ما حكم الصلاة بالحذاء.
يُقصَد بالصّلاة بالحذاء أن يشرع المسلم في الصّلاة ويؤدّي أركانها وواجباتها من القِيام، وقراءة القرآن، والرّكوع، والسّجود وهو ينتعل حذاءَه ويلبسه، من وقت ابتداء صلاته إلى انتهائها، وتتعلّق بذلك عدّة مسائل منها: طهارةُ حذائه ونظافته من الأقذار، والمقدرة على الإتيان بأركان الصّلاة وهيئاتها من الرّكوع، والسّجود، والجلوس، وغير ذلك، وجريان العُرف والعادة على ذلك، ويتميّز هذا الموضوع بنُدرة الحديث فيه غالباً إلا في بعض المناطق؛ حسب انتشار الموضوع لديهم، وإمكانيّة قبوله أو رفضه.
ثبت عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه صلّى بنعله -حذائه- وقد فعله النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- ودعا الصّحابة إلى فعله من باب مُخالفة اليهود، وكان يفعل ذلك في أحيان، ويتركه في أحيان أخرى، وقد سُئِل أَنَس بْن مَالِكٍ -رضي الله عنه- بصفته خادم النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عن ذلك، فقيل له: (أَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي فِي نَعْلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ)، إلا أنّ فعل النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يستوجب خُلوَّ نعليه من النّجاسات الحِسيَّة، وقبول ذلك من حيث المبدأ؛ حيث كان مسجده -صلّى الله عليه وسلّم- مُكوّناً من الحصير وعسف النّخل، فإن كان النّعل نجِساً أو به نجاسةٌ حسيّة لم تجُز الصّلاة به؛ لانتقاضه أحد شروط صحّة الصّلاة وهي طهارةُ الثّياب، أمّا إن نسي المُصلّي أنّ نعله به نجاسة، ثمّ شرع بالصّلاة وهو يلبس حذاءه، فيجب عليه أن يخلعه بمجرّد تذكُّره وعلمه بوجود النّجاسة به.
وقد قال أبو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ بخصوص ذلك: (بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ؛ إِذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْقَوْمُ أَلْقَوْا نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلاتَهُ، قَالَ: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَاءِ نِعَالِكُمْ؟ قَالُوا: رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَيْكَ فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ جِبْرِيلَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا أَوْ قَالَ أَذىً، وَقَالَ إِذا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ، فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا أَوْ أَذىً فَلْيَمْسَحْهُ، وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا).
وقد ورد سبب فعل النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لذلك، ولبس نعلَيه أثناء الصّلاة؛ حيث أشار إلى أنّ ذلك يُعدّ من باب مُخالفة اليهود، فقد روى شدّاد بن قيس -رضي الله عنه- عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (خَالِفُوا الْيَهُود فَإِنَّهُمْ لا يُصَلُّونَ فِي نِعَالهمْ وَلا خِفَافهمْ). فيكون سبب مشروعيّة الصّلاة بالنِّعال وعلّتها هو مُخالفة اليهود؛ حيث إنّهم وقت الصّلاة الخاصّة بهم يخلعون نِعالهم وخِفافهم كما جاء عن النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الحديث سالف الذِّكر.
هذا من حيث مشروعية الصّلاة بالنِّعال؛ أمّا حُكمها فمُختلَفٌ فيه عند الفقهاء، ويختلف حكمها كذلك في العصر الحاضر عن حكمها في عصر النبيّ -صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من عدّة جهات، وفيما يأتي بيان حُكم لبس النعال في الصّلاة سابقاً، وحكم ذلك في الوقت الحاضر مع تعليلٍ لذلك:
موسوعة موضوع