جاء الإسلام برسالة تجمع بين أشواق الروح، وحاجات الجسد، وإعمال العقل، وأرسى التشريع الإسلامي أحكامه الناظمة للحياة الإنسانية انطلاقاً من وسطية لا يطغى بها جانب على آخر، وفي سبيل تحرير العقل من الأوهام والخرافات التي عُرف بها العقل العربي عند بعثة النبي صلّى الله عليه وسلّم؛ فقد دعا الإسلام إلى ضرورة إعمال الفكر وإطلاق الطاقات الكامنة في العقل الإنساني، وخاطب المولى -سبحانه- الناس بما يستدعي التفكير، وإنتاج نتائج عقلية صادقة بناءً على معطياتٍ سليمة؛ ومن ذلك قوله -سبحانه- في معرض الدعوة إلى التفكير في نتائج فرضية وجود إلهين اثنين للكون: (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ)، كما عاب على العرب في الجاهلية تعلّقهم بالأوهام، وانسياقهم وراء كلّ قناعة مبناها على الدجل والظنّ والكهانة، على اعتبار أنّ الظنّ في غير محلّه لا يغني من الحقّ شيئاً.
ولأنّ التطبيق العمليّ لشرائع الإسلام لا يستقيم بوجود العقائد القائمة على ادّعاء معرفة الغيب؛ فقد قرّر القرآن الكريم اختصاص المولى -عزّ وجلّ- بمعرفة الغيب، وأنّ هذه الخاصّية من كمال ألوهية الله سبحانه، قال الله تعالى: (قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ)، ويتساءل الكثيرون عن حكم الأبراج وقراءتها، وهل تعدّ من العلوم القائمة على الدجل والشّعوذة، أم أنّها علم مؤصّل بأسس وحقائق علمية لا تقبل الطعن أو التشكيك؟
لمّا كان علم الأبراج قائم على الظنّ، وادّعاء الغيب كانت نتائجه مليئة بالاضطراب والتناقض، من حيث الاعتقاد أنّ لمواليد كلّ برج صفات وخصائص معينة؛ فإنّه يولد في كلّ ساعة الآلاف من البشر في العالم، ولم يثبت أنّ هؤلاء يحملون الصفات نفسها، فكيف يستقيم كلام المنجّمين باتفاق خصائص مواليد الشهر الواحد أو البرج الواحد، وقد ظهر اختلاف المنجّمين في الأبراج التي يبنون عليها أحكامهم من عدّة وجوه؛ منها: أعداد البروج، وأسماؤها، ومدّة كلّ منها، ودلالاتها على خصائص المولودين فيها، وتفصيل ذلك فيما يأتي:
موسوعة موضوع