فرض الله -تعالى- الصلوات على عباده، لحكمٍ عظيمةٍ، وأسرارٍ جليلةٍ، فجعل الصلاة إلى الصلاة، كفارةٌ لما بينهما من صغائر الذنوب، فلله -عزّ وجلّ- في كلّ ما يأمر به، أو ينهى عنه حكمةٌ، ولم يطلب من عباده العبادة؛ لعدم احتياجه إليهم، فهو الغني وحده، وإنّما طلبها من عباده؛ لاحتياج العباد إليه، ولقيام المصالح الدينية والدنيوية، وفي ذلك يتحقّق صلاح الأبدان، وصلاح القلوب، والعباد، والشعوب، كما يرتبط صلاح الأبدان بصلاح القلوب، ولقد شرع الله لعباده من العبادات ما يستوجب الأجر والثواب، ومن ذلك الصلوات الخمس، التي تطهّر القلوب، وتعدّ الأساس في الصلة بين العبد وربّه، فالذي يُقدم على الصلاة، يطهّر باطنه وظاهره، ويقف بين يدي ربّه، متوجّهاً إليه بوجهه وقلبه، يتلو آياته، ويتدبّرها، ويعيش معها، ويعتبر منها، ويطمع بما يرد في الآيات من فضل الله تعالى، ويستعيذ من وعيده، وعذابه، ثمّ بعد ذلك يركع حانياً قامته، ورأسه، مستشعراً عظمة مَن يركع له، قائلاً: (سبحان ربّي العظيم)، فيكون حينئذٍ معظّماً لله في قلبه، ولسانه، وجسده، وظاهره وباطنه، ثمّ بعد أن يعظّم المصلّي الله بما هو أهله، يرفع المصلّي رأسه، حامداً لله، مُثنياً عليه، وبعد ذلك يسجد له، خافضاً أعلى ما فيه من الجوارح، ويستذكر حينئذٍ من تنزّه عن السفلية، ويصفه بالعلوية، قائلاً: (سبحان ربّي الأعلى)، ويدعو الله -عزّ وجلّ- بما شاء من الدعاء، حيث قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (وأمَّا السُّجودُ فاجتهِدوا في الدُّعاءِ فقَمِنٌ أنْ يُستجابَ لكم)، وبعد السجود يجلس المصلّي جلسة الخاضع، يدعو الله تعالى، ويسأله الرحمة والمغفرة، ويصفه بما هو أهله، ويصلّي عليه، ويسلّم على نبيه، وعلى نفسه، وعلى كلّ من معه، وعلى كلّ عبدٍ صالحٍ في السماوات و الأرض، ويعود للصلاة على النبي، ويعوذ بالله من فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، ومن عذاب النار، وعذاب القبر، ويدعو بما شاء، ولذلك كانت الصلاة، قرّةً للعيون، وراحةً للنفوس، يدخل إليها المؤمن بقلبٍ، ويخرج بغير القلب الذي دخل فيه.
إنّ للصلاة فضائلٌ عظيمةٌ، وفوائدٌ كثيرةٌ، وفيما يأتي بيانٌ لها بشكلٍ مفصّلٍ:
موسوعة موضوع