فترة حكم محمد علي والعهد العثماني الثاني لمنطقة نجران في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
فترة حكم محمد علي والعهد العثماني الثاني لمنطقة نجران في المملكة العربية السعودية

فترة حكم محمد علي والعهد العثماني الثاني لمنطقة نجران في المملكة العربية السعودية.

 
عندما تقدمت القوات السعودية في جنوب غربي شبه الجزيرة العربية لنشر مبادئ الدعوة الإصلاحية في كل من المخلاف السليماني ونجران واليمن، كانت هناك ردود فعل متباينة تجاه الدعوة الإصلاحية، فالبعض تحمس لنشر الدعوة فيما وقف آخرون موقف المعارض خصوصًا من أمراء تلك المناطق، وكانت جذور التدخل العثماني الثاني في جنوب غربي الجزيرة العربية تعود إلى وصول الدعوة الإصلاحية وموقف الدولة العثمانية من النفوذ السعودي في تلك المناطق التي كانت الحكومة العثمانية تعدُّها من المناطق التابعة لها رغم تمتع أمرائها بالاستقلال الذاتي عن السلطة المركزية في الأستانة. وعندما وصلت قوات محمد علي باشا إلى شبه الجزيرة العربية، وجد بعض أمراء المخلاف السليماني المعارضين لحمود أبومسمار فرصتهم للاستعانة بقوات محمد علي باشا التي كانت على استعداد لتقديم العون لهم وبخاصة ضد مناطق تنتشر فيها مبادئ الدعوة الإصلاحية التي كانت قوات محمد علي باشا تسعى جاهدة في سبيل القضاء عليها وذلك سنة 1230هـ / 1815م، وبالفعل قدم إلى الحجاز علي بن حيدر ومنصور بن ناصر من المخلاف السليماني إلى مكة المكرمة يطلبان العون من قوات محمد علي باشا التي لم تتردد في إرسال حملتين إلى جنوب غربي شبه الجزيرة العربية بقيادة كل من سنان باشا وخليل باشا حيث توجهت الأولى إلى المناطق الجبلية، في حين اتجهت الأخرى إلى المناطق الساحلية، وكانت هاتان الحملتان بداية التدخل الثاني للدولة العثمانية في جنوب غربي شبه الجزيرة العربية  
 
وبعد نجاح قوات محمد علي باشا في القضاء على الدولة السعودية الأولى قام بإرسال حملة إلى جنوب غربي شبه الجزيرة العربية بقيادة إبراهيم يكن في سنة 1252هـ / 1836م استطاعت تثبيت الحكم العثماني هناك، وبذلك أصبح المخلاف السليماني والمناطق التابعة للزيديين في اليمن تابعة للحكم العثماني خصوصًا بعد أن أقرت الدولة العثمانية إمام صنعاء على حكم إقليم اليمن مقابل مبلغ مالي يدفع سنويًا من قِبل الإمام للحكومة العثمانية؛ وعلى الرغم من بسط الدولة العثمانية نفوذها على أغلب أقاليم اليمن إلا أن نجران ظلت بعيدة عن النفوذ العثماني المباشر، كما لم يسهم أهل نجران بأي دور مع الطرفين وظلوا بعيدين عن ساحات الحرب والمعارك، وكانت أهمية ذلك الإقليم من الناحية الإستراتيجية والاقتصادية ضعيفة بالنسبة إلى الدولة العثمانية لعدم رغبتها في تحمل تكاليف وأعباء جديدة نتيجة إرسال حملاتها إلى مناطق لا تمثل أهمية كبيرة لها. ورغم ذلك التوجه من الدولة العثمانية إلا أن القبائل النجرانية ظلت تحاول إثبات قوتها في جنوب غربي شبه الجزيرة العربية ليس فقط أمام الوحدات السياسية القائمة في المنطقة، بل كذلك أمام دول ذات نفوذ قوي، مثل: الدولة العثمانية. فبعد تثبيت الحكم العثماني في المخلاف السليماني غزت قبائل نجران المخلاف متحدية الإدارة العثمانية في تلك المنطقة التي لم تقم بأي عمل عسكري ضد القبائل النجرانية  
 
لقد ظلَّ جنوب غربي الجزيرة العربية تحت الحكم العثماني الذي يدار من قِبل واليها محمد علي باشا في مصر، حيث أصبح المخلاف السليماني تابعًا لولاية الحجاز، أما إمام صنعاء فكانت له ولايته المستقلة، في حين بقيت نجران بعيدة عن النفوذ العثماني، وخلال حكم محمد علي لشبه الجزيرة العربية تُركت الأقاليم التي لا تمثل أهمية للدولة العثمانية لأمراء كانوا متعاونين مع الدولة، فعندما ثبت خليل باشا نفوذ الدولة العثمانية في جنوب غربي شبه الجزيرة العربية سلم إداراتها إلى كل من إمام صنعاء وإلى الأمير علي بن حيدر الذي أصبح الحاكم على المخلاف السليماني، وبعد انسحاب خليل باشا بقواته إلى الحجاز أخذ علي بن حيدر في إدارة ولايته، ولكن كان هناك بعض المعارضين له نتيجة لجبايته بعض الأموال التي بالطبع كان ملتزمًا بها للدولة العثمانية، ففي عام 1240هـ / 1824م ثار عليه أهالي صبيا، وطلبوا منه عزل ابنه الحسين الذي عينه والده أميرًا على تلك المنطقة، ونتيجة لذلك قام علي بن حيدر باستدعاء قبيلة يام لتساعده على أهالي صبيا، وبالفعل أغارت قبائل نجران على صبيا فقتلوا عددًا من أهلها ونهبوا أموالهم  
 
ومن الدلائل التي تشير إلى دور القبائل النجرانية، خصوصًا قبيلة يام وتدخلها المباشر سواء كان ذلك في المخلاف السليماني أو في المناطق التابعة للزيديين في اليمن، بعض الرسائل التي كان يتبادلها عدد من الزعماء في جنوب غربي شبه الجزيرة العربية في القرن الثالث عشر الهجري. ففي إحدى الرسائل التي بعث بها الحسن بن محمد إلى مانع بن جابر أحد شيوخ قبيلة يام يستنجد به في فك أسر الشريف الحسين بن علي بن حيدر المأسور لدى الإمام محمد بن يحيى في قلعة القطيع ويمتدح موقفهم إلى جانب الحملة التي أرسلها إلى بيت الفقيه ويستحثه بإرسال مدد، ورد ما نصه:
 
"من الحسن بن محمد إلى المحب الشيخ الأكمل مانع بن جابر - سلمه الله تعالى - السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بعد حمد الله على جزيل نواله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله، صدرة لكم وكتابك وصل وعرفنا ما ذكرت وأملنا منك ما فعلت، وكتاب الشريف حفظه الله وصل وهو في بيت الفقيه مع محمد بن يحيى باعوه سودان الوجيه... زقموا به (رموا به) في خشم العدو...، وذكر في حمية رجال يام وهمتهم ووقوفهم في الظهر والبندق، فالله يشد بك الظهر، ويدرك بك الثأر، ويجلي عنا وعنك العار، وكل حقيقة في كتاب الأخ علي بن محمد - حفظه الله - والعجل العجل ترا ما عاد نحاذر إلا يقفي الناكث والشريف معه، وحكمنا نهادنه والواسطة بيننا وبينه والفوت في تسليم البلاد والشريف في يده، وقد عرفت أن ما له عهد ولا ذمة"  
 
ومن هذه الرسالة تتضح أهمية الدور الذي كانت تقوم به القبائل النجرانية في الحروب التي تحدث بين الكيانات السياسية في جنوب غربي شبه الجزيرة العربية أو حتى في إخضاع بعض الثورات وحالات التمرد التي كان يقوم بها البعض ضد أمراء تلك المناطق. ويبدو أن الرسالة تشير إلى الإشادة بالروابط التي كانت تربط قبيلة يام مع الحسن بن محمد، وهذا يعطينا دلالة على قوة الصلات بين الطرفين.
 
إن الدور الذي قامت به القبائل النجرانية من خلال تدخلاتها العسكرية في الكيانات السياسية القريبة من نجران كان واضحًا كل الوضوح، ولكن هذا الدور كان وراءه تنظيم داخلي للقبائل النجرانية يقوم على الأحلاف القبلية التي كانت سائدة في مجتمع شبه الجزيرة العربية في تلك الحقبة الزمنية. وقد برزت تلك الأحلاف بشكل كبير بين القبائل النجرانية التي كانت تحالفاتها تقوم على صلة النسب أو المصالح السياسية والاقتصادية، ومن تلك التحالفات التي أُبرمت بين القبائل النجرانية التحالف الذي عُقد بين أولاد عبدالله من قبيلة يام وبين قبيلة آل خاطر من فروع القبائل النجرانية، على أن تسوى الخلافات القائمة بين أفراد القبيلتين دون النظر في المسائل السابقة بينهما، وأشارت وثيقة عن ذلك الحلف إلى عدد كبير من المشاركين في التسوية بين الطرفين والموافقة على الحلف، وهذه القضية من الظواهر المهمة عُرفًا، إذ يشار إلى أسماء الشيوخ أو الأمراء حتى لا يتنصل باقي أفراد القبيلة التابعين لهم من تلك الاتفاقات  
 
وتتضح أهمية تلك الاتفاقيات في حفظ الأمن والاستقرار للناس على الرغم من أن تلك التحالفات تنقض إذا دعت المصلحة إلى ذلك، خصوصًا إذا كانت لا تتفق مع مصالح أقوى للقبيلة أو العشيرة، وهذا القرار عادة ما يتخذ من شيخ القبيلة الذي يمثلها من الناحية الرسمية.
 
إن التحالفات القوية التي كانت بين القبائل النجرانية قد خلقت من تلك القبائل قوة متماسكة جعلتها توجه قوتها إلى خارج المنطقة حيث أصبح لتلك القبائل سطوتها ونفوذها على الكيانات السياسية القريبة من نجران، ومع ذلك ظل هناك كثير من المشكلات التي تبرز في المجتمع القبلي أبرزها الأخذ بالثأر، وهذا ما جعل أفراد كثير من القبائل يدخلون في صراعات دامية ليس لها نهاية. ومع ذلك كانت هناك بعض المحاولات من شيوخ القبائل للوصول إلى حلول سلمية تمثلت في الوصول إلى صلح بين الأطراف المتنازعة وتؤكد المحاولات ضمان عدم التعدي من أفراد القبيلة على الطرف الآخر، ولقد ورد في الوثيقة ما نصه: "... حضروا المذكورين من آل فارس وآل أبوزيد وابن الجويد وكان وأصلحوا...مانع بن مدان ومحمد بن فراس وكان الرجلين (القتيلين) كلهم في رفيقه عبا وتنصيب في غرامتهم وكأنهم دفنوا الحيد السوداء وابدوا البيضاء حضر محمد بن شايع وصالح بن مانع بن مدان وكأنهم تكفلوا بآل فارس حاضر وغائب وكبير وصغير حضر عيران حندك ومحسن بن حمران وتكفلوا بال أبوزيد وابن الجويد كبير وصغير وحاضر وغائب كل من ضمن من رجال الصقور ورجال يام بين المذكورين..."  
 
وعندما انتهى حكم محمد علي باشا في شبه الجزيرة العربية نتيجة لمعاهدة لندن سنة 1256هـ / 1840م التي من خلالها انسحبت قواته إلى مصر أصبحت أقاليم جنوبي شبه الجزيرة العربية تحت الحكم العثماني المباشر الذي تركز في المناطق الساحلية، في حين ظلت المناطق الداخلية تحكم من قِبل الأمراء المحليين. وبعد الانسحاب رأت الدولة العثمانية أنه من الأفضل لها أن تبادر بالتعاون مع بعض الأمراء ذوي النفوذ القوي حتى لا تصطدم بهم، ولكي تكسب تأييد معظم السكان الذين كان ولاؤهم لأمرائهم قويًا، ويبدو أن الدولة العثمانية كانت تخطط لاحتواء المعارضة ضد الوجود العثماني في تلك المناطق، وكانت تهدف إلى الحفاظ على سيادتها الاسمية في بداية الأمر، ثم تقوم بتثبيت حكمها الفعلي. ونتيجة لذلك أرسل السلطان العثماني عبدالمجيد 1255 - 1278هـ / 1839 - 1861م إلى الحسين بن علي بن حيدر، حاكم المخلاف السليماني، يطلب منه التعاون مع الدولة العثمانية مقابل أن يصبح الحاكم المعين من قِبل السلطان العثماني برتبة باشا، واشترط السلطان في رسالته التي وصلت إلى حسين باشا عن طريق والي الحجاز ضرورة الدعاء على المنابر للخليفة العثماني والالتزام بتعليمات الباب العالي التي سوف تدعم الحسين لتوسيع نفوذه في جنوب غربي شبه الجزيرة العربية  
 
إن قبول الحسين بن علي التعاون مع الدولة العثمانية جعله يطمح إلى توسيع نفوذه في جنوب غربي شبه الجزيرة العربية باسم الباب العالي، حيث استولى على المخا وزبيد والحديدة، وقام ببناء قلعة في أبي عريش أطلق عليها اسم "نجران" وكانت القلعة المذكورة تُعد من أمنع القلاع في تهامة. ونتيجة لتلك الأعمال التي قام بها الحسين بن علي برز منافسون له، مثل: إمام صنعاء المهدي عبدالله بن المتوكل وحاكم عسير ابن عائض، ومع أن المهدي حاول عدم الاصطدام بالحسين بن علي، إلا أن الحسين استغل الخلاف بين الأئمة الزيديين، وقام بمساعدة الإمام محمد بن يحيى المنصور؛ مما جعل جنوب غربي شبه الجزيرة العربية تدخل في صراعات دامية شارك فيها عدد من القبائل المشاركة في الحرب، وكان من بينها قبائل يام التي ساندت الحسين بن علي في حروبه ضد منافسيه سواء كان ذلك في جنوب المخلاف السليماني أو في شماله  .  ويبدو أن التأثيرات النجرانية كانت قوية على الحسين بن علي، حيث كان معظم أنصاره من القبائل النجرانية حتى أنه أطلق على القلعة التي بناها في أبي عريش اسم (قلعة نجران).
 
