف النخل، وتُسمى (المساطح) وواحدها يُسمى (المَسْطَح)،  وسُمي بذلك لأنه يُسطح على الأرض بمعنى يُفرد ويُنشر، وكان الناس يستخدمون (الجُعَّد) بكثرة، ومفردها (جَاعِد) وهو جلد الضأن أو المعز ذات الصوف الكثيف، وتتم معالجة الجلد بالملح والعجين كيلا يفسد وتظهر رائحته، وأصبح الجاعد يُستخدم في الآونة الأخيرة غطاءً لمقاعد السيارات، وفي مداخل المنازل الحديثة، وفي بيوت الشعر، والاستراحات.
 
أما مكان النوم فيكون على الأرض على صوف منسوج محليًّا يُسمى (العباة)،  وأحيانًا يعلوه جلد مدبوغ بعناية، ويكون رقيقًا وناعمًا ويُسمى (الرَّهْط). وأما المخدة (الوسادة) فإنها تكون طويلة ومحشوة بثمار بعض النباتات المحلية وخصوصًا (الرَّيْن) الذي له ثمار تشبه ثمار القطن، أو تُحشى بريش الدجاج، أو بصوف الغنم، أو بالتبن الناعم في حالات نادرة وقليلة إذا تعذر وجود البدائل الأخرى. ويكون الغطاء بطانية أو (عباة) وتُصنع محليًّا من الصوف، وتكون ثقيلة ومتينة، وتفيد كثيرًا في أيام البرد القارس لدفئها وتوصيلها الرديء للبرودة.
 
وأحيانًا يتخذ الناس ما عُرف محليًّا بـ (المَسْدَح)،  وهو يتكون من عوارض تحتية تُعلق في السقف بأربعة حبال قوية، كل حبل في ركن من أركانه، ويعلو العوارضَ التحتية جريدٌ مرصوف، ويعلو الجريدَ ما يُعرف محليًّا بـ (الرمايل) وهي قصب دقيق وطويل لنبات ينبت حول موارد المياه والغدران يُسمى (النَّمَص)، وتُحزم كل مجموعة من القصب مع بعضها في حزمة مكوِّنة قطرًا يُقدر بـ10سم تقريبًا، وتُرص الحزم بجوار بعضها حتى تغطي سقف (المسدح)، ويُوضع فوقها ما يتوافر من فُرُش أخرى مثل (العباة)، أو البطانية، أو (الرهط)، أو الجودري (اللحاف) وهو غطاء لا زال يُستعمل إلى اليوم، وهو يتكون من قطن يغطيه قماش من الجانبين يصل بينهما خِيَاط مستمر أو غرز متقاربة من الخِيَاط.
 
أما في الوقود فكان الاعتماد على الحطب، وكان الناس يبذلون جهودًا مضنية في جمعه، وأحيانًا يأتون به من مسافات بعيدة على ظهور الحمير والجمال، وأحيانًا يشترونه من رجال البادية الذين يأتون به على ظهور جمالهم ويبيعونه في الأسواق الأسبوعية، وفي كثير من الأحيان يتم بيع الحطب في القرى التي يمرون بها قبل الوصول إلى السوق. وكان بعض الحطب يوضع بجوار الملة داخل المنـزل في مكان يُسمى (المَحْطَبَة) ليسهل على ربة البيت تناوله واستخدامه في طهي الطعام وإعداد القهوة.
 
وكانت أدوات الطبخ بسيطة وبدائية، وهي قدر - أو أكثر - مصنوع من الخزف ويُسمى (المخمر)، فإذا كان صغيرًا سُمِّي (التورة)، وإذا كان كبيرًا سُمِّي (المروب)، وقدح - أو أكثر - مصنوع من الخشب، وصحن مصنوع من الخشب أيضًا، والصغير منه يُسمى (الصحفة) والكبير يُسمى (صحن العود)،  وبعضها يكون منقوشًا، وإذا كان كبيرًا جدًّا وُضعت له علَّاقتان من الحديد ليحمله رجلان عندما يمتلئ بالطعام، وصحون العود الكبيرة لا توجد إلا عند قلة من أفراد المجتمع، وكان الناس يستعيرون أدوات الطبخ من بعضهم عند الحاجة، مثل وجود عدد كبير من الضيوف، أو وجود مناسبات كبيرة مثل الزواج، والخطوبة، والتميمة (العقيقة).
 
أما الماء فكان يُستخرج من الآبار بوساطة الدلاء في الغالب، ويُحمل إلى المنـزل في قِرَب، وكانت المرأة هي التي تقوم بجلب الماء، وتُعلَّق القربة في مكان قريب من مكان الجلوس، وكانت القربة الواحدة تكفي الأسرة المتوسطة يومًا كاملاً تقريبًا، وتتسع القربة الواحدة لتنكتين (صفيحتين)، أي نحو 35 لترًا. وكان الوعاء الذي يُستخدم للوضوء يُسمى (الرَّكْوَة)  ويشبه الإبريق، ويُصنع في الغالب من جلد رقبة الجمل بعد معالجته بالدباغة، وإغلاق الجزء الأسفل بقطعة جلدية، وخياطتها بسيور جلدية أيضًا، وتتم خياطة الوسط من الأعلى، ويُوضع في جانب منه عظم ساق أو رِجل غنم مفتوح من الجهتين ويُخاط عليه، وفي الجهة الأخرى تُترك فتحة أكبر تُغلق بقطعة خشبية، وتتم تعبئة الركوة بالماء من جهة تلك الفتحة الكبيرة، ويتم صب الماء من العظم الذي يشبه (بزبوز) الإبريق.
 
وكان الناس ينامون مبكرين ويستيقظون مبكرين، ولهذا لم تكن توجد حاجة كبيرة لاستخدام الإضاءة التي كانت تتم عن طريق (المضاويح؛ واحدها ضُوَاح) وهي أعواد خشبية تُشبع بالسمن أو الشحم وتُشعل فيها النار. وكانت الأسرة تحتفظ بالجمر بعد تغطيته بالرماد لاستخدامه في إشعال النار مرة أخرى عندما تريد الطبخ، وهذا يعني أن جذوة النار تبقى في المنـزل طيلة اليوم، وإذا حدث أن انطفأ الجمر فإن ربة البيت تذهب إلى إحدى جاراتها لتأخذ منها جمرة توقد بها النار، أو تشعل عودًا وتعود به إلى منـزلها. وبعد ظهور النفط استخدمه الناس في الإضاءة والوقود، وصاحب ذلك انتشار استعمال الكبريت. وأول ما استخدم الناس عندئذٍ ما عُرف في المنطقة باسم (الجازة)  نسبة إلى الجاز (الكيروسين) الذي يُستخدم لإشعالها، والجازة هي علبة فارغة من علب زيت الفرامل أو ما شابه ذلك، ويُركب في غطائها أنبوب تُوضع فيه فتيلة أسفلها في (الجاز) وأعلاها ظاهر بمقدار 5مم تقريبًا، وهو الجزء الذي يتم إشعاله. ولقد شكلت (الجازة) والكبريت ثورة في حياة سكان الريف؛ فقد اختصرت عليهم الجهد والوقت، وأراحتهم من عناء إبقاء جذوة النار موجودة طيلة اليوم، أو اللجوء إلى الآخرين لاقتباس النار. وبعد ذلك جاء الفانوس، وبعده جاء (الإتريك) الذي يُعد أفضل أنواع الإضاءة، وكان لا يُستخدم في الغالب إلا في المناسبات مثل الضيافة والعقيقة والزواج. وظل الناس يستخدمون هذه الأنواع من الإضاءة إلى أن جاءت مشروعات الكهرباء الخاصة في التسعينيات من القرن الرابع عشر الهجري/السبعينيات من القرن العشرين الميلادي، إذ كانت كل مجموعة من القرى تُنشئ مشروعها الكهربائي الخاص، وكان بعضها يعمل لمدة ست ساعات بعد الغروب، وبعضها يعمل اثنتي عشرة ساعة، وقلَّ أن تجد مشروعًا خاصًّا يعمل أربعًا وعشرين ساعة. وبعد أن جاءت الشركة الموحدة للكهرباء اختفت المشروعات الخاصة، واستمر تدفق التيار الكهربائي أربعًا وعشرين ساعة، وتبع ذلك توسع في استخدام الأجهزة المنـزلية الكهربائية مثل الثلاجات والغسالات والمكنسات ونحوها.
 
والحديث عن الإضاءة يقودنا إلى الحديث عن مصادر الطاقة والوقود التي كان الناس يعتمدون عليها في حياتهم، فقد كان الحطب هو المصدر الوحيد للطاقة، وهو المصدر الطبيعي المعتمد على البيئة المحلية. وكان الناس يعانون الأمرَّين في الحصول عليه؛ لبعد أمكنة توافره، ولندرته. وكانت مهمة جمع الحطب في الغالب موكولة إلى النساء، وكُنَّ أحيانًا يذهبن قبل الفجر إلى الأمكنة البعيدة على شكل جماعات ليؤانسن بعضهن، ولتساعد كل واحدة منهن الأخرى وخصوصًا عند تحميل الدواب من حمير وجمال. وأحيانًا يشترك بعض أفراد العائلة في جمع الحطب وجلبه من الأمكنة البعيدة، فالرجال والنساء والأطفال يشاركون في هذه العملية، كلٌّ حسب طاقته. وكان الحطب نوعين: نوع مصدره النبات ويُسمى (الشُّناع؛ مفردها شُنعة)، وتُطلق على النبتة عندما يتم اقتلاعها كاملة مثل (الطُّبَّاق) و (الضُّرم) و (السيسبان) ونحوها، وهذا النوع يُستخدم لإيقاد النار لسرعة اشتعاله، ويُستخدم في تجهيز الأشياء البسيطة؛ أما النوع الثاني فهو الحطب، وبعضهم يطلق عليه اسم (الخالع) إشارة إلى جفافه ويُبسه، وهو المصدر الرئيس للطبخ والتدفئة ويُؤخذ من فروع الأشجار اليابسة وجذوعها.
 
وبعد ظهور الوقود ذي المصدر الأحفوري والمعتمد على النفط ومشتقاته أصبح للناس بدائل ميسرة وسهلة عن الحطب والنباتات. وربما كانت (الدوافير) من أولى أدوات الطبخ التي تعتمد على الجاز (الكيروسين)، وتبعتها (الطباخات) المعتمدة على المصدر نفسه، وأخيرًا انتشرت المواقد (البوتاجازات) المعتمدة على الغاز. وبعد وصول الكهرباء استخدم بعضهم مواقد تعتمد على الكهرباء، كما أصبحت الكهرباء المصدر الرئيس للطاقة، إذ يُعتمد عليها في الإضاءة، وفي تشغيل الأجهزة الكهربائية بأنواعها المختلفة، وفي تشغيل أجهزة التدفئة والتبريد.
 
مظاهر الثبات والتغير
 
على الرغم من أن المساكن الحجرية القديمة أهم ما بقي من شواهد الحياة السابقة في منطقة الباحة، حيث تقف شامخة على قمم الجبال وكأنها قلاع حربية متلاصقة، تحكي للأجيال المتلاحقة ما شهدته من أحداث منها المفرح ومنها المحزن، وما كان يخفق فيها من أرواح واجهت مصاعب الحياة وتقلباتها بروح الفريق المتكاتف، وبهمة لا تعرف الملل والكلل، واستطاعت أن تتغلب على ظروف الجوع والمرض والفقر في معظم الحالات؛ فقد هُجرت تلك المساكن، ولم يعد أحد يعيش فيها، وآل بعضها إلى السقوط بسبب الإهمال، وبعضهم بنى مسكنه الجديد قريبًا من مسكنه القديم  واستخدم القديم مستودعات وأمكنة لإيواء الدواب مثل الأغنام والأبقار. وفي السنوات الأخيرة بدأ بعضهم يبني بجوار (فِلَّته) الحديثة مجلسًا حجريًّا على الطراز القديم، وذلك على غرار إقامة بيوت الشعر في المدن والتي تُعد إحياءً لجزء من حياة البادية قديمًا.
 
شارك المقالة:
45 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook