لم يكن المسلمون في بداية عهد الدعوة الإسلامية ذوي شوكةٍ وقوة؛ حيث كان عددهم لا يتجاوز العشرات، وقد لاقوا في بداية عمر الدعوة أذىً وظلماً من قريش وأتباعهم لا قِبَلَ لهم به،وقد استمرّ ذلك الحال حتى أَذِن الله لهم بالهجرة إلى المدينة، ومن المدينة كان تأسيس دولة الإسلام، وعظمت شوكتها؛ حيث زاد عدد المسلمين بدخول الكثير من أهل المدينة في الإسلام، وتشكُّل كيانٍ للمسلمين، حينها أذن الله لهم بالقتال؛ حيث جاء في كتابه العزيز: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ* الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)، حينها عَمَد المسلمون إلى إحدى قوافل قريش لاسترداد حقوقهم التي نهبهم إياها قريش حينما كانوا في مكة، وكانت تلك الشرارة الأولى لأول غزوة في تاريخ الدولة الإسلامية بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد دُفع الصحابة إلى تلك الغزوة دفعاً؛ حيث لم يكن في نيتهم حين الخروج إلى اعتراض قافلة قريش القتال؛ إنما أرادوا استرداد بعض حقوقهم والعودة إلى المدينة مرّةً أخرى.
الغزو لغةً هي مصدر غَزَا غَزْواً وغَزَوَاناً. أما معناها فهو: مهاجمة العدو وقتاله في أرضه، يُقال غزا العدو: أي سار إلى قتاله في عقر داره، وغَزَا الشَّيْءَ: أي أَرَادَهُ وَطَلَبَهُ، وغزتِ البضائعُ الأسواقَ: بمعنى تكاثَرَتْ فيها وتدفَّقت إليها.
اختلف أهل العلم في عدد الغزوات التي حصلت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث تراوح عددها بين التسع عشرة غزوة والثلاثين غزوة، وقد ثبت في صحيح البخاري أنّ زيد بن أرقم سُئِلَ عن عدد غزوات النبي صلى الله عليه وسلم: (كم غزا النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من غزوة؟ قال: تسع عشرة، قيل: كم غزوت أنت معه؟ قال: سبع عشرة، قُلْت فأيهم كانت أول؟ قال: العشير أو العسيرة، فذكرت لقتادة فقال: العشيرة)، وقد ذكر قومٌ أنّ عدد غزوات النبي أكثر من ذلك؛ حيث ورد عن بعض علماء السِّيَر قولهم أنّ النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- غزا ما يقرب من خمسٍ وعشرين غزوةً، وفي رواية أنّ غزواته بلغت سبعاً وعشرين غزوةً، وقيل: بل بلغت غزواته تسعاً وعشرين.
أما الإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله فقد فسّر الروايات السابقة بطريقةٍ منطقية بأنَّ الذين ذكروا لها عدداً كبيراً كتسعةٍ وعشرين؛ إنما اعتبروا جميع الوقائع التي سبقت الغزوات الكبرى وقائع وغزوات منفردة، حتى إن كانت قريبةً من بعضها البعض من حيث الفترة الزّمنية، أمّا من أشار إلى أنَّ غزوات النبي صلى الله عليه وسلم كان عددها أقلَّ فيرى أنّهم جمعوا كلَّ غزوتين متقاربتين في الفترة الزمنيّة فاعتبروهما غزوةً واحدة، مثل: غزوة الخندق، وغزوة بني قريظة، وغزوة حُنين، والطائف.
أمّا السّرايا التي بعثها النّبي صلّى الله عليه وسلّم فقد كان عددها كبيراً جداً أكثر من عدد الغزوات، وقد اختلف أهل العلم في عددها أيضاً، فمنهم من يرى أنّها بلغت الأربعين سريَّة، ومنهم من عدّها سبعين أو أكثر، يقول ابن حجر: (وقرأت بخطّ مغلطاي أنّ مجموع الغزوات والسّرايا مائة).
تفاصيل غزوات النبي صلى الله عليه وسلم كثيرةٌ جداً، والذي يريد التَّعمق فيها وتسليط الضوء على حيثياتها وتفاصيلها، فلا يكفيه لأجل ذلك كُتُب ومقالات، لذلك تُشير المقالة إلى أهم الغزوات والمعارك التي وقعت في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ذكراً وإيراداً فقط، ومن أهم غزوات ومعارك الرسول -صلى الله عليه وسلم- ما يلي:
اسم الغزوة | العام بالهجري |
---|---|
ودان | 2 هـ |
بواط | 2 هـ |
غزوة سفوان أو غزوة بدر الأولى | 2 هـ |
العشيرة | 2 هـ |
بدر الكبرى | 2 هـ |
بني سليم | 2 هـ |
بني قينقاع | 2 هـ |
السّويق | 2 هـ |
ذي أمر وغطفان | 3 هـ |
بحران | 3 هـ |
أُحد | 3 هـ |
حمراء الأسد | 3 هـ |
بني النّضير | 4 هـ |
بدر الأخيرة | 4 هـ |
دومة الجندل | 5 هـ |
الخندق | 5 هـ |
بني قريظة | 5 هـ |
بني المصطلق | 5 هـ |
بني لحيان | 6 هـ |
الحديبية | 6 هـ |
ذات الرّقاع | 7 هـ |
خيبر | 7 هـ |
مؤتة | 8 هـ |
الفتح الأعظم | 8هـ |
حُنين | 8 هـ |
الطائف | 8 هـ |
تبوك | 9 هـ |
تعتبَر غزوة بدرٍ الكبرى أول غزوة حقيقية حصلت بين المسلمين والمشركين، وجرى فيها قتالٌ حقيقيٌ بين الفريقين؛ حيثُ إنّ الصدام فيها كان مباشراً خلافاً لما كان يجري في غيرها من السرايا، وكانت هي الانطلاقة الأولى الحقيقية لبدء الغزوات الكبرى والاقتتال الحقيقي بين فسطاط الكفر وفسطاط الإيمان، ولم يكن المسلمون حين التعرض لقافلة قريش في طور التفكير في خوض معركةٍ أو حرب مع قريش، إنّما دُفِعُوا إليها دفعاً بعد قصة اعتراض قافلة قريش، وبعدما تعرضوا له من ظلمٍ وهضمٍ لحقوقهم، فأرادوا استرجاع بعض حقوقهم المنهوبة لا أكثر؛ إلّا أنّ نجاة القافلة وتغيير طريقها غيَّر مجرى الواقعة لتنتقل إلى معركةٍ حاسمة، وقد استندت تلك الواقعة على شعورٍ كبيرٍ لدى المسلمين بالظلم الذي أوقعه عليهم كفار قريش جسدياً ومنوياً ومادياً