ولم يقتصر نشاط القبائل النجرانية على التعاون مع حكام المخلاف السليماني، بل تعدى ذلك إلى القيام بالتوسع في المناطق التابعة لأئمة اليمن، حيث قام المكرمي بغزو حراز والمناطق التابعة لها وضمها إلى سلطته  ،  ويبدو أن التنافس بين أمراء المخلاف السليماني وبين أئمة صنعاء على بعض المناطق الواقعة على الحدود بين المخلاف والمناطق التابعة لأئمة اليمن أعطى القبائل النجرانية الفرصة للتدخل في المناطق القريبة من نجران التي يعتقد النجرانيون أن لهم الحق في السيطرة عليها. ومن العوامل التي جعلت قبائل يام بخاصة تقوم بالسيطرة على حراز: ضعف سلطة الزيديين على تلك المناطق؛ بسبب الانقسامات بين أفراد السلطة الحاكمة في صنعاء. وفي حقيقة الأمر فإن القبائل النجرانية ظلت لفترات زمنية طويلة خلال العصر الحديث تقاتل القوى السياسية المختلفة لمصالح سياسية واقتصادية مباشرة، وهذا بالطبع جعل لنجران تأثيرها القوي على الأحداث التي شكلت تاريخ جنوب غربي شبه الجزيرة العربية.
 
ومع أن الدولة العثمانية قررت بسط نفوذها على معظم أنحاء جنوبي الجزيرة العربية، إلا أنها اصطدمت بمقاومة قوية لم تكن أقل من المقاومات التي قامت ضد الحكم في العصر العثماني الأول. ولقد برزت تلك المقاومات بشكل كبير في موقف الإمام علي بن المهدي في صنعاء وفي مقاومة محمد بن عائض حاكم عسير للقوات العثمانية. وعلى الرغم من قوة تلك المقاومة إلا أن العثمانيين نجحوا في أواخر العقد الثامن من القرن الثالث عشر الهجري / التاسع عشر الميلادي في القضاء على ابن عائض وإنهاء إمارته، ثم تقدموا إلى صنعاء ودخلوها، وبذلك ثبتوا حكمهم في معظم أقاليم جنوب غربي شبه الجزيرة العربية  .  أما نجران فقد ظلت بعيدة عن النفوذ العثماني الذي ركز جهوده في المناطق الساحلية وبعض المناطق التي هي الأخرى قريبة من الساحل حيث كانت مراكز لقوى سياسية لها تأثيرها في المنطقة. وعلى الرغم من التدخلات العسكرية التي كانت تمارسها القبائل النجرانية في المناطق التي أصبحت تحكم من قِبل العثمانيين، إلا أن الولاة العثمانيين لم يقوموا بتسيير حملات إلى نجران؛ بسبب وجود مقاومة قوية في المناطق التي استولوا عليها سواء كان ذلك في المخلاف السليماني أو في عسير أو في المناطق التابعة للزيديين. إضافة إلى أن الإدارة العثمانية في جنوب غربي شبه الجزيرة العربية كانت تحتاج إلى أموال للقيام بمثل تلك الحملات لم يكن بمقدور الدولة العثمانية توفيرها.
 
أثر القبائل النجرانية وفروعها في أحداث الدولة السعودية الثانية:
 
كان لنجاح محمد علي باشا في القضاء على الدولة السعودية الأولى الأثر الكبير على الحالة السياسية في شبه الجزيرة العربية، إذ عادت الفوضى السياسية إلى ما كانت عليه قبل قيام تلك الدولة. ووضحت تلك الفوضى من الأسلوب الذي نهجه محمد علي في حكمه لشبه الجزيرة العربية، إذ إنه ترك بعض الحاميات في كبريات الحواضر، في حين أهمل كثيرًا من المناطق الصغيرة التي يمثل سكانها أغلبية في مجتمع (شبه الجزيرة العربية). إضافة إلى أن محمد علي الممثل للحكم العثماني حاول أن يتعاون مع بعض الأمراء الذين كانوا يحكمون باسم الدولة العثمانية مثل تعاونه مع أمير المخلاف السليماني. وعلى الرغم من أن محمد علي نجح في التعاون مع بعض الأمراء إلا أن بعضهم قام بمحاولات جادة للتخلص من حكمه، وبرزت تلك المحاولات في عدد من الأوجه كان أبرزها محاولة الإمام تركي بن عبدالله مؤسس الدولة السعودية الثانية في عام 1240هـ / 1824م التي من خلالها قام بتوحيد نجد، ثم قام بضم الأحساء، ولكنه لم يحاول ضم كل المناطق التي كانت تسيطر عليها الدولة السعودية الأولى؛ بسبب إحكام محمد علي قبضته على تلك المناطق. ومع أن الإمام تركي بن عبدالله نجح في الاستقلال عن محمد علي إلا أن خلفه الإمام فيصل بن تركي واجه صعوبات متعددة؛ تمثلت في إرسال محمد علي عددًا من الحملات استطاعت إقصاء فيصل بن تركي وتنصيب خالد بن سعود الموالي للحكم العثماني  
 
ولم تستقر الأحوال السياسية في نجد خصوصًا بعد قرار الدولة العثمانية تحجيم دور محمد علي بالتعاون مع بريطانيا التي رأت أن طموحات والي مصر سوف تهدد الدولة العثمانية ومصالح بريطانيا في المنطقة. وعندما وصلت تقارير القناصل البريطانيين المقيمين في شبه الجزيرة العربية إلى وزارة الخارجية البريطانية كتب وزير الخارجية البريطاني بالمرستون (Palmerston) إلى القنصل البريطاني في مصر كامبل (Campbell) يطلب منه تحذير محمد علي من التقدم إلى المناطق ذات الأهمية الكبيرة بالنسبة إلى بريطانيا سواء كان ذلك في جنوب غربي شبه الجزيرة العربية أو الخليج العربي، ومع أن محمد علي كان قد قطع وعدًا لبريطانيا بعدم المساس بمصالحها في تلك المناطق إلا أن البريطانيين قرروا التعاون مع الدولة العثمانية والدول الكبرى لعرقلة طموحات محمد علي في الاستقلال عن الدولة العثمانية وبناء دولة قوية، وفي مؤتمر لندن الذي عقد بهذا الشأن كان من بين القرارات التي اتخذت إلزام محمد علي بسحب قواته من شبه الجزيرة العربية ومن المناطق التي توسع فيها سواء كان ذلك في الشام أو في السودان، بل إن البريطانيين أخذوا على عاتقهم تنفيذ تلك القرارات إذا لم يلتزم محمد علي بها  
 
لقد كان لانسحاب محمد علي من شبه الجزيرة العربية الأثر الكبير على موقف خالد بن سعود الذي أصبح مهددًا من قِبل عبدالله بن ثنيان الذي يرى أن خالد بن سعود ليس له حق في الحكم؛ بسبب تعاونه مع محمد علي، ونتيجة لذلك قام عبدالله بن ثنيان بالثورة على خالد بن سعود الذي وجد نفسه من دون مناصرين، خصوصًا عندما أدركت كثير من القبائل التي كان ولاؤها قويًا لخالد ضعف موقفه؛ مما اضطره إلى الانسحاب إلى الدلم، ثم إلى الأحساء، أما عبدالله بن ثنيان فقد أصبح الحاكم الفعلي بعد فرار خالد بن سعود. ورغم إقصائه خالد بن سعود إلا أنه لم يستمر في الحكم فترة طويلة، إذ إن الإمام فيصل بن تركي عاد من مصر، واستطاع القضاء على حكم عبدالله بن ثنيان  .  ويبدو أن القبائل التي كانت ذات نفوذ قوي في نجد والمنطقة الشرقية أدَّت دورًا مهمًا في مناصرة بعض الحكام على حساب حكام آخرين، أو أنها أرادت مناصرة حاكم لتثبيت حكمه في مناطق رفضت الدخول في طاعته، فقبيلة العجمان ناصرت عبدالله بن ثنيان عندما ضم المنطقة الشرقية، ولم تتردد تلك القبيلة في التعاون مع الإمام فيصل بن تركي عندما استرد الحكم من عبدالله بن ثنيان بوصفه الحاكم الشرعي  
 
ومع أن قبائل العجمان تعاونت مع الإمام فيصل بن تركي إلا أن سياسته كانت تقضي بالتركيز على تقوية الدولة مركزيًا والقضاء على نفوذ بعض القبائل التي تثير بعض المشكلات الإدارية والأمنية للسلطة المركزية، وزاد من التباعد بين الإمام فيصل بن تركي والعجمان استعانة الإمام فيصل بن تركي بقبيلة مطير التي كانت على خلاف مع العجمان حول بعض المراعي وموارد المياه. وعندما قام العجمان بالاعتداء على قبيلة مطير ونهبها حاول الإمام فيصل بن تركي تعويض مطير عن الخسائر التي حلّت بها. ولقد حاول فلاح بن حثلين أن يستنصر بأبناء عمومته في نجران عندما قام الإمام فيصل بسجنه بسبب تعدياته على بعض القبائل النجدية، ونتيجة لطلب فلاح أرسل شيخ يام مانع بن جابر إلى الإمام فيصل بن تركي يستوضح الأمر، فرد عليه فيصل بن تركي موضحًا له أسباب الخلاف بقوله: "... وكان فلاح المذكور قد اشتكى إلى الشيخ مانع بقوله: إنه زمع أي مقطوع ليس له عصبية... من طرف فلاح فهو أقرب القبائل إلينا، ولا بخلنا عنه بشئ من الدنيا لا خيل ولا غيرها، ولا أطعنا فيه أحد من الناس، ولكن طبع فلاح سيئ... ومن طرف قولكم أن فلاح يذكر أن نقول: بأنه زمع فنحن نعلم أن يام من نجد إلى المشرق ولا أوصله هالامور (إلى هذه الأمور) إلا الله ثم نحن يال تركي وقبل نروسه (هكذا) في قبيلته ونعطيه الخيل والبل والفلوس وهو جار (البوادي) ما معه إلا رحايله"  
 
وعلى الرغم من أن فيصل بن تركي كان يريد أن يتناسى الخلافات مع فلاح بن حثلين إلا أن تعديات قبيلة العجمان بقيادة فلاح على بعض الحجاج القادمين من العراق وإيران والبحرين وبعض المناطق الواقعة على الخليج العربي في عام 1261هـ / 1845م جعلت الإمام فيصل بن تركي يقرر تأديب العجمان الذين أخذوا في إثارة كثير من المشكلات له، خصوصًا في المنطقة الشرقية، لذلك جهز جيشًا قاده بنفسه وتوجه به لقتال العجمان خصوصًا؛ لأنهم اعتدوا على رعايا دول لن تتنازل عمّا حلّ بهم بسهولة، ولن تتغاضى عن تلك الممارسات التي هددت أمن طرق الحج، وعندما وصل الإمام فيصل إلى المنطقة الشرقية وأدرك العجمان عدم قدرتهم على مواجهته طلبوا الصفح، ولكنه لم يلبِّ طلبهم إلا بعد أن فرض عليهم غرامات حربية، وقام بتهجيرهم من المنطقة التي كانوا يقيمون فيها  .  ومع أن فلاح بن حثلين حاول الالتجاء إلى محمد بن هادي بن قرملة أمير قحطان، إلا أن الإمام فيصل بن تركي حذر شيوخ القبائل من إيوائه، وقام بملاحقته حيث أرسل حميدي بن فيصل الدويش، أحد قادة قواته، لملاحقته في العرمة القريبة من منازل قحطان، وعندما أدرك ابن قرملة عدم قدرته على حمايته تخلى عن حمايته؛ مما اضطر فلاح إلى اللجوء إلى منديل بن غنيم أحد شيوخ عشائر مطير، ولكن الأخير رفض طلب فلاح، بل إنه قام بالقبض عليه، وتسليمه إلى أحمد السديري حاكم الهفوف السعودي حيث قُتِلَ مع بعض رجاله المرافقين له. وبذلك تخلص من فلاح بن حثلين وأعطى رسالة لمن يريد أن يزعزع الأمن بأن مصيره سوف يكون مثل مصير ابن حثلين، وأنه لا تهاون في أمن طرق الحج التي ربما تثير لفيصل مشكلات خارجية مع الدول التي يتعرض حجاجها للنهب  
 
لقد كان الخلاف بين الإمام فيصل بن تركي وبين العجمان بداية لخلاف بين الطرفين أدى إلى حالات تمرد جديدة من العجمان كان الهدف منها إثارة القلاقل والفتن في محاولة للأخذ بالثأر لزعيمهم فلاح بن حثلين، ففي عام 1276هـ / 1860م قاموا بمهاجمة إبل تابعة للإمام فيصل بن تركي في المنطقة الشرقية، وتزعمهم في ذلك راكان بن فلاح بن حثلين الذي أصبح زعيم القبيلة، وعندما علم الإمام فيصل بن تركي بذلك أرسل ابنه عبدلله لتأديب العجمان، حيث التقى بهم في الوفرة وانتصر عليهم؛ مما اضطرهم إلى الفرار إلى الصبيحية بالقرب من الكويت، وقرروا الصمود أمام القوات السعودية التي استطاعت أن تحقق نصرًا كبيرًا على العجمان رغم استماتتهم في سبيل الدفاع عن أموالهم ونسائهم اللاتي اصطحبوهن في المعركة في محاولة لعدم الانهزام أمام قوات عبدالله بن فيصل، وقد ترك ذلك الانتصار الذي حققته القوات السعودية آثارًا جيدة في أمن المنطقة الشرقية الذي عكَّرته تعدِّيات العجمان على ممتلكات بعض القبائل المجاورة لها؛ مما جعل بعض أمراء القبائل، مثل: المنتفق وغيرهم يهنئون الإمام فيصل بن تركي على تلك الانتصارات  
 
ومع أن الإمام فيصل بن تركي نجح في القضاء على حالات تمرد العجمان في المنطقة الشرقية إلا أنه حدث تقارب بينه وبين أهالي نجران الذين يبدو أنهم كانوا يخافون سطوة فيصل بن تركي على نجران نظرًا للعلاقة التي تربط بين العجمان وبين القبائل النجرانية، وهناك سبب آخر لا يقل أهمية عن ذلك ألا وهو محاولة النجرانيين الحفاظ على استقلاليتهم بعيدًا عن النفوذ الزيدي. ومن أجل ذلك قام كل من مانع بن علي بن جابر وعزان بن حسين بن محمد بن منيف الزعيمين النجرانيين بإيفاد وفد إلى الرياض في عام 1279هـ / 1863م لتجديد العهد مع الإمام فيصل بن تركي، وتكون الوفد من مندوبين، هما: حسين بن مانع وحسن بن محمد بن منيف، وعندما وصل المندوبان إلى الرياض وقَّعا مع فيصل بن تركي وثيقة تحالف بتاريخ 15 شعبان 1279هـ الموافق 4 فبراير1863م نصت على الآتي:
 
" من فيصل بن تركي إلى من يرا (هكذا) هذا الكتاب بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد ألفا علينا حسن بن حمد بن منيف وحسين بن مانع بن علي بن جابر وبأيديهم خط من مانع بن جابر ومن عزان بن حسين بن بنيان أنهم مفوضين عن أنفسهم وعن رفاقهم أهل نجران الذي حاله حالهم وطلبوا منا يكون الحال منا ومنهم واحد على طاعة الله ورسوله وأن حنا ما نصادق لهم عدو ومن بغا (هكذا) عليهم وطلبوا منا النفعة ما ندخرها عنهم بجنود المسلمين وصار العدو واحد والصديق واحد وأعطيناهم على هذا عهد الله وأمانه والله على ذلك كفيل ولهم علينا إنشاء الله الإكرام والعز والقيام بواجبهم ومن حاله حالهم وطوارفهم آمنة في بلدان المسلمين لهم ما لهم وعليهم ما عليهم... "  
 
ورغم ذلك الحلف إلا أن تلك الحروب تركت آثارًا سيئة في نفوس قبائل نجران التي ينحدر منها العجمان؛ مما جعل تلك القبائل تبحث عن فرصة مواتية لتثأر من الإمام فيصل بن تركي وابنه عبدالله. وجاءت هذه الفرصة في أثناء الخلاف بين عبدالله بن فيصل وأخيه سعود الذي خرج على أخيه عبدالله مطالبًا بالحكم؛ فبعد وفاة الإمام فيصل بن تركي في عام 1282هـ / 1865م بايع سعود بن فيصل أخاه عبدالله، ولكن لم تمضِ سنة واحدة حتى قام سعود بالتوجه إلى منطقة عسير يطلب المساعدة من حاكمها محمد بن عائض الذي رفض مساعدته، بل إنه طلب منه العدول عن الخروج على أخيه عبدالله. وعندما لم يجد سعود القبول عند ابن عائض توجه إلى نجران، وطلب المساعدة من زعيمها الذي لم يتردد في مساعدته خصوصًا أنه لم يكن متعاطفًا مع الحكم السعودي المناصر للدعوة السلفية. وفي أثناء إقامة سعود بن فيصل في نجران قدمت إليه وفود من بعض القبائل النجرانية والمتحالفة معها واعدة إياه بتقديم المساعدة العسكرية له في حربه ضد أخيه عبدالله. وبعد أن تكونت لديه قوة عسكرية توجه بها إلى وادي الدواسر، حيث ازداد عدد المنضمين إليه وعندما علم عبدالله بتحركات أخيه سعود قرر التصدي له بقوة فجهز جيشًا بقيادة أخيه محمد الذي توجه إلى جنوبي نجد في محاولة للتصدي لأخيه سعود، وتقابل الطرفان في المعتلى في وادي الدواسر سنة 1283هـ / 1866م، وفي تلك المعركة استطاع محمد بن فيصل هزيمة سعود وجيشه من القبائل النجرانية، فاضطر هذا الأخير الانسحاب إلى مضارب آل مرة، ثم اتجه إلى عُمان  
 
إن الدور الذي قامت به قبائل نجران؛ وبخاصة قبيلة العجمان التي ظلت مناصرة لسعود بن فيصل لم ينتهِ عند هزيمته في المعتلى، بل إنه امتد للانضمام إلى سعود في حربه ضد المناطق الحضرية التي كانت تحت حكم عبدالله بن فيصل في المنطقة الشرقية. فبعد تعاون كل من البريطانيين والعُمانيين مع سعود استطاع أن يجمع أنصاره من بعض القبائل، مثل: العجمان وآل مرة، وعندما علم عبدالله بن فيصل بذلك حاول التصدي لخطط سعود في شرقي البلاد فأمر واليه على إمارة الأحساء محمد السديري بالتصدي لسعود الذي بدأ يهدد المناطق الحضرية في المنطقة الشرقية، ولكنه لم ينجح في كبح جماح تلك القبائل المؤيدة لسعود، خصوصًا قبيلة العجمان التي كانت تثير كثيرًا من القلاقل والفتن في المنطقة، ونتيجة لذلك قرر عبدالله عزل محمد السديري وعين بدلاً منه ناصر بن جبر الخالدي، بل إنه قام بإرسال حملة لتأديب العجمان وآل مرة أنصار سعود بن فيصل. وعلى الرغم من أن عبدالله بن فيصل استطاع أن يؤدب بعض فروع قبيلة العجمان إلا أن ذلك العمل أثار حفيظة فروع أخرى من العجمان، فهبوا لمساعدة سعود الذي استولى على المنطقة الشرقية، وعندما علم عبدالله بن فيصل بالتطورات الجديدة في منطقة الأحساء أرسل حملة إلى هناك في محاولة لإنقاذ الأحساء ولكن سعود بمعاونة حلفائه استطاع أن يلحق الهزيمة بأخيه محمد ويقبض عليه ويضعه في السجن  ،  في معركة بئر جودة في 27 رمضان سنة 1287هـ الموافق 1 ديسمبر 1870م؛ وبذلك أصبحت المنطقة الشرقية تحت نفوذ سعود بن فيصل  
 
في ظل ضعف الدولة المركزية والخلاف حول الحكم برز التنافس القبلي كقوة مؤثرة على القرار السياسي، فمن ذلك ما قام به العجمان من ضغوط على سعود بن فيصل عندما طلبوا منه عدم استقبال محمد بن هادي بن قرملة أمير قحطان الاستقبال الحسن، حيث قدم ابن قرملة ليهنئ سعود على تحقيقه الانتصار في المنطقة الشرقية. ويعود السبب في ذلك إلى التنافس بين قبيلتي قحطان والعجمان اللتين كانتا تسعيان إلى محاولة كسب ولاء المنتصر. ولقد كان لموقف سعود مع أمير قحطان أثره في تحول قبيلة قحطان ومناصرتها أخاه عبدالله، وكان من نتائج ذلك تأجيج الحرب الأهلية بين سعود وأخيه عبدالله مما أدى بالأخير إلى الخروج إلى قبائل قحطان بعد قدوم سعود إلى الرياض والاستيلاء عليها  
 
ومع أن ارتباط العجمان بنجران بدأ يتناقص شيئًا فشيئًا، إلا أن تأثيرهم في الحرب الأهلية ظل واضحًا حتى بعد وفاة سعود بن فيصل، إذ ناصروا أبناءه من بعده، وكان لهم دور في الوقوف ضد ابن رشيد الذي ظهر بوصفه قوة لها نفوذها في نجد، بل إنه استطاع القضاء على الدولة السعودية الثانية. وبدأ نشاط العجمان يأخذ منحىً آخر، إذ وقفوا إلى جانب الشيخ مبارك في صراعه مع محمد بن رشيد، وعندما التقى مبارك الصباح مع ابن رشيد في معركة الصريف سنة 1318هـ / 1901م هُزم الشيخ مبارك وكان ضمن جيش قبيلة العجمان، ولكن تلك الهزيمة لم تضع حدًا لنشاط العجمان الذين ظل لهم دورهم السياسي والعسكري في منطقة نجد والمناطق الشرقية لشبه الجزيرة العربية  
 
وعلى الرغم من مشاركة العجمان في الأحداث السياسية والعسكرية المهمة بالمناطق الوسطى والشرقية لشبه الجزيرة العربية مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين إلا أن القبائل النجرانية لم يكن لها الدور البارز في تلك الأحداث، وإنما اقتصر دورها على التدخلات المتكررة في شؤون القوى السياسية المحيطة بها مثل المخلاف السليماني والمناطق التابعة لإمام اليمن.
 
 المملكة العربية السعودية 1338هـ / 1920م
 
نجح الملك عبدالعزيز في استرداد الرياض، وكان ذلك النجاح بمنـزلة اللبنة الأولى في توحيد معظم أنحاء شبه الجزيرة العربية تحت اسم: المملكة العربية السعودية. وكانت الخطوة التي تلت استرداد الرياض هي توحيد نجد والمنطقة الشرقية، أما الخطوة الأخرى فهي محاولة ضم أقاليم جنوب غربي شبه الجزيرة العربية، فعندما أرسل الملك عبدالعزيز جيشًا إلى منطقة عسير بقيادة عبدالعزيز بن مساعد عام 1338هـ / 1920م توجهت سريتان إلى بدر وحبونا النجرانيتين  ،  وعلى أثر تلك التحركات أرسل زعماء نجران إلى الملك عبدالعزيز يذكرونه بالاتفاق الذي وقع بين أسلافهم والإمام فيصل بن تركي  ،  وفي المقابل حاول إمام اليمن أن يستغل ذلك الهجوم، فأرسل إلى زعماء نجران يستحثهم على التحالف معه ضد الملك عبدالعزيز، ولكن أولئك الزعماء رفضوا ذلك العرض. 
 
وبخلاف هاتين الحملتين فإن الملك عبدالعزيز لم يرسل حملات أخرى إلى نجران خلال تلك الفترة؛ إذ إن الاتفاقية التي وقعها الأمير عبدالعزيز بن مساعد مع محمد الإدريسي حاكم المخلاف السليماني في 16 من ذي الحجة سنة 1338هـ الموافق 31 أغسطس1920م تضمنت دخول قبائل نجران ضمن النفوذ السعودي  .  ولم تكن نجران محل خلاف رئيس بين الطرفين: السعودي واليمني طوال فترة الأربعينيات الهجرية من القرن الماضي؛ وهي الفترة التي شهدت سلسلة من الاتصالات المكثفة بين البلدين، حيث إنها انصبت في المقام الأول على مشكلة الأدارسة التي كانت حجر الزاوية في العلاقة بين الطرفين، فبعد أن عقد الأدارسة اتفاقية مكة المكرمة سنة 1345هـ / 1926م مع الملك عبدالعزيز ازدادت العلاقة توترًا بين الجانبين: السعودي واليمني إذ قصد الأدارسة من وراء عقد هذه المعاهدة طلب الحماية من الملك عبدالعزيز للتصدي للأطماع اليمنية في أراضيهم، وكانت الفرصة مناسبة لإثارة مشكلة نجران في المحادثات السعودية / اليمنية سنة 1346هـ / 1927م حينما زار وفد سعودي مكون من محمد بن دليم وتركي بن ماضي اليمن حيث قدّما رسالة من الملك عبدالعزيز إلى الإمام يحيى يطلب منه فيها بإلحاح الوصول إلى اتفاق يحدد الحدود بين الطرفين. وعندما وصل الوفد إلى صنعاء في 6 من جمادى الآخرة سنة 1346هـ الموافق 1 ديسمبر 1927م قابل الإمام الذي عين وفدًا يمنيًا لمناقشة مسألة الحدود مع الوفد السعودي، وخلال الجلسات التي عقدت بين الجانبين اعترف الوفد اليمني بالسيادة السعودية على المناطق التي كانت تحت حكم الأدارسة، وعلى عسير، وكاد الوفدان يتوصلان إلى اتفاق لرسم الحدود بين المملكتين لولا إثارة أحقية كل طرف بنجران، حيث أصر كل طرف على أنها تابعة له. ونتيجة لذلك توقفت الجلسات وقرر الوفدان عرض الخلاف حول نجران على الإمام يحيى، وبالفعل عُرضت القضية على الإمام الذي قال: "... أنه أوصى وفده بأن يتساهل ويتنازل عن الكثير، وأنكم لا شك لمستم منهم في المفاوضة معكم العمل بتوصيتي وما دام أنه لم يبق إلا مسألة نجران، فإنه يحكم فيها الملك عبدالعزيز نفسه ويؤمل أن الملك سيقوم بحلها بحكمته وكرمه المعهود... "   بل إن الإمام وعد بإرسال وفد إلى مكة المكرمة للتباحث في مسألة التوصل إلى حلول حول الخلاف على نجران الذي كاد الطرفان يتوصلان إلى حل بشأنه في تلك المحادثات، حيث اتفقا على أن نجران تُعد الحد الفاصل بين قبائل وائلة اليمنية وبين قبائل يام القاطنة في نجران؛ وهو الشيء الذي رُوعي لاحقًا في اتفاقية الطائف سنة 1353هـ / 1934م  
 
وبالفعل قام الإمام بإرسال وفد إلى المملكة العربية السعودية في شعبان 1346هـ / 1927م وحمله رسالة يؤكد فيها حسن نواياه، وأنه يريد الوصول إلى حلول سلمية بشأن مسألة نجران. وعندما وصل الوفد إلى مكة المكرمة اجتمع مع الوفد السعودي، ولكن يبدو أن الوفد اليمني قد زود بتعاليم تقضي بعدم التنازل عن نجران، وكان الهدف من إرسال ذلك الوفد هو محاولة الوصول إلى طريق مسدود في المفاوضات وطلب تحكيم الملك عبدالعزيز في ذلك محاولة من الإمام ليحصل على أراضٍ جديدة  
 
لم يُحَلّ الخلاف حول نجران، وظلت أطماع الإمام يحيى حميد الدين في منطقة نجران واضحة في أواخر الأربعينيات الهجرية؛ مما جعل أهالي نجران يحاولون التوصل مع الملك عبدالعزيز إلى حلف، بل إنهم حاولوا تنظيم العلاقة بين الطرفين حتى يحافظوا على وضعيتهم السياسية التي كانوا يتمتعون بها خلال الحكم العثماني لجنوب غربي شبه الجزيرة العربية والفترة التي تلته. وقد وصل وفد نجران إلى أبها في شعبان سنة 1350هـ / 1931م لمقابلة أميرها عبدالعزيز بن عسكر وتوصل إلى تعهد من أهل نجران جاء فيه: "... موجب ذلك ومقتضاه أن السادة المكارمة وأهل نجران يام بادية وحاضرة أتفق جميع رؤسائهم...وأرسلوا بالنيابة عنهم وفدًا... ولما كان يوم الخميس الموافق 20 من شهر شعبان سنة 1350هـ / 1931م وصل الوفد المذكور إلى الأمير عبدالعزيز العسكر بمركز أبها وتخابروا معه وقدموا له ورقة اعتمادهم المؤرخة في 14 شعبان سنة 1350هـ / 1931م من رؤساء يام المذكورين أعلاه مضمونها الشروط الواجبة بحسن الجوار مع المواصلات والصداقة بين يام وبين جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن وطوارفه بكف الأذى عن المسلمين وردع كل جاهل والقومة على المفسدين بين الطرفين وأمان السبل وحقن الدماء، وعلاوة على ذلك إقرار واعتراف الوفد المذكور بما ذكر عن رضى وقبول وتضمينًا بتقوية الكفالات الواجبة على كل قبيلة حسبما شرحوه بورقة اعتمادهم...فبموجب ذلك أجاز الأمير عبدالعزيز العسكر مطلوب يام والاتفاق معهم بعد حصول الموافقة على ذلك من جلالة الملك المعظم... "  
 
إن هذا التعهد من أهالي نجران كان بمنـزلة تجديد للبيعة منهم، وبخاصة بعد أن وافق الملك عليه ووقَّعه عبدالعزيز بن مساعد ووفد يام. وكانت تلك الخطوة تأكيدًا لدخول قبائل يام في طاعة الملك عبدالعزيز وبشكل خاص في ظل الأطماع المتزايدة من إمام اليمن في نجران. ونتيجة لذلك قدم وفد من أهالي نجران في ذي القعدة عام 1351هـ / مارس 1933م وتوصل إلى تجديد للعهد مع عبدالعزيز بن مساعد ورد فيه:
 
"... ليعلم من يراه موجب ذلك ومقتضاه بأن يام أهل نجران وتوابعه المذكورة أسماؤنا أدناه حضرنا بمركز أبها برفق حسن بن هاشم المكرمي بالأصالة عن أنفسنا ونائبين بالوكالة عن عشائرنا حاضرة وبادية، وذلك لمواجهة الأمير عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي لتمكين روابط الصداقة بالطاعة والنصح والامتثال لله ثم لجلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل فيصل - أيده الله - ولجميع طوارفه بحسن المواصلات وكف الأذى عن المسلمين وردع كل جاهل والقومة على المفسد والاجتهاد في أمان السبل وحقن الدماء... 
 
لقد تعاقبت الأحداث بسرعة في بداية الخمسينيات الهجرية، وبدا واضحًا أن الإمام يحيى له أطماعه التوسعية في المناطق التي كانت تابعة لإمارة الأدارسة أو التي كانت تتمتع بالاستقلالية في المناطق الواقعة شمال صعدة؛ وبخاصة منطقة نجران. ومع أن قوات إمام اليمن قد زحفت على بعض المناطق التي يعدها الملك عبدالعزيز تابعة له، مثل: جبال بني مالك، وجبال فيفاء، وجبل العر، وجبال العبادل، إلا أن الملك عبدالعزيز حاول التغاضي عن ذلك والوصول إلى حلول سلمية مع الإمام من خلال البرقيات التي تُبودلت بين الطرفين، ولكن قيام الإمام بضم نجران في 23 من جمادى الأولى سنة 1352هـ الموافق 14 سبتمر 1933م بعد حصارها عددًا من الأشهر جعل الملك عبدالعزيز يقرر وضع حد للتعديات التي قام بها الجيش اليمني. 
 
وعندما دخلت القوات اليمنية، إلى نجران تذرعت بوقف اعتداءات القبائل اليامية على قبائل وائلة اليمنية، ولكنها لم تكتفِ بذلك، بل توغلت في منطقة نجران وتهامة فاستنجد الأهالي في جازان ونجران بالملك عبدالعزيز، ورغم المفاوضات التي جرت بين الجانبين: السعودي واليمني ليسحب الإمام قواته من نجران وتهامة إلا أن تلك المفاوضات باءت بالفشل، حيث إن الملك عبدالعزيز كان قد أرسل وفدًا إلى صنعاء يحمل المطالب السعودية التي تمثلت في: امتناع صنعاء عن تقديم الدعم لمعارضي الملك عبدالعزيز من الأدارسة وحزب الأحرار الذين التجؤوا إلى اليمن، وحل مشكلة الحدود، وخروج قوات الإمام من نجران، إلا أن الوفد السعودي فوجئ في صنعاء برؤية الأعلام اليمنية مرفوعة ابتهاجًا بالاستيلاء على نجران نظرًا لما كان يدعيه إمام اليمن من حقوق تاريخية في نجران، ولم يستطع الوفد السعودي مغادرة اليمن، حيث أُجبر على البقاء خمسين يومًا في صنعاء دون أن يعين الإمام وفدًا لمفاوضته ودون أن يُمكّن من الاتصال بحكومته، وتحت ضغوط سياسية من الملك عبدالعزيز قام إمام اليمن بتعيين وفد لمناقشة القضايا العالقة بين الجانبين، والتقى الطرفان وناقشا بعض المسائل المختلف عليها؛ وبخاصة الحدود، ولكنهما لم يتوصلا إلى اتفاق، فعاد الوفد السعودي إلى بلاده. ونتيجة لتقارير الوفد السعودي عن أسباب تعثر المفاوضات مع الجانب اليمني اقتنع الملك عبدالعزيز بأن الإمام يحيى ليس لديه الرغبة الجدية في الوصول إلى حلول سلمية، وأنه يخفي نوايا عدوانية، لذلك أمر قواته بالتوجه إلى جنوبي البلاد تحسبًا لأي طارئ، وفي الوقت نفسه واصل اتصالاته بالإمام يحيى ودعاه إلى إعادة الأدارسة، وحل قضية نجران، والاعتراف بترسيم الحدود في معاهدة توقع بين الطرفين  .  وخلال تلك الاتصالات ذكّر الملك عبدالعزيز الإمام يحيى حميد الدين بالمعاهدة التي وقعها مع الأدارسة في عام 1345هـ / 1926م وأن إيواء الحسن الإدريسي وأطماع الإمام يحيى في نجران تتنافى مع الوضع القائم في المنطقة الذي كان قد اتفق عليه الطرفان في عام 1346هـ / 1927م. ففي تلك السنة أرسل الملك عبدالعزيز وفدًا إلى صنعاء ناقش مع اليمنيين العلاقات بين البلدين، ومن خلال المناقشات اعترف الإمام يحيى بالواقع الجديد في جنوب غربي شبه الجزيرة العربية، بل إن الوفد ناقش مسألة الحدود بين الطرفين، وتوصل الوفدان إلى الإبقاء على الحدود بين الإمارة الإدريسية وبين المناطق التابعة للإمام في المنطقة الواقعة جنوب جازان  .  أما المناطق الشرقية حتى نجران شرقًا، فقد أكد الوفد السعودي صلاتها بنجد منذ عهد الدولة السعودية الأولى، ثم توقيع أهالي نجران الحلف مع الإمام فيصل بن تركي في الدولة السعودية الثانية، وخلال المناقشات التي دارت بين الوفود سواء في اليمن أو في المملكة العربية السعودية في غضون العامين اللذين تليا دخول إمارة الأدارسة تحت حماية الملك عبدالعزيز، كان موضوع تبعية نجران لنجد يعد محسومًا إذ إن نجران لم تكن يومًا من الأيام تابعة للأئمة الزيديين، بل كانت تتمتع باستقلاليتها بعيدًا عن النفوذ العثماني. ومع ذلك ظلت للإمام يحيى أطماعه التوسعية في نجران، خصوصًا عندما أدرك أن الملك عبدالعزيز حقق مكاسب كبيرة بوضع إمارة الأدارسة تحت حمايته، وهذا السبب الأخير هو الذي دفع الإمام إلى التعاون مع الأدارسة في تمردهم على الملك عبدالعزيز والسماح لهم باللجوء إلى اليمن  
 
ولم يفقد الملك عبدالعزيز الأمل في التوصل إلى حلول سلمية فكاتب الإمام في محاولة لتهدئة الوضع المتأزم بين الطرفين، بل إنه اقترح عليه سرعة التوصل إلى حلول بخصوص مسألة الأدارسة وإقامتهم في اليمن، وشدد الملك أيضًا على عمل اتفاقية بين الطرفين لمدة عشرين سنة تنظم بنودها الوفود اليمنية والسعودية الموكلة بحل مسألة الحدود بين الطرفين. أما مسألة الخلاف حول نجران فطلب الملك تأجيل ذلك مع الاستمرار في المفاوضات للتوصل إلى حلول مرضية للطرفين، وأُرسل هذا الاقتراح في 17 رمضان 1352هـ الموافق 3 يناير 1933م وفي الوقت نفسه أوعز الملك عبدالعزيز بإرسال قوات إضافية إلى المناطق الجنوبية لبلاده تحسبًا لأي تطورات جديدة  
 
ولقد نجحت الوفود المكلفة بحل الخلاف في تحديد الحدود بين البلدين وتوصلت إلى معاهدة صداقة لمدة عشرين سنة، وتم الاتفاق على وضع أسرة الأدارسة في اليمن. ومن خلال تلك الاتفاقات تفاءل الطرفان بالوصول إلى اتفاق بشأن مسألة نجران، خصوصًا عندما عين كل طرف وفدًا لمناقشة مسألة نجران وحل الخلاف حولها بالطرق السلمية  .  وفي أثناء المفاوضات ظهر إصرار الوفد اليمني على عدِّ نجران جزءًا من الأراضي اليمنية، وأن انسحاب الجيش اليمني من نجران وترك أهاليها يتخذون قرارهم بأنفسهم يُعد تدخلاً في شؤون اليمن الداخلية.
 
ولم يتوقف الخلاف حول نجران، بل امتد إلى المناطق الغربية الواقعة بين الطرفين بالقرب من جازان، حيث أخذ بعض الجنود اليمنيين يتسللون إلى المناطق التابعة للسعوديين، ولم يلتزموا بإبعاد الأدارسة عن منطقة الحدود السعودية حسبما أقرته الوفود بين الطرفين. وكان موقف الحكومة اليمنية المتشدد نحو الاحتفاظ بنجران مما جعل الملك عبدالعزيز يتخذ قرارًا باستردادها لكونها تشكل جزءًا من الأراضي التابعة للدولة السعودية الثانية، حيث دفعت بعض القبائل النجرانية إلى الإمام فيصل بن تركي الزكاة، كما تشير الوثائق التي وقعت بين الطرفين  .  وعلى إثر ذلك صدر قرار رسمي من الحكومة السعودية جاء فيه: "... لقد استنفدت حكومتنا جميع الوسائل السلمية بالطرق السياسية للاتفاق مع سيادة الإمام يحيى، ولكن سيادته بقي مصرًّا وماضيًا في خطبه العدائية من احتلاله لجبالنا في تهامة وإعساف أهلها ومطاردة من لم يخضع له منهم، ولم يجدِ الصبر وجميع المراجعات طيلة سبعة أشهر شيئًا، وقد صدر أمر جلالته لولي العهد بالتقدم إلى الحدود لاسترجاع البلاد التي كان سيادة الإمام قد احتلها منتهزًا فرصة توقف جندنا ابتغاء الصلح فحسبنا الله ونعم الوكيل"  
 
ونتيجة لذلك قرر الملك توجيه عدد من فرق جيشه إلى جنوب غربي شبه الجزيرة العربية لتضع حدًا لتلك التعديات واستعادة ما استولت عليه القوات اليمنية. ففي السادس من ذي القعدة سنة 1352هـ الموافق 11 مارس سنة 1934م أمر الملك عبدالعزيز قواته المرابطة في جنوبي البلاد أو التي وصلت لتوها إلى المنطقة بالتحرك إلى الحدود المشتركة مع اليمن، وسارت هذه القوات على محورين حيث كان هدفها استرداد المناطق الواقعة جنوب جازان وطرد القوات اليمنية من نجران. ونظرًا لأن الحرب صارت على جبهتين فسوف يشار إلى الجيش الذي قاتل في الجبهة الشرقية، وكان هدفه الوصول إلى نجران، حيث قسم الأمير سعود بن عبدالعزيز القائد العام للعمليات العسكرية الجيش المرابط على ذلك المحور إلى أربعة أقسام: القسم الأول بقيادته، ويخترق المناطق الواقعة شرق منطقة باقم، ليصل إلى المناطق الشمالية لليمن، والثاني بقياد?
شارك المقالة:
86 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم