أ - خرائب معشوقة:

 

وهو من المواقع ذات الأهمية الأثرية في منطقة الباحة، ويتكوّن من مجموعة من القرى (قرابة 20 قرية)  ،  تقع على بُعد 20كم شمال بيدة. وتنتشر خرائب تلك القرى على مرتفعات شرقية وغربية يفصل بينها وادي معشوقة، ومن هذه الخرائب: خربة مزعر.

 

- خربة مَزَعّر: 

 

وهذه القرية لا يزال اسمها متداولاً بعد إضافة كلمة "خربة" التي تعني بقايا تدمير وتخريب، إلا أن واقع الأمر ليس كذلك، فمظهر بيوتها يوحي أنها لم تُدمر، وإنما هُجرت. وقد كان لصلابة بنائها وارتفاعها الشاهق وبعدها عن أيدي التخريب - إضافة إلى صعوبة الوصول إليها - دور كبير في الاحتفاظ بمنشآتها المعمارية.

 

وتقع هذه القرية على ربوة عالية غربي وادي معشوقة، وتتكون من مجموعة من البيوت المتراصة تقدر بنحو 50 بيتًا  

 

أما جدران تلك البيوت فهي مبنية من الرضم، ويبلغ عرض مدماك الجدار مترًا واحدًا، ولا تزيد مساحة غرف البيوت عن 2×2م، وهي قليلة الارتفاع، إذ إن أغلبها يكون في حدود طول الإنسان متوسط القامة، وأبواب البيوت صغيرة وقليلة الارتفاع، ونوافذها ضيقة لا تزيد مساحة فتحاتها عن 50×50سم، وتكاد تنحصر في الجهات الشرقية، وليس لها نوافذ غربية  ،  ومساحة البيوت تكون في الغالب صغيرة، ومعظمها متعدد الأدوار، وكثير منها يتكون من أربعة طوابق  

 

وتمتاز عمارة بيوت مزعر - وهي نموذج جيد لبقية البيوت في معشوقة - بجودة بنائها، وحسن مظهرها ودقة في استقامة جدرانها وقياس زوايا أبوابها ونوافذها، إضافة إلى تزيين أعالي الجدران الخارجية لبيوتها بمدماك من أحجار "المرو" وهو حجر شديد البياض، يكون بمنـزلة التاج، ويتميز بجمال منظره ودقة تنفيذه.

 

وتحيط بالقرية حصون بارتفاع يقارب 30م، وليس لهذه الحصون  نوافذ إلا أن بها بدائل للنوافذ تتمثل في أبراج صغيرة  .  وتقع المقبرة  في الجهة الغربية، وبعض القبور عليها بناء مرتفع  

 

ب - آثار جبال عَيْسَان:

 

تقع عَيْسَان إلى الشمال من مدينة الباحة، وعَيْسَان - بفتح العين وسكون الياء وفتح السين ثم ألف ونون - اسم لسلسلة جبلية تبدأ من شمال شرق بلدة بني سار، وتمتد بطول يراوح بين 60 و 65كم حتى وادي السوسية، وفيها حمى بني سار المعروف بحمى المسيكة، ومن جبالها: الأزهر والحازم، وتشتهر جبالها بالأشجار، مثل: العرعر، والقرض، والزيتون البري (العتم)، والشث، ويعرف الجزء الجنوبي منها بالفيض (فيض بني سار)، ويُعدّ من أفضل مناطق الرعي.

 

وقد كشفت المسوحات الأثرية التي جرت في المنطقة عام 1401هـ/1981م، والمسوحات الخاصة بمواقع التعدين القديمة عام 1403هـ/1983م، والمسوحات الخاصة بمواقع النقوش والكتابات القديمة عام 1411هـ/1990م؛ عن وجود مظاهر حضارية كثيرة تعود إلى العصور القديمة المتزامنة مع عصر الممالك العربية القديمة حتى العصور الإسلامية.

 

ج - وادي المنـزل:

 

وهو أحد أودية جبال عيسان، ويقع شرق بلدة بني سار ويبعد عنها نحو 6كم عبر طريق جبلي ممهد، وفي هذا الوادي عُثر على نقوش قديمة وعدد من الرسوم لحيوانات متعددة وعدد من الوسوم، كما عُثر في أسفل الوادي على ثلاثة نقوش بالخط المسند تنتمي إلى الكتابات الشمالية أحدها واضح. 

 

وقد كُتبت نقوش هذا الوادي على الصخور الواقعة على ضفته حيث تم حصر 12 نقشًا منها 9 نقوش إسلامية وثلاثة نقوش بالخط المسند، إضافة إلى عدد من الرسوم المختلفة وأغلبها للجِمال  

 

د - وادي ثراد: 

 

وهو واد من أكبر أودية جبال عيسان، ويخترقها باتجاه الشرق حتى العقيق، وسُمّي (ثراد) ربما نسبة إلى ثراد بني كبير، ويوجد في وسط الوادي تقريبًا مضيق يصعب العبور من خلاله إلى النصف الآخر ويطلق على الأول ثراد الأعلى والثاني ثراد الأسفل. وقد عُثر في ثراد على رسوم صخرية ملونة لجمال وخيول ورسوم آدمية  

 

1 - ثراد الأعلى:

 

تصب سيول وادي المنـزل في وادي ثراد الأعلى، ويلتقي الواديان عند أكمة على واجهات صخورها نقوش وكتابات إسلامية تبعد عن موقع النقوش التي عُثر عليها في المنـزل بنحو 1كم تقريبًا وقد نقشت على الجانب الشرقي للوادي المكون من صخور نارية ذات لون بني إلى أسود. وقد تم إحصاء 10 نقوش إضافة إلى عدد من الرسوم والوسوم. 

 

2 - ثراد الأسفل:

 

يقع بالقرب من بلدة العقيق ويبعد عن مطار الباحة بنحو 25كم تقريبًا إلى الجنوب الغربي منه عبر طريق وعر جدًا، حيث يتم الوصول إليه عبر مجرى الوادي قبل إقامة سد العقيق الذي غمرت مياهه كثيرًا من النقوش التي سجلها فريق المسح عام 1411هـ/1990م.

 

وقد عُثر في هذا الوادي على نقوش ورسوم كثيرة نسبيًا مقارنة بالمواقع السابقة وهي نقوش جيدة من حيث أسلوب كتابتها وتقع على ضفتي الوادي، ومنها رسوم لحيوانات تمثل جِمالاً ووعولاً، وأخرى تمثل مناظر صيد ورسوم نعام. 

 

هـ - القرية الزراعية:

 

تقع على الجانب الشمالي لوادي ثراد وتبعد عن نقوش ثراد الأعلى بنحو 1.5كم حيث تقع مباني القرية على تلة في سفح الجبل ومنازلها قليلة، ربما لا تزيد على 3 أو 4 بيوت وتتكون من غرف صغيرة متوسط مساحة الواحدة منها نحو 3×4م  تقريبًا وهي مبنية من الحجارة متوسطة الحجم ويراوح عرض جدران هذه الغرف بين 60 و 80سم ويوجد في إحداها درج للصعود إلى الأعلى كما توجد في بعض الجدران نوافذ صغيرة الفتحات.

 

وتشرف القرية على الوادي حيث توجد بالقرب من مجرى الوادي آثار مزارع، وإلى الجنوب الغربي من القرية بالقرب من المزارع توجد أطلال مكان مخصص لدراسة الحبوب تتم فيه عملية فصل الحبوب ويعرف باسم "الجرين"، وتتبع ذلك المكان غرف صغيرة تستخدم مخازن لحفظ المحصولات الزراعية.

 

وتكون مقبرة القرية إما مبنية على هيئة غرفة صغيرة مساحة الواحدة منها 2×1.5م تقريبًا، أو تكون محفورة في الأرض، وتلك المبنية عُثر على مجموعة منها في أمكنة متفرقة في جبال عَيْسَانَ، وهي مبنية من الحجارة ومسقوفة بألواح حجرية، وأحيانًا يستخدم سطح المدفن للدفن حيث يوضع فيه الميت ثم يغطى بألواح صخرية بطريقة هرمية، وللمدفن مدخل جانبي صغير  

 

ومن المنشآت المعمارية التاريخية بمنطقة الباحة جزء من الطريق التجاري القديم "طريق القوافل" أو كما يسمى في كُتب التراث الإسلامي "طريق الحج اليمني الأعلى (النجدي) "، ويبدأ في منطقة الباحة من "جرب" قادمًا من العبلاء التابعة لمنطقة عسير. ومن جرب إلى الحائط، ثم القريرة، فإلى البعيثة، ثم إلى إيهار، ثم إلى سايد، ثم إلى أم لال، حتى يصل إلى خلافة، ومنها إلى شعبة خبل. والطريق مرصوف بالأحجار المسطحة، ويحاذيه جداران متوازيان في الأمكنة التي يخشى أن تخرج منها القافلة عن مسارها  .  وعلى مساحات معينة شيدت أعلام للطريق وهي أكوام من الأحجار، إضافة إلى برك وآبار للتزود بالماء  

 

و - الطرق القديمة:

 

يُعَدُّ الجزء المار بمنطقة الباحة من الطريق التجاري القديم أحد المعالم ذات الأهمية التاريخية، ويطلق عليه في بعض أجزائه "درب الفيل"،  وربما أطلق عليه طريق أسعد الكامل، وهو الطريق الذي يسمى في المصادر الإسلامية بطريق الحج اليمني الأعلى، تمييزًا له عن الطريق الساحلي. وهو عند الهمداني "محجة صنعاء"، ويبدأ الطريق من صنعاء إلى صعدة وهما من مدن الجمهورية اليمنية، ومن صعدة إلى كتنة ثم بيشة بعطفان   في منطقة عسير من المملكة العربية السعودية. ثم يخترق هذا الطريق منطقة الباحة بدءًا من تبالة، ثم إلى القريحاء، ثم إلى كرا، ثم إلى نـزبة، وهي بيدة (أبيدة) 

 

ولكل من الأسماء التي عُرف بها الطريق خلفية تاريخية وأحداث سياسية ومبررات دينية؛ أما تسميته بـ"درب الفيل" فنسبة إلى الحملة التي قام بها أبرهة الحبشي على مكة المكرمة. وسمي بطريق أسعد الكامل نسبة إلى أحد ملوك التبابعة الذين قامت دولتهم في اليمن في نهاية القرن الثالث للميلاد (385 - 420م)  ،  وإلى ذلك الملك ينسب كثير من المشروعات العمرانية في هذا الطريق؛ ومنها إعادة تأهيله وتوسعته ورصفه  

 

ومنذ العصور الإسلامية المبكرة إلى وقت قريب اقترن اسم الطريق بالحاج اليمني، فأصبح يدعى "محجة صنعاء"   ومع تقادم الزمن وعدم استعماله، لحق به من الخراب ما أخفى معالمه وضيَّع مساره. وتبذل الجهات المعنية في الوقت الحاضر جهودًا متواصلة لتأهيله وحمايته لكونه معلمًا حضاريًا ورمزًا تاريخيًا.

 

ز - ذو الخَلَصة:

 

بفتح الخاء واللام، والخَلَصة في اللغة: نبت طيب الريح يتعلق بالشجر له ثمر مثل حَبّ العنب  ،  وهو من أشهر أصنام العرب قبل الإسلام، كان ذلك الصنم مروة بيضاء منقوش عليها كهيئة التاج، وكانت تلك المروة موجودة بتبالة بين مكة واليمن  .  وكانت قبيلة خثعم وبجيلة وأزد السراة وما قاربهم من بطون العرب من هوازن، تعظمه وتهدي إليه. 

 

ولا شك أن ذا الخلصة كان على درجة كبيرة من الأهمية في معتقدات الجاهلية، إذ كان يُحج إليه ويُطاف حوله ويُستقسم عنده بالأزلام، وله ثلاثة أقداح: الآمر، والناهي، والمتربص  .  ورغم التعبير عنه بضمير التذكير إلا أنه كان صنمًا أنثى، ويقال لها: الولية  . 

 

وقد بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جرير بن عبدالله البجلي فهدمه  . 

 

يقول ياقوت الحموي (ت 626هـ/1229م): "إن ذا الخلصة اليوم عتبة باب مسجد تبالة"  ،  أي في الفترة التي ألف خلالها معجمه.

 

ويشير بعض الكُتَّاب المتأخرين إلى أطلال بنيان قديم يقع في وادي ثروق في دوس بزهران وأنه بقايا المعبد القديم، وأن تلك الأطلال قد أزيلت 

 

وواقع الأمر أن صنم (ذي الخلصة) انتهى ودمر بل أحرق بعد بعثة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولم يذكر عنه شيء بعدها إلا ما أورده الحموي وهو من كُتَّاب القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي، حين أشار إلى أن صخرة ذي الخلصة أعيد استعمالها في عتبة لباب مسجدٍ بتبالة.