عهد الدولة السعودية الأولى في منطقة القصيم في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
عهد الدولة السعودية الأولى في منطقة القصيم في المملكة العربية السعودية

عهد الدولة السعودية الأولى في منطقة القصيم في المملكة العربية السعودية.

 
يظهر من العرض السابق أن منطقة القصيم لم تكن خلال الفترة التي تسبق عهد الدولة السعودية الأولى منطقة مؤثرة في الأحداث التي شكلت التطور التاريخي في الجزيرة العربية، وبقيت أحداثها محلية ومحدودة في أهم بلدانها سواء بين زعامات البلد الواحد أو بين بلد وآخر. حتى داخل بلاد نجد الأخرى يبدو أن منطقة القصيم كانت بعيدة عمّا كان يجري في منطقة العارض على سبيل المثال، حيث قام الشيخ محمد بن عبد الوهاب بدعوته الإصلاحية، وما ترتب عليها من تسارع الأحداث بقيام الدولة السعودية الأولى بعد البيعة المعروفة بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب والأمير محمد بن سعود أمير الدرعية في عام 1157هـ / 1744م.
 
ومع التطور الطبيعي للنمو السكاني نشأت بلدان جديدة في منطقة القصيم حيث بدأت الأحداث فيها تأخذ طابعًا إقليميًا بدل الطابع الفردي للبلدان. ففي سنة 1180هـ / 1766م بنيت بلدة البكيرية المعروفة من بلدان القصيم  ،  وفي سنة 1181هـ / 1767م بنيت بلدة الهلالية  .  واتجهت الدولة السعودية في المجال السياسي إلى ضم منطقة القصيم بعد ضم مناطق العارض وجنوبي نجد والوشم وسدير، وقد ساعد الدولة السعودية في مد نفوذها إلى هذه المنطقة التنازع الأسري على الإمارة في بعض بلدانها  
 
وكان أول ذكر للعلاقة بين منطقة القصيم والدولة السعودية الأولى ما ذكره الفاخري من أحداث 1181هـ / 1767م بقوله: "وطاح جميع أهل القصيم" والمقصود أنهم طلبوا الصلح والانضواء تحت لواء الدعوة والدولة السعودية الأولى  ،  ويبدو أن هذا الصلح كان وقتيًا إذ تتابعت الأحداث بعده سريعًا بين قادة الدولة السعودية الأولى ومنطقة القصيم دون أن يذكر المؤرخون سببًا لهذا التغير. ففي سنة 1182هـ / 1768م قام الأمير سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود في عهد والده ومعه راشد الدريبي بحملة على منطقة القصيم بطلب من حمود الدريبي أمير بريدة الذي طلب من الإمام عبد العزيز أن يبعث جيشًا إلى منطقة القصيم ليكون عونًا لهم وناصرًا. وعندما وصل الجيش إلى القصيم اتجه إلى عنيزة، حيث حصل بينهم وبين أهلها قتال سقط فيه من أهل عنيزة ثمانية رجال، منهم عبد الله بن حمد بن زامل، وقتل من جيش سعود رجل واحد  ،  ويبدو أن النـزاعات السابقة بين بعض زعماء المنطقة كان لها دور في هذه الأحداث، وهو ما يؤكده وجود راشد الدريبي في هذه الحملة، كما أن تحديد بلدان معينة في هذه الحملات يفهم منه أن الصلح الذي تحدث عنه الفاخري لم يكن شاملاً لكل بلدان منطقة القصيم. فهذه بلدة أخرى في منطقة القصيم كانت هدفًا ثانيًا لحملة قامت بها الدولة السعودية في العام التالي في سنة 1183هـ / 1769م عندما قام الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود بحملة إلى القصيم، حيث هاجم بلدة الهلالية وأخذها عنوة، ثم أعطى أهلها الأمان وبايعوه على دين الله ورسوله والسمع والطاعة، وبعد ذلك عاد إلى الدرعية. ولعل قيام الإمام عبد العزيز بنفسه بهذه الحملة كان هدفه بيان قوة الدولة وأنها لن تتساهل في حفظ الأمن ومعاقبة من يخرج على الإجماع، ويؤيد هذا ما ذكره ابن عيسى من مبايعة أكثر أهل القصيم للإمام عبد العزيز على السمع والطاعة  .  وعلى الرغم من قوة الدولة السعودية الأولى ونجاحها في بسط نفوذها على أغلب بلاد نجد إلا أن الخلافات والنـزاعات بين زعماء البلد الواحد في منطقة القصيم للاستحواذ على الزعامة بقيت. ففي سنة 1184هـ / 1770م سطا آل عليان على راشد الدريبي في بريدة وأخرجوه منها، واستولوا عليها  
 
وعلى الرغم من انشغال منطقة القصيم بالخلافات الداخلية فإنها في الوقت نفسه لم تكن بعيدة عن التدخلات الخارجية. فقد تأثرت هذه المنطقة بالتحولات السياسية التي شهدتها بلاد نجد وما نتج منها من توتر في علاقات الدولة السعودية الأولى مع جيرانها. وإذا كان زعماء بني خالد لم ينجحوا في وأد هذه الدولة في مهدها، فقد واصلوا السعي لإضعافها قدر المستطاع. وعندما لم يستطيعوا مهاجمة الدرعية أو محاصرتها انتهجوا أسلوبًا جديدًا بشن الغارات على أطرافها، وتجميع الأحزاب ضدها، وتتبع مواطن الضعف لديها، والهدف من كل ذلك هو إشغال الدولة وفتح جبهات متعددة ضدها  ،  ففي خطوة لها أبعاد سياسية قام عريعر بن دجين آل حميد، زعيم بني خالد في الأحساء، في سنة 1188هـ / 1774م بحملة كبيرة من الحاضرة والبادية، وكان الميدان الذي اختاره هو منطقة القصيم، لبعدها عن مركز الدولة، وكانت بريدة هدفه الأول انتقامًا من أهلها لانضوائهم تحت راية الدعوة الإصلاحية والدخول في طاعة الدولة السعودية، وكان يرافقه راشد الدريبي. وعند وصوله إليها حاصرها، لكنه لم يستطع دخولها رغم كثرة جيشه إلا بخدعة، حيث استدعى أميرها عبد الله الحسن لمواجهته، فاغتر وخرج إليه فأسره، ثم دخل جنوده بريدة وأخذوها عنوة ونهبوها، وجعل راشد الدريبي أميرًا فيها. وقد هرب كل من خاف على نفسه من الموالين للدولة السعودية، فأرسل الإمام عبد العزيز إلى أهلها الذين خرجوا منها يطمئنهم، وطلب من بعض زعمائها وأهمهم آل عليان القدوم إليه فأكرمهم. وبعد أن انتهى عريعر من بريدة هاجم عنيزة وأجلى آل زامل منها، وجعل فيها عبد الله بن رشيد أميرًا. وبعد أن حقق ما يريد ارتحل عريعر من بريدة ومعه عبد الله الحسن أسيرًا، ونـزل الخابية، قرب النبقية، واستعد للمسير إلى الدرعية، لكنه مات في الخابية بعد ارتحاله من بريدة بشهر. تولى القيادة بعد عريعر ابنه بطين فلم يستقم له الأمر إذ قتله أخواه سعدون ودجين، وتولى الأخير الحكم لكنه لم يلبث إلا مدة يسيرة حتى مات، وقيل إن سعدونًا دس له السم، وتولى الحكم بعده. ومن تداعيات هذه الحادثة أن عبد الله الحسن خرج من الأسر وسار إلى الدرعية يستنجد بها ويأمل إعادته إلى سابق عهده في بلده  
 
أما راشد الدريبي فيبدو من سير هذه الأحداث أن كل همه استعادة زعامته في بريدة، وكان مستعدًا للتعاون مع أي قوة تحقق له هذا الهدف، فقد تعاون مع الدولة السعودية ورافق الأمير سعود في هجومه على عنيزة، كما مرّ سابقًا، وفي هذه المرة لم يجد حرجًا من أن يتعاون مع حكام بني خالد في الأحساء ضد بني عمه آل حسن في بريدة، مع علمه بموقف بني خالد من الدولة السعودية وعدائهم لها منذ قيامها على يد الإمام محمد بن سعود.
 
لم تنس الدولة السعودية هذا الموقف المعادي لراشد الدريبي في تعاونه مع أعدائها، ولم تقف مكتوفة الأيدي بل قررت عقابه، حيث قام الأمير سعود في سنة 1189هـ / 1775م بحملة قصد بها بريدة، وكان يرافقه عبد الله الحسن آل أبو عليان الذي سبق أن عزله عريعر بن دجين عن إمارة بريدة بطلب من راشد الدريبي. وعندما وصل بريدة أعد جيشه، ثم هاجمها فجرًا، لكن أهلها لم يخرجوا لملاقاته فحاصرها وامتنعت عليهم وطال الحصار، فبنى حصنًا جعل فيه عددًا من الرجال بقيادة عبد الله الحسن، ثم رجع سعود إلى الدرعية. وقد استمر الحصار مدة تخللتها إغارات بين الطرفين، وعندما اشتد الأمر على المحاصرين وبدأت أرزاقهم تنفد استنجد أمير بريدة راشد الدريبي بشخص يدعى جديع بن هذال فلم يجد عنده طائلاً، فلما اشتد الحصار والضيق طلب راشد الدريبي من عبد الله الحسن الأمان لنفسه وأن يخرج وحده من القصر والبلد فأمّنه فخرج إليه، ودخل عبد الله الحسن ومن معه بريدة واستولوا على ما فيها من الأموال، وبذلك عادت بريدة إلى حظيرة الدولة السعودية. وقد بايع بقية زعماء القصيم وأهله الدولة السعودية على السمع والطاعة، ثم قدم عبد الله الحسن مع بعض زعماء القصيم إلى الدرعية وبايعوا الشيخ محمد بن عبد الوهاب والإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود على دين الله والسمع والطاعة، ثم ثبّت عبد الله الحسن أميرًا على جميع بلدان القصيم. وقد قتل في هذه الحملة نحو خمسين من الموالين لراشد الدريبي   على أن عبد الله الحسن آل أبو عليان أمير بريدة لم يستمر في هذا المنصب حيث قتل مع ستين رجلاً من جيش الإمام عبد العزيز سنة 1190هـ / 1776م في وقعة مخيريق الصفاء بينه وبين آل مرة، حيث تولى الإمارة بعده حجيلان بن حمد آل أبو عليان  
 
ومع أن منطقة القصيم انضوت تحت حكم الدولة السعودية الأولى كما سبق، إلا أن تلك الأحداث التي تلت ضم بعض بلدان المنطقة بينت هشاشة نفوذ الدولة السعودية في منطقة القصيم. ومن خلال تقييم الوضع السياسي للدولة وكثرة المناوئين لها يمكن فهم انشغال الدولة السعودية عن ملاحقة كل حدث يجري في كل منطقة من المناطق التابعة لها، وقد وضح ذلك بجلاء خلال الأحداث التي شهدتها منطقة القصيم. ومن الأمثلة على ذلك أن الدولة السعودية انشغلت عن متابعة حادث السطو الذي قام به آل أبي غنام وآل جناح في فجر يوم الخميس الخامس والعشرين من شوال سنة 1195هـ / 1780م على العقيلية المعروفة في عنيزة واستولوا عليها  ،  كما أنها لم تجرد حملة عسكرية لمجابهة سعدون بن عريعر الذي هاجم بريدة وحاصرها مدة أربعة أشهر فقاومته بقيادة أميرها حجيلان بن حمد حتى فشل في اقتحامها وانسحب  
 
وقد قدم سعدون بن عريعر على رأس قواته المكونة من بني خالد والظفير وشمر وعنـزة ونـزل بريدة، وهاجم رجاله البلد فقاتلهم أهلها وقتلوا عددًا منهم، وتشفيًا بهم أرسلوا رؤوسهم إلى سعدون فامتلأ غيظًا وغضبًا وأخذ يهدد ويتوعد بعقاب من ظفر به من أهل بريدة وتقطيعهم إربًا إربًا. ثم تطور الوضع وحصل بين الطرفين قتال شديد، لكن سعدونًا لم يحسم الأمر لصالحه بل استمر الوضع عددًا من الأشهر حاول سعدون خلالها هدم سور البلد، ولكنه لم يستطع، فاستعان بأعوانه من أهل القصيم وغيرهم واستشارهم فيما يمكن عمله تجاه أهل بريدة، فاتفق رأيهم على عمل مدفع كبير يهدم به السور، فجمعوا له ما يحتاجه من المواد من آنية الصفر والنحاس، وحضر أهل الصنعة من الحدادين والنحاسين والصواغين، وبدؤوا في العمل، ولكنهم لم يستطيعوا إتمامه، فعاد الطرفان إلى القتال، حتى رجحت كفة أهل بريدة. ومن جهة أخرى قام سعدون في أثناء ذلك ببناء قصر بالقرب من بريدة وجعل فيه رجالاً من قومه فهاجمه أهل بريدة وهدموه وقتلوا من فيه.
 
وفي تطور آخر أغار أمير الرس سعيد بن عبد الكريم ورجال من بلده على ماشية سعدون وأخذوا أربعمئة من غنمه. كما قام رجال من أهل بريدة على بيت من الشعر أقامه أمير عنيزة عبد الله بن رشيد للحرب فأخذوه وقتلوا فيه أربعة رجال. وقد ثبت أهل بريدة على موقفهم، واستمر سعدون محاصرًا بريدة خمسة أشهر، ولكنه لم يستطع اقتحامها، فرجع عائدًا إلى وطنه مع جيشه، فلحق بهم أهل بريدة يريدون الاستيلاء على مواشيهم فوافوهم بالظهرة وقتلوا بعض رجالهم وأخذوا أموالهم. أما أهل القصيم فقد عادوا إلى بلدانهم، فخرج حجيلان بن حمد بأهل بريدة إلى الشَّماس، فقاتل من وجده فيها، وهرب أهلها. ثم إن أهل القصيم طلبوا من حجيلان بن حمد الأمان على دمائهم وأولادهم وأموالهم، فأعطاهم الأمان ووفدوا عليه ما عدا أهل عنيزة. وكان حجيلان من أشد الناس حمية لأهل القصيم، مع محبته لأهل الدين وشدة نصره له ولأهله  .  وهكذا أوجد سعدون شرخًا بين أهل القصيم وبين الدولة السعودية بما حصل من قتل المعلمين والأئمة، وفي الوقت نفسه عاقب أهل بريدة على قتلهم رجاله.
 
وفي سنة 1198هـ / 1784م قام الأمير سعود بحملة قصد بها عنيزة في منطقة القصيم فحصل بين جيشه وأهل عنيزة قتال سقط فيه عدد من القتلى من الجانبين، منهم ثنيان بن زويد من جيش الأمير سعود  
 
ويبدو أن منطقة القصيم دخلت دائرة التنافس الإقليمي مع القوى المجاورة أو حتى البعيدة، ففي سنة 1200هـ / 1786م قام حجيلان بن حمد أمير بريدة بحملة على جبل شمر، حيث أسرع إلى بقعاء، البلدة القريبة من حائل، لمهاجمة قافلة تجارية خارجة من البصرة وسوق الشيوخ محملة باللباس والقماش لأهل جبل شمر وغيرهم، فرصد لها هناك فأخذها وقتل من رجال القافلة عددًا كبيرًا  
 
وهكذا بدأت منطقة القصيم تستحوذ على اهتمام القوى المحلية والإقليمية؛ لأهمية موقعها الجغرافي من جهة، ولتأثيرها الاقتصادي من جهة أخرى بما تحويه من كثرة السكان ونشاطهم الزراعي والتجاري، وغزارة المياه، وصلاحية أرضها للزراعة،   هذه الأحداث السابقة شكلت جزءًا من تطور المنطقة التاريخي؛ وبخاصة منذ بداية القرن الثالث عشر الهجري، إذ لم يعد الأمر قاصرًا على علاقتها بأشراف الحجاز أو أمراء بني خالد في الأحساء، بل تعداه إلى اهتمام ولاية بغداد العثمانية بهذه المنطقة. ففي شهر المحرم سنة 1201هـ / 1786م سار ثويني بن عبد الله بن محمد بن مانع آل شبيب رئيس المنتفق إلى القصيم على رأس حملة كبيرة من المنتفق وأهل الزبير وبوادي شمر، وبلغ مجموع حمولتها من السلاح والبنادق والمدافع وآلاتها سبعمئة حمل. وقد تباينت آراء المؤرخين في سبب قيامه بهذه الحملة على القصيم خاصة، فمن قائل إنه لمساعدة سعدون بن عريعر لاسترجاع بريدة، ومن قائل إن السبب الانتقام من الدولة السعودية لإيوائها سعدون بن عريعر، ومنهم من يرى أن السبب هو الانتقام من حجيلان بن حمد الذي اعترض قافلة قادمة من البصرة وسوق الشيوخ متجهة إلى جبل شمر في العام السابق. ويبدو أن هذه الأسباب مجتمعة كانت السبب في قيام هذه الحملة واتجاهها إلى القصيم.
 
وصلت الحملة إلى التنومة وهاجمتها وفرضت عليها حصارًا دام عددًا من الأيام مع ضربها بالمدافع لكنها استعصت، ثم أرسل ثويني إلى أهلها يعرض عليهم الأمان حيلة، ثم دخل البلدة وقتل من أهلها عددًا كبيرًا قدر بمئة وسبعين رجلاً، كما هرب غالب أهلها. وبعد ذلك ارتحل منها ونـزل بريدة وحاصرها وحصل بينه وبين أهلها قتال، لكنه بلغه أن سليمان باشا والي بغداد عين حمود بن ثامر السعدون على بادية المنتفق، ففك الحصار عنها ورجع إلى بلاده دون أن يدرك مراده. وكان عبد المحسن بن سرداح زعيم بني خالد في الأحساء قد جمع جموعه واتجه لنصرة ثويني في القصيم فلما اجتاز الدهناء بلغه تراجع ثويني فعاد إلى الأحساء. وكان الإمام عبد العزيز حين بلغه قدوم ثويني إلى بلاد نجد جمع جيشه وعين عليه ابنه سعود، وقد أدرك سعود بعض فلول ثويني والقبائل التي ساعدته فهاجمها  
 
ومن تداعيات حملة ثويني آنفة الذكر قيام عبد الله بن رشيد، أمير عنيزة، سنة 1201هـ / 1787م، بهدم الجناح المعروف في عنيزة لمكاتبة أهل الجناح لثويني  .  وفي حادث له علاقة بحملة ثويني أيضًا، قام حجيلان بن حمد بعد رحيل ثويني بحملة على قبيلة شمر وأخذ منهم إبلاً كثيرةً وأثاثًا وأمتعةً، وقتل في هذه الحملة قرابة مئة رجل  .  ويبدو أن سبب هذه الحملة معاقبتهم على مشاركتهم في حملة ثويني على القصيم.
 
في سنة 1202هـ / 1788م قام الأمير سعود بحملة على عنيزة؛ لأنه ذكر له أن أناسًا من أهلها من آل رشيد وأتباعهم يريدون نقض العهد، فأجلاهم منها، وجعل فيها عبد الله بن يحيى بن زامل السليم أميرًا  
 
أ - حملات محمد علي باشا (الجولة الأولى):
 
يبدو أن الهدوء الذي شهدته منطقة القصيم في السنوات السبع والعشرين التي أعقبت تلك الأحداث كانت بمنـزلة الهدوء الذي يسبق العاصفة الهوجاء التي أثارها والي مصر من قبل الدولة العثمانية محمد علي باشا، عندما تعهد للدولة العثمانية بالقضاء على الدولة السعودية الأولى بعد أن عجز ولاة العراق والشام عن تنفيذ هذه المهمة. لقد نفذ محمد علي باشا هذه المهمة بكل ما أوتي من قوة وبطش مبتدئًا بالحجاز ومستعينًا بأمهر قادته ومعداته ورجال جيشه تحت قيادة ابنه طوسون باشا، ثم من بعده ابنه بالتبني (ابن زوجته) إبراهيم باشا. وإذا كانت منهجية البحث لا تسمح بالاسترسال في الحديث عن أعمال محمد علي باشا العسكرية في غرب الجزيرة العربية، فإن منطقة القصيم، موضوع هذا البحث، كانت مجالاً للجولة الثانية والحاسمة في حملة محمد علي باشا التي مهدت للوصول إلى الدرعية والقضاء على الدولة السعودية الأولى.
 
وما يهمنا من تفاصيل هذه الجولة هو بعض التطورات التي حدثت في منطقة القصيم مما له علاقة بالمواجهة المرتقبة بين القوات المصرية التي أحرزت انتصارات في جولة الحجاز وبين قوات الدولة السعودية التي بدأت تتراجع أمام ضراوة الهجمة. ففي آخر رمضان سنة 1229هـ / 1814م سار الإمام عبد الله بن سعود الذي آلت إليه زعامة الدولة السعودية بعد وفاة أبيه، على رأس جيشه من حاضرة نجد وباديتها قاصدًا ناحية القصيم، حيث أقام مدة قرب الرس، ثم هاجم بعض التجمعات القبلية خصوصًا قبيلة مطير، وكذاك في نواحي الحجاز، ثم عاد إلى القصيم وأقام فيه نحو خمسة أشهر، سار بعده إلى الدرعية في العشرين من شهر ربيع الأول سنة 1230هـ الموافق 1815م حين بلغه تقدم القوات المصرية في بسل، وخشية أن تتقدم قوات طوسون نحو عاصمته  ،  أمر أخاه فيصلاً - قبل سفره من القصيم - بالمسير إلى بلد تربة قائدًا لجيش الدولة السعودية هناك لمواجهة القوات المصرية في الحجاز  
 
وفي سنة 1230هـ / 1815م كانت القوات المصرية تواصل تقدمها ناحية القصيم حيث وصلت إلى الحناكية على حدود منطقة القصيم جهة المدينة المنورة، ثم تحركت تلك الجيوش جهة القصيم بعد أن حصلت مكاتبة بينه وبين أهل الرس والخبراء، فوصل هذا الجيش بقيادة طوسون إلى هناك واستقر فيها بموافقة أهلها، واستولى على ما حولهما من القرى والمزارع، مثل: مسكة وضرية والبصيري ونجخ. وهناك لحق به أصدقاؤه السياسيون من رجال القصيم كما يسميهم لوريمر، ومنهم الفرسان الذين أرسلهم سابقًا، في حين بقي باقي زعماء القصيم على ولائهم للدولة السعودية، ومن أهمهم حجيلان بن حمد الذي لم يجر أي اتصالات مع طوسون، بل على العكس تزعم قوة مناوئة له في بريدة  ،  وعندما علم الإمام عبد الله بن سعود بهذه التطورات سار بجيشه في شهر جمادى الأولى من السنة نفسها ناحية القصيم لحمايتها من القوات المصرية حتى وصل المذنب ثم نـزل الرويضة، قرب الرس، فأقام بها عددًا من الأيام حيث عاقب أهلها وقطع نخيلهم ودمر زروعهم، فخرجت القوات المصرية وحصل بين الطرفين قتال استخدمت فيه المدافع من بعيد، لكن الجيشين لم يلتحما معًا. وبعد ذلك ارتحل الإمام عبد الله من الرويضة وهاجم بعض البدو المجتمعين من حرب ومطير على البصيري في عالية نجد. وفي أثناء طريقه بلغه أن طوسون ومعه جيش كبير أقبلوا من المدينة المنورة ونـزلوا الداث، الماء المعروف قرب الرس، فغير الإمام عبد الله وجهة جيشه ليباغتهم، لكنهم كانوا قد ارتحلوا وقصدوا الرس، وعندها طلب الإمام عبد الله من أهل القصيم أن يرجعوا إلى بلدانهم خوفًا من وقوع خلل فيها نتيجة لهذه التطورات، ثم أغار على أهل البصيري وأخذ محلتهم وأمتعتهم وأغنامهم ما عدا الإبل التي كانوا قد أخفوها. وعندما بلغه أن القوات المصرية نـزلت في البعجاء، الماء المعروف قرب البصيري، في طريقهم إلى الرس، دخلوا قصر البعجاء وتحصنوا فيه، فهاجمهم جيش الإمام عبد الله وأحدثوا فتحة في جدار القصر وتسوروه عليهم وقتلوا من وجدوه وكانوا نحو مئة وعشرة رجال من كبار القادة والزعماء. وبعد ذلك رجع الإمام عبد الله فنـزل المذنب، ثم سار إلى عنيزة، لكنه كان متخوفًا من أن ينـزل فيها الجيش المصري فتركها ونـزل ثبيبية، بين عنيزة والخبراء، ومعه بوادي حرب، فأقام أيامًا ثم رجع إلى الرس، وقد أراد طوسون أن يرحل من الرس وينـزل عنيزة، فلما بلغ ذلك الإمام عبد الله رحل من المذنب ونـزل عنيزة، وكان أميرها من قبل الدولة السعودية إبراهيم بن حسن بن مشاري بن سعود. ثم أقام الإمام عبد الله مدة وهو يبعث قوات على قوات طوسون والبوادي الذين في ثبيبية ويشن عليهم الغارات فضيقوا عليهم.
 
وفي هذه الأثناء ندم بعض أهل الرس على وقوفهم مع القوات المصرية، وانحاز عدد من الرجال منهم إلى الشنانة، قرب الرس، وتحصنوا في قلعتها فحاصرتهم قوات طوسون ورموهم بالمدافع ولم يدركوا منهم شيئًا، بل قُتل بعض من قوات طوسون، ثم رحلوا عنها كما رحلت البوادي المتمركزة في الشبيبة إلى الرس. وكان أهل جبل شمر مع الإمام عبد الله في القصيم حين وصل طوسون إلى هذه المنطقة، كما كانوا معه حين قام بتأديب بعض أهالي تلك المنطقة وبواديها بعد انسحاب طوسون منها  
سار الإمام عبد الله من عنيزة ونـزل الحجناوي   وتهيأ للقتال وأقام بها شهرين، في حين أقامت قوات طوسون في الخبراء والرس، ثم قدم مدد للقوات المصرية مع بونابرت ووقعت بين الطرفين مناوشات لم تسفر عن نتيجة، لكنها أقنعت كلا الطرفين بالتفاوض حيث اقترح طوسون على الإمام عبد الله تسوية الأمر بين الطرفين، فتم الصلح على إيقاف الحرب بين الطرفين، وأن تنسحب القوات المصرية من نجد وتتركها للإمام عبد الله بن سعود، وأن تكون منطقة الحناكية هي الحدود الفاصلة بين الجانبين. وفي مقابل ذلك يتخلى الإمام عبد الله بن سعود عن مطالبته بالولاية على الحرمين وأعمالهما وما بينهما من الحاضرة والبادية، على أن يضمن حقه وحق رعيته في زيارة الأمكنة المقدسة، وأن يؤمن الحج لكل الأطراف دون خوف، كما اعترف بسيادة السلطان العثماني عليها. وتمت كتابة وثيقة بذلك وتوجهت بعدها قوات محمد علي باشا بقيادة طوسون باشا من الرس إلى المدينة في أول شعبان سنة 1230هـ / 1815م، وسار معهم عبد الله بن محمد بن بنيان، وعبد العزيز بن حمد بن إبراهيم في طريقهم إلى مصر للتوقيع على الصلح وإجازته من محمد علي باشا في مصر  ،  ومن خلال مجريات الأحداث وما ذكرته بعض المصادر فإن محمد علي لم يوافق على الصلح، أو أنه لم يرضَ بشرطه، ولكنه لم يرد بالإيجاب أو النفي. وفي ذلك يقول الجبرتي "فكأن الباشا لم يعجبه هذا الصلح، ولم يظهر عليه علامات الرضا بذلك، ولم يحسن نـزل الواصلين" (مندوبي الإمام عبد الله).
 
وفي سنة 1231هـ / 1816م سار الإمام عبد الله بن سعود بجنوده من البادية والحاضرة، وقصد القصيم، فنـزل الخبراء وهدم سورها، وسور البكيرية، ثم أخذ الإمام معه بعض أعيان الرس والخبراء معه إلى الدرعية لموقفهم الموالي للقوات المصرية عندما قدمت إلى القصيم في السنة الماضية. وسميت هذه الحملة بغزوة محُرّش؛ لأنه انتقض الصلح بسببها بين محمد علي باشا والإمام عبد الله بن سعود. وكان الإمام عبد الله قد أرسل محمد بن حسن بن مزروع، وعبد الله بن عون بكتاب وهدايا إلى محمد علي باشا تقريرًا للصلح فوجداه قد تغير. وبناء على هذه التطورات بدأ محمد علي باشا يعد العدة ويجهز الجيوش للقيام بحملة عسكرية شاملة على الدولة السعودية بقيادة إبراهيم باشا، فسار في نهاية سنة 1231هـ / 1816م بجيش كبير من مصر والشام والعراق والدولة العثمانية متوجهًا إلى المدينة المنورة، وأخذ يهاجم القبائل ويأخذ الأموال حتى اجتمعت عليه قبائل حرب ومطير وعتيبة وعنـزة  
 
دخلت تلك القوات سنة 1232هـ / 1816م وقوات إبراهيم باشا متمركزة في الحناكية، ثم بدأت تقوم بحملات محدودة على القصيم. كان هذا الوضع مقلقًا للإمام عبد الله بن سعود الذي سارع بالطلب من أهل الوشم وسدير أن يتجهوا إلى نصرة أهل القصيم، كما طلب من أهل القصيم التعاون معهم تحت قيادة حجيلان بن حمد الذي يصفه ابن بشر بأنه أمير القصيم. نـزلت هذه القوات في الغميس في الطريق بين الخبراء وبريدة، وأقاموا به قرابة أربعة أشهر.
 
كان الإمام عبد الله حتى ذلك الوقت في الدرعية فأعد حملة عسكرية قوامها قوات من الحاضرة والبادية، ثم غادرها في العشرين من شهر جمادى الأولى وقصد الحجاز، ثم اتجه إلى القصيم حيث نـزل قرب الرس. وهناك استدعى القوات التي سبق تجمعها من أهل الوشم وسدير والقصيم تحت قيادة حجيلان بن حمد، وسار بالجميع عبر وادي الرمة للقيام بحملة على البوادي الموالين لجيش إبراهيم باشا، ولكنهم علموا قبل وصوله فلحقوا بإبراهيم باشا في الحناكية. عند ذلك رجع الإمام عبد الله ونـزل مسكة بعالية نجد فأقام فيها عددًا من الأيام، ثم تركها وسار إلى نجخ، القصر المعروف في عالية نجد، ثم بلغه أن قوات إبراهيم باشا توجهت إلى ماوية قرب الحناكية، فلحق بهم الإمام عبد الله على رأس جيشه وحصلت بين الطرفين موقعة كبيرة في منتصف جمادى الآخرة عام 1232هـ / 1817م، كانت كفة إبراهيم باشا هي الراجحة، وقد قتل من جيش الإمام عبد الله بن سعود قرابة مائتي رجل  
 
ب - حملات محمد علي باشا (الجولة الثانية):
 
كانت منطقة القصيم على موعد مع جولة ثانية من القتال بين القوات المصرية بقيادة إبراهيم باشا وقوات الدولة السعودية بقيادة الإمام عبد الله بن سعود الذي توجه إلى القصيم ونـزل أولاً الخبراء ثم انتقل منها إلى عنيزة. أما إبراهيم باشا فقد انتقل من الحناكية متجهًا إلى ماوية في طريقه إلـــى القصيم، وهناك بدأ يعد العــدة للهجوم عـــلى القصيم. ويبين ابن بشر مدى حجم قوته عندما غــادر مــــاوية إلـــى القصيم بقولـــه: "...ثم رحل منها بجميع العساكر ومعه من العدد والعدة والكيد الهايل مما ليس له نظير، كان معه مدافع وقبوس هايلة كل واحد يثور مرتين مرة من بطنه ومرة تثور رصاصة وسط الجدار بعدما تثبت فيه فتهدمه... "   ويذكر أمين الريحاني أنه اصطحب معه مهندسًا فرنسيًا وعددًا من الأطباء والصيادلة الإيطاليين  
 
وصلت قوات إبراهيم باشا إلى الرس في الخامس والعشرين من شهر شعبان سنة 1232هـ / 1817م، ثم فرضت حصارًا طويلاً وشديدًا على أهله، وقد صمد أهل الرس رغم الحصار والقتال الشديد والرمي بالمدافع ليل نهار حتى سويت الأسوار بالأرض، وقتل من أهل الرس عدد كبير بعد أن أبلوا بلاءً حسنًا واستبسلوا في القتال  
 
استمر حصار الرس ثلاثة أشهر ونصفًا، منذ قدومهم في الخامس والعشرين من شعبان حتى الثاني عشر من ذي الحجة. وعندما اشتدت الحال على أهل الرس بعثوا إلى الإمام عبد الله في عنيزة وطلبوا منه أن يهاجم جيش إبراهيم باشا المحاصر للرس أو يأذن لهم بعقد صلح معه، ولما يئسوا من المدد، وتعززت قوة إبراهيم باشا بوصول إمدادات، وأدركوا أن استمرار الوضع في غير صالحهم طلبوا الصلح معه بشروط هي: رفع الحصار عن الرس، وأن يلقي أهلها أسلحتهم ويكونوا على الحياد، وألاّ يدخل جنود إبراهيم باشا الرس، وعدم إجبار أهلها على تقديم المؤن إلى الجيش، وألاّ يدفع أهل الرس ضريبة أو غرامة إلى إبراهيم باشا، وإذا تم استيلاء إبراهيم باشا على عنيزة تسلم له الرس، وألا يعد القتال متجددًا بين الطرفين. وقد تمت المصالحة على ذلك وخرج المقاتلون  ،  وهكذا أسدل الستار على هذه الملحمة البطولية لأهل الرس التي كانت نتيجتها نحو خمسين قتيلاً وسبعين جريحًا، في حين قتل من قوات إبراهيم باشا تسعمئة قتيل وألف جريح  ،  وقد لحق المقاتلون بالإمام عبد الله وكان مقيمًا في عنيزة، وبعد عيد الأضحى أمر بعض الجنود بالمرابطة في قصر الصفا المعروف في عنيزة بقيادة محمد بن حسن بن مشاري بن سعود وزودهم بجميع ما يحتاجونه من الطعام والحطب والأسلحة والبارود، كما عين إبراهيم بن حسن بن مشاري بن سعود أميرًا في بريدة وزوده بعدد من الجنود. وبعد أن رتب أمور هذين البلدين في القصيم غادر عنيزة ونـزل بريدة.
 
ارتحل إبراهيم باشا بعساكره بعد إقرار الصلح إلى الخبراء فوقع الرعب في قلوب أهلها وتفرقت البوادي عنهم خوفًا على أنفسهم، ثم غادرها إلى عنيزة وهاجمها فسلمت له ما عدا المرابطين في قصر الصفا، فهاجمهم بالأسلحة والمدافع مدة يوم وليلة، حتى أحدث فتحة في سور القصر. وبعد ذلك حصل ما لم يكن في الحسبان؛ إذ وقعت رصاصة على ذخيرتهم وعلى البارود المخزن في القصر، على الرغم من أنهم أخفوها تحت الأرض وسقفوها بالخشب الكبير ثم وضعوا فوقها الطين والتراب، ورغم ذلك قدر الله فثار البارود وهدم ما حوله ومات بسببه بعض الرجال. ولما رأى من بداخل القصر الظروف المحيطة بهم، خصوصًا بعد أن علموا أن أهل البلد أطاعوا له وأن سور القصر هدم عليهم، طلبوا الصلح من إبراهيم باشا، فتم الصلح على شرط عدم أسر حامية عنيزة والسماح لها بالذهاب إلى أي مكان، وأن تسلم الحامية ما لديها من أسلحة وذخائر ومؤن إلى جيش إبراهيم باشا. وبناء على هذا الصلح دخل إبراهيم باشا عنيزة ثم أرسل فرقة لاستسلام الرس حسب شروط الصلح مع أهل الرس السابق ذكرها  
 
وبحلول سنة 1233هـ / 1818م ارتحل إبراهيم باشا من عنيزة إلى بريدة وقاتل أهلها فأطاعوه. وبعد ذلك رحل منها وأخذ معه عبد الله بن حجيلان وبعض الرجال من أعيان القصيم، حيث كان يأخذ من كل بلد قبل أن يغادره رجلاً أو رجلين أو ثلاثة من أعيانها خوفًا من أن تحل به هزيمة أو فشل فيكون هؤلاء الرجال رهائن عنده. وبعد ذلك نـزل بلد المذنب فأطاعوا له، ثم بدأ يستجمع قواته للهجوم على شقراء في طريقه إلى الدرعية. أما الإمام عبد الله بن سعود فقد أدرك أن منطقة القصيم خرجت من يده فرحل منها وطلب من أهل البلدان الذين قدموا للدفاع عن القصيم العودة إلى بلدانهم، ثم رحل عائدًا إلى الدرعية منتظرًا ما ستؤول إليه الأوضاع العسكرية والسياسية  
شارك المقالة:
716 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook