كيفية الاحتفال بالزواج في منطقة عسير في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
كيفية الاحتفال بالزواج في منطقة عسير في المملكة العربية السعودية

كيفية الاحتفال بالزواج في منطقة عسير في المملكة العربية السعودية.

 
يُعد الزواج من المناسبات الاجتماعية المهمة التي يُحتفل بها في منطقة عسير، ويختلف مستوى تعقيد مراسمه أو بساطتها باختلاف درجة قرابة المخطوبة من الخاطب؛ فإذا كانت المخطوبة إحدى قريباته كأن تكون من بنات عمه أو خاله أو عمته فإن مراسم الخطوبة تكون أقل تعقيدًا، إذ يقوم الأبوان (أبو العريس وأبو العروس) غالبًا بالإجراءات كافة في اتفاق مسبق بينهما، كما أن مثل هذا النوع من الزواج يكون - في أغلب الأحيان - أكثر بساطة وأقل كلفة من حيث المهر والولائم.
 
ويُعد مثل هذا النوع من الزواجات الأكثر شيوعًا في المنطقة؛ فعلى الرغم من عدم وجود عادة الحَجْر في كثير من أجزاء المنطقة، إلا أن الزواج الداخلي كان الأكثر شيوعًا وخصوصًا بين أبناء العمومة، فقد كان الأبوان يحددان - في شبه اتفاق مسبق - أن فلانة لفلان منذ أن يُولدا، وينشأ الصبي والفتاة وهما يعرفان ذلك فلا يعترضان في معظم الأحوال إلا ما ندر.
 
بل إنه كان يُنظَر إلى من يخرج عن أبناء عمومته ويبحث عن زوجة خارج نطاق الأسرة على أن به عيبًا ما دفعه إلى ذلك، مما يجعله يجد صعوبة في قبوله من الآخرين، وفي مثل هذه الحالة لا يذهب الشخص بعيدًا في الغالب، وإنما يقوم باختيار زوجته من داخل نطاق القرية، أو العشيرة، أو القبيلة، وتكون مراسم الزواج عندئذ أكثر تعقيدًا، كما أنه يكون أكثر كلفة من حيث المهر والشروط.
 
وعلى الرغم من أن أبناء القرية يعرف بعضهم بعضًا في معظم الأحيان - إذ إن الخاطب غالبًا ما يعرف مخطوبته وربما يكون قد شاهدها أكثر من مرة، كما أنه يعرف أسرتها ومستواها الاجتماعي والاقتصادي - إلا أن ذلك لا يُغني عن اتباع الخطوات المتعارف عليها في إتمام الزواج، وتبدأ هذه الخطوات بإرسال أم الشخص الراغب في الزواج - أو إحدى قريباته - لاستطلاع رأي الفتاة وأمها ومدى رغبتهما في المصاهرة، وأحيانًا يتحدث الشاب نفسه مع الفتاة التي يريد خطبتها أو مع أمها مبديًا رغبته في الزواج، فإذا وجد القبول فإنه ينقل الأمر إلى والده - أو إلى كبير عائلته - الذي يقوم بدوره باصطحاب بعض كبار قرابته وربما بعض أعيان قريته والذهاب بهم إلى والد الفتاة، ويخبرونه برغبتهم في مصاهرته، وغالبًا ما يطلب الأب - أو ولي أمر الفتاة - مهلة للرد تراوح بين يوم وعدد من الأيام لمشاورة الفتاة وأمها، إلا أن بعضهم لا يقوم بمشاورة الفتاة، وإنما يكون ذلك من باب كسب بعض الوقت للتفكير في الأمر، وبعد ذلك يرد عليهم إما بالموافقة وإما بالرفض.
 
أما في حالة أن تكون الفتاة المخطوبة من خارج القبيلة فإن إجراءات الزواج تأخذ وقتًا أطول، إذ يقوم الشخص الذي يريد الزواج بإرسال أحد الأشخاص لتقصي أخبار تلك الفتاة وأسرتها، وطبقة هذه الأسرة ومكانتها الاجتماعية والاقتصادية، وحينما يطمئن إلى أنها تتناسب مع رغباته يقوم بخطبتها بالطريقة ذاتها التي تتم بها خطبة الفتاة من داخل العشيرة، إلا أن أهل الفتاة - بالمقابل - يأخذون وقتًا أطول أيضًا في الرد، فهم يقومون بجمع المعلومات عن مكانة الرجل ووضعه داخل جماعته، ويُعد هذا الأمر في غاية الأهمية لدى سكان المنطقة، وحين الانتهاء من جمع تلك المعلومات يرسلون ردهم بالموافقة أو الرفض.
 
وفي حالة الموافقة يقوم كبير أسرة المخطوبة بدعوة أسرة الخاطب، فيحضرون ومعهم الهدايا، بينما تقوم أسرة المخطوبة بإعداد وليمة لهم تُسمى (وليمة الصلح)، وفي تلك الليلة تتم مناقشة المهر المطلوب والشروط، وفي بعض الأحيان يحضر الخاطب معه المأذون الشرعي الذي يُسمى (المملِّك)، ثم يتم تحديد يوم الزواج وغالبًا ما يكون أحد أيام: السبت، أو الاثنين، أو الخميس، ويُحدَّد يوم الزواج وفقًا لموعد السوق الأسبوعي الأقرب؛ إذ يكون الزواج بعد ذلك اليوم كي يتسنى لهم شراء احتياجاتهم. كما يتم الاتفاق في بعض أجزاء منطقة عسير بين أسرتَي الخاطب والمخطوبة على عدد المدعوين الذين سوف يُحضرهم الخاطب معه إلى وليمة العرس التي تُقام في منـزل أسرة المخطوبة، وفي بعض أجزاء المنطقة لا تتم مناقشة هذا الأمر، وإنما يُترك الأمر لرغبة أسرة الخاطب.
 
إلا أنه في حالة كون المخطوبة من خارج العشيرة فإن الاستعداد من الطرفين يكون أكبر، بحيث يَقْدِم الخاطب ومعه عدد من أفراد عشيرته ليُظهر لأسرة المخطوبة وعشيرتها أنه ذو مكانة بين قومه، وحينما يقتربون من منازل مضيفيهم يصطف القادمون من أسرة الخاطب وعشيرته في صفوف منتظمة ثم يبدؤون في التقدم نحو القرية في نوع من (العرضة أو الدمة)، بينما يكون أفراد عشيرة أسرة المخطوبة واقفين في استقبالهم يتقدمهم كبير العشيرة أو شيخها مرحبًا بهم بصوت عالٍ، ويردد خلفه باقي المستقبلين الترحيب ذاته بصوت عالٍ أيضًا، ومن العبارات الترحيبية التي تُقال في بعض نواحي المنطقة: (أرحبوا يالضيفان الله يحييكم).
 
فيرد الضيوف قائلين: (التراحيب فالنا وفالكم، السلام عليكم).
 
ثم بعد ذلك يتم توزيع الضيوف من أسرة الخاطب على منازل عشيرة المخطوبة؛ وذلك لصغر حجم البيوت وقلة ذات اليد، وتساعد هذه الطريقة في توزيع كلفة الضيافة على أفراد العشيرة، ويُقدَّم للضيوف ما يُسمى في بعض النواحي (الطفاة) وهو طعام مصنوع من الخبز والمرق والعسل، وفي وقت العشاء يُقدَّم طعام العشاء المتمثل في الذبائح، وفي معظم نواحي المنطقة يتم تقسيم اللحم بالتساوي على الضيوف، ويُعطى كل شخص قطعة واحدة من اللحم.
 
أما أسلوب الاحتفال بالزواج؛ فإنه يختلف من أسرة إلى أخرى وفقًا لمستواها الاجتماعي والاقتصادي، فيبالغ بعضهم في مراسم الاحتفال كأن يُحضر شعراء ويستمر الرقص وقرع الطبل فترةً تزيد على ثلاثة أيام، بينما يقتصر آخرون على ليلة واحدة. وعلى الرغم من أن تكاليف الزواج كانت محدودة إلا أنه جرت العادة في معظم نواحي المنطقة بأن يقدِّم أفراد عشيرة العريس مساعدات مالية وعينية له ولأسرته وتُسمى (الرفدة، أو العانية) وهي أمر ملزم للجميع، وقد يغطي الرفد في أحيان كثيرة تكاليف الزواج، وربما يزيد في بعض الأحيان.
 
وبعد انتهاء مراسم العرس غالبًا ما يأخذ العريس عروسه إلى منـزله، وهو ما يُسمى (المراح، أو التروح، أو التظعن)، ويصاحبها - في الغالب - لفيف من قريباتها وبعض عجائز القرية. ومن العادات المرتبطة بذلك في بعض أجزاء المنطقة أن النساء المرافقات للعروس يمشين ببطء وتثاقل شديد بحيث يستغرق مسيرهن من بيت أسرة العروس إلى بيت أسرة العريس ليلة كاملة حتى لو كان بيت العريس قريبًا جدًا، وفي ذلك إشارة إلى عدم استعجال العروس بترك منـزل أسرتها. وعلى العريس وأسرته أن يقوموا بالترحيب بالعروس ومرافقاتها بين الفينة والأخرى، كما يقوم بعض الناس بإطلاق الأعيرة النارية. وقد يفرش بعضهم لهم (لُحفهم) - مفردها لحاف؛ وهو قطعة من القماش يضعها الرجل غالبًا فوق الكتف بوصفها نوعًا من الزينة، وهي بمثابة العباءة أو المشلح - لتدوس عليها المرافقات زيادة في إكرامهن، وقد يتمادين في تباطئهن بحيث لا يتقدمن إلا بمقدار المساحة التي يشغلها اللحاف على الأرض، ما قد يضطر أفراد أسرة العريس إلى فرش لحفهم لهن بين كل فينة وأخرى؛ فهن يشترطن ألا يفرش الشخص لحافه لهن مرتين زيادة في التدلل، ولجعل أكبر قدر من رجال عشيرة العريس يشاركون في الترحيب بهن.
 
وفي نواحٍ أخرى من المنطقة كانت الزوجة تظل في منـزل أبيها حتى يتم سداد المهر الذي يكون - غالبًا - عددًا معينًا من الغنم، وقد تمتد المدة عددًا من السنوات، ومنهن من كانت تظل في منـزل أبيها حتى تنجب عددًا من الأبناء، ومنهن من تظل بمنـزل أبيها مدى الحياة نتيجة عوز زوجها وفقره، وعجزه عن إكمال المهر، ولا شك في أن هذه العادة قد اندثرت نتيجة انتشار الوعي الديني والاجتماعي.
 
وحين يقرر العريس أن يزف عروسه من دار أهلها إلى داره يبدي رغبته لأهلها بذلك، وأحيانًا تتم مناقشة هذا الأمر من قِبَل كبار الأسرتين، وبعد موافقة أهل العروس يقومون بتجهيز ابنتهم ببعض الملابس الخاصة، وأدوات الزينة، و (السحارة) وهي حقيبة مصنوعة من الحديد، وبعض السجاد واللُّحف، والبُسُط المصنوعة من الطفى أو سعف النخل، وبعض الحبوب مثل القمح والشعير، وبعض الحيوانات الحلوبة، ويُطلَق على هذا اليوم (يوم النقول)، وفي هذا اليوم يقوم الزوج وأسرته بإعداد وليمة خاصة بالحضور، وقد يقيم بعضهم احتفالاً بهذه المناسبة، وبذلك تنتهي مراسم الزواج، إلا أنه توجد مراسم أخرى تبدأ بعد ذلك، ومنها (الزوارة) وهي زيارة العروس بيت أهلها بعد فترة من المكوث في بيت زوجها، وتجلب لهم معها الهدايا، فيقومون بالترحيب بها وإعداد وليمة لها ولزوجها.
 
شارك المقالة:
86 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook