يعرّف الحيض لغةً بالدم الذي يسيل من رحم المرأة البالغة في أيامٍ معلومةٍ من كلّ شهرٍ، ويخرج هذا الدم من المرأة في كلّ شهرٍ في وقتٍ معلومٍ ويدوم نزوله ستة، أو سبعة أيامٍ، وربما أقلّ، أو أكثر، بحسب طبيعة المرأة، وممّا يميّز دم الحيض لونه المائل إلى السواد، ورائحته الكريهة، بالإضافة إلى بعض الآلام التي ترافق نزوله، ويُستدلّ على انتهاء فترة الحيض بأحد أمرين؛ الأول القصة البيضاء؛ وهي ماء أبيض يدفعه الرحم بعد انتهاء فترة الحيض، والثاني جفاف المكان من الدم، حيث تُوضع خرقة بيضاء على مكان نزول الدم؛ فإذا أُخرجت ولم يظهر عليها حُمرة، ولا صُفرة، ولا كُدرة تكون المرأة قد طهرت من الحيض، ولا بُدّ من الإشارة إلى إمكانية نزول الدم في غير أوقاته المعتادة، وهذا النوع من الدم لا يُوجب على المرأة أي حكمٍ من أحكام الحائض، فيجوز لها الصوم، والصلاة، ويجوز لزوجها الجٍماع، وتسير عليها أحكام الطاهرة، وهذا ما يطلق عليه العلماء اسم الاستحاضة.
من الجدير بالذكر أنّ حيض المرأة سببٌ لسقوط الصوم عنها، فلا يصحّ صومها، بل تؤثم إذا صامت أثناء فترة الحيض، ولا بُدّ من الإشارة إلى أنّ مجرّد الشعور بأعراض الحيض؛ كاعتصار البطن، وآلم الظهر، وغيرها لا يكفي لسقوط الصيام، بل يجب نزول دم الحيض لكي تفطر المرأة، فإذا نزل دم الحيض قبل غروب الشمس بطل الصيام، ووجب قضاء ذلك اليوم، وكذلك إذا طهرت المرأة الحائض الطهر الكامل من خلال رؤية القصة البيضاء، أو الجفاف الكامل قبل الفجر وجب عليها صيام اليوم التالي، حتى وإن لم تغتسل إلّا بعد طلوع الفجر، وأمّا إذا تبيّن للحائض الطهر الكامل خلال اليوم فإنّها تكمل يومها مفطرةً وتصوم في اليوم التالي، وممّا يدلّ على سقوط الصيام عن الحائض قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عندما مرّ على نساءٍ يوم أضحى أو فطر، فقال لهنّ: (يا معشرَ النِّساءِ تصَدَّقنَ فإني أُريتُكُنَّ أكثرَ أهلِ النارِ، فقُلْن: وبم يا رسولَ اللهِ؟ قال: تُكثِرنَ اللَّعنَ، وتَكفُرنَ العَشيرَ، ما رأيتُ مِن ناقِصاتِ عَقلٍ ودينٍ أذهبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الحازِمِ مِن إحداكُنَّ، قُلن: وما نُقصانُ دينِنا وعَقلِنا يا رسولَ اللهِ؟ قال: أليس شَهادةُ المَرأةِ مثل نِصفِ شَهادَةِ الرَّجُلِ، قُلن: بلى، قال: فذلك من نقصانِ عَقلِها، أليس إذا حاضَتِ لم تُصلِّ ولم تَصُم، قُلن: بلى، قال: فذلك مِن نُقصانِ دينها).
ويرجع السبب في منع النساء من الصوم خلال فترة الحيض إلى أنّ الحائض تمرّ في فترة من الضعف تحتاج خلالها إلى الراحة، والطعام، والشراب، ولذلك أسقط الله تعالى عنها الصوم، والصلاة، رحمةً بها، ولكن أوجب عليها قضاء الصيام في أيام أُخر، وبعدد الأيام التي أفطرت فيها، ولم يُوجب عليها قضاء الصلاة، كما ورد في الحديث الذي رُوي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، حيث سألتها إحدى النساء فقالت: (ما بالُ الحائضِ تقضي الصومَ ولا تقضي الصلاةَ؟ فقالت: أحروريةٌ أنت؟ قلتُ: لستُ بحروريةٍ ولكنّي أسألُ، قالت: كان يُصيبُنا ذلك فنُؤمرُ بقضاءِ الصومِ ولا نُؤمرُ بقضاءِ الصلاةِ)، وأمّا بالنسبة لوقت قضاء الفائت من صيام المرأة الحائض خلال شهر رمضان، فقد وسّع عليها الأمر، فيمكنها أن تصوم في أي وقتٍ قبل حلول شهر رمضان التالي، ولا يجوز تأخير القضاء عن ذلك إلا بعذرٍ.
يُعتبر شهر رمضان فرصةً للاجتهاد في الطاعة والعبادة، ولا بُدّ من اغتنامها، ولئن سقط عن المرأة الحائض الصلاة والصيام، فثمة الكثير من الأعمال التي تمكّنها من استغلال شهر رمضان بأحسن صورةٍ، ومن تلك الأعمال:
موسوعة موضوع