عهد يزيد بن معاوية بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
عهد يزيد بن معاوية بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

عهد يزيد بن معاوية بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية.

 
ساد الهدوء في المدينة المنورة في عهد معاوية بن أبي سفيان، أما في عهد يزيد، فعلى الرغم من قصره فقد وقعت فيه أحداث جِسام هزت مشاعر المسلمين وألّبتهم ضد يزيد، ومن هذه الأحداث مقتل الحسين بن علي في كربلاء في شهر محرم سنة 61هـ / 680م، ثم تلاه بعد ذلك بعامين وقعة الحرة، واستباحة المدينة المنورة، ثم حصار مكة المكرمة، ورمي الكعبة بالمنجنيق.
 
وقد اتسع نطاق المعارضة لخلافة يزيد من بعد أبيه، خصوصًا في المدينة المنورة التي يوجد بها أبرز المعارضين وهما: الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير اللذان كانا في نظر كثير من الناس أولى بالخلافة من يزيد بن معاوية، لذلك كان أول عمل قام به يزيد بعد استلامه الخلافة أن بعث إلى واليه على المدينة المنورة الوليد بن عتبة لأخذ البيعة من الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير، ولكنهما ترددا في ذلك وخرجا تحت ستار الليل إلى مكة المكرمة   ما حمل يزيد على تغيير واليه على المدينة المنورة بتهمة التقصير، وعيّن عمرو بن سعيد (الأشدق) مكانه ولكنه لم يستطع أن يعمل شيئًا  ،  ثم ما لبث الحسين بن علي أن خرج إلى الكوفة بالعراق بناء على إلحاح شيعته هناك، فقُتل مع جماعة من أهل بيته في كربلاء في العاشر من محرم سنة 61هـ / 680م، وقد أدت مأساة كربلاء إلى زيادة النقمة على يزيد بين أهل المدينة  .  ومن جهة ثانية، كان لجوء عبد الله بن الزبير إلى مكة المكرمة، وتحريضه على يزيد، وبث دعاته في المجتمع المدني، ونشر الأخبار السيئة عن يزيد، وتأليب الناس عليه قد فاقم الوضع في المدينة المنورة ضد يزيد، وزاد من جرأة الناس على الخلافة  ،  وأصبح الوضع في المدينة المنورة متوترًا والثورة قاب قوسين من الانفجار. ولم تُجدِ نفعًا سياسة الوالي الجديد عمر بن محمد بن أبي سفيان الذي عينه يزيد لمعالجة الوضع باللين وتأليف القلوب، بل جاءت النتائج بعكس المطلوب، فعندما أرسل الوالي الجديد وفدًا من زعماء المدينة المنورة برئاسة عبد الله بن حنظلة إلى يزيد في دمشق لينالوا من عطائه وصلته ويغيروا رأيهم فيه ثم يقنعوا الناس بخلافته بعد عودتهم، ويصرفوهم عن الاستجابة لدعاية عبد الله بن الزبير، عاد الوفد من دمشق بصورة سيئة وقالو إنا نشهدكم أنا قد خلعناه، فاستجاب الناس لهم، وخلعوا طاعة يزيد  ،  وتجمعت الأسباب من تراكمات سابقة في عهد معاوية، وأسباب أخرى استجدت في عهد يزيد، وأدت مجتمعة إلى ثورة المدينة المنورة سنة 62هـ / 682م، وكانت فتنة لم تجد جميع المحاولات في إيقافها ليقضي الله أمرًا كان مفعولاً.
 
شاركت جميع فئات السكان في المدينة المنورة من الأنصار والمهاجرين من قريش والموالي وغيرهم في هذه الثورة، وقد تم اختيار قائدين للثورة هما عبد الله بن حنظلة قائدًا للأنصار وعبد الله بن مطيع العدوي قائدًا لقريش ومن معهم من العرب والموالي.
 
وعندما بلغهم خبر إعداد يزيد حملة من الشام لمحاربتهم أخذوا يعدون العدة للمواجهة، وأول عمل قام به أهل المدينة المنورة هو إخراج بني أمية الموجودين فيها خشية أن يتعاونوا مع الجيش القادم ويضربوهم من الخلف، وقد أخذوا منهم العهود والمواثيق على ألا يدلّوا لهم على عورة، ثم قاموا بعد ذلك بحفر الخندق شمال المدينة المنورة، ووضعوا خطة محكمة للدفاع عنه ومنع الجيش الشامي من عبوره 
 
أما من جهة يزيد، فإنه بعد أن استنفد جميع الحلول السلمية لمنع الثورة لجأ إلى الحل العسكري لإخمادها، فأعد حملة من أهل الشام وزودهم بالمال والسلاح والعتاد اللازم، وجعل قيادة هذه الحملة إلى مسلم بن عقبة المري بناء على نصيحة سابقة لوالده معاوية، وكان رجلاً كبيرًا قد طعن في السن، ولكنه كان من أشد أنصار بني أمية المخلصين، وقد زوده يزيد بتعليماته التي تقتضي ألا يتعجل في قتال أهل المدينة المنورة ويمنحهم مهلة ثلاثة أيام فإن هم أجابوا إلى إيقاف الثورة والبيعة ليزيد قَبِل منهم، وإن امتنعوا قاتلهم حتى يستسلموا ويعودوا إلى الطاعة  .  انطلقت الحملة من الشام إلى المدينة المنورة، فالتقى الجيش الشامي ببني أمية الذين أخرجهم أهل المدينة المنورة في وادي القرى   فاستدعاهم مسلم بن عقبة للمشاورة والوقوف على ثغرات المدينة المنورة، فأبى جماعة منهم أن يدلوه على عورات المدينة المنورة للعهد والميثاق الذي قطعوه على أنفسهم لأهل المدينة المنورة، غير أن عبد الملك بن مروان لم يتحرج من العهد ودل مسلم بن عقبة على مواطن ضعف تحصين المدينة المنورة، ونصحه أن يهاجمها في الصباح من جهة الحرة الشرقية فتكون الشمس في عيون المدافعين تحول بينهم وبين رؤية أهدافهم من جند الجيش المهاجم  
 
وصلت الحملة إلى المدينة المنورة، وبعد انقضاء المهلة التي أمر بها يزيد بدأت المناوشات حول الخندق الذي أحكم المدافعون الدفاع عنه، واستبسلوا في القتال بشجاعة وحماسة أذهلت المهاجمين وأعاقت اندفاعهم، وأضعفت معنوياتهم حتى اضطر مسلم بن عقبة قائد الجيش إلى الاستعانة بمروان بن الحكم بصفته من بني أمية المقيمين بالمدينة المنورة العارفين بمداخل البلد ومخارجه، وكان يعلم ثغرة من جهة حصون بني حارثة فتوجه إليها، واستطاع أن يغري أحد حراسها بالصلة من يزيد والأمان له ولقومه، فدخل مروان بخيله من هذه الثغرة إلى داخل المدينة المنورة، بينما كان المدافعون منشغلين عنه بموجات الهجوم التي يشنها عليهم جيش مسلم بن عقبة من جهة الحرة، ففوجئوا بالهجوم عليهم من الخلف فتراجعوا، وكذلك فعل المدافعون عن الخندق لما علموا بدخول بعض الجيش من خلفهم خافوا على بيوتهم وأهليهم فتركوا مواقعهم، فاندفع المهاجمون، ودارت رحى معركة شرسة سقط فيها عدد من المدافعين، ومنهم القائد العام الميداني عبد الله بن حنظلة، فانفرط عقد المدافعين بعد ذلك، وتدفقت جيوش مسلم بن عقبة إلى داخل المدينة المنورة بعد اجتياز الخندق من عدة جهات، ولم يجد جيش مسلم إلا مقاومة يسيرة من بعض الجماعات، ولجأ الناس إلى بيوتهم يتحصنون بها، فنودي بوقف القتال والأمان للناس  
 
وفي اليوم التالي استدعى مسلم بن عقبة أهل المدينة المنورة وطلب منهم البيعة ليزيد بشكل يتسم بالذل والهوان، فامتنع بعض الناس من البيعة بهذه الصيغة فأمر بقتلهم، فلم يجد الآخرون بدًا من المبايعة بالصيغة التي فرضها عليهم خوفًا من القتل، وقد أسرف مسلم بن عقبة في القتل بعد موقعة الحرة لذلك سماه الناس مسرف بن عقبة  
 
شارك المقالة:
127 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook