عهد الدولة السعودية الأولى في منطقة جازان في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
عهد الدولة السعودية الأولى في منطقة جازان في المملكة العربية السعودية

عهد الدولة السعودية الأولى في منطقة جازان في المملكة العربية السعودية.

 
أ - وصول الدعوة السلفية إلى المنطقة:
 
من المعلوم أن الدعوة السلفية سبقت النفوذ السعودي في الوصول إلى كثير من أقاليم شبه الجزيرة العربية، وكانت بمنـزلة التمهيد لانضواء هذه الأقاليم تحت السيطرة السعودية.
كان وصول الدعوة السلفية إلى المخلاف السليماني عن طريق بعض أبناء المخلاف الذين نمى إلى علمهم أنباء هذه الدعوة، وما تدعو إليه من الإصلاح، وإعادة الناس إلى جادة الصواب، فاتجهوا إلى الدرعية لاستخلاص حقيقتها من منبعها الأساسي  ،  وكان من أبرز من أثرت فيهم أنباء الدعوة السلفية: أحمد بن حسين الفلقي   وعرار بن شار الشعبي   فارتحلا إلى الدرعية  . 
مكث أحمد الفلقي وعرار الشعبي في الدرعية فترة من الزمن درسا فيها على يد علمائها، ثم عادا إلى بلادهما عاقدين العزم على نشر مبادئ الدعوة بين سكان المخلاف  
 
وجريًا على عادة الدولة السعودية في استخدام الأسلوب السلمي في نشر الدعوة عن طريق إرسال الدعاة والعلماء ليبينوا للناس حقيقة الدعوة السلفية   استغل الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود فرصة وجود أحمد الفلقي وعرار الشعبي في الدرعية وكلفهما بمهمة نشر الدعوة في المخلاف، وزود الفلقي برسالة   إلى سكان المخلاف السليماني يدعوهم فيها إلى اتباع الدعوة  .
عاد الفلقي إلى المخلاف السليماني في سنة 1215هـ / 1800م  ،  وسلم كتاب الإمام عبدالعزيز إلى أمير صبيا الشريف منصور بن ناصر   ليوصله بدوره إلى الحاكم العام للمخلاف السليماني في أبي عريش الشريف علي بن حيدر  
 
ويبدو أنه قد تبين له أن آل خيرات - سواء في أبي عريش أو صبيا - لم يعيروا رسالة الإمام عبدالعزيز أي اهتمام، فرأى أنّه من الواجب عليه دعوة الناس إلى اتباع مبادئ الدعوة السلفية، فاتخذ من قرية الأثلة   - أسفل وادي بيش عند الأشراف الجعافرة   - مركزًا لممارسة نشاطه؛ وذلك لعزلتها وبعدها عن مركز حكم آل خيرات.
 
نجح الفلقي في إقناع قبائل الجعافرة وبعض قبائل بيش باتباع الدعوة السلفية، والعمل بمبادئها، والالتزام بما ورد في كتاب الإمام عبدالعزيز إلى أهل المخلاف، وخلع طاعة حاكم المخلاف الشريف علي بن حيدر  .  وبهذه الكيفية وصلت الدعوة السلفية إلى المخلاف السليماني، وأخذت تنتشر تدريجيًا بين سكان شمال المخلاف  .  ويرى بعض المؤرخين أن سكان المخلاف السليماني - باستثناء الطبقة الحاكمة - رحبوا بالدعوة السلفية لعلهم يجدون فيها ما يخلصهم من الأوضاع السياسية المتردية التي كانت تعيشها المنطقة  
 
ب - المواجهة بين أتباع الدعوة السلفية وآل خيرات:
 
ربط آل خيرات بين وصول الدعوة السلفية وخروج أحمد الفلقي عليهم، فبدأ يساورهم القلق تجاه أتباعها لما يشكلونه من خطورة على مكانتهم السياسية في المخلاف، فقرروا التصدي لهم قبل أن يعظم أمرهم ويكثر أتباعهم، وقد أدرك هذا أمير صبيا الشريف منصور بن ناصر بحكم قرب إمارته من ساحل الجعافرة، فسارع إلى الاتصال بابن عمه أمير المخلاف الشريف علي بن حيدر في أبي عريش، وبيَّن له خطورة الوضع الجديد، وحثه على المسارعة إلى وضع حد له  ،  فحاول الشريف علي بن حيدر التأكد عمليًا من خلع سكان ساحل الجعافرة لطاعته فأرسل إليهم جباة الزكاة لأخذها منهم، لكن الجعافرة منعوهم من ذلك   وقالوا: "إن زكاتنا ندفعها إلى إمامنا في الدرعية بوساطة الفلقي"  ،  عندها تبين للشريف علي بن حيدر ما كان يخشاه فاتخذ من رفضهم دفع الزكاة ذريعة لشن الحرب عليهم والقضاء على أنشطتهم حتى لا يكون سابقة لتمردات أخرى، وحاول الشريف علي أن يشرك معه بقية الأشراف آل خيرات في التصدي لهذا الخطر الذي يهددهم جميعًا، فأرسل إلى عمه الشريف حمود بن محمد   الذي كان مقيمًا في جنوب المخلاف آنذاك ليكون أحد قواد جيشه، وبمجرد وصول الرسالة إلى الشريف حمود توجّه بمن معه من الخيل والسلاح والعبيد إلى أبي عريش  
 
وإدراكًا من الشريف علي بن حيدر أيضًا لأهمية التصدي لأتباع الدعوة السلفية وما سيترتب عليه من نتائج تتعلق ببقاء آل خيرات في إمارة المخلاف استعان ببعض قوات قبائل يام  . 
 
وبعد أن اكتملت قوات الشريف علي بن حيدر في أبي عريش توجه بهم شمالاً حتى الحجرين   قرب صبيا فعسكر بها، وهناك وافاهم أمير صبيا الشريف منصور بما لديه من قوات 
علم الفلقي بخروج أمير أبي عريش لقتاله فاستنفر أتباع الدعوة في شمال المخلاف للدفاع عن أنفسهم فهبوا لندائه، واتخذوا من قرية البطيح   مركزًا لتجمع قواتهم   ثم قدموا منها نحو الحجرين لمواجهة قوات الشريف علي بن حيدر، والتقت القوتان في معركة غير متكافئة أسفرت عن تعرض أتباع الدعوة السلفية إلى هزيمة كبيرة أجبرتهم على الانسحاب من ميدان المعركة  ،  أما الشريف علي بن حيدر وقواته فقد أقاموا بالحجرين فترة من الوقت، وأعطى خلالها الشريف الأمان لأهل وادي بيش، ثم عاد إلى أبي عريش   بعد أن تمكن من تأكيد زعامته على هذه المنطقة مرة أخرى.
 
وإذا كانت معركة الحجرين قد أسفرت عن هزيمة أتباع الدعوة في المخلاف فهي أيضًا قد أسفرت عن نتائج أخرى كان لها دور كبير في إذكاء الصراع بين الأشراف آل خيرات وأتباع الدعوة السلفية والدولة السعودية بعد ذلك في المخلاف.
 
وكان أهم هذه النتائج بروز الشريف حمود على مسرح الأحداث بوصفه شخصية قيادية أدت دورًا كبيرًا في هزيمة أتباع الدعوة السلفية في معركة الحجرين، فقد كان الشريف حمود في هذه المعركة قائد ميمنة قوات ابن أخيه الشريف علي بن حيدر التي تحملت العبء الأكبر في المعركة  ؛  لذا أخذ الشريف حمود يوظف دوره البارز في هذه المعركة ليصل إلى إمارة أبي عريش  ؛  مما أدى إلى نشوء بعض التوترات بينه وبين ابن أخيه الشريف علي بن حيدر استمرت نحو ثمانية أشهر  
 
إبان الصراع الذي وقع بين الشريف حمود وابن أخيه الشريف علي بن حيدر حول الإمارة بعد معركة الحجرين، بدأ الداعية الآخر عرار الشعبي نشاطه في دعوة الناس إلى اتباع الدعوة السلفية والعمل بمبادئها   في بلاده درب بني شعبة  ،  فاستجاب له قلة منهم، وعصاه الأكثرون، فوجه رسالة إلى الإمام عبدالعزيز يطلب منه إمداده بقوة عسكرية لتساعده على نشر مبادئ الدعوة في بلاده، وقد صادف وصول رسالته إلى الدرعية وصول رسالة من الفلقي   يطلب فيها من الإمام عبدالعزيز النصرة أيضًا   بعد الهزيمة التي تعرض لها في الحجرين، فما كان من الإمام عبدالعزيز إلا أن وجه القائد حزام بن عامر العجماني   على رأس حملة عسكرية إلى المخلاف لنصرة عرار والفلقي؛ لأنه وجد الفرصة مواتية لإدخال المخلاف السليماني في طاعته  
 
زحف القائد حزام بن عامر بحملته إلى المخلاف السليماني في سنة 1215هـ / 1800م، وعندما وصل إلى الدرب استعان به عرار لإجبار أهل الدرب على طاعته وقبول إمارته عليهم  ،  ثم واصل حزام زحفه جنوبًا حتى قرية الحجرين بعد أن انضم إليه أتباع الدعوة في الدرب وبيش  
 
سارع أمير صبيا الشريف منصور بن ناصر إلى إرسال وفد إلى الشريف علي بن حيدر في أبي عريش ليبلغوه بوصول القوات السعودية  ،  وعن الإجراءات التي يمكن اتخاذها لصد هذه الحملة، لكن الوفد الذي أرسله الشريف منصور وجد أنه لا جدوى من الذهاب إلى أبي عريش ما دام الأمر لم يحسم بعد بين الشريف حمود والشريف علي بن حيدر، وفضل التوجه إلى قرية البيّض   لمقابلة الشريف يحيى بن محمد حاكم المخلاف السابق وكبير أبناء الشريف محمد بن أحمد، وتداولوا معه الأمر، وتوصلوا إلى إرسال وفد للتفاوض مع حزام بن عامر بهدف التوصل إلى حل مرضٍ للطرفين  ،  وتكوّن الوفد من الشريف بن محمد، والشريف منصور بن ناصر، والشيخ أحمد بن عبدالله الضمدي  ،  وتوصلوا مع حزام بن عامر إلى الاتفاق على الشروط الآتية:  
 
 يقوم الشريف يحيى بن محمد بأمور الدعوة السلفية في أبي عريش.
 
 يقوم الشريف منصور بن ناصر بأمور الدعوة في صبيا.
 
 يقوم أحمد الفلقي بأمور الدعوة في بيش.
 
 يقوم الشيخ أحمد بن عبدالله بالإفتاء والإرشاد في المخلاف السليماني، وله الإشراف على دعاة الدعوة السلفية في أبي عريش وصبيا.
 
وقد اكتفى القائد حزام بن عامر بما حققه في هذا الاتفاق مع الأشراف آل خيرات ثم عاد إلى بلاده.
 
ج - إمارة الشريف حمود أبو مسمار:
 
عجلت حملة حزام بن عامر بإنهاء الخلاف القائم بين الشريف علي بن حيدر ومنافسه على الإمارة عمه الشريف حمود، حيث تنازل عنها الشريف علي بن حيدر حرصًا منه على مصلحة الأسرة الخيراتية بعد أن التف معظمهم حول عمه الشريف حمود  ،  أو لأنه وجد من الأفضل له التنازل عن الإمارة برضا منه قبل أن يجبر على ذلك في ظل تأييد غالبية الأسرة للشريف حمود.
 
كان وصول الشريف حمود إلى إمارة أبي عريش مصدر قلق وخطورة على أتباع الدعوة السلفية والدولة السعودية؛ لذا سارع الفلقي وعرار إلى توحيد جهودهما لمواجهته، وكان عرار والفلقي قد ضمنا ولاء غالبية أهل الدرب وبيش ولم تستعص عليهما من قرى شمال المخلاف إلا الملحا  والعالية  والدهنا   فإنها ظلت على ولائها للأشراف آل خيرات  ،  وقام أهل الملحا بالتحالف مع الشريف حمود للتصدي لأي خطر  ،  فلم ينظر الفلقي إلى هذا التحالف بعين الرضا فزحف على أهل الملحا بقواته من أهل بيش  ،  فسارع الشريف حمود إلى نجدة حلفائه، وزودهم بقوة عسكرية بقيادة الحسن بن خالد الحازمي  ،  وقد تمكن أهل الملحا بمساعدة هذه القوة من هزيمة أحمد الفلقي في قرية أم الخشب  ،  فتقدم عرار بن شار بقواته من الدرب لنجدة حليفه الفلقي، إلا أن أمير صبيا الشريف منصور استطاع أن يحول بينه وبين اشتباكه مع أهل الملحا، ونجح في عقد صلح بينهما في منتصف ذي الحجة 1216هـ / 1801م  ،  ولا تشير المصادر إلى ماهية الصلح.
 
تحول عرار الشعبي بعد الصلح مع أهل الملحا إلى أبي عريش، حيث خرج إليها على رأس حملة عسكرية بهدف مهاجمة الشريف حمود المتمركز فيها، ولكن الشريف حمود خرج من المدينة العريشية للتصدي له خارجها، فالتقى به في أواخر ذي الحجة في سنة 1216هـ / 1801م في موضع يسمى الدَّحْل   قرب بيش وانتصر عليه وأجبره على التراجع إلى الدرب 
لم يلبث الشريف حمود بعد معركة الدحل إلا قليلاً حتى وصلت إلى شمال المخلاف السليماني حملة عسكرية سعودية أخرى بقيادة حزام بن عامر العجماني أيضًا في أوائل ربيع الأول 1217هـ / 1802م   جاء ذلك نتيجة طبيعية لاستغاثات أتباع الدعوة السلفية بالإمام عبدالعزيز بعد الهزائم التي تلقوها على يد الشريف حمود.
 
وعندما وصلت هذه الحملة إلى الدرب زودها أمير الدرب عرار بن شار بقوة عسكرية من بني شعبة، كما انضم إليها أيضًا أمير بيش أحمد الفلقي وأمير صبيا الشريف منصور بن ناصر بما لديهم من القوات، ثم تقدمت هذه القوات التي تجاوزت 3000 مقاتل جنوبًا نحو مدينة ضمد  ،  فما كان من الشريف حمود إلا أن وجه الحسن بن خالد الحازمي للدفاع عنها، وعلى الرغم من المقاومة الكبيرة التي قدمها سكان ضمد بقيادة الحسن بن خالد إلا أن حزام بن عامر وقواته نجحوا في الاستيلاء عليها  ،  ثم عاد حزام بن عامر إلى نجد.
 
وعقب عودة حزام بن عامر أدرك أمراء شمال المخلاف الثلاثة منصور والفلقي وعرار أن من واجبهم توحيد جهودهم وتنسيقها ضد الشريف حمود  ،  للوقوف ضد طموحاته المتمثلة في استعادة ضمد، وبسط سيطرته على شمال المخلاف. ثم سارع الأمراء الثلاثة بالاستنجاد بالإمام عبدالعزيز وحثه على المسارعة بإرسال قواته إلى المخلاف لوضع حد لتحركات الشريف حمود الهادفة إلى القضاء عليهم والسيطرة على المخلاف  ،  وقد صادف وصول هذه الاستنجادات إلى الدرعية وجود محمد بن عامر المتحمي 1217هـ / 1802م   هناك، فأسند إليه الإمام عبدالعزيز مهمة قتال الشريف حمود  ،  إلا أنه في أثناء عودته إلى بلاد عسير توفي في الطريق، فأسند الإمام عبدالعزيز هذه المهمة إلى أخيه عبدالوهاب بن عامر المشهور بأبي نقطة.
 
د- دخول الشريف حمود في طاعة الدولة السعودية الأولى 1217هـ / 1802م:
 
سارع الأمير عبدالوهاب بن عامر من فوره بتنفيذ أمر الإمام عبدالعزيز بغزو المخلاف وقتال الشريف حمود، ولعله وجد في هذا التكليف فرصة كبيرة ليثبت للإمام جدارته بهذا المنصب، وحرصه على توسيع نطاق الدولة السعودية الأولى، وإلحاق المخلاف السليماني بعسير ولا سيما أن كثيرًا من موارد عسير الاقتصادية ترد إليه من المخلاف  
 
وبما أن الأمير عبدالوهاب اتخذ زمام المبادرة بالزحف على المخلاف، بمقتضى تكليف الإمام عبدالعزيز له، فقد وجد أن من التخطيط الجيد الاستعانة بكل الأمراء المعادين للشريف حمود في المخلاف؛ فوجه رسائل إلى أمير الدرب عرار بن شار وأمير بيش أحمد الفلقي وأمير صبيا الشريف منصور بن ناصر، يحثهم فيها على الاستعداد للمشاركة في قتال الشريف حمود  
 
زحف الأمير عبدالوهاب بن عامر بقواته في منتصف شعبان 1217هـ / 1802م إلى المخلاف السليماني  ،  وعندما وصل إلى الدرب انضم إليه الأمير عرار بن شار بقواته، ثم تقدموا جنوبًا حتى صبيا، وهناك انضم إليهم أمير بيش أحمد الفلقي وأمير صبيا الشريف منصور بن ناصر بما لديهما من القوات، ثم واصلوا الزحف جنوبًا حتى نـزلوا في ضمد، وهناك بايع بعض الأشراف آل خيرات وعلى رأسهم الشريف يحيى بن محمد الأمير عبدالوهاب على الطاعة  ،  ومن ضمد تقدم الأمير عبدالوهاب جنوبًا حتى عسكر بظاهر أبي عريش من الناحية الشمالية الشرقية على بعد ميلين منها 
 
وإزاء هذا الزحف الكبير للأمير عبدالوهاب اضطر الشريف حمود إلى اتخاذ خطة دفاعية معتمدًا على تحصينات مدينة أبي عريش لتعويض النقص الواضح في قواته، فقسم جيشه إلى قسمين:
 
القسم الأول: أوكل إليه حماية مدينة أبي عريش، ويتكون هذا القسم من سكان المدينة وبعض القوات من قبائل همدان  .  والقسم الآخر خصصه لحماية حي الديرة  ،  الحي الخاص بسكن الأشراف آل خيرات، ويتكون هذا القسم من بعض قوات قبائل همدان وسحار، وأسند قيادة هذا القسم إلى الشريف علي بن حيدر  
 
أما الأمير عبدالوهاب فمن خلال تتبع سير الحوادث التي سبقت المعركة نرى أن خطته قامت على الأمور الآتية:
 
 مراسلة الشريف حمود ودعوته إلى اتباع الدعوة السلفية والدخول في طاعة الإمام عبدالعزيز عدة أيام إلا أن تلك المساعي باءت بالفشل  
 
 حصار أبي عريش، عندما لم يستجب الشريف حمود لدعوة الأمير عبدالوهاب قرر الأمير عبدالوهاب اللجوء إلى محاصرة مدينة أبي عريش فطوقها بجيشه من شمالها الشرقي حتى شمالها الغربي   في محاولة منه لزرع الرعب في قلوب السكان ودفعهم إلى الاستسلام وعدم المقاومة.
 
 الحرب النفسية، جمع الأمير عبدالوهاب رماة جيشه وأمرهم بإطلاق الرصاص في وقت واحد نحو المدينة   فيصدر عن هذا دوي هائل يُرْهِبُ الخصومَ، وقد نجحت هذه المحاولة في زعزعة بعض أهل أبي عريش فذهبوا إلى الشريف حمود، وذكروا له ما عليه الجيش المحاصر من الكثرة والقوة  
 
 الترغيب أو الترهيب بعد أن فشلت الطرق السابقة أرسل الأمير عبدالوهاب إلى الشريف حمود يعرض عليه الدخول في طاعة الإمام عبدالعزيز ويحذره من المقاومة، لكن الشريف لم يستجب لهذا العرض  
 
بتصميم الشريف على المقاومة قرر الأمير عبدالوهاب اللجوء إلى القتال وتباحث مع قادة جيشه للوصول إلى أقرب السبل لإخضاع الشريف حمود بأقل خسائر ممكنة، وتوصلوا إلى أن حي الديرة هو مفتاح النصر، وإذا نجحوا في الاستيلاء عليه "فأهل أبي عريش أطوع للتسليم"  ،  وخصوصًا أنه كانت هناك مراسلات بين بعض سكان أبي عريش وبعض قواد الأمير عبدالوهاب يعربون فيها عن رغبتهم في الدخول في طاعة الدولة السعودية، ولكنهم يخشون من بطش الشريف حمود، وقد تنبه الشريف حمود إلى هذه المراسلات فزج بأصحابها في السجن   حتى لا يفتّوا في عَضُدِ قواته أو يكونوا ثغرة ضعف في صفوفه يستغلها الأمير عبدالوهاب.
 
زحف الأمير عبدالوهاب بقواته إلى أبي عريش، ونتيجة لتفوقه العسكري تمكن من الاستيلاء على كثير من حصون المدينة، وأجبر الشريف حمود وقواته على التراجع والتحصن في حي الديرة  
 
ونتيجة للتفوق الذي أحرزه الأمير عبدالوهاب في ذلك اليوم خشي بعض الأشراف آل خيرات من سقوط حي الديرة إذا استأنف الأمير عبدالوهاب هجومه في اليوم التالي، فطلبوا من الشريف حمود الدخول في طاعة الإمام عبدالعزيز فرفض؛ مما دعا بعضهم إلى التخلي عنه، والخروج إلى الأمير عبدالوهاب، وطلب الأمان لأنفسهم ودورهم، وعلى رأس هؤلاء الشريف علي بن حيدر قائد القوات المدافعة عن حي الديرة، فقبل منهم الأمير عبدالوهاب وأعطاهم الأمان  ؛  لأنه وجد في هذا فرصة لإضعاف موقف الشريف حمود. وبالفعل كان طلب الشريف علي بن حيدر ومن معه من الأشراف للأمان قد عجل بنهاية الحرب، فقد وجد الشريف حمود نفسه مضطرًا إلى طلب الأمان أيضًا نتيجة لتخلي بعض أقاربه عنه، وكثرة القتلى في صفوفه  ،  وخشية من إسناد الأمير عبدالوهاب إمارة أبي عريش إلى شخصية أخرى من آل خيرات في حالة استيلائه عليها أرسل إلى الأمير عبدالوهاب يطلب منه الأمان  ،  فوافق الأمير عبدالوهاب وخرج حمود إلى مخيمه وبايعه على اتباع الدعوة السلفية والعمل بمبادئها والدخول في طاعة الإمام عبدالعزيز، والعمل على توسيع نفوذ الدولة السعودية الأولى في المناطق المجاورة  
 
هـ - جهود الشريف حمود في مد النفوذ السعودي في المناطق المجاورة:
 
استغل الشريف حمود الزخم الكبير للدعوة السلفية والدولة السعودية في المناطق المجاورة من بلاد اليمن؛ وبخاصة عقب بسط النفوذ السعودي على المخلاف  ،  فتوجه إلى غزو تهامة اليمن لإدخالها في نطاق الدولة السعودية الأولى حسب ما التزم به للأمير العسيري عبدالوهاب بن عامر واضعًا نصب عينيه تحقيق الأهداف الآتية:
 
 توسيع رقعة إمارته جنوبًا، والظهور في الوقت نفسه أمام حكومة الدرعية بمظهر الأمير المخلص  . 
 
 ضخامة الموارد الاقتصادية التي تعود عليه من جراء توغله في تهامة اليمن وبسط سيطرته على موانئها  
 
لذا قاد الشريف حمود قواته بنفسه، وتمكن في فترة وجيزة من إخضاع بلاد بني حسن  وعبس  والواعظات  والزعليين  ومور  وصليل   واللحية وغيرها من البلدان باسم الدولة السعودية  .  وفي أثناء انشغال الشريف حمود بغزو البلدان اليمنية وصلته موافقة الإمام عبدالعزيز على إمارته، لكنه ربطه إداريًا بأمير عسير عبدالوهاب بن عامر   وبقدر ما سعد الشريف حمود بموافقة الإمام عبدالعزيز على إمارته، استاء من ربطه إداريًا بالأمير عبدالوهاب، فهو أمير سعودي مثل الأمير عبدالوهاب، فلماذا لا يتمتع بمثل ما يتمتع به من الاستقلال في ظل طاعة الرجلين للدولة السعودية؟! وإذا كان للأمير عبدالوهاب الفضل في إخضاع المخلاف السليماني للدولة السعودية، فكذلك الشريف حمود يرى أنه نشر الدعوة السلفية في مناطق كثيرة من تهامة اليمن، وأدخلها في طاعة الدولة السعودية، ولا يزال يواصل العمل على ذلك.
 
لذا لما توفي الإمام عبدالعزيز في سنة 1218هـ / 1803م أرسل الشريف حمود وفدًا إلى الدرعية لمبايعة الإمام سعود بن عبدالعزيز ت 1229هـ / 1814م بالإمامة، وتعزيته في وفاة والده، والمطالبة بفصل إمارته عن أمير عسير عبدالوهاب بن عامر، مقابل التزام الشريف حمود بالمثابرة على مد النفوذ السعودي في بلاد اليمن، وإرسال الخراج إلى الإمام سعود  
 
أحسن الإمام سعود استقبال وفد الشريف حمود، وأكرم وفادتهم، وقبل تعزيتهم، وأجابهم إلى مطلبهم الأساسي، ووافق على فصل إمارة الشريف حمود عن إمارة عسير وتبعيته المباشرة للدرعية، ولم يقتصر على هذا فحسب؛ بل فصل إمارة صبيا وبيش أيضًا عن إمارة عسير، وجعلهما إمارة مستقلة بيد الشريف منصور، إلا أنه ألزمه بإجابة الأمير عبدالوهاب عند الاستنفار  
 
وبهذا نجح الشريف حمود في مسعاه، واستقل بإمارة أبي عريش وتهامة اليمن، وضم إلى جانبه أحد أمراء المخلاف الأقوياء الشريف منصور بن ناصر، وهو الأمر الذي دفع أمير الدرب عرار بن شار إلى طلب الانفصال أيضًا عن الأمير عبدالوهاب والاستقلال بالدرب، ويكون ارتباطه بالدرعية مباشرة، فأجابه الإمام سعود إلى ذلك  ،  وبهذا أصبحت هناك إمارتان تفصلان بين الشريف حمود والأمير عبدالوهاب وهي إمارة صبيا وإمارة الدرب مما مكن الشريف حمود من العمل بعيدًا عن سلطة الأمير عبدالوهاب. وهذا الاستقلال الذي حظي به الشريف حمود جعله يجتهد في توسيع النفوذ السعودي في تهامة اليمن، وكان من أكبر النتائج التي حققها الاستيلاء على مدن الحديدة وزبيد وبيت الفقيه وحيس والمخا باسم الدولة السعودية الأولى.
 
و - التنافس بين الشريف حمود وأمراء عسير:
 
على الرغم من أن الشريف حمود قد أعلن أنه استولى على بلدان تهامة اليمن ومدنها باسم الدولة السعودية إلا أن الأمير عبدالوهاب ساءه ذلك، فأخذ يكيد له عند الإمام سعود  ،  كما قام بحركة استفزازية للشريف حمود فزحف بقواته نحو المخلاف السليماني في محاولة منه لجره إلى الحرب، ولكن الشريف لم يمكنه من ذلك، فاكتفى الأمير عبدالوهاب بغزو جبل الريث   ثم عاد إلى عسير  
 
ويبدو أن الإمام سعود بن عبدالعزيز بَرِمَ من كثرة الخلافات بين الأمير عبدالوهاب والشريف حمود، فرأى أن يتأكد عمليًا من صحة ولاء الشريف حمود؛ فكلفه باستعادة أجزاء من تهامة اليمن كان الإمام المنصور قد استعادها  
 
اعتذر الشريف حمود عن الامتثال لتكليف الإمام سعود بحرب إمام اليمن  ،  وباعتذاره تأكد الإمام سعود من صحة ما ذكره عنه الأمير عبدالوهاب، فأرسل إليه يطلب مقابلته في موسم حج عام 1223هـ / 1808م، لكن الشريف حمود اعتذر عن مقابلته بكثرة مشاغله، وأرسل من ينوب عنه، فما كان من الإمام إلا أن أصر على حضور الشريف حمود شخصيًا  . 
 
وبإصرار الإمام سعود على مقابلة الشريف حمود له، أصر الشريف حمود أيضًا على عدم المقابلة. وبتصميم الشريف حمود على موقفه ثبت بما لا يدع مجالاً للشك لدى الإمام سعود تمرد الشريف حمود وعصيانه، فأمر الأمير عبدالوهاب بن عامر أميرَ عسير بقتاله وإخضاعه من جديد  
 
وإدراكًا من الإمام سعود والأمير عبدالوهاب لما أصبح عليه الشريف حمود من القوة العسكرية بعد الانتصارات التي حققها في بلاد اليمن والموارد المالية التي حصل عليها، وإدراكًا منهما أيضًا لأهمية النتائج التي ستترتب على قتال الشريف حمود من بقاء النفوذ السعودي في المخلاف السليماني واليمن من عدمه، حاولا تجهيز أكبر قوة ممكنة لإخضاعه، ففي الوقت الذي استنفر فيه الأمير عبدالوهاب رعاياه في عسير ورجال ألمع وتهامة زوده الإمام سعود ببعض كبار قواد الدولة السعودية آنذاك، وألزمهم بطاعة الأمير عبدالوهاب  
 
زحف الأمير عبدالوهاب بقواته جنوبًا نحو أبي عريش حتى ضرب معسكره في مسيل وادي بيش، وزحف الشريف حمود بقواته شمالاً حتى عسكر بالقرب من قرية سلامة العرب   قرب بيش، حتى أن المعسكرين يبصر أحدهما الآخر 
 
ومن معسكري الرجلين بدأ يفكر كل منهما في الطريقة التي تمكنه من هزيمة خصمه بأقل قدر ممكن من الخسائر، فتوصل الأمير عبدالوهاب إلى فكرة تشتيت جهود قوات الشريف حمود وحصاره من الشمال والجنوب، لذا أرسل فرقة عسكرية من جيشه لتقوم بحركة التفاف سريعة لتستولي على مدينة صبيا، وتقطع خط العودة على الشريف حمود، وتهاجمه من الجنوب في الوقت الذي يهاجمه الأمير عبدالوهاب بما لديه من القوات من الشمال، لكن الشريف حمود أدرك هذا فسارع إلى إفشال هذا المخطط، وأرسل سرية من قواته لتتحرش بقوات الأمير عبدالوهاب، ولكن القوات العسيرية تصدت لها، وأجبرتها على التراجع إلى معسكرها، وكان هذا في آخر يوم الأحد 28 جمادى الآخرة 1224هـ الموافق 1809م. وقد كان لفرار هذه السرية أثره السيئ على قوات الشريف حمود فضعفت معنوياتهم، وكاد الفشل أن يدب في صفوفهم، لكن الشريف حمود لم يعطهم الفرصة لذلك، بل قرر الهجوم في صباح اليوم الثاني، وقاد قواته بنفسه، والتحمت القوتان في معركة كبيرة أسفرت عن هزيمة الشريف حمود وانسحابه مع قواته من ميدان المعركة  
 
وإذا كانت معركة وادي بيش قد أسفرت عن هزيمة الشريف حمود فقد قتل أيضًا في هذه المعركة الأمير عبدالوهاب بن عامر، ولم يشعر أحد بقتله إلا بعد نهاية المعركة ووصول الشريف حمود منسحبًا إلى صبيا  .  وقد توالت حملات الدولة السعودية الأولى - وبخاصة عن طريق أمير عسير الجديد طامي بن شعيب -، على المخلاف السليماني وتهامة واليمن الخاضعة للشريف حمود - بعد معركة وادي بيش ومقتل عبدالوهاب أبو نقطة - ولكنها كانت محدودة الفعالية، ولم تؤدِ إلى إخضاع الشريف حمود بالكامل.
 
وقد أدرك الشريف حمود بعد ذلك صعوبة الاستمرار في مقاومة حملات الدولة السعودية سواء المباشرة أو غير المباشرة، نتيجة لما لحق بإمارته من خسائر وإرهاق عسكري واقتصادي، وحاجته إلى فترة من الوقت تتيح له إعادة بناء قواته العسكرية، وإصلاح وضعه الاقتصادي، فاستغل علاقته الحسنة بحاكم صعدة السيد محمد بن علي وطلب منه السعي إلى عقد صلح بينه وبين الإمام سعود يقضي بوقف الحرب بين الجانبين، فاستجاب له السيد محمد، وأسفرت مساعيه عن توقيع صلح بين الطرفين في 1226هـ / 1811م يقوم الشريف حمود بموجبه بدفع مبلغ سنوي من المال للدرعية  ،  وقد أسهم في توقيع الصلح انشغال الدولة السعودية بالتصدي لحملات محمد علي باشا على الجزيرة العربية التي بدأت تصل إلى الحجاز منذ تلك السنة.
 
ز - التعاون العسيري الخيراتي ضد قوات محمد علي باشا:
 
أدرك محمد علي باشا مدى ما تشكله القوات العسيرية من خطورة على مؤخرة قواته في الحجاز التي بدأت تعد العدة للزحف نحو الدرعية لإسقاط الدولة السعودية الأولى، فقاد بنفسه حملة عسكرية إلى عسير، واستولى عليها، ثم عين عليها واليًا من قبله  . 
 
أدرك أمراء عسير أهمية التعاون مع الشريف حمود لإخراج قوات محمد علي باشا من بلادهم، فراسلوا الشريف حمود، ودعوه إلى التعاون معهم على إخراج هذه القوات من عسير، لإثبات حسن النية من جانبهم ولرغبتهم في إقناع الشريف حمود بذلك بعثوا له بهدية قيمة، فصادف هذا رغبة في نفس الشريف فاستجاب لمطلبهم  ؛  لأنه وجد في هذا فرصة كبيرة لتوسيع نطاق إمارته وإلحاق عسير بها واتخاذها قاعدة متقدمة للدفاع عن المخلاف السليماني من الناحية الشمالية، وهي رغبة شبيهة برغبة أمير عسير السابق عبدالوهاب بن عامر في ضمِّ المخلاف السليماني إلى عسير مع اختلاف دوافع كل منهما.
 
سارع الشريف حمود، بمجرد استنجاد رجال عسير به، إلى تكليف وزيره الحسن بن خالد بالتوجه إلى أبي عريش لوضع الترتيبات اللازمة للزحف إلى عسير، فامتثل الحسن بن خالد، وسار إلى أبي عريش ومنها أرسل القاضي حسن بن عطيف على رأس قوة عسكرية إلى شمال المخلاف السليماني طليعة لقواته ريثما يكمل هو استعداداته، فتقدم حسن بن عطيف بهذه القوة شمالاً حتى جنوب رجال ألمع، وهناك علم بخروج جمعة باشا لغزو المخلاف السليماني، وقد عسكر بقواته شمال رجال ألمع، فما كان منه إلا أن سارع بالاستنجاد بالحسن بن خالد، فسارع الحسن بن خالد من فوره إلى نجدته، والتقوا بقوات جمعة باشا في ذي القعدة 1232هـ / 1816م بالحمَّة بين رجال ألمع والدرب، وانتهت المعركة بانتصار الحسن بن خالد، وهزيمة جمعة باشا، وانسحابه إلى حلي   وكانت معركة الحمة أول مواجهة عسكرية بين الأشراف آل خيرات وقوات محمد علي باشا في شبه الجزيرة العربية.
 
وكان لهذا الانتصار الذي حققه الحسن بن خالد على جمعة باشا أثره الكبير في نفوس رجال عسير، فسارعوا إلى دعوة الحسن بن خالد إلى بلادهم، فسار إليهم بقواته حتى وصل جبل تهلل، وهناك توافدت إليه القبائل العسيرية معلنة ولاءها للشريف حمود   ثم ما لبث الشريف أن سار بنفسه إلى عسير، وأخرج منها قوات محمد علي.
 
وصلت أنباء إخراج الشريف حمود قوات محمد علي من عسير إلى والي الحجاز حسني باشا؛ فسارع إلى إرسال حملة عسكرية إلى عسير، وأسند قيادة الحملة إلى سنان باشا، فسارت الحملة حتى القنفذة، وهناك انضم إليها جمعة باشا بما لديه من قوات  ،  ثم واصلت الحملة سيرها إلى عسير.
 
علم الشريف حمود باقتراب حملة سنان باشا من عسير، فجمع قواته، وتقدم بها إلى بلاد بني مالك، وهناك التقى بسنان باشا في مكان يدعى الملاحة، وألحق به هزيمة كبيرة؛ حيث قضى على معظم أفراد الحملة، أمّا الذين نجوا منهم فقد تتبعتهم القوات العسيرية فقضت عليهم  ،  ولم يستمتع الشريف حمود بنشوة هذا النصر طويلاً؛ فقد وافته المنية بعد معركة الملاحة بقليل ودفن بها  ،  وكانت وفاته في السنة نفسها التي سقطت فيه الدولة السعودية الأولى؛ أي في 1233هـ / 1818م  
 
شارك المقالة:
1095 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook