كفارة عدم قضاء صيام رمضان

الكاتب: مروى قويدر -
كفارة عدم قضاء صيام رمضان

كفارة عدم قضاء صيام رمضان.

 

 

رمضان بين الأداء والقضاء

شهر رمضان شهر الرّحمة والغُفران، وهو من أعظم الشّهور التي تُطلّ على عباد الله المُخلصّين في كلّ سنةٍ؛ لِما يحمله ذلك الشّهر من معاني التّسامح، والتّراحُم، والإخاء، والمودّة؛ حيث تكمن في ثناياه رحمة الله -عزّ وجلّ- ومغفرته لجميع عباده الصّائمين؛ فهو الشّهر الذي نزل فيه القرآن على قلب سيّدنا محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- أشرف الخلق وخاتم المُرسَلين، وهو شهر الصّيام والقيام، أوجب الله على عباده صيام نهاره، وأمرهم بقيام ليله، فمن التزم منهم بأمر الله استحقّ ما جاء به الشّهر من رحمات، ومن لم يستجب لأمر الله استوجبَ بفعله البُعد عن البركات، وبلغ بصنيعه ذلك أدنى الدّركات، أمّا من ترك صيام رمضان لعُذرٍ مشروعٍ فليس عليه شيءٌ من الإثم، إلا أنّه يجب عليه قضاء ما فاته من الصّيام، وعلى مَن عجِز عنه لمرضٍ إطعامٌ، فما هي كفّارة عدم قضاء صيام الأيّام التي يُفطرها المعذور من رمضان، وعلى من يجب ذلك؟ كلّ ذلك سيتمّ بيانه في هذه المقالة بعد توفيق الله.

 

معنى صِيام رمضان

معنى الصِّيام

  • الصِّيام في اللُّغة:مصدر صامَ يصومُ صَوْماً وصِياماً فهو صائِم، وهو يعني الإمساك والامتِناع، ويعني هنا الامتناع عن الطّعام والشّراب، وكلُّ شيءٍ سَكَن وتوقّف عن الحركة فهو صائِم.
  • الصِّيام في الاصطِلاح: يعني الصّيام في الاصطلاح الإمساك عن جميع المُفطِرات، مثل: الطّعام، والشّراب، والمَلذّات، والشّهوات، وجميع ما يؤدّي إلى إشباع لذّةٍ من الأمور الحسيّة.

 

معنى رَمَضان

  • رَمَضان في اللُّغة: رمضان من الرَّمَض، وهو الحرّ الشّديد، أو هو حرّ الحجارة الذي ينتُج عن تعرُّضها للشّمس؛ لذلك سُمِّيت الرّمضاء؛ كنايةً عن شِدّة حرّها، وقد سُمِّي رمضان بذلك؛ لأنّ فرضيّته جاءت وقت اشتِداد الحرّ.
  • رَمَضان في الاصطِلاح: هو اسمٌ لأحد الأشهُر الهجريّة، سمَّته العرب بذلك لمصادفة وقت تسميته وقت رمَض الحرّ واشتِدادِه.

 

مَن يُباح له الفطر في رمضان

جاء الإسلام بالتّيسير على الناس والبُعد عن المشقّة، بل إنّ كلّ ما كان فيه مشقّةٌ وعناءٌ على المسلمين فإنّه يجب عليهم تركه وإلّا أثِموا، لذلك فإنّ من كان في صيامه ضررٌ مُحقَّقٌ عليه فإنّه يُباح له الفطر، بعد أن يتحقّق له ذلك، وقد جعل العلماء أصناف مَن يُباح لهم الفطر في رمضان على عدّة أنواعٍ، هم:

  • الشيخ الكبير الذي بلغ من العمر عتيّاً؛ بحيث يشقّ عليه إتمام الصّيام، ويترتّب عليه إذا صام وعلى جسده مشقّة شديدة؛ فالذي يكون من هذا الصّنف يُباح له الفطر في رمضان باتّفاق الفقهاء، ويجب عليه أن يُخرِج كفّارةً عن إفطاره كما يرى جمهور الفقهاء -الحنفيّة، والشافعيّة، والحنابلة- وخالف المالكيّة في ذلك؛ حيث يرون أنّه يُندب ويُستحبّ له إخراج فديةٍ لقاء إفطاره ولا يجب عليه ذلك، واستدلّ المالكيّة بقول الله -سبحانه وتعالى- في كتابه العزيز: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)، كما استدلّوا بقول الله تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ).
  • الحامل والمرضع: فإنّه يُباح كذلك للمرضع والحامل الفطر في رمضان إن غلَبَ على ظنّهما أنّ في ذلك صالحٌ لولدَيهما، أو خشِيتا عليهما الهلاك، فإذا كان فِطرهما خوفاً على ولديهما فقد اختلف الفقهاء فيما إذا كانت تجب عليهما الفدية أو الكفّارة، أم لا تجب؛ وبيان ذلك فيما يأتي:
    • يرى الشافعيّة في الرّاجح عندهم، والحنابلة، ومجاهد أنّه يجب على الحامل والمرضع إذا أفطرتا خوفاً على ابنيهما قضاء ما أفطرتا لاحقاً، كما يجب عليهما إطعام مسكين عن كلّ يوم أفطرتا فيه، وقد استدلّ أصحاب هذا الرّأي بقول الله سبحانه وتعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ).
    • ذهب الحنفيّة والشافعيّة -في قول عندهم- ووافقهم الإمام الأوزاعيّ، وعطاء بن أبي رباح، وسعيد بن جبير، والحسن البصريّ، والزهريّ، والضحاك، وسفيان الثوري، وغيرهم إلى أنّه لا يجب على الحامل والمرضع إلا القضاء، وأنّ الكفّارة غير واجبةٍ عليهما إذا كان فطرهما في رمضان خوفاً على ولديهما، إنّما يرَون أنّه يُستحَبّ إخراجها عن كلّ يومٍ أفطرتا فيه.
    • يرى المالكيّة، وبعض الشافعيّة، والليث بن سعد أنّه يجب التّفريق في الإفطار بين الحامل والمُرضع؛ فالحامل يجوز لها عندهم أن تفطر في رمضان، ويجب عليها قضاء ما أفطرته من أيّام ولا تجب عليها الكفّارة، أمّا المُرضع فإنّها إذا أفطرت في رمضان خوفاً على ابنها فيجب عليها القضاء والفدية؛ حيث إنّ المرضع يمكن لها أن تسترضع لولدها إن عجزت هي عن إرضاعه، أو خافت عليه من الصّيام، فتؤمِّن له الحليب من غيرها، أمّا الحمل فهو مُتّصل بالجنين ويتأثّر بصيامها إن صامت، فيكون الخوف عليه أولى وأحرى من الخوف على ابن المرضع، وهو بذلك لا يخرج عن كونه أحد أعضائها التي إن خشيت تأثّره بالصّيام جاز لها الفطر والقضاء دون أن يجب عليها إخراج كفّارة عن فطرها، كما أنّ الحامل لا يخرج حُكمها عن حُكم المريض الذي يجوز له الفطر والقضاء دون الكفّارة، أمّا المرضع فإنّما تفطر لأمرٍ ليس متّصلاً به حقيقةً، بل هو منفصلٌ عنه؛ لذلك وجب عليها القضاء والكفّارة.
  • المريض الذي لا يُرجى شفاؤه؛ فالذي يصيبه مرضٌ لا يُرجى شفاؤه عادةً يجوز له الإفطار في رمضان؛ لثبوت وتحقّق حصول المشقّة عليه إن صام، فيجري عليه ما يجري على الشيخ الكبير من الأحكام؛ حيث يجب عليه الفطر حتّى لا يُهلِك نفسه، وعليه أن يُخرِج الفدية -الكفّارة- عن الأيام التي أفطرها من رمضان إن كان لا يستطيع القضاء لاحقاً

 

كفّارة عدم قضاء صِيام رمضان

حُكم من لم يقضِ ما عليه من الصّيام

اتَّفق الفقهاء على أنّ من أفطر في رمضان، فإنّه يجب عليه صيام أيّامٍ بعد انتهاء رمضان حال تمكُّنه من ذلك، مُقابل الأيام التي أفطرها إن كان قادراً على ذلك، كما اتّفقوا على أنّه يجب عليه أن يقضي ما فاته من رمضان الماضي قبل أن يجيء رمضان الذي يليه، ودليل ذلك ما رواه البخاري ومسلم عن عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أنّها قالت: (كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلا فِي شَعْبَانَ، وَذَلِكَ لِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ). ووجه الاستدلال من الحديث واضحٌ؛ حيث يظهر حِرْص أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عَلى أداء ما فاتها من الصّيام قبل دخول رمضان حتى لو كان ذلك فِي شَعْبَان، وأنّ تَأْخِير الْقَضَاء إلى دخول رمضان التالي لا يَجُوز.


وإن أخَّر الذي عليه القضاء ما عليه حتّى دخل شهر رمضان آخر، فإنّ ذلك لا يخلو من حالتَين، هُما:

  • أن يكون تأخيره للقضاء بعُذر: كأن يكون مريضاً مرضاً شديداً يُعجِزه عن الصّيام، واستمرَّ مرضه إلى أن دخل رمضان آخر، فالذي يكون على هذه الحالة لا إثم عليه، ويقضي ما فاته بمجرد شفائه؛ لأنّه معذورٌ بسبب المرض، وإنّما جاء الإسلام للتّخفيف على أهل الأعذار لا لجلب المشقّة لهم.
  • أن يكون تأخيره للقضاء بلا عُذرٍ شرعيّ: مثل مرضٍ، أو عجزٍ، أو سفرٍ متواصل؛ بحيث مضى عليه وقتٌ يستطيع القضاء فيه إلا أنه لم يقضِ حتّى جاء رمضان الذي يلي رمضان السّابق، فالذي يكون على هذه الحالة آثمٌ شرعاً بتأخير القضاء بلا عُذر، ويجب عليه القضاء باتّفاق الأئِمّة، إلّا أنّ الخلاف بين العلماء وقع فيما إذا كانت تجب عليه الكفّارة أو الفدية مقابل ذلك التأخير، أم أنّه لا يجب عليه شيء، على النّحو الآتي:
    • ذهب جمهور المالكيّة، والشافعيّة، والحنابلة إلى أنّه يجب عليه مع القضاء الإطعام، بأن يُخرج كفّارة إطعام مسكين، واستدلّوا على ما ذهبوا إليه بأنّ ذلك رُوي عن بعض الصّحابة، وأنّهم أفتوا به، مثل: أبي هريرة، وابن عبّاس، وغيرهما.
    • ذهب أبو حنيفة إلى أنّه لا يجب على من أخَّر القضاء إلى دخول رمضان آخر إلّا قضاء ما فاته من الصّيام، وأنه لا يجب عليه الإطعام، وقد استدلّ الحنفيّة على قولهم بأنّ الله سبحانه وتعالى لم يأمر بذلك، ولم يثبت عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه أمر بذلك، فليس على مَنْ أفطر في رمضان إلا القضاء، ولم يُذكر الإطعام ولا في أيّ حالةٍ كانت، حتّى إن كان المُفطر قد أخَّر القضاء، قال تعالى: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ).
شارك المقالة:
93 مشاهدة
المراجع +

موسوعة موضوع

هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook