ماهي عوامل الانصهار الثقافي في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
ماهي عوامل الانصهار الثقافي في المملكة العربية السعودية

ماهي عوامل الانصهار الثقافي في المملكة العربية السعودية.

 
 
وجد عدد من العوامل التي أسهمت إسهامًا مباشرًا في تحقيق الانصهار الثقافي بين مناطق المملكة، ويمكن تقسيم هذه العوامل إلى: العوامل السياسية، والإعلام، والعوامل الاقتصادية، والعوامل الاجتماعية:
 

 العوامل السياسية

 
يُعد توحيد المملكة على يد الملك عبدالعزيز في كيان واحد، وظهور الحكومة المركزية، واستباب الأمن من أهم عوامل الانصهار الثقافي للمجتمع السعودي، مما مهد الطريق أمام ظهور العوامل الأخرى مثل التغير الاقتصادي الذي بدأ باكتشاف النفط واستثماره، وكان له انعكاس كبير على التغير الاجتماعي والهجرة بين المناطق في وقت لاحق.
كما أن ظهور المؤسسات الحكومية الرسمية ذات الطابع الوطني، مثل: الخدمة المدنية، والأحوال المدنية، والجيش، والأمن، والجوازات، والتعليم، والصحة... وغيرها من المؤسسات الحكومية أسهم في بروز الهوية الوطنية للدولة وللمواطنين، فقد أصبح جميع المواطنين يحملون هوية واحدة (سعودي)، ويعملون في القطاعات ذاتها بصرف النظر عن انتماءاتهم القبلية أو الإقليمية.
 

 الإعلام

 
وقد كان له دور مهم؛ فقد أسهم في تقريب الهوة الثقافية بين المناطق، وتعريف أبنائها بالمناطق الأخرى، وكذلك أسهم في التعريف باللهجات المحلية والمناطق الجغرافية مما جعل ذلك مألوفًا لدى الجميع، وذلك من خلال البرامج التلفازية والإذاعية الوطنية التي تُعرِّف بأجزاء الوطن، والمسلسلات والتمثيليات المحلية التي أسهمت في التعريف باللهجات المحلية لدى شرائح المجتمع كافة.
 

العوامل الاقتصادية

 
كان لاكتشاف البترول واستثماره وزيادة الدخل الوطني أثر كبير في التغيير الاجتماعي والانصهار الثقافي للمجتمع السعودي؛ فقد ساعدت عائدات النفط على الاستثمار في البنية التحتية للمجتمع، وبناء مؤسسات الدولة، وتحسين دخل المواطنين، وزيادة الهجرة الداخلية بين القرى والمدن والمناطق، والنهوض بمستوى التعليم والصحة، واستقدام الخبرات والعمالة من مختلف دول العالم مما مهد للتغير الاجتماعي وانصهار الثقافات المحلية في بوتقة واحدة.
وفي مرحلة لاحقة كان لظهور الشركات الصناعية والتسويقية الكبرى دور بارز في الانصهار الثقافي بين مناطق المملكة، فقد أسهمت في توحيد المنتَجات الاستهلاكية وأساليب تسويقها في جميع أنحاء المملكة، بالإضافة إلى توحيد أنماط التسوق وأشكال الأسواق، إذ ظهرت الأسواق المركزية الكبرى والمجمعات التجارية في جميع أنحاء المملكة  ، مما جعل المواطن - أيًا كان مسكنه - يجد البضاعة ذاتها، مما أسهم في إيجاد ثقافة اقتصادية متماثلة ومشتركة. هذا النمط من الثقافة الاقتصادية أوجد أنماطًا استهلاكية متقاربة أيضًا، فأيًا كان موقع الشخص في المجتمع السعودي فإنه أصبح على دراية ومعرفة بالمنتَجات العالمية والمحلية، ولم تعد توجد حواجز اقتصادية تحد من انتقال البضائع من مكان إلى آخر، أو تجعل فئة من المجتمع على معرفة بمنتَج دون الأخرى. وقد أسهم ذلك أيضًا في تشابه الملبوسات والمأكولات وغيرها من مظاهر الحياة المختلفة.
 

العوامل الاجتماعية

 
لقد أسهمت العوامل الاجتماعية - إلى درجة كبيرة - في انصهار الأنماط الثقافية المحلية يأتي في مقدمتها عامل الهجرة الريفية - الحضرية، فقد أدت برامج التنمية وتطور المواصلات الذي شهدته المملكة من طرق سريعة ومطارات وموانئ إلى هجرات واسعة من أبناء المناطق المختلفة فيما بينها كما أنه كسر الحواجز الطبيعية التي كانت عائقًا قويًا لتنقل الأفراد والبضائع، مما سهل فرص التنقل والاختلاط بين أفراد المجتمع، كل ذلك أسهم في إيجاد بيئة اجتماعية وثقافية ذات هوية مشتركة ذابت من خلالها الثقافات الفرعية إلى درجة كبيرة. كما أسهم الاختلاط الوظيفي بين أبناء المجتمع السعودي إلى إيجاد بيئة العمل المشتركة التي أسهمت في تعميق الشعور بالوحدة الوطنية، فقد حدث تقارب كبير بين أبناء المناطق المختلفة، وذاب كثير من الفوارق الطبقية والقبلية، وحلت بدلاً منها قيم العلم والثقافة والكفاءة والخبرة، وزاد الشعور بالانتماء إلى وطن يتسع لجميع أبنائه. وقد كان للمدارس دور كبير في نقل ثقافة المواطَنة وترسيخها عوضًا عن ثقافة القبيلة وغيرها، إذ يدرس جميع الطلاب في جميع أنحاء المملكة منهجًا واحدًا، ويرتدون ملابس شبه موحدة سواء للذكور أو الإناث، ويتحدثون لغة مشتركة، مما أوجد بيئة ثقافية مدرسية موحدة.
كما أن توحيد أساليب تخطيط المدينة السعودية وأشكال المباني الرسمية أوجد نوعًا من التماثل في أشكال المدن السعودية ومبانيها الرسمية، بحيث يمكن تحديد هوية المبنى ومعرفتها بمجرد النظر إليه من بُعد، مثل المدارس الخاصة بالذكور أو الخاصة بالإناث، وكذلك أشكال المباني الخاصة بالمؤسسات التجارية مثل البنوك؛ فكل بنك له نمط بنائي موحد في جميع أنحاء المملكة، وينطبق ذلك أيضًا على المطاعم العالمية الكبرى المتوافرة في مختلف مناطق المملكة، وحتى المطاعم المحلية ذات السلسلة التجارية. وقد أدى ذلك إلى تسهيل معرفة تلك المنشآت وتحديدها بمجرد النظر إلى المبنى في جميع أنحاء المملكة، كما أسهم ذلك في صنع هوية ثقافية موحدة للمدن السعودية انعكست بدورها على كثير من الممارسات الثقافية التي اتخذت طابعًا متقاربًا في جميع أنحاء المجتمع السعودي.
ونخلص من هذا كله إلى القول إن هذه العوامل عملت مجتمعةً على إحداث الانصهار الثقافي لأطياف المجتمع السعودي، وإنه لا يمكن فصل هذه العوامل بعضها عن بعض، فقد أسهمت جميعًا في إيجاد الهوية السعودية الموحدة التي برزت في كثير من المظاهر الاجتماعية والاقتصادية التي تزداد قوةً يومًا بعد يوم نتيجةً لتضافر كل الجهود على ترسيخ الاندماج والانصهار الثقافي، وتقوية الوحدة الوطنية والهوية الثقافية السعودية وتعزيزها.
 
شارك المقالة:
81 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook