تُعَدّ النملة الحشرة التي ذكر الله -تعالى- في كتابه العزيز نداءها في قومها؛ قال -تعالى- في الآية الثامنة عشرة من سورة النمل: (حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ).
كان سليمان -عليه السلام- يخرج مع جنوده من الإنس، والجنّ، والطير في موكبٍ مَهيبٍ مُنظَّمٍ؛ فقد كان لكلّ فئةٍ من الجُند قائدٌ يُنظّم صفوفهم، ويجعل آخرهم يجتمع مع أوّلهم؛ ليكونوا مَوكباً واحداً لا يتفرّق أفراده، وفي أثناء سَيْر مَوكب سليمان وجنوده حصل الموقف الذي ذكرَه الله في كتابه العزيز بين سليمان والنملة؛ حيث وقفت النملة تُنادي في قومها؛ مُحذِّرةً إيّاهم، وكان الله -تعالى- قد وَهبَ سليمان -عليه السلام- المقدرة على فَهْم مَنطق الطير، والحيوان، فاستمع إلى كلمات النملة، وأدرك مقصود كلامها، ومغزى رسالتها؛ فقد أرادت النملة تحذير غيرها من النمل؛ خشيةً عليهم، وإشفاقاً لضَعْف حالهم، وقابل سليمان -عليه السلام- كلام تلك النملة بالضحك المُعبِّر عن العجب بما وَهَبه الله من الفَضْل والمُلك الذي لم يُؤتِه أحداً من الناس، وكان من مظاهر ذلك الفَضْل مَنحه المقدرة على الاستماع إلى كلمات ذلك المخلوق بالرغم من صِغَر حَجمه، كما تبسَّم سليمان -عليه السلام-؛ لبلاغة كلام النملة حينما أظهرت إشفاقها على قومها مع التماس العُذر لسليمان وجنوده؛ بنَفْي العِلم والإدراك عنهم بوجود النمل في ذلك المكان.
وتجدر الإشارة إلى أنّ الله -تعالى- عظّمَ في كتابه شأن النَّمل، وبيّن أحوالاً تُنبِىء عن فِطرة الهداية التي فطرَ الله ذلك المخلوق عليها؛ ويتّضح ذلك في موقف نبيّه سليمان -عليه السلام- مع ذلك المخلوق؛ باقترابه من وادٍ لهم، والذي نتج عنه تحذيرها لقومها أن يطأهم سليمان وجنوده بأقدامهم فيهلكون، وفي موقفها دلالات واضحة؛ فقد صاحت النملة في قومها حينما أدركت قُرْب وقوع الخطر بهم، واستهلّت نداءها بأسلوب النداء المُبهَم، ثمّ خصَّصَت جِنسها بالذِّكْر؛ لأنّ الخطر مُحدِقٌ بواديهم الخاصّ بهم دون سائر الحيوانات، ثمّ أمرتهم أن يدخلوا مساكنَهم؛ ليَقوا أنفسَهم شَرّ ذلك الخطر القادم إليهم، فلا يتعرّضون للتحطيم من أقدام سليمان وجنوده، كما أظهرت النملة العُذر لسليمان وجنوده -كما ذُكِر سابقاً-؛ بذِكر غياب الشعور عندهم، وأضمرَت في نفسها العتابَ لقومها؛ بسبب ظهورهم خارج مساكنَهم؛ دلالة على هداية ذلك المخلوق، وحُسْن تصرُّفه تجاه الأخطار والنوازل، ممّا جعل سليمان -عليه السلام- يتبسّم حينما سمع قولها النّملة؛ مُعجَباً بكلامها، وخِطابها؛ قال -تعالى-: (وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ*حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ*فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ).
يمكن تلخيص الأساليب التي اتّبعتها النملة في تحذير قومها فيما يأتي:
تُستفاد من خطاب النملة عدّة أمور، بيان البعض منها فيما يأتي:
موسوعة موضوع