فترة تأسيس الدولة السعودية الثانية بمنطقة حائل في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
فترة تأسيس الدولة السعودية الثانية بمنطقة حائل في المملكة العربية السعودية

فترة تأسيس الدولة السعودية الثانية بمنطقة حائل في المملكة العربية السعودية.

 
أ - عهد الإمام تركي بن عبدالله:
 
يعد جلاء القوات الأجنبية عن نجد ودخول الإمام تركي بن عبدالله الرياض بداية تأسيس الدولة السعودية الثانية. ونظرًا لتلهف الناس إلى زعامة قوية توحد البلاد وتوفر الأمن، لم يجد الإمام تركي بن عبدالله صعوبة كبيرة في توحيد معظم بلدان نجد وضمها إلى دولته الفتية، فبعد عامين من دخوله الرياض كان قد بسط سيطرته على نجد كلها. وكانت منطقة حائل من المناطق التي بادرت إلى إرسال وفد من الأهالي لتقديم البيعة والدخول تحت لواء الدولة الجديدة، أو كما قال ابن بشر: وفيها أو في التي قبلها وفد عيسى بن علي رئيس جبل شمر على الإمام تركي ومعه رؤساء قومه، فبايعوا على دين الله ورسوله والسمع والطاعة وجعل في بيت مال الجبل حمد الشويعر وهو نائبه زمن سعود وعبدالله  
 
بعد هذه البيعة أصبحت حائل جزءًا من الدولة السعودية الثانية، فقام الإمام تركي بن عبدالله بترتيب أمورها محافظًا على الأساليب الإدارية الموروثة من عهد الدولة السعودية الأولى، فأقر إمارة الأمير صالح بن عبدالمحسن، كما هو الراجح في كثير من الروايات. كما قام بتعيين حمد الشويعر مسؤولاً عن بيت المال في حائل، وهو صاحب خبرة في الأمور المالية موروثة من عهد الدولة السابقة، أما منصب القضاء فقد أسنده إلى الشيخ أحمد بن سليمان بن عبيد  .  وبهذه الترتيبات وضع الإمام تركي بن عبدالله الأسس القوية لحكومة حائل المحلية التي قدر لها أن تدير شؤون المنطقة لأكثر من عشر سنوات في ظل قيادة أسرة آل علي.
 
وقد شهدت العلاقات بين منطقة حائل والدولة السعودية الثانية نوعًا من التميز  ،  وأسهمت مثل غيرها من المناطق في الغزوات وتنفيذ تعليمات السلطة المركزية في الرياض. ففي سنة 1245هـ / 1829م أمر الإمام تركي بن عبدالله أتباعه، ومنهم أهل منطقة حائل، بالخروج تحت قيادة ابنه فيصل وذلك من أجل التصدي لغزوة قام بها زعماء بني خالد على نجد. كما تحدثت المصادر عن مشاركتهم في العامين التاليين في غزوتين قام بهما الإمام تركي بن عبدالله  ،  ولم تورد المصادر أثناء فترة حكم الإمام تركي بن عبدالله، والتي استمرت عشر سنوات، أي معارك مهمة أو حركات تمرد أو حوادث أمنية لافتة للنظر حدثت في منطقة حائل، ولذا يمكننا القول إن منطقة حائل نعمت بفترة من الأمن والاستقرار في تلك الفترة.
 
ب - عهد الإمام فيصل بن تركي (الفترة الأولى):
 
1 - تولي عبدالله بن رشيد إمارة حائل:
 
كان عبدالله بن علي بن رشيد يعمل في جيش الإمام تركي بن عبدالله، وكان صديقًا مقربًا إلى ابنه فيصل، وعندما اغتيل الإمام تركي برز عبدالله بن رشيد حيث قام بدور مهم في القضاء على مؤامرة مشاري بن عبدالرحمن، واستعادة فيصل بن تركي حكم والده  .  وهكذا قُدر لهذا الرجل أن يؤسس حكمًا وراثيًا في حائل، وآل رشيد أبناء عمومة آل علي فهم ينتسبون إلى آل جعفر أحد بطون عبدة، وأحيانًا ينسبون أنفسهم إلى من تنتسب إليه عبدة، وهو ضيغم  .  ولا نعرف عن أسرته - أي: ابن رشيد - إلا القليل قبل بدء نشاطه وخصوماته مع أمير حائل، وقد كان والده علي بن رشيد يسكن في حائل، ووصفته المصادر بالورع والتقوى والكرم. كما ذكرت بعض الروايات أن علي بن رشيد كان فلاحًا بسيطًا، بالإضافة إلى عمله جابيًا للزكاة من بادية الشمال زمن الإمام سعود بن عبدالعزيز، وربما في عهد ابنه الإمام عبدالله  .  ومما لا شك فيه أن عمله في جباية الزكاة يحتاج إلى تنسيق ودعم من أمير حائل محمد بن عبدالمحسن بن علي.
 
أما أخوه جبر بن علي بن رشيد فقد عمل في الدرعية كاتبًا في حكومة الإمام سعود بن عبدالعزيز، وقد كان يثق به إلى حد كبير لدرجة أنه عمم على رجالات دولته في المناطق المختلفة: إذا ورد عليكم كتاب فيه اسمي وهو خط جبر بن رشيد يكون يعمل فيه ولو ما فيه مهر  .  ويعد جبر من الرجال المهمين في الدولة السعودية الأولى، حيث وصفه ابن بشر بأنه أحد أعيان المسلمين، وقد كان من أشد المخلصين للدولة فلم يغادر عاصمتها الدرعية أثناء حصارها من قبل قوات إبراهيم باشا، بل بقي بها مدافعًا عنها، وقبيل سقوطها لجأ إلى رأس الخيمة  
 
نشأ عبدالله بن علي بن رشيد وأخوه عبيد في حائل، وعندما بلغا سن الشباب بدت عليهما علامات الطموح السياسي، وأخذا يتطلعان للإسهام في الحياة العامة، مما أزعج أمير حائل في ذلك الوقت، وعد هذا تدخلاً في شؤونه الخاصة. أما والدهما علي فلم يرض بمنافسة ابنيه لأمير حائل، وقد علل ذلك ضاري الرشيد بأنه صاحب ديانة وورع وكرم ولا يريد الخصومة بين أبناء العمومة، ونتيجةً لذلك اضطر الابنان للخروج إلى العراق. وبعد فترة من وجودهما هناك استدعاهما والدهما إلى حائل، وتوفي بعد قدومهما بسنة واحدة، فاندلع النـزاع بينهما وبين أمير حائل 
 
وعلى أي حال فإننا لا نعلم على وجه التحديد متى بدأ ذلك النشاط وما نتج منه من منازعات، فمن المصادر ما يعيده إلى عهد إمارة محمد بن عبدالمحسن بن علي، ويدللون على ذلك أنه في محاولة من الأمير لكسب ود عبدالله وربما لاستقطابه وتوجيه هذه الطاقة الشابة في خدمته، وتجنب خطر طموحه، فقد زوجه بابنته. ومن ناحية أخرى ترى بعض المصادر أن الخلاف بين أمير حائل والأخوين عبدالله وعبيد وقع في وقت متأخر وذلك أثناء إمارة صالح بن عبدالمحسن  
 
وبالنظر إلى الأمور في إطارها التاريخي يبدو أن هذه التطورات حصلت أثناء إمارة صالح بن عبدالمحسن فهي لم تكن بقوة سابقتها، إمارة أخيه محمد؛ فقد كانت قوية وتستند إلى قوة الدولة المركزية في الدرعية التي كانت قوية ومهيبة الجانب، ويضرب بها المثل في نشر الأمن وتطبيقه، مما لا يفسح مجالاً لمثل هذه الاختلافات. بالإضافة إلى ذلك فإن رواية ضاري الرشيد ـ فيما أرى ـ أقوى من غيرها؛ فهو من أهل المنطقة وقريب من الأحداث، وهو يرى أن الخلاف كان في عهد الأمير صالح بن عبدالمحسن، وذلك بسبب موقف الأخوين عبدالله وعبيد من سياسة الأمير الحيادية تجاه بادية شمر، فهما يريان أنه لا بد من نصرة باديتهم ضد خصومهم؛ لهذا تزعم الأخوان موقفًا معارضًا لموقف الأمير صالح بن عبدالمحسن، فخرجا بمن ناصرهما من الحاضرة خفية لدعم موقف بادية شمر، مما رجح كفتها ضد خصومها وزاد من حدة الخلاف مع الأمير  
 
ثم تطور الخلاف ووصل إلى حد جعل أمير حائل يخرج عبدالله وعبيدًا من البلدة حيث اختفيا في جبل أجا، ولكنهما ظلا يتسللان ليلاً ليحصلا على الطعام عند قريبة لهما. وعندما علم أمير حائل بذلك غضب ونفى أمهما من حائل، فاضطر عبدالله بن رشيد إلى ترك أسرته في الصحراء والذهاب إلى العراق طلبًا للرزق، كما هي عادة أهل نجد في تلك الأزمان عندما تضيق بهم سبل العيش فإنهم يتجهون إلى أمكنة الكسب، سواء أكان ذلك في العراق أو في بلاد الشام أو حتى في الهند. وليس من المستبعد أن عبدالله بن رشيد كان يتردد إلى حائل لرعاية أسرته، ولكن العلاقة مع أمير حائل لم تتحسن فطلب من أحد أصدقائه الأوفياء إخراج زوجته من البلدة  
 
أظهر عبدالله بن رشيد أثناء إقامته في العراق وتردده إليها مدة من الزمن تميزًا ونشاطًا ملحوظًا حيث اشترك في بعض المعارك العسكرية. وبالإضافة إلى ما اكتسبه من خبرة هناك فقد تمكن من معرفة بعض الشخصيات النجدية المهمة مثل سويد بن علي الذي أصبح فيما بعد أميرًا لبلدة جلاجل من إقليم سدير  
 
وبعد فترة من الزمن قضاها عبدالله بن رشيد في العراق، يمم صوب الرياض ليلتحق بخدمة الإمام تركي بن عبدالله الذي تمكن من طرد القوات الأجنبية ووحد البلاد مؤسسًا بذلك ما عرف في التاريخ بالدولة السعودية الثانية. ولم تسعفنا المصادر بتاريخ دقيق لذهاب عبدالله بن رشيد إلى الرياض، وهل قدم إليها من العراق أم من حائل؟ ولكن يبدو أن قدومه كان من العراق، وأن وصوله إلى الرياض كان في الأربعينيات من القرن الثالث عشر الهجري. ومما لا شك فيه أن انضواء أي شخص بصفات عبدالله بن رشيد تحت راية الإمام تركي بن عبدالله يعد مكسبًا، لذا فقد رحب به الإمام وتطورت علاقته مع ابنه فيصل فأخذ يصاحبه في الغزوات وأصبح من رجالاته المقربين إليه.
 
وقد ارتبط تولي عبدالله بن رشيد إمارة حائل بتولي الإمام فيصل بن تركي الحكم في الرياض، حيث اغتيل الإمام تركي بن عبدالله في آخر يوم من شهر ذي الحجة سنة 1249هـ الموافق 8 مايو 1834م في مؤامرة دبرها ابن أخته مشاري بن عبدالرحمن. حيث كان فيصل بن تركي عند اغتيال والده على رأس جيش سعودي في شرق الجزيرة العربية للقضاء على بعض التمردات القبلية، وحينما وصله الخبر جمع كبار قادته واستشارهم في الأمر فبايعوه وقرر العودة إلى الرياض، فوصل فيصل بجيشه إلى الرياض بعد ثمانية عشر يومًا من اغتيال والده، ولم يمض أربعون يومًا على تلك الحادثة حتى تمكن من القضاء على مشاري بن عبدالرحمن واستعادة حكم والده  
 
بعد عودة الجيش إلى الرياض وبدء الحصار على مشاري بن عبدالرحمن برز دور عبدالله بن رشيد، وذلك من خلال العلاقة الوثيقة التي جمعت بينه وبين سويد بن علي أثناء وجودهما في العراق. وكما أشرنا آنفًا كان سويد بن علي أميرًا على بلدة جلاجل، ولكن الإمام تركي بن عبدالله عزله عن إمارتها سنة 1247هـ / 1831م  .  ومن المؤكد أنه كان يبحث عن أي وسيلة تمكنه من العودة إلى إمارة جلاجل، لذا فليس من المستغرب أن يلتحق بخدمة الحاكم الجديد لتحقيق ذلك الهدف.
 
تحصن الأمير مشاري بن عبدالرحمن في القصر ومعه نحو مئة وأربعين رجلاً ومن بينهم سويد بن علي الذي لاحظ أن الأمور تسير في صالح الإمام فيصل بن تركي، وأن القضاء على المؤامرة ليس إلا مسألة وقت فحسب. وبالإضافة إلى ذلك، فإنه مع استمرار الحصار أخذ أنصار الأمير مشاري يتخلون عنه يومًا بعد يوم، وبناءً عليه رأى سويد أن أحلامه في استعادة الإمارة بدأت تتبدد. ومن تتبع المصادر التاريخية يلاحظ أن الأحداث زجت بسويد بن علي حيث أصبح - وكأنه يمثل من في داخل القصر - من المحاصرين الذين طلبوا منه الاتصال بالإمام فيصل بن تركي ليطلب الأمان على نفسه وماله ومن كان عنده في القصر من الرجال سوى من باشر قتل الإمام أو ساعد على قتله، فوافق الإمام على ذلك، ثم تسلق سور القصر نحو أربعين رجلاً، بقيادة عبدالله بن رشيد حيث تمكنوا من السيطرة على الوضع بعد قتل مشاري بن عبدالرحمن  
 
وقد ذهبت بعض المصادر إلى أن عبدالله بن رشيد هو صاحب المبادرة حيث استأذن الإمام فيصل بن تركي لمفاوضة سويد بن علي، وبناءً عليه حصلت بعض الاتصالات بين الطرفين وتمخضت عن أن سويدًا يريد رئاسة بلاده (أي الإمارة في بلدة جلاجل) تكون له ولولده من بعده، كما طلب أن يكون مقربًا من الحكومة الجديدة. وكان جواب الإمام فيصل بن تركي على هذه المطالب أن قال لعبدالله بن رشيد: أضمن ذلك وزيادة. وهكذا استمرت الاتصالات بين الطرفين حتى تم الاتفاق على أن يصعد عبدالله بن رشيد إلى القصر ومعه ثلاثون رجلاً في حين يبقى سويد، وعشرة من الرجال ممن هم في وضع شبيه بوضعه، على الحياد إن لم يتمكنوا من مساعدتهم. وفي الموعد المحدد أُدليت الحبال وصعد عبدالله بن رشيد ورجاله إلى داخل القصر ودارت بينهم وبين مشاري بن عبدالرحمن معركة قتل على أثرها. وهكذا نرى أن عبدالله بن رشيد قام بجهد كبير وبرز دوره خلال هذه الأحداث التي جرح فيها أثناء صراعه مع أحد مماليك مشاري بن عبدالرحمن، إذ يقول في بيت من الشعر العامي إشارةً إلى ذلك:
 
شـهودي  بجـلدي والعـدو به بداله     والناس  تـدري بالجدايد والأسمال  
وتم القضاء على المؤامرة واستعاد الإمام فيصل بن تركي حكم والده، وتوثقت علاقته بشكل أكبر مع عبدالله بن رشيد. وهكذا بعد كثير من العناء والغربة وجد عبدالله بن رشيد نفسه في وسط دائرة صنع القرار، وقد تحسن وضعه كثيرًا فيما يتعلق بخصومته مع أمير حائل. ومما لا شك فيه أن عبدالله بن رشيد كان يطمح إلى تولي إمارة حائل، وهذا ما حصل بعد مدة من الزمن حيث عينه الإمام فيصل بن تركي أميرًا على حائل بدلاً من أميرها السابق صالح بن عبدالمحسن بن علي. وفي ضوء التطورات السابقة نُظر إلى ذلك الأمر على أنه مكافأة لعبدالله بن رشيد على ما قام به من جهد في القضاء على مؤامرة مشاري بن عبدالرحمن  . 
ومثلما هي الحال في كثير من المسائل المتعلقة بتاريخ حائل، فقد اختلفت الروايات في تحديد تاريخ وكيفية عزل صالح بن عبدالمحسن عن إمارة حائل وتعيين عبدالله بن رشيد. فراوحت هذه التواريخ بين نهاية سنة 1250هـ / 1834م حتى آخر السنة التي تلتها، ولكن يبدو أن أدقها ما ذكره المؤرخ المعاصر عثمان بن بشر، حيث أورد هذه الحادثة ضمن حوادث أواخر سنة 1250هـ / 1834م عندما كان الإمام فيصل بن تركي نازلاً في بلدة الشعراء، إذ قال: وهو في ذلك المنـزل عزل صالح بن عبدالمحسن بن علي عن إمارة الجبل واستعمل فيه أميرًا عبدالله بن علي بن رشيد  .  وهكذا يعد تعيين الأمير عبدالله بن رشيد أميرًا على حائل بداية تأسيس إمارة وراثية لآل رشيد قُدر لها أن تستمر قرابة التسعين عامًا.
 
أما كيف تم ذلك فإن المصادر تختلف حوله اختلافًا كبيرًا؛ ففي حين لم يذكر ابن بشر شيئًا حول ملابسات تعيين عبدالله بن رشيد وعزل صالح بن عبدالمحسن خلاف ما ذكرناه آنفًا، فإن ضاري الرشيد تابع كثيرًا حول هذا الموضوع، لكنه لم يذكر شيئًا حول ما تم في الشعراء. ففي رواية لم تخلُ من التناقض والتضارب، أشار ضاري إلى أن الإمام فيصل بن تركي أرسل إلى الأمير صالح بن عبدالمحسن يطلب منه الحضور بسبب شكوى ضده، وعندما علم عبدالله وعبيد اللذان زعما أنهما في حائل بذلك انطلق عبيد إلى الرياض وبقي عبدالله عند أسرتهما قرب حائل، وسار الأمير صالح في وفد من أهل حائل، ولكن عبيدًا سبقه إلى الرياض حيث وصل قبله بيوم واحد وعرض تظلمه على الإمام فيصل. وفي اليوم التالي وصل الأمير صالح فناقشه الإمام فيصل حول ما أثير ضده من الشكاوى، وكانت النتيجة أن اقتنع الإمام بصحة ما قاله عبيد، فكتب إلى أهل حائل رسالة أوضح فيها قراره عزل صالح 
 
وأشار ابن بشر إلى أنه حصل نـزاع بين عبدالله بن رشيد وصالح بن عبدالمحسن بعد تولي الأول الإمارة مباشرةً حيث يقول: لما وصل عبدالله بن رشيد إلى جبل شمر أميرًا، وأقام فيه نحو شهر، كثر القيل والقال بينه وبين صالح بن علي وأعوانه، فحصل بينهم مجاولة في المسجد يوم الجمعة. وتدخل الناس بين الطرفين، فتحصن صالح وأتباعه في قصرهم وحاصرهم عبدالله بن رشيد فيه حتى حصلوا على الأمان وخرجوا من حائل، ولكنه أدركهم في القصيم (أو في طريقهم إليه) وقتلهم. ولم ينس عبدالله بن رشيد أهمية كسب موقف الرياض من هذا الصراع الدائر في حائل؛ حيث سارع بالكتابة إلى الإمام فيصل بن تركي مبررًا ما قام به من أعمال ضد الأمير السابق ومن معه، وقد اقتنع الإمام بوجهة نظره حيال تلك الأحداث  ،  ودان الأمر في حائل لعبدالله بن رشيد بعد قتل الأمير صالح بن عبدالمحسن 
 
2 - عبدالله بن رشيد وأسرة آل علي:
 
بعد تمكن عبدالله بن رشيد من السيطرة على مقاليد الأمور في حائل، والتخلص من خصومه من آل علي أصبح حكمه أكثر ثباتًا وقوةً في ظل ما كان يتمتع به من صداقة ودعم من الإمام فيصل بن تركي. واستمرت العلاقة الجيدة بين الطرفين حتى بدا خطر جديد تمثل في حملة أرسلها محمد علي إلى نجد للقضاء على حكم الإمام فيصل بن تركي، وعقد قيادتها اسميًا لخالد بن سعود  ،  أما القيادة الفعلية فقد كانت بيد إسماعيل بك.
 
وعندما علم الإمام فيصل بتحرك حملة إسماعيل بك وخالد بن سعود من المدينة المنورة صوب القصيم جمع زعماء بلاده ليستشيرهم في كيفية التصدي لهذا الخطر القادم. وكان من بين من استشارهم الأمير عبدالله بن رشيد فأشار عليه بالنفير والمسير، وأن يقصد القصيم ويقيم فيه وينـزل قبل أن يقدم إليهم العساكر  .  وهكذا جمع الإمام قواته واتجه إلى القصيم، وبعد وصوله هناك حدثت بعض التطورات التي أضعفت موقفه بشكل كبير مما جعله ينسحب عائدًا إلى الرياض. وقد كانت النتيجة مضاعفة بالنسبة إلى الإمام فيصل، فهو لم يخسر القصيم فحسب بل الرياض عاصمة دولته كذلك حيث وجد أن الموقف فيها قد تغير لصالح خالد بن سعود، ولهذا لم يستطع البقاء بها فخرج منها إلى الأحساء  
 
لم تكن منطقة حائل بمنأى عن تلك التطورات السلبية، فبعد أن سيطر إسماعيل بك وخالد بن سعود على القصيم أدركا أهمية وضرورة الاستيلاء على منطقة حائل، وهنا التقت المصالح مع عيسى بن عبيدالله بن علي الذي كان من بين الناجين في حادثة مقتل الأمير صالح بن عبدالمحسن سابقة الذكر، وكان يبحث عن أي مساعدة ضد أمير حائل. ونتيجةً لذلك قررا إرسال قوة عسكرية مكونة من أربعمئة فارس من جنود الحملة بقيادة إبراهيم المعاون ومعها عيسى بن علي وكذلك يحيى بن سليمان (سليم)، أمير عنيزة، على رأس قوة من مئة مطية. فسارت هذه القوات مسرعةً من عنيزة وهدفها مباغتة عبدالله بن رشيد وإلقاء القبض عليه، ولكنه أُنذر قبل وصولها فخرج من حائل مع أسرته وبعض أنصاره إلى بلدة جُبَّة، ومنها إلى ابن رخيص في الأجراد  .  أما القوات القادمة من القصيم فواصلت تقدمها ودخلت حائل دون مقاومة في مستهل عام 1253هـ / 1837م، وأصبح عيسى بن علي أميرًا على المنطقة. ولما استقرت الأمور لعيسى بن علي في حائل، عادت القوات التي جاءت مع المعاون وابن سليم بعد أن تركوا معه حامية صغيرة تتكون من مئة رجل من رجال الحملة  ،  وذلك من أجل مساعدته في إدارة المنطقة وإخضاعها لحكم محمد علي.
 
وهكذا تمكن عيسى بن علي من استغلال الظروف التي مرت بها حكومة الإمام فيصل بن تركي ووظفها لصالحه معيدًا بذلك الإمارة إلى آل علي مرةً أخرى، ومن المؤكد أنه حصل على تأييد ودعم من بعض فئات المجتمع الحائلي، في حين رأت فئات أخرى أنه جاء إلى الحكم عن طريق قوة أجنبية ما زال جزء منها يرابط في حائل، فكانت نظرتهم سلبية تجاهه. كان عبدالله بن رشيد يراقب هذه التطورات ورأى أن الفرصة مواتية للتحرك صوب حائل بعد انسحاب معظم القوات التي جاءت مع عيسى بن علي، فتحرك مع أخيه عبيد من منطقة جبة إلى بلدة قفار القوية حينذاك، أو كما قال ابن بشر: أقبل عبدالله بن علي بن رشيد رئيس الجبل ومعه من أعوانه وعشيرته رجال لمحاربة عيسى بن علي، ونـزل عند بني تميم في بلد قفار المعروفة وأقام عندهم  
 
وقد وفق عبدالله بن رشيد في توجهه إلى قفار وحصل على دعم بعض سكانها، كما يفهم من عبارة ابن بشر السابقة، أو كما قال ضاري: لما نـزل عيسى والعسكر على قفار لمحاربة بعض أهل القرية لأنهم تخلفوا عن الخروج معه لمطاردة عبدالله بن رشيد. ونتيجةً لذلك تطور الموقف في البلدة إلى موقف مضاد لما كان موجودًا بها من أفراد الحامية الأجنبية مما مكن عبيد من الانتقال إليها واتخاذها مركزًا لعملياته، بعد أن تمكن بمساعدة الأهالي من طرد القوات الأجنبية منها. ومن حسن حظ عبدالله بن رشيد أن عدوى المقاومة انتقلت إلى حائل حيث أخذ أنصاره يغتالون كل من تسنح لهم الفرصة باغتياله، أو بعبارة ضاري: وقاموا أهل حايل إذا تطرفوا في واحد منهم قتلوه غيلة.. فلما رأوا العسكر هذا الأمر رحلوا رحلة أخت الهزيمة، وعيسى معهم، ورجع عبدالله، واستتب له الأمر. ويبدو أن عيسى بن علي لم يحصل على تأييد كافٍ من سكان حائل على الرغم من مرابطة القوات الأجنبية إلى جانبه، فلم يستطع الصمود كثيرًا أمام ضغط عبيد بن رشيد فاضطر إلى الخروج منها والالتحاق بخورشيد باشا الذي أكرمه وعينه مديرًا لبيت مال الأحساء حيث توفي هناك  
 
وهكذا بعد مرور أقل من عام تمكن عبدالله بن رشيد من استعادة إمارته في حائل، ولكن يلاحظ على رواية ضاري السابقة أنها ركزت على جهود عبيد بن رشيد، في حين أشارت إلى عبدالله بعبارة "ورجع عبدالله ما يوحي بأنه كان غائبًا عن مسرح الأحداث". من ناحية أخرى ذكرت بعض المصادر أن عبدالله بن رشيد، أثناء انشغال أخيه عبيد بمجالدة عيسى بن علي ومن معه من القوات الأجنبية، كان في مهمة لمقابلة خورشيد باشا الذي أرسله محمد علي على رأس حملة لدعم إسماعيل بك وخالد بن سعود. ويبدو أن عبدالله بن رشيد أدرك أهمية الاتصال بخورشيد باشا إما للحصول على مساعدة لاستعادة إمارة حائل، أو على الأقل لتحييده في الصراع الدائر بينه وبين عيسى بن علي.
 
وقد ذكرت الوثائق أن حملة خورشيد باشا كانت تعاني نقص الإبل اللازمة لنقل المؤن وأفراد الجيش من الحجاز إلى نجد، وهنا التقت المصالح إذ كان بإمكان عبدالله بن رشيد تزويد الحملة بالإبل مقابل دعمه لاستعادة إمارة حائل. وقد ورد ذكره في هذا السياق في رسالة كتبها خورشيد إلى محمد علي في الخامس عشر من شهر رجب سنة 1253هـ / 1837م، وبعد ذلك بيومين أردف برسالة جاء فيها تبرير الاتصال حيث قال:
 
"إن المدعو عبدالله بن رشيد شيخ جبل شمر الذي سبق أن فر من دون أن يقابل إسماعيل بك، سينفعنا في جمع الجمال وسائر الشؤون، وإن إحضاره يؤدي إلى إخماد نار الفتنة، ويسهل مهمة الجيش. ولذلك عملت على إحضاره هنا حتى حضر إلي بالأمس.. وقد تعهد الشيخ بأنه سيبذل السعي ما وسعه في إحضار الجمال، وسيباشر في إحضارها عما قريب. وعاهدني على هذا الشرط. وبناء على ذلك وليته مشيخة منطقته، فأكسيته الخلعة "  
 
كما وعد خورشيد بأنه سيرسل فرقة من الخيالة مع عبدالله بن رشيد لمساعدته في جمع الإبل من البادية، وقد أشار إلى ذلك ضاري في روايته إذ قال: " أما عبدالله فقد أمر عليه الباشا أنه يخرج في عسكر ليحصل على الإبل، والعسكر الذين معه 150 خيالاً "  .  ويبدو أن معادلة التعامل بين الطرفين كانت ناجحة حيث حصل كل منهما على ما يريد، فقد تمكن عبدالله بن رشيد من تزويد خورشيد بالجمال في مقابل مساعدته على استعادة إمارة حائل. والمفارقة العجيبة هنا هي وجود قوات مصرية مع طرفي الصراع، وأصبح خورشيد قائدًا لكل قوات محمد علي في نجد ومخولاً في اتخاذ أي قرار يخدم مصلحة تلك القوات. فرأى أن التعامل مع عبدالله بن رشيد أكثر فائدة للحملة من التعامل مع عيسى بن علي، ولعل هذا مما يساعد في فهم سرعة انهزامه وخروجه مع حاميته المصرية من حائل. وما إن علم عبدالله بن رشيد بانتصار أخيه عبيد حتى أرسل الإبل إلى الباشا مع العسكر وعاد مسرعًا إلى حائل خشية أن يقترف أخوه ما لا تحمد عقباه وخصوصًا مع مئة وعشرين أسيرًا من أهل حائل، لذا أمره بالإفراج عنهم بعد عودته مباشرةً  
 
وهكذا تمكن عبدالله بن رشيد من التعامل مع متغيرات الأحداث ببراعة في مزج بين الدبلوماسية والقوة حتى استعاد إمارة حائل، وقد ظل أميرًا لها مِنْ غير منازع حتى وفاته سنة 1263هـ / 1846م. وبالإضافة إلى ما كان يجمع بين عبدالله بن رشيد والإمام فيصل بن تركي من علاقة خاصة، فقد تهيأ له من عوامل النجاح ما مكنه من زيادة نفوذه وتقوية إمارته وتوسيعها شيئًا فشيئًا  .  وكما لاحظنا سابقًا فقد كان عبدالله بن رشيد صديقًا وفيًا للإمام فيصل بن تركي، ولكنه كان مستعدًا للتعاون مع خورشيد باشا عندما رأى أن حكومة الإمام فيصل لم تعد قادرةً على الصمود، والسؤال هنا هو: ما انعكاس سقوط تلك الحكومة على إمارة حائل؟
 
استمر الأمير عبدالله بن رشيد على علاقة جيدة مع خورشيد باشا الذي ظل يعتمد عليه في إمداده بالإبل أثناء وجوده في نجد. وعندما وصل خورشيد باشا إلى عنيزة، كانت الأمور قد استقرت في حائل لصالح عبدالله بن رشيد ولكنه لم ينس أن عيسى بن علي ما زال موجودًا في ضيافة ذلك القائد، ولهذا جاء على رأس وفد لزيارة خورشيد وأحضر معه ألف بعير جمعها من القبائل التابعة له، وقد أكرمه خورشيد وأغدق عليه الهدايا. وبعد أن اطمأن إلى موقف خورشيد عاد إلى حائل، وعند اقترابه من بريدة أرسل إليها مجموعة من رجاله ليقضوا على أحد أتباع آل علي، ولكن أمرهم انكشف فأرسل أمير بريدة، عبدالعزيز بن محمد آل أبي عليان، رجاله في طلبهم فباغتوا عبدالله بن رشيد ومن معه واستولوا على ما معهم، " وقتلوا منهم ستة رجال وهرب عبدالله على ظهر فرسه إلى الباشا (في عنيزة) فكساه وأعطاه ثم رجع إلى بلدانه. ومع أن خورشيد ما زال يحتاج إلى دعم لإكمال مسيرته إلى الخرج، إلا أن عبدالله بن رشيد نجح في إقناعه بعدم ضرورة مصاحبته له في تلك المهمة الموجهة ضد صديقه الإمام فيصل بن تركي التي انتهت باستسلام الإمام وإرساله إلى مصر. ومثلما كان عبدالله بن رشيد مهمًا في تسهيل قدوم حملة خورشيد باشا إلى نجد، فقد كان الأمر كذلك حين أُجبر محمد علي على سحب قواته من الجزيرة العربية وعندما أخذ خورشيد يبحث عن الجمال لترحيل قواته بعث مندوبه إلى عبدالله بن رشيد فأرسل إليه بسبعمئة بعير  
 
ج - فترة حكم الأميرين خالد بن سعود وعبدالله بن ثنيان:
 
على الرغم من أن عبدالله بن رشيد خسر إمارة حائل بسبب مساعدة إسماعيل بك وخالد بن سعود لخصمه، إلا أنه رأى أن من الحكمة مقابلة خالد بن سعود الذي أصبح سيد البلاد بعد مغادرة خورشيد باشا سنة 1256هـ / 1840م. بعد وداعه لخورشيد في القصيم، عاد خالد بن سعود إلى الرياض وعندما وصل شقراء وافاه فيها أمير الجبل عبدالله بن رشيد وافدًا عليه ومعه أكثر من مئتي مطية من أهل الجبل، وسار معه إلى الرياض. كما وفد عليه في الرياض أمير بريدة، عبدالعزيز بن محمد آل أبي عليان، فحصل بينه وبين عبدالله بن رشيد نـزاع بسبب ما أشرنا إليه آنفًا من هجوم ابن رشيد على بريدة وما أعقبه من رد فعل أمير بريدة بالهجوم على مخيم ابن رشيد. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن ابن رشيد قام بهجوم مضاد وأخذ إبلاً تابعة لأهل بريدة  
 
من ناحية أخرى لم ينس الأمير عبدالله بن رشيد مصاحبة يحيى بن سليم للفرقة العسكرية التي جاءت مع عيسى بن علي وأطاحت بحكمه في حائل، وكذلك التوتر شبه الدائم بين قبيلتي شمر التي ينتمي إليها عبدالله بن رشيد وقبيلة عنـزة المتحالفة مع أهل القصيم في ذلك الوقت. ونتيجةً لذلك عاد وفدا حائل والقصيم بنفوس مشحونة مما أدى إلى توتر الموقف بين هذين الإقليمين المتجاورين في ظل عجز حكومة خالد بن سعود في الرياض وعدم قدرتها على بسط سلطتها على كل المناطق. ولم يمض عام واحد على ذلك اللقاء حتى تفجر الوضع بينهما مما أدى إلى نشوب معركة بقعاء المشهورة  
 
وقد بدأت الأحداث بغارة في منطقة حائل شنها غازي بن ضبيان، رئيس الدهامشة من قبيلة عنـزة، على عشيرة ابن طوالة من قبيلة شمر، وأخذ منهم كثيرًا من الإبل. فكان رد فعل الأمير عبدالله بن رشيد سريعًا حيث قام بهجوم على ابن ضبيان وأخذ منه إبلاً كثيرة. فلم يرض أمير بريدة برؤية حليفه ابن ضبيان في ذلك الموقف، فصمم على الانتقام له من أمير حائل وأقنع أمير عنيزة بأن هذه مسألة إقليمية، ثم سارا بقوات القصيم صوب منطقة حائل حيث انضم إليهم ابن ضبيان وجماعته، وقاعد بن مجلاد وجماعته، وغيرهم من رؤساء قبيلة عنـزة في منطقة حائل. سارت هذه الجموع وأغارت على فئة من قبيلة شمر وغنموا كثيرًا من الإبل والغنم والأثاث، ولكنهم لم يكتفوا بذلك كما هو رأي أمير عنيزة، بل عملوا برأي أمير بريدة الذي أصرَّ على قتال ابن رشيد في حائل. وحشد ابن رشيد أنصاره من بادية شمر وحاضرتها ليلتقي مع جيش القصيم وحلفائهم قبل أن يصلوا إلى حائل وذلك في بقعاء حيث حصلت بين الطرفين معركة عظيمة سماها ابن بشر"الوقعة العظمى والحادثة الكبرى". كانت نتيجة معركة بقعاء هزيمة شنيعة لأهل القصيم وحلفائهم من عنـزة حيث قتل من أهل بريدة أكثر من سبعين رجلاً، بينهم ابن للأمير عبدالعزيز بن محمد، وقتل من أهل عنيزة نحو ثمانين رجلاً بينهم الأمير يحيى بن سليم. وقد بلغ العدد الإجمالي للقتلى من أهل القصيم نحو ثلاثمئة رجل بينهم عدد كبير من التجار والأعيان  .  ومما لا شك فيه أن إمارة عبدالله بن رشيد أصبحت أكثر ثباتًا ورسوخًا بعد تلك المعركة التي أظهرت للأعداء والأصدقاء مدى قوة إمارته.
 
ومع أن وقع معركة بقعاء كان ثقيلاً على أهل القصيم، إلا أن أمير بريدة الذي قتل ابنه وأمير عنيزة الذي قتل أخوه يحيى صبرا في تلك المعركة رأيا أنه لا بُدَّ من تجهيز جيش جديد لغزو منطقة حائل مرةً أخرى، أو كما قال ابن بشر: فكتبوا إلى جميع بلدان القصيم، وقالوا: نفير عام على الخاص والعام. وبعد أن اكتملت الجموع، سار الأميران من القصيم ومعهما نحو أربعة آلاف رجل حتى وصلوا إلى الكهفة  ،  ولكن يبدو أن آثار معركة بقعاء ما زالت مخيمة على الأذهان، لذا عادوا مكتفين بما أظهروه من قوة وتكاتف تجاه خصمهم في حائل  
 
وبينما كان الصراع دائرًا بين منطقتي القصيم وحائل، كانت حكومة خالد بن سعود تزداد ضعفًا يومًا بعد يوم حتى تمكن عبدالله بن ثنيان أخيرًا من انتزاع الحكم في الرياض سنة 1257هـ / 1841م. ومع أن عبدالله بن ثنيان حاول بسط سلطته على ما كان يتبع للحكم السعودي سابقًا، إلا أنه لم يتمكن من مد نفوذه إلى منطقتي حائل والقصيم  .  ومثلما كان حكم خالد بن سعود قصيرًا وضعيفًا، فقد كان الأمر كذلك بالنسبة إلى حكم عبدالله بن ثنيان الذي لم يستمر أكثر من سنتين، ففي مستهل سنة 1259هـ / 1843م غادر الإمام فيصل بن تركي مصر إلى الجزيرة العربية لاستعادة حكمه.
 
ابتدأ الإمام فيصل بن تركي مشوار استعادة الحكم من حائل التي قصدها لكونها أقرب منطقة نجدية في طريق عودته، بالإضافة إلى أنها كانت تحت إمرة صديقه عبدالله بن رشيد. وكما كان متوقعًا فقد وجد عنده كل ترحيب واستعداد تام للوقوف معه ومؤازرته، أو كما قال ابن بشر: فقابلهم بالتكريم والإكرام، وأعظمهم غاية الإعظام، وقال: أبشروا بالمال والرجال والمسير معكم والقتال  .  وهكذا تحرك الإمام فيصل بن تركي من حائل مدعومًا بقوة عبدالله بن رشيد، وبقدر ما كانت تلك القوة عاملاً إيجابيًا في موازين صراعه مع عبدالله بن ثنيان لاستعادة الحكم في الرياض، إلا أنها أثرت كثيرًا على موقف منطقة القصيم التي انقسم أهلها إلى قسمين أولهما بقيادة أمير عنيزة مساندًا الإمام فيصل بن تركي، وثانيهما بقيادة أمير بريدة، وقد وقف إلى جانب عبدالله بن ثنيان وسبب ذلك عداوته لعبدالله بن رشيد. وعلى الرغم من ذلك تمكن الإمام فيصل بن تركي من السيطرة على الوضع في القصيم، أما ابن ثنيان فقد ضعف موقفه واضطر إلى الانسحاب إلى الرياض. فواصل الإمام فيصل بن تركي تقدمه مدعومًا بقوة عبدالله بن رشيد ومن انضم إليه من أهل القصيم وغيرهم حتى وصل إلى الرياض وضرب حصارًا على عبدالله بن ثنيان المتحصن في قصر الحكم لمدة ثلاثة أسابيع تقريبًا، حاول بعدها الهرب ولكن رجال الإمام قبضوا عليه  .  وبهذا انتهى حكم عبدالله بن ثنيان وبدأت الفترة الثانية من حكم الإمام فيصل بن تركي التي استمرت ثلاثة وعشرين عامًا.
 
د - عهد الإمام فيصل بن تركي (الفترة الثانية):
 
عاد الأمير عبدالله بن رشيد إلى حائل بعد هذا الإسهام الفعال في استعادة الإمام فيصل بن تركي الحكم في الرياض فتوثقت علاقته كثيرًا مع الإمام، وكان ذلك مما أسهم في إرساء دعائم إمارة آل رشيد وزيادة نفوذها، ليس في منطقة حائل فحسب، بل وفيما يليها من المناطق شمالاً. ومع أن منطقتي القصيم وحائل أصبحتا تحت حكم الإمام فيصل، إلا أن التوتر في العلاقات بينهما ظل مستمرًا لبعض الوقت كما تمثل في غارة عبيد بن رشيد على عنيزة سنة 1261هـ / 1844م حيث أخذ غنم أهل البلدة وقتل عددًا من الرجال ومن بينهم أمير عنيزة عبدالله بن سليم  
وتذكر بعض المصادر أن الأمير عبدالله بن رشيد استغل بعض الخلافات الداخلية في منطقة الجوف فأرسل أخاه عبيدًا على رأس قوة كبيرة أخضعتها لنفوذه، وأصبحت تدفع له الزكاة، وكذلك الحال بالنسبة إلى منطقة تيماء التي مد نفوذه إليها وجمع زكاتها. أما النـزاعات بين أمير حائل وقبيلة عنـزة فقد استمرت وكان آخرها معركة وقعت بينهما قبيل وفاته بعدة أشهر سنة 1263هـ / 1846م  .  توفي الأمير عبدالله بن رشيد بعد إمارة دامت ما يقارب الاثني عشر عامًا انقسمت إلى فترتين: الأولى تميزت بقصرها وكثرة أحداثها، أما الثانية فقد استمرت عشر سنوات تمكن خلالها من ترسيخ الإمارة وتقوية نفوذها فورَّث لخلفه إمارةً مهيبة الجانب.
 
تعاقب على إمارة حائل بعد عبدالله بن رشيد أحد عشر أميرًا، وعلى الرغم من أن نظام الإمارة كان وراثيًا في أسرة آل رشيد إلا أنه افتقر إلى نظام وراثي دقيق يعترف به كل أفراد الأسرة؛ ما جعل المجال مفتوحًا لوقوع أحداث مأساوية راح ضحيتها عدد من الأمراء  .  فمثلاً بعد وفاة الأمير عبدالله بن رشيد ظن الناس أن أخاه عبيدًا سيخلفه؛ وذلك نظرًا لدوره الفاعل في تأسيس الإمارة وما تلاه من أحداث استمرت سنوات، ولكن عبيدًا فاجأ الناس بتقديمه طلالاً أكبر أبناء أخيه عبدالله لتوليها، أو كما قال ضاري الرشيد: فأتى به (أي طلال) عمه عبيد، وأخرجه إلى المجلس، وجمع أهل حايل، وقال: قوموا، فعاهدوا (أي بايعوا) أميركم  .  ومما يلاحظه الدارس هنا سكوت المصادر عن دور الحكومة المركزية في الرياض عن هذه المسألة، فهل كان غائبًا، أم أنها تركتها للأسرة الرشيدية كي تعالجها بالطريقة التي تراها مناسبة؟ وهو ما يمكن فهمه في ظل العلاقات المتميزة بين الأسرتين.
 
ومثلما كانت الحال في عهد والده، فقد استمرت العلاقة المتميزة بين الأمير طلال بن رشيد والحكومة المركزية في الرياض، وتوج ذلك بزواجه بالجوهرة بنت الإمام فيصل بن تركي  .  وظل مواليًا للدولة السعودية ويعمل باسمها طوال فترة حكمه التي امتدت قرابة اثنتين وعشرين سنة، وقد شارك في حملاتها على عنيزة سنتي 1270 و 1279هـ / 1853 و 1862م 
 
داخليًا نعمت المنطقة بالأمن والاستقرار، ولم تذكر كتب الحوليات أنها - خلال فترة حكم الأمير طلال بن عبدالله - شهدت أحداثًا عسكرية أو منازعات على الحكم، فتوسعت حدود الإمارة، وخصوصًا في المناطق الواقعة شمالاً في الجوف، ووادي السرحان، وتيماء، وخيبر. واهتم الأمير طلال بمدينة حائل، وحصنها، وأكمل بناء قصر برزان  الشهير، وبنى جامعًا كبيرًا، وفتح الشوارع، وحفر الآبار، وأصلح السوق ومستودعات البضائع، فأصبحت المدينة مركزًا مهمًا للتجارة والصناعة  
 
شجعت الإصلاحات الناس على التوطن والاستقرار، فزاد عدد سكان مدينة حائل، وكثرت مواردها. وقد مر بها الرحالة وليم بالجريف سنة 1279هـ / 1862م وقابل الأمير طلال بن رشيد، وأعجب بالمدينة وأحيائها وأسواقها، ورسم مخططًا لها. كما أشار بالجريف إلى أن الأمير طلال تنبه إلى أهمية تأمين مرور قوافل الحجاج والتجار، وما تدره من دخل على سكان المنطقة بشكل عام، وعلى سكان العاصمة بشكل خاص ما يعود بالنفع على خزينة الإمارة؛ لذا فقد شجع التجار من خارج حائل على التوطن بها  
 
وبعد عشرين عامًا من الحكم، انتهى عهد الأمير طلال بن رشيد بحادث مأساوي عندما أصابه خلل في عقله دفعه إلى الانتحار سنة 1283هـ / 1866م، وتولى بعده أخوه متعب  .  لم يوفق الأمير متعب بن عبدالله بن رشيد في سياسته الداخلية وعلاقته مع أفراد أسرة آل رشيد، فساءت علاقته مع عمه عبيد بن رشيد وكذلك مع أبناء أخيه طلال. وقد اختلفت المصادر حول تفسير ذلك، فمنها ما يرى أن سبب الخلاف هو سياسة الأمير متعب بن عبدالله في تقريب كبار السن من العائلة والاعتماد عليهم في إدارة شؤون الإمارة، الأمر الذي لم يعجب شباب الأسرة فتآمروا عليه بزعامة أبناء طلال. ومن المصادر ما يحصر الخلاف بين الأمير متعب بن عبدالله وأبناء أخيه طلال بسبب تصرفات وزيره تجاههم وعمهم عبيد بن رشيد. وتأزمت العلاقات بين الطرفين فتآمر بندر وبدر ابنا طلال ومالأهما عمهما عبيد بن رشيد على قتل الأمير متعب بن عبدالله بن رشيد فقتلاه سنة 1285هـ / 1869م  . 
 
لم تستقم الأمور للأمير بندر بن طلال بعد توليه الإمارة في حائل حيث بدأت الانقسامات تعصف بالأسرة. كان محمد بن عبدالله بن رشيد - حين حدثت تلك الحادثة - موفدًا بهدية من أخيه الأمير متعب إلى الإمام عبدالله بن فيصل، وعندما علم بمقتل أخيه غضب غضبًا شديدًا، وآثر البقاء في الرياض بحجة طلب العلم. وقد ذهبت بعض الروايات - وإن كانت غير دقيقة - إلى أن محمد بن رشيد كان في حائل عند مقتل أخيه متعب، لذا فر مع من فر من آل رشيد، وعلى رأسهم عمه عبيد بن رشيد، لطلب النجدة من الرياض. شعر الأمير بندر بخطورة الوضع، وبخاصة بعد وفاة كبير الأسرة عبيد بن رشيد، فوفد بعد غزوة له إلى إحدى القبائل قرب الرياض سنة 1286هـ / 1869م بهدية جليلة على الإمام عبدالله بن فيصل طالبًا مساعدته في حل هذه المشكلة. كما قابل عمه محمدًا واعتذر له عما حصل، وشرح الظـروف التي أدت إلى قتل أخيـه، وحمَّل إخوته المسؤولية في ذلك. كان رد محمد بن رشيد عندما عرض عليه بندر الإمارة أنه غير راغب فيها ولا يريد أكثر من إمارة الحاج، وبهذا انتهت مهمة الأمير بندر في الرياض بأن أصلح الإمام عبدالله بن فيصل بين الطرفين على أن يظل بندر أميرًا لحائل، وأن يعود عمه محمد إلى إمارة القوافل التجارية وقوافل الحجاج المارة بالمنطقة  
 
عاد الأميران بندر بن طلال ومحمد بن رشيد إلى حائل وكأن الأزمة قد حلت بعد اتفاقية الرياض حيث واصل الأمير بندر عمله أميرًا لحائل، ولكن لم يكتب للاتفاقية الاستمرار أكثر من عام، فقد أشار ضاري الرشيد إلى أن إخوة الأمير بندر تنكروا لعمهم محمد، وأثروا في أخيهم تجاهه  ،  فتأزمت العلاقات بين الطرفين؛ ما أدى إلى اغتيال الأمير بندر.
 
 
 
شارك المقالة:
172 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook