ماهي مقومات الحركة الثقافية في منطقة الباحة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
ماهي مقومات الحركة الثقافية في منطقة الباحة في المملكة العربية السعودية

ماهي مقومات الحركة الثقافية في منطقة الباحة في المملكة العربية السعودية.

 
لا شك أن ظهور أي حركة ثقافية وازدهارها مرتبط ارتباطًا وثيقًا بتوافر مقوماتها الرئيسة مثل: التعليم، والمؤسسات الثقافية، والأندية الأدبية، والمكتبات، والطباعة، والنشر والصحافة، والإعلام، وغيرها. وقد توافر في منطقة الباحة قدر جيد من هذه المقومات، وبخاصة في العهد السعودي، جعل من قيام حركة ثقافية فاعلة أمرًا ممكنًا. ونستعرض فيما يأتي أهم هذه المقومات وطبيعة الإسهام الذي قام به كل مقوم في هذه الحركة:
 
 التعليم  
 
التعليم هو العنصر الرئيس لكل ثقافة وفكر، فهناك تلازم تام بين ظهور الثقافة والفكر وتطورهما في مكان ما، وبين انتشار التعليم وارتقائه في ذلك المكان. وقد كانت بدايات التعليم في منطقة الباحة قبل العهد السعودي بدايات متواضعة إلى حد كبير. فبعد الفترة المتواضعة التي عاشتها المنطقة علميًا وتعليميًا لعدة قرون، بدأت تظهر في منتصف القرن الثالث الهجري جهود فردية لبعض أبناء المنطقة لكسر العزلة التي كانوا يعيشون فيها لتعليم أنفسهم أولاً و تعليم أبناء منطقتهم فيما بعد. ثم أخذ الاهتمام بالتعليم والعلم يزداد شيئًا فشيئًا مع مرور الزمن إلى أن أصبح كثير من أبناء منطقة الباحة في الآونة الأخيرة من رواد الفكر الثقافي، ليس في المملكة فحسب، بل في الوطن العربي أيضًا. وقد اتخذ تطور التعليم في منطقة الباحة تاريخيًا الأشكال الآتية:
 
أ - الرحلة لطلب العلم:
 
لعل أول مظهر من مظاهر الاهتمام بالعلم والتعليم في منطقة الباحة، هجرة كثير من أبناء المنطقة إلى خارجها لطلب العلم والمعرفة، فلقد شهدت المنطقة ارتحال عدد من أبنائها إلى مناطق ووجهات حضرية متعددة تختلف فيما بينها بعدًا وقربًا وازدهارًا وتخصصًا. ومن أبرز هذه المناطق: زبيد، والحديدة، وبيت الفقيه في اليمن، ومكة المكرمة، ونجد، وبلاد الشام، ومصر، وإستانبول، وإرتيريا  . 
 
ويعد القاضي محمد بن عبدالله بن أحمد المنصوري 1223 - 1311هـ/1808 - 1893م من أوائل المهاجرين لطلب العلم في منطقة الباحة في العصور المتأخرة حسب ما نمتلك من معلومات موثقة. فقد سافر لطلب العلم عام 1242هـ/1826م، واستقر في الحديدة ودرس على أيدي مجموعة من علمائها، ثم انتقل إلى بيت الفقيه للاستزادة من العلم. وقد قضى في اليمن قرابة عشرين عامًا لطلب العلم  
 
ومن أبرز أوائل المسافرين من المنطقة لطلب العلم كذلك القاضي حسن بن حسين الأبلجي 1250- 1327هـ/1834 - 1909م الذي لم يكتف بالسفر إلى اليمن لطلب العلم، بل سافر في طلبه كذلك إلى الشام وإستانبول ومكة المكرمة  
 
ويطول بنا المقام إذا ما رمنا سرد كل أسماء العلماء الذين رحلوا لطلب العلم خارج المنطقة، ولذلك نكتفي هنا بإيراد الملاحظات الرئيسة الآتية حول هذه الرحلات:
 
 كان بعض طلاب العلم يسافرون لطلب العلم دون تلقٍّ لأي علم سابق في قراهم أو بلداتهم كما هو الحال مع الشيخين المنصوري والأبلجي، بينما كان بعضهم - خاصة في مراحل زمنية لاحقة - يتلقى تعليمه الأولي في المنطقة ثم يرحل بعد ذلك لطلب العلم، كما فعل القاضي موسى بن عبدالرحيم الخولاني 1280 - 1367هـ/1863 - 1948م على سبيل المثال.
 
 كانت أغلب الرحلات تتجه إلى اليمن، وربما كان ذلك بسبب قربها من منطقة الباحة جغرافية وطبيعة ومجتمعًا.
 
 كانت تطول مدة إقامة طلاب العلم خارج المنطقة إلى فترات قد تصل إلى خمس سنوات أو عشر أو حتى عشرين سنة، وقد لا يكتفي طالب العلم من أبناء المنطقة بسفرة واحدة، بل قد يكررها طلبًا للمزيد من العلم، خصوصًا عندما يكتشف بعد عودته أن ما تلقاه من علم في المرة السابقة غير كاف لتمكينه من الإجابة عن أسئلة طلاب العلم أو طالبي الفتوى كما حدث - على سبيل المثال - للشيخ علي بن إبراهيم المداني الذي يُروى عنه قوله: "تعلمت العلم في زبيد على يد علماء أفاضل لمدة عشر سنوات ثم عدت إلى الوطن وجلست في مجالس العلماء وعرض عليّ مسألة فرضية فيها مناسخات فوقع مني خطأ في المناسخة فعدت إلى اليمن وأمضيت عشر سنوات أخرى ثم عدت وقد تفقهت في الدين والحمد لله رب العالمين" 
 
 أغلب من رحل لطلب العلم، عادوا إلى المنطقة وتولوا عملية نشر التعليم بدورهم فيها بطرق مختلفة، وهم في ذلك يختلفون عن كثير ممن رحل من أبناء هذه المنطقة إلى خارجها في العصور الإسلامية الأولى، وفي العقود الستة الأخيرة من زمننا هذا، فكثير من هؤلاء لم يعد ليقيم في المنطقة.
 
 كانت أغلب الموضوعات التي تحصّل عليها هؤلاء المترحلون تتمحور حول القرآن الكريم وعلومه، والحديث النبوي وعلومه، والفقه وعلومه وبخاصة الفرائض، وحول اللغة العربية وعلومها والتاريخ، وفي بعض الأحيان الأدب عامة والشعر منه خصوصًا.
 
 على الرغم من أن الرحلة لطلب العلم إلى خارج المنطقة كانت ضرورية لكثير من أبناء المنطقة، إلا أن هناك بعض المعلومات التي تفيد بأن بعض علماء اليمن كانوا يأتون للإقامة في المنطقة ويعلمون بعض أبنائها. فالشيخ علي بن محمد الفقيه من قرية الباحة على سبيل المثال" أكمل تعليمه على أحد مشايخ اليمن الذي جاء إلى قرية الباحة واستقر بها   "، والشيخ علي بن محمد إسماعيل الفقيه، وكذلك المعلم جمعان بن خميس من قرية رغدان، كلاهما درس على يد "عالم عرف بالأعمى من اليمن كان يسكن قرية مسب بغامد ويدعى أحمد الحاج، ويعرف بأحمد جنة   "، أما الشيخ عمر بن يحيى بن ردة الزهراني فكان يجلب "بعض علماء اليمن من زملائه ومعلميه لتعليم أبناء عشيرته، وكان يكافئهم من ماله الخاص"  .  ويذكر المعلم حسن بن علي المدني الزهراني أنه تعلم القراءة والكتابة على يد بعض المشايخ الذين كانوا يأتون من اليمن، وأنه عرف القراءة والكتابة قبل وجود التعليم النظامي  .  وكان الشيخ راشد آل رقوش يستقدم لكتَّابه معلمين من اليمن والمغرب وبلاد الشام  
 
ب - الأسر العلمية:
 
انتشرت في المنطقة مجموعة من الأسر العلمية التي كان لها دور رئيس في نشر التعليم وبخاصة القراءة والكتابة اللتان هما مفتاح كل فكر وثقافة. ولعل أقدم أسرة علمية في المنطقة تشير إليها المصادر هي أسرة الشيخ موسى بن عيسى بن عمران الزهراني 738 - 829هـ/1337 - 1426م الذي كان يقيم بقرية الخلف الأثرية بتهامة زهران. فقد "اشتهر بالعلم من أسرته ابنه محمد بن موسى وقبله والده الفقيه عيسى وانتشر حفدته بعد ذلك في أنحاء المنطقة وعرفوا بالفقهاء"  .  وقد وصف الشيخ موسى بن عيسى بالشيخ الصالح الناسك، وكان شيخًا لمؤرخ مكة نجم الدين عمر بن فهد الذي ترجم له، وترجم له كذلك السخاوي وصاحب كتاب طبقات الخواص وغيرهما، وذكروا أنه كان غزير العلم مهتمًا بالفقه، صالحًا تقيًا يتشبه بسيرة السلف الصالح ويكثر من الإنفاق وإطعام الطعام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر  
ومن الأسر العلمية المرموقة المجاورة لأسرة موسى بن عمران والمعاصرة لها، أسرة ابن جُمَيع التي اشتهرت بالعلم والصلاح والعبادة. ومؤسس هذه الأسرة هو إبراهيم بن جميع الذي سكن الخليف وكان "عالمًا فاضلاً زاهدًا جليل القدر فارسًا شديدًا له سطوة عالية". وتنسب هذه الأسرة إلى بني هاشم، ولدى أحفادهم اليوم شجرة نسب تثبت ذلك. وقد خلّف إبراهيم بن جميع سبعة أبناء انتشروا في أمكنة متفرقة من المنطقة عرفوا باسم "المشايخ" وكذلك باسم الفقهاء  
 
ومن الأسر العلمية المرموقة في المنطقة أيضًا أسرة الأبالجة التي انتشر أفرادها في عدد من قرى بلاد غامد، وتولوا مهام الفتيا والقضاء والتعليم في المنطقة. ومؤسس هذه الأسرة هو القاضي عيسى بن أحمد الأبلجي، المولود في أواخر القرن الثاني عشر الهجري في قرية الحبشي، كلفه محافظ مكة أحمد باشا عام 1233هـ/1818م، بالفتيا والقضاء بكتاب الله وسنة رسوله وذلك بإجازة أحمد باشا نفسه وبموافقة محمد علي باشا حاكم مصر آنذاك. وقد انتشر بنوه وأحفاده مثل محمد بن عيسى، وسعيد بن محمد، وحامد بن حمدان، وحسن بن حسين في قرى المنطقة المختلفة لإرشاد الناس وتعليمهم  
 
ومن أبرز الأسر العلمية التي انتشرت في غامد: "أسرة آل عبدالمعطي بقرية بني عُبيد، وأسرة الفقهاء بقرية البركة، وأسرة آل يوسف بقرية مَقْمُور، وأسرة آل زين بقرية قرن بني سالم، وأسرة آل هباد وآل منصور, وآل حسيكي ببلجرشي، وأسرة آل أبي حشيش بقرية الجِلْحِية"  .  أما الأسر العلمية التي انتشرت في زهران، فمنها: "أسرة آل بالرقوش ببني سار، وأسرة أحمد بن خضران بقرية القرن بآل موسى، وأسرة محمد بن فوزان بآل موسى، وأسرة عبدالله بن قرهم بجافان، وأسرة أحمد بن عايض بقرية رسباء، وأسرة بن ردة بوادي الصدر، وأسرة محمد بن أحمد من خيرة، وأسرة عبدالله بن واصل وأحمد بن عيسى بالقوارير، وأسرة الصالبي بوادي الصدر، وأسرة سعيد بن عبدالله الزهراني بالعُنُق"  ،  وكذلك أسرتا المالحي وآل معجب وأسرة موسى بن عبدالرحيم الخولاني من قرية الشطة من بني بشير، التي انتشر أفرادها في غامد وزهران وكانوا أئمة مساجد ومعلمين  .  ومن الأسر العلمية في تهامة الباحة أسرة أو بيت السلالية في قرية (السند) شمال المخواة التي عنيت بالتعليم والإفتاء وعرف رجالها بالفقهاء أو (السادة) ورحل بعضهم في طلب العلم إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة وصنعاء، وعادوا إلى المنطقة بما يحملونه من علم. وكذلك أسرة ابن عيدان "الفقيه" في قرية القزة جنوب المخواة  ،  وأسرة آل جابر السني التي ظلت تحتفظ بمسجد ومعلامة في الخليف حتى عهد قريب، وأسرة آل سهل، وأسرة آل إسحق بن إبراهيم  
 
وكانت ظاهرة الأسر العلمية - كما وصف إحداها أحد الدارسين - "شموسًا في ليل السراة"، أظهرها الله سبحانه وتعالى لإخراج الناس في هذه المنطقة من ظلام الجهل الذي ساد في وقت كان الناس فيه منشغلين بمعايشهم وتأمين متطلباتهم الحياتية عن طلب العلم  
 
ج - الكتاتيب: 
 
ربما كانت الكتاتيب من أقدم أشكال التعليم المنظم إلى حد ما في منطقة الباحة. وقد كانت هذه الكتاتيب في المنطقة تأخذ أشكال حلقات تعليمية تعقد في المساجد أو في منازل العلماء  .  وقد نشأت هذه الكتاتيب أو (المعلامات) إما على أيدي العلماء والفقهاء، الذين عادوا من طلب العلم خارج المنطقة أو على أيدي تلاميذهم، أو على أيدي بعض المهتمين بأمور التعليم من وجهاء المنطقة وشيوخها.
 
وعلى الرغم من أنه لم يكن هناك نظام صارم واحد تسير عليه هذه الكتاتيب في المنطقة، إلا أن التوصيف التالي الذي ذكره أحد الباحثين يكاد يكون في عمومه مشتركًا بين هذه الكتاتيب. فقد كان الطلاب يفدون إلى "المكان المتفق عليه مع معلمهم "الفقيه" ويتجمعون حوله في حلقات أشبه بحلقات الذكر، وبيد كل طالب مصحفه ولوحه الخشبي، فيبدأ المعلم بتعليمهم حروف الهجاء، حتى إذا أتقنوها نطقًا وكتابة أخذ يدرسهم في المصحف الكريم والحديث والفقه". أما فترة التعليم والدراسة هذه فتنتهي بانتهاء الدارس "من قراءة المصحف بكامله وحفظه الدروس المقررة في الحديث والفقه، فيغادر الحلقة ليترك الفرصة لطالب آخر"  
 
وقد كان بعض علماء المنطقة يمنحون الإجازات العلمية للدارسين في حلقاتهم التعليمية، كما فعل الشيخ علي بن صالح الغامدي، على سبيل المثال، عندما كتب إجازة لتلميذه أحمد بن محمد الجداوي  
 
وكانت الكتاتيب منتشرة بكثرة في منطقة الباحة بحيث يصعب حصرها في عدد محدد؛ (انظر الملحق 1).
 
ولم يكن التعليم في هذه الكتاتيب في هذه الفترة مقتصرًا على الذكور، بل شمل الإناث أيضًا، فقد "كانت المعلمة منسية من قرية المدان ببلجرشي في غامد تعلّم البنات في عهد الدولة السعودية الأولى. وكانت المعلمة حسنة بنت حسن بن عبدالمعطي ببني عبيد في غامد تستخدم كتّابًا لها في تدريس الفتيات قبل عام 1356هـ/1937م. كذلك علمت المعلمة زهرة بنت الأعمى القرآن الكريم للبنين والبنات في كتّاب قرية المكارمة بغامد، مما هيأ الدارسات اللاتي درسن عليها لفتح كتاتيب للتعليم في بلجرشي وقرية المصنعة. وكانت المعلمة زهرة قد افتتحت في العام 1358هـ/1939م، مدرسة للبنين وأخرى للبنات، وفي عام 1372هـ/1953م، انتقل الطلاب للمدرسة السلفية، أما مدرسة البنات، فقد استمرت إلى عام 1380هـ/1960م وكان يطلق عليها اسم المدرسة السلفية للبنات بالمكارمة"  .  وكانت إحدى نساء أسرة آل حسيكي العلمية بغامد تدرس الفتيات القرآن الكريم في قريتها ببلجرشي"  .  وقد ذكر الشيخ محمد بن سعد البركي أن هذه المرأة هي جدة آل حسيكي وكانت تدعى درويشة بنت غرسان وقد درس جده علي بن بخيت على يديها  .  وكانت المعلمة شريفة بنت المصنعي في بيت الشعابين ببلجرشي تعلم عددًا من البنات القرآن الكريم والحديث النبوي في ما يشبه مدرسة افتتحتها في بيت زوجها الشيخ عبدالعزيز بن علي المصنعي في منتصف السبعينيات من القرن الماضي  .  وكان الشيخ راشد أبا الرقوش الزهراني يقوم بتعليم نساء بيته وأقاربه القرآن الكريم وأمور دينهن وبعض المسائل الفقهية، بعد أن ينتهي من تعليم الذكور  .  وكان الشيخ عمر بن يحيى بن ردة الزهراني يفعل الشيء نفسه مع أهل بيته. وكان "للمرأة نصيب من التعليم عن طريق والدها إن كان من أهل العلم، أو أخيها، وكانت النساء يحضرن مجالس الوعظ والذكر، من وراء حجاب يوضع في المسجد، وتارة يكنَّ في فناء المسجد بعيدات عن الرجال"  .  ومن الأسماء النسائية الرائدة في مجال تعليم الفتاة في منطقة الباحة قبل العهد السعودي الأميرة الأديبة عطرة بنت سعيد بن عائض التي ولدت في الظفير، مركز إمارة غامد وزهران، فقد كان أبوها أميرًا على تلك الجهات من قبل أخيه محمد بن عائض، "ونشأت في كنف والدها، وتلقت العلم مع إخوانها... على أيدي علماء المنطقة وأشهرهم جماح بن علي الغامدي"   وغيرهم، وأنشأت مدرسة لتعليم البنات في بلدة الظفير انضم إليها بعض الفتيات من الأسر المختلفة  
شارك المقالة:
368 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook