قطاع الزراعة بمنطقة حائل في المملكة العربية السعودية.
يعد قطاع الزراعة والثروة الحيوانية من القطاعات المتميزة الدالة على الجهود المبذولة من أجل تحقيق التنمية الشاملة والمتوازنة بمنطقة حائل من ناحية، وعلى الإنجازات الملموسة للقطاع الخاص من ناحية أخرى، حيث استقطب هذا القطاع عددًا كبيرًا من المستثمرين تمكنوا: بدعم من الدولة - من تحقيق معدلات نمو ملموسة وتزايدٍ وتنوعٍ في الإنتاج الزراعي؛ ما أسهم في تنويع القاعدة الاقتصادية وزيادة مصادر الدخل بالمنطقة، وتوفير بعض مدخلات الصناعات الوطنية من المواد الخام، فضلا عن توفير احتياجات سكان المنطقة من المواد الغذائية.
أ - لمحة تاريخية:
مارس الطائيون قبل نـزوحهم إلى حائل بلاد الجبلين (جبلي أجا وسلمى) حرفة الزراعة، فقد كانوا يقيمون في وادي طريب وفي وادي أذنة ووادي يهريق في بيحان وغيرها من الوديان التي كانت تروى بمياه سد مأرب، فلا غرو بعد ذلك أن اتخذ الطائيون من الزراعة حرفة ومعاشًا في حائل وغيره من الوديان في بلاد الجبلين، فقد كانت الزراعة أبرز الأشكال الاقتصادية عندهم، حيث الخبرة الموروثة لديهم، وهكذا أقبل الطائيون على غرس النخيل، كما شمروا عن سواعدهم لزراعة تلك السهول الفسيحة والأودية بأنواع الزروع المختلفة ومنها: الرمان، والخوخ، والعنب، والأترج، وغيرها من أشجار الفاكهة. ولا شك أن توافر المياه وخصوبة الأرض في تلك الوديان التي صارت ملكًا لهذه القبائل الطائية وغيرها، قد أدى إلى استمرار العمل بحرفة الفلاحة والزراعة، حيث حاجة الناس إلى إنتاج ما يكفيهم من الغذاء، وما تقوم عليه حياة الناس ومعاشهم في ذلك الوقت. فمنذ القدم والزراعة تعد من أهم الحرف التي مارسها سكان منطقة حائل، لكنها كانت تعتمد على الطرق البدائية، فالماء يرفع من الآبار بوساطة السواني التي تديرها في الغالب الإبل، وكمية الماء التي تخرج بهذه الطرق البدائية لا تكفي لري المزروعات خصوصًا حقول القمح والشعير والذرة؛ ولهذا كانت تتم زراعتها بكميات قليلة، وكان معظم الاهتمام ينصبُّ على العناية بالنخيل وبعض الفواكه.
وكان الحرث والحصاد والتذرية تتم بطرق بدائية، ويكون الحرث بوضع آلة على شكل رأس رمح من الحديد في رأس خشبة يجرها جمل أو ثور ويقودها المزارع أو أحد مساعديه ثم يغرسها في الأرض بخطوط متوازية مستقيمة ، ويتم الحصاد بطرق بدائية معروفة، وكذلك التذرية تتم بعد أن يوضع الحب تحت أقدام الإبل أو البقر تدوسه مدة من الزمن بالطرق القديمة وذلك برفعه ثم نثره من أعلى إلى الأرض المعدة لذلك إذا كانت الرياح مواتية. وينال المزارع المساعدة من جيرانه في كل أعمال الزراعة مثل الحرث والحصاد والتذرية. وهذا الوضع كان هو السائد في أنحاء المملكة في تلك الفترة، ولهذا كان الإنتاج الزراعي محدودًا جدًا هدفه السوق المحلية القريبة جدًا. فلم تكن الآلات والمضخات الزراعية للري والحراثة والحصاد والتذرية معروفة، وكانت أول مضخة للري وصلت المنطقة هي لأحد مزارعي المنطقة جلبها من لبنان وقام بتركيبها بنفسه وذلك عام 1373هـ / 1954م. وفي عام 1376هـ / 1957م قامت الدولة بتوزيع آلات الري بالتقسيط على المزارعين ماركة (ناشيونال) وقد خُصَّت منطقة حائل في ذلك الوقت بخمسين آلة ري سدد المزارعون القسط الأول من أثمانها ثم تم إعفاؤهم من بقية الأقساط
لقد كانت الزراعة حرفة لشريحة كبيرة من أبناء المنطقة، لكنها لم تكن مجالاً للاستثمار، أي تنمية رأس المال، وكانت المزارع صغيرة جدًا وقلما تزيد أكبر المزارع على خمسة هكتارات، وكان ملاك هذه المزارع وأبناؤهم هم الذين يقومون بفلاحة أراضيهم بالطريقة البدائية التقليدية وقليلون جدًا الذين يستأجرون من يساعدهم في أداء أعمالهم، ومع ذلك كانت الزراعة في القرون السابقة ذات أهمية بالغة في توفير قسط كبير من احتياج المنطقة من المواد الغذائية الضرورية. ثم تراجعت الزراعة التقليدية بعد تدفق البترول وظهور فرص عمل أوفر دخلاً من الزراعة بالنسبة إلى الأفراد العاملين.
ب - أبرز التطورات:
تطورت الزراعة والثروة الحيوانية في العصر الحديث وفي العهد السعودي الزاهر وبخاصة في العقود الثلاثة الأخيرة وشهدت تغييرًا في المواقع والتقنية حيث تحولت من الزراعة التقليدية إلى نهضة زراعية حديثة شاملة، فقد حفرت الآبار الارتوازية واستخدمت أدوات الري الحديثة، وأنشئت البيوت المحمية وطبقت قواعد الزراعة الحديثة، واستقدمت الأيدي العاملة من بعض الدول العربية والإسلامية للعمل فيها، وأسهمت الدولة بمساعداتها السخية وقروضها المجانية في ظهور عدد من الشركات الزراعية الناجحة حولت المنطقة إلى مراكز متقدمة على مستوى المملكة.
وفي الوقت الحالي تقوم سياسة قطاع الزراعة والثروة الحيوانية بمنطقة حائل على الأخذ بنظام آليات السوق الحرة - كباقي مناطق المملكة - من حيث حرية المنتج في اتخاذ قراراته المتعلقة بالإنتاج واستخدامات موارده الزراعية، وتسويق منتجاته مثلها مثل باقي مناطق المملكة الأخرى. كما أنها تضمنت في الوقت نفسه كثيرًا من البرامج لدعم المنتجين والمستثمرين الزراعيين وتشجيعهم؛ ما كان له أثره الكبير في تحقيق معدلات النمو المرتفعة في الناتج المحلي من الزراعة والثروة الحيوانية. ولقد تضمنت هذه السياسة تحمل الدولة لمسؤولية تنفيذ مشروعات البنية الأساسية في الزراعة إلى جانب منح الأراضي البور الصالحة للاستخدام الزراعي بالمجان فضلاً عن خدمات البحث العلمي والإرشاد الزراعي، والقروض والإعانات الميسرة التي ساهمت في تنمية هذا القطاع؛ ولذلك اشتهرت منطقة حائل بالزراعة بسبب هذا الدعم ولما تتمتع به من مزايا نسبية في مقدمتها جودة المياه والتربة والظروف الجوية المناسبة، وهي المقومات الأساسية لتنمية زراعية متقدمة.
ويمكن رصد أهم التطورات الزراعية في المنطقة بعد إنشاء وزارة الزراعة والمياه عام 1374هـ / 1955م حيث كان ذلك اتجاهًا تنمويًا ريفيًا استهدف توسيع خطة التنمية الزراعية في المملكة، وحظيت منطقة حائل بجهود الوزارة التنموية فأنشئت فيها الوحدات الزراعية عام 1375هـ / 1956م التي ظلت تقدم خدماتها في مجال الزراعة إلى أن وصلت الزراعة في المنطقة إلى مستوى أَهَّلَها لرفع الوحدة الزراعية إلى مديرية الزراعة والمياه عام 1393هـ / 1973م، فاستحدثت لها آنذاك ثلاثة فروع في: بقعاء، والخطة، والحليفة، ودعمت وزارة الزراعة والمياه المديرية عام 1403هـ / 1983م بفروع في موقق، وسميراء، والسليمي، والحائط لتقديم خدماتها بصورة أكبر لتشمل المنطقة كلها، ثم أنشئ فرع في الغزالة، ونظرًا لقلة العمالة الزراعية لاتجاه أبناء منطقة حائل نحو التعليم استقدم المزارعون عمالة من الخارج حيث بلغ عدد عمال الزراعة المستقدمين في الفترة ما بين عامي 1390هـ و 1418هـ / 1970 و 1997م 47171 عاملاً
ثم كانت خطوة تنموية أخرى رائدة بافتتاح فرع البنك الزراعي العربي السعودي بمنطقة القصيم عام 1384هـ / 1964م الذي افتتح له مكتبًا في مدينة حائل في العام نفسه، ليطور المكتب إلى فرع في عام 1392هـ / 1972م، يتبع له أربعة مكاتب. وقد قام البنك الزراعي بمنطقة حائل عن طريق مكاتبه بتقديم القروض والدعم والإعانات لمزارعي المنطقة، وهذا الدعم المتواصل جعل المنطقة تحتل مرتبة متقدمة على مستوى الزراعة بين مناطق المملكة؛ ما يدل على أن هناك اهتمامًا وجهودًا تُبْذَلُ لرفع مستوى المنطقة زراعيًا.
بدأت الجمعيات الزراعية التعاونية في المملكة في عام 1382هـ / 1962م ووصل هذا الاتجاه التنموي الريفي إلى منطقة حائل عام 1383هـ / 1963م بنشأة الجمعية التعاونية في قفار أولاً ليبلغ عدد الجمعيات في المنطقة عام 1423هـ / 2002م 15 جمعية تعاونية متعددة الأغراض. وفي عام 1403هـ / 1983م أنشئت في المنطقة صوامع للغلال بطاقة 50.000 طن ، زادت إلى 200،000طن عام 1408هـ / 1988م وكما تم رفع الطاقة التخزينية إلى 300 ألف طن ، ويعد فرع المؤسسة بمنطقة حائل من أهم الفروع بالمملكة لكونه يخدم منطقة من أكبر مناطق المملكة في إنتاج القمح والشعير؛ حيث يمثل إنتاج القمح نحو 13%، وإنتاج الشعير 28% من إنتاج المملكة وذلك عام 1426هـ / 2005م.
وتتضح ثمرات التنمية الزراعية في المنطقة بتزايد المساحة الزراعية وبخاصة بعد صدور نظام الأراضي البور عام 1388هـ / 1968م لتصل في عام 1424هـ / 2003م إلى 3.844.177 دونمًا، وبلغ عدد المشروعات المتخصصة 1972 مشروعًا وعدد الفروع الزراعية التابعة للمديرية بالمنطقة 9 فروع، كما استطاع المشتغلون في هذا القطاع أن يستخدموا أحدث وسائل التقنية في الزراعة؛ ما مكنهم من زيادة الإنتاج وتنوعه، فشمل ذلك إنتاج الحبوب (القمح والشعير) وإنتاج الخضار والفواكه والأعلاف والتمور واللحوم والألبان والبيض
وتبين الأرقام الواردة في الكتاب الإحصائي الزراعي السنوي أنه في عام 1426هـ / 2005م في منطقة حائل كان إجمالي المساحة المستغلة في الزراعة 120889 هكتارًا منها ما هو مزارع فردية صغيرة، ومنها ما هو مشروعات زراعية كبيرة، وقد بلغ إنتاج التمور 104001 طن، وبلغ إنتاج القمح 355055 طنًا، وبلغ إنتاج الشعير 13552 طنًا، والبطاطس 166292 طنًا
لقد بذل المواطنون من أبناء المنطقة ومن أبناء المناطق الأخرى المئات من الملايين للاستثمار في هذا المجال ودعمتهم الجهات التنموية في المنطقة وخارجها بالقروض والإعانات والتخطيط والإرشاد وغيره بما يقدر بمئات الملايين فأدى ذلك إلى بروز منطقة حائل كإحدى أهم المناطق الزراعية في المملكة، ولا شك أن لهذا مردوداته الإيجابية على الصعيد المحلي بالنسبة إلى المنطقة في إنعاش الحالة الاقتصادية للأهالي وعلى الصعيد الوطني بالنسبة إلى المملكة في توفير منتوجات زراعية ذات مواصفات عالية حتى صار اسم حائل عنوانًا للجودة في الأسواق بالمناطق الأخرى، كما أن نسبة البروتين عالية جدًا في القمح الحائلي ويعود ذلك للحالة المناخية حيث تبلغ الفترة الزمنية لتكوين الحبوب ونضوجها في السنابل من 45 - 60 يومًا وهذا لا يوجد إلا في مناطق قليلة جدًا في العالم منها مناطق شمال المملكة.
ج - الوضع الحالي ودوره في اقتصاد المنطقة:
من استعراض الوضع الحالي للزراعة والثروة الحيوانية ودورهما في اقتصاد منطقة حائل اتضح ما يأتي:
تقدر مساحة الأراضي الزراعية بمنطقة حائل بنحو 120889 هكتارًا وتمثل نحو 10.92% من إجمالي مساحة الأراضي الزراعية على المستوى الكلي للمملكة عام 1425هـ / 2006م، ويتضح أن هذه المنطقة لديها ميزة نسبية في بعض المنتجات الزراعية، خصوصًا أن إنتاجية الهكتار تتفوق في هذه المنطقة على سائر مناطق المملكة. إذ تتميز المنطقة زراعيًا ببعض الميزات النسبية مثل:
جودة التربة وصلاحيتها للزراعة.
جودة المياه وتوافرها.
الظروف الجوية الملائمة التي تمتاز بها عن بعض المناطق الأخرى من حيث انخفاض درجات الحرارة أو ارتفاعها وملاءمتها لكثير من المحصولات الزراعية مما يساعدها على إنتاج وفير كمًا ونوعًا من بعض المحصولات الزراعية مثل: النخيل، والقمح، والشعير، والتين، والعنب ، والرمان، والزيتون، والبطيخ، والبطاطس، والخضار. ويؤكد هذا أن إنتاجية الهكتار بالطن من الشعير تزيد على إنتاجية الهكتار على مستوى المملكة من هذا المحصول، كما أن هذه المنطقة تنتج ما يقرب من 28،56% من إنتاج المملكة من محصول الشعير وتحتل مساحة هذا المحصول نحو 25،08% من المساحة المزروعة في جميع مناطق المملكة عام 1426هـ / 2005م.
أما بالنسبة إلى محصولات الخضراوات فالمساحة المزروعة بالبطاطس وكذلك كمية الإنتاج من هذا المحصول تمثل نحو 37،71% من إجمالي مساحة المحصول في المملكة عام 1426هـ / 2005م، وتتفوق هذه المنطقة على باقي مناطق المملكة في معدل إنتاجية الهكتار بالنسبة إلى كل من: محصول الطماطم، والبامياء، والشمام، والبطيخ، وبعض محصولات الخضراوات الأخرى. إضافة إلى ذلك تتميز منطقة حائل بزيادة معدل إنتاج الهكتار من الحمضيات والفواكه الأخرى مقارنة بباقي مناطق المملكة
يُعد قطاع الزراعة والثروة الحيوانية من القطاعات الاقتصادية المهمة بالمنطقة التي تمتلك قدرة كبيرة على المساهمة بشكل فعال في الهيكل الاقتصادي للمنطقة، كما يشير التحليل السابق إلى توافر مساحات شاسعة بالمنطقة تصلح للزراعة. كما تعد الزراعة من أهم القطاعات الاقتصادية الرئيسة بالمنطقة لتوسط المنطقة مدن المملكة وبالتالي سهولة التسويق السريع للمنتجات الزراعية في أنحاء المملكة المختلفة، وسوف يكون للطرق السريعة المنفذة حديثًا لربط المنطقة بمنطقة القصيم والمدينة وشمال المملكة أثره الكبير على الزراعة في المنطقة من خلال سرعة وانخفاض تكاليف الشحن لأسواق المملكة. كما أن حجم إنتاج المنطقة من المحصولات الزراعية وانخفاض تكلفة الإنتاج يعطيها ميزة نسبية في التوجه نحو التصنيع الغذائي للمنتجات الزراعية.