هو الصحابي الجليل جندب بن جنادة الغفاري، وأمّه رملة بنت الوقيعة الغفّارية رضي الله عنها، أسلمت وحسن إسلامها، ومن صفاته الجسدية أنه كان طويل القامة، نحيف الجسم، أسمر البشرة، أبيض الرأس واللحية، وُلد أبو ذر -رضي الله عنه- في قبيلة غفّار بين مكة والمدينة، ويمكن بيان نبذةً عن حياته فيما يأتي.
وُلد أبو ذر الغفاري -رضي الله عنه- وترعرع في قبيلة غفّار التي كانت تستقرّ في أطراف المدينة المنورة في وادٍ اسمه ودّان، ومما كان يميّز ذلك الوادي أن المياه كانت تسيل فيه، وينبت فيه الكلأ، وكانت قبيلة غفّار قبيلةً فقيرةً تعيش على ما تبذله لها القوافل التي تمرّ من ذلك الوادي، أو على قطع الطريق، و قد تميّز أبو ذر -رضي الله عنه- عن باقي أفراد القبيلة برجاحة العقل، وقوّة القلب، وبُعد النظر، فكان لا يقبل بعبادة الأصنام، ويستاء منها أشدّ الاستياء، ويُنكر على قومه عبادتهم لها، وكان دائماً ما يتطلّع لظهور نبيٍّ جديدٍ يُخرج الناس من الظلمات إلى النور، ويُطهّر عقولهم وأفئدهم من رجس الجاهلية، ويسدّ ما يشعر به من الفراغ.
وفي أحد الأيام وصلت إلى أبي ذر أخبار بعثة النبي -عليه الصلاة والسلام- في مكة، فذهب إلى أخيه أنيس وقال له: (ارْكَبْ إلى هذا الوَادِي فَاعْلَمْ لي عِلْمَ هذا الرَّجُلِ الذي يَزْعُمُ أنَّه نَبِيٌّ، يَأْتِيهِ الخَبَرُ مِنَ السَّمَاءِ، واسْمَعْ مِن قَوْلِهِ ثُمَّ ائْتِنِي)، فذهب أخوه أنيس إلى مكة وسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم عاد إلى أبي ذر وأخبره بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يدعو إلى مكارم الأخلاق، وأنه سمع منه كلاماً ما هو بالشعر، ولكن أبو ذر لم يكتفِ بما سمع، وقال له: "والله ما شفيت لي غليلاً، ولا قضيت لي حاجة"، ثم قرّر لقاء النبي -عليه الصلاة والسلام- بنفسه، فتزوّد بقربة ماءٍ وارتحل نحو مكة.
روى ابن عباس -رضي الله عنه- قصّة إسلام أبي ذر رضي الله عنه، فبعد أن وصل إلى مكة باحثاً عن رسول الله -صلى لله عليه وسلم- دخل المسجد الحرام، وبات فيه ليلتين من غير أن يسأل عن النبي -عليه الصلاة والسلام- مخافة قريش، وفي اليوم الثالث التقى به علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال: (ألَا تُحَدِّثُنِي ما الذي أقْدَمَكَ؟ قالَ: إنْ أعْطَيْتَنِي عَهْدًا ومِيثَاقًا لَتُرْشِدَنِّي فَعَلْتُ، فَفَعَلَ فأخْبَرَهُ، قالَ: فإنَّه حَقٌّ، وهو رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَإِذَا أصْبَحْتَ فَاتْبَعْنِي، فإنِّي إنْ رَأَيْتُ شيئًا أخَافُ عَلَيْكَ قُمْتُ كَأَنِّي أُرِيقُ المَاءَ، فإنْ مَضَيْتُ فَاتْبَعْنِي حتَّى تَدْخُلَ مَدْخَلِي، فَفَعَلَ، فَانْطَلَقَ يَقْفُوهُ حتَّى دَخَلَ علَى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ودَخَلَ معهُ، فَسَمِعَ مِن قَوْلِهِ وأَسْلَمَ مَكَانَهُ، فَقالَ له النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ارْجِعْ إلى قَوْمِكَ فأخْبِرْهُمْ حتَّى يَأْتِيَكَ أمْرِي).
رُوي عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنه قال: "لَمْ يَبْقَ الْيَوْمَ أَحَدٌ لَا يُبَالِي فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ غَيْرَ أَبِي ذَرٍّ، وَلَا نَفْسِي"، وورد غيره الكثير من النصوص التي تدلّ على عظم فضل أبي ذر رضي الله عنه، وفيما يأتي بيان بعض فضائله:
لما حضر أجل أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، كان في فلاةٍ من الأرض، وليس عنده أحدٌ إلا زوجته، فبكت حزناً لحاله، إذ لم يكن عنده ما تكفّنه به، ولا يوجد أحدٌ من أصحابه ليكفّنه، فأمرها بالتوقف عن البكاء وبشّرها بأنه سمِعَ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يقولُ لِنفَرٍ كان هو فيهم: (لَيموتَنَّ رجُلٌ منكم بفَلاةٍ مِن الأرضِ يشهَدُه عصابةٌ مِن المؤمِنينَ)، وأخبرها بأنه هو الذي سيموت بفلاةٍ من الأرض، لأنه لم يتبقّى من أولئك النَّفرِ أحَدٌ إلَّا وقد هلَك في قرية جماعةٍ، ثم أمرها بالذهاب والانتظار عند الطريق، فأخذت زوجته تذهب لتنظر إلى الطريق، ثم تعود إليه لتمرّضه، وبقيت على هذه الحال إلى أن مرّت جماعةٌ من الرجال، فسألوها عن أمرها فأخبرتهم، وطلبت منهم أن يكفّنوا أبا ذر، فكفّنوه ودفنوه.
ذهب أهل اللغة إلى أن الصحابي كلمةٌ مُشتقةٌ من الصحبة وهي مطلق الرفقة، وأن اسم الصاحب والصحبة تنطبق على كلّ من صحب غيره وإن قلّت المدة الزمنية، أما اصطلاحاً فقد اختلف أهل العلم في تعريف الصحابي على عدّة أقوال، لعلّ أقربها إلى الصواب ما ذهب إليه ابن حجر -رحمه الله- في كتاب النخبة، حيث عرّف الصحابي بأنه من لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وآمن به، ومات على الإسلام، وإن تخلّل ذلك ردّة، وبناءً عليه يدخل في مسمّى الصحابي كل من لقي النبي -عليه الصلاة والسلام- مؤمناً ومات على الإسلام، سواءً طالت مجالسته أم قصرت، أو روى عنه الحديث أم لم يروِ، أو غزا معه أم لم يغز، وحتى من لم يشاهده لعارضٍ كالأعمى والأكمه.
ومن الجدير بالذكر أن الصحابة -رضي الله عنهم- أفضل الأمة، فقد زكّاهم الله تعالى، حيث قال: (وَالسّابِقونَ الأَوَّلونَ مِنَ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ وَالَّذينَ اتَّبَعوهُم بِإِحسانٍ رَضِيَ اللَّـهُ عَنهُم وَرَضوا عَنهُ وَأَعَدَّ لَهُم جَنّاتٍ تَجري تَحتَهَا الأَنهارُ خالِدينَ فيها أَبَدًا ذلِكَ الفَوزُ العَظيمُ)، وأكّد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أنهم خير أمة، حيث قال: (خيرُ أمَّتي القَرنُ الَّذي بُعِثْتُ فيهم ثمَّ الَّذينَ يلونَهم).
موسوعة موضوع