التجويد لغةً تصيير الشيء جيِّداً، والجيّد ضد الرديء، وجوَّد القراءة: أي أتى بها بريئةً من الخلل في النطق، واصطلاحاً: هو إخراج كل حرفٍ من مخرجه مع إعطائه حقّه ومُستحقَّه، والمراد بحقّ الحرف: ما له من الصفات الذاتية اللازمة له كالشِّدَّة والاستعلاء، والمراد بمُستحقّ الحرف: ما ينشأ عن صفات الحرف الذاتية اللازمة كالتفخيم، فإنه ناشئٌ عن صفتين هما الاستعلاء والتكرير؛ لأن ذلك يكون في الحرف في حالة سكونه وتحريكه بالفتح والضم فقط، ولا يكون في حالة الكسر.
تعرّف الميم الساكنة بأنها الميم التي لا حركة لها من فتحٍ أو ضمٍ أو كسر، وتقع الميم الساكنة قبل أحرف الهجاء جميعاً ما عدا حروف المد الثلاثة؛ وذلك خشية التقاء الساكنين، وهو ما يتعذّر النطق به، وللميم الساكنة مع ما بعدها من الأحرف ثلاثة أحكام، وبيان هذه الأحكام على النحو الآتي.
إن للإخفاء الشفوي حرفٌ واحدٌ وهو الباء، فإذا جاءت الميم الساكنة في آخر الكلمة، وجاء بعدها حرف الباء في بداية الكلمة، جاز الإخفاء في هذه الحالة، ويُسمّى إخفاءً شفوياً، ولا يأتي الإخفاء الشفوي إلا في كلمتين، كقول الله سبحانه وتعالى: (وَهُم بِالآخِرَةِ كافِرونَ)، وقول الله تبارك وتعالى: (يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ)، وسبب تسميته بالإخفاء؛ لأن الميم الساكنة تُخفى عند التقائها بالباء بسبب التجانس الذي بينهما، حيث يتّحدان في المخرج، ويشتركان في أغلب الصفات، ويؤدّي الإخفاء في هذه الحالة إلى سهولة النطق، وسمّي شفويّاً لأن الميم والباء يخرجان من بين الشفتين، وهذا الحكم على القول المختار عند علماء التجويد، وذهب جماعةٌ إلى أن حكمه الإظهار وهو خلاف الأولى؛ وذلك لأن الإجماع على إخفاء الميم عند القلب.
إن لإدغام المتماثلين حرفٌ واحد وهو الميم، فإذا جاءت الميم الساكنة في كلمة، وجاء بعدها ميمٌ متحرّكةٌ وجب الإدغام، ويُسمّى إدغام متماثلين صغير، ولا بد من الغنّة عند النطق به، كقوله تعالى في سورة النحل: (وَلَهُم ما يَشتَهونَ)، وقول الله -جل جلاله- في سورة التوبة: (خَيرٌ أَم مَن أَسَّسَ)، وسمّي إدغاماً؛ لإدغام الميم الساكنة في الميم المتحرّكة، ووجه تسميته بالمتماثلين؛ فلكونه مؤلّفاً من حرفين متّحدين في المخرج والصفة، وأُدغم الأول منهما في الثاني، وسمّي بالصغير؛ لأن الحرف الأوّل منهما ساكنٌ، والثاني متحرّكٌ، وهو الذي أنتج الإدغام.
إن حروف الإظهار الشفويّ ستٌّ وعشرون حرفاً الباقية، وهي جميع أحرف الهجاء عدا الباء والميم، فإذا وقع أحد حروف الإظهار الشفوي بعد الميم الساكنة في كلمة أو كلمتين وجب الإظهار، كقول الله -عز وجل- في سورة نوح: (وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا)، وقوله جل ذكره: (وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم)،[ وسمّي إظهاراً؛ فلإظهار الميم الساكنة عند التقائها بأحد حروف الإظهار الشفويّ، وسمّي شفويّاً؛ فلأن الميم الساكنة، وهي الحرف المظهر تخرج من بين الشفتين، ويُنسب الإظهار إلى مخرج الميم، ولا يُنسب إلى مخارج الحروف الستة والعشرين التي تظهر الميم عندها؛ لأن حروف الإظهار الشفويّ لا تنحصر في مخرجٍ واحدٍ محدّدٍ حتى يُنسب الإظهار إليها، وإنما تُنسب إلى مخرج الحرف المظهر؛ بسبب القدرة على ضبطه وانحصاره، وهذا بخلاف الإظهار الحلقي فإنه نُسب إلى مخرج الحروف التي تظهر عندها النون والتنوين؛ وذلك لانحصار أحرف الإظهار الحلقي في مخرجٍ معيّنٍ وهو الحلق.
والذي أنتج الإظهار الشفويّ هو بُعد مخرج الميم عن مخارج الحروف الستة والعشرين، ويُنطق بالإظهار الشفويّ على صفةٍ أشدّ إذا وقع بعد الميم حرف الواو أو الفاء؛ حتى لا يُتوهّم إخفاء الميم عندهما؛ وذلك لاتّحاد مخرج الميم مع الواو، وقرب مخرج الميم من الفاء، وتنقسم حروف الإظهار الشفوي إلى قسمين، وهما كالآتي:
النون الساكنة هي نونٌ حركتها السكون، تثبت لفظاً وخطاً، وصلاً ووقفاً، وتأتي في الأسماء، والأفعال، والحروف، أمَّا التنوين: فهو نونٌ ساكنةٌ زائدةٌ تلحق أواخر الأسماء لفظاً لا خطّاً لغير التوكيد، وتنقسم أحكام النون الساكنة والتنوين إلى أربعة أقسام، وهي على النحو الآتي:
ذهب العلماء إلى أن حكم تعلّم التجويد فرض كفاية؛ فإذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين، أمَّا حكم العمل بالتجويد -أي قراءة القرآن مع تطبيق أحكام التجويد أثناء القراءة- فهو فرض عينٍ، ويقول الإمام ابن الجزري- رحمه الله- في النشر: كما إن أمّة الإسلام متعبّدةٌ بفهم وتدبّر معاني القرآن الكريم وإقامة حدوده، فكذلك هي متعبّدةٌ بتصحيح حروف القرآن وإقامتها على الصفة المنقولة عن أئمة القُرّاء المتصلة بالنبي -عليه الصلاة والسلام- بالعربية الفصيحة التي لايجوز مخالفتها والعدول عنها إلى غيرها.
موسوعة موضوع