عهد الإمام محمد بن سعود بالرياض في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
عهد الإمام محمد بن سعود بالرياض في المملكة العربية السعودية

عهد الإمام محمد بن سعود بالرياض في المملكة العربية السعودية.

 
 
يعد عهد الإمام محمد بن سعود من أهم عهود حكام الدولة السعودية الأولى، ففي عهده تمت المبايعة مع الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وبذا تم تأسيس الدولة على أسس دينية - سياسية ميَّزتها عما حولها من الإمارات المجاورة، وبهذه المنهجية تم التأسيس ووضع اللبنات الأولى على طريق بناء الدولة الجديدة، وأحرز كثيرًا من الإنجازات العسكرية والسياسية التي مكَّنت من أتى بعده من السير على خطاه، ومن الطبيعي لدولة نشأت في العارض، قلب منطقة الرياض، أن تكون تلك المنطقة الميدان المباشر لأنشطتها السياسية وأعمالها العسكرية.
 
شهد عام 1159هـ / 1746م بداية العمل العسكري المسلح بغزوة قال عنها ابن بشر: "ثم أمر الشيخ بالجهاد لمن عادى التوحيد وسبه وسب أهله... فأول جيش غزا سبع ركايب، فلما ركبوها، وأعجلت بهم النجايب في سيرها سقطوا من أكوارها... فأغاروا، أظنه على بعض الأعراب، فغنموا ورجعوا"  .  وقد تواترت أخبار هذه الغزوة عند أكثر من مصدر، وبهذا العدد القليل من الإبل، وهو أمر يثير الاستغراب كيف يتم الغزو بسبع ركائب، وعلى هدف مجهول؟! ثم كيف يسقط أهل الإبل من ظهور الإبل؟! مع أنها كانت وسيلة النقل الأساسية في ذلك الزمن، ولكن الشاهد من هذا هو أن بداية العمل العسكري كانت متواضعة، وربما لا تعدو كونها مجرد غارة من الغارات التي كثيرًا ما يتعرض لها المسافرون قبل أن يستتب الأمن في الدولة.
 
تميز عهد الإمام محمد بن سعود، وجزء من عهد ابنه عبدالعزيز، بصراع مرير مع دهام بن دواس، حاكم الرياض في ذلك الوقت، فلا يكاد يمر عام إلا وفيه معركة أو أكثر بين الرياض والدرعية، وعلى الرغم من العلاقات الجيدة بين الدرعية والرياض فيما مضى، إلا أن الوضع تغيَّر تمامًا بعد انتقال الشيخ إلى الدرعية، وتحولها في زمن قياسي إلى عاصمة لدولة جديدة قامت على أساس دعوي، وبدأ قادتها يتطلعون إلى التوسع ومد نفوذ دولتهم.
 
كانت أولى المعارك مع الرياض سنة 1159هـ / 1746م، عندما تحرك دهام بن دواس لمهاجمة بلدة منفوحة التي سبق أن انضمَّت تحت لواء الدولة الجديدة، فلما وصل الخبر إلى محمد بن سعود أرسل نجدةً لمساعدة أهل منفوحة الذين صمدوا لهجوم دواس، فاضطر إلى الانسحاب إلى الرياض، كما قام دهام بن دواس في العام نفسه بمهاجمة العمارية واصطدم مع جيش الدرعية في شعيب لبن، وبعدها بمدة يسيرة جرت وقعة الشياب ثم وقعة العبيد خارج أسوار الرياض، وقد ردَّ دهام بغارة على الدرعية قتل فيها فيصل وسعود ابني الأمير محمد بن سعود  
 
تواصلت هذه المعارك بين الرياض والدرعية في عهد الإمام محمد بن سعود، ثم في عهد ابنه عبدالعزيز بن محمد واستمرت قرابة 28 عامًا، وبلغ عدد المعارك بين الطرفين نحو 35 معركة، قتل فيها من الفريقين نحو أربعة آلاف قتيل، كان من أهم المعارك في عهد الإمام محمد بن سعود بالإضافة إلى ما ذكر سابقًا: وقعة دلقة، ووقعة البنية، ووقعة الخريزة، ووقعة البطيحاء، ووقعة الرشا، ووقعة أم العصافير، ووقعة آل ريس، ووقعة مقرن  .  وكما يبدو من عدد المعارك بين الطرفين، فإن الرياض شكَّلت عقبة كَأْدَاءَ في وجه توسع الدولة الجديدة، واستنـزفت كثيرًا من طاقتها طوال عهد الإمام محمد بن سعود، ومع ذلك لم تتمكن الدولة السعودية الأولى من ضمِّ الرياض إلا في عهد الإمام عبدالعزيز بن محمد
 
وعلى الرغم من تواصل التطورات الإيجابية، في أثناء محاولة الدولة التوسع فيما حولها من منطقة الرياض، مثل: انضمام بلدة ضرما سلمًا، إلا أنه ظهرت بعض المشكلات الداخلية من بعض أمراء تلك البلدان التي دخلت سلمًا تحت لواء الدولة الجديدة. كان عثمان بن معمر أبرز مثال على ذلك، إذ قبل الدعوة في بداية الأمر، ثم اضطر إلى إخراج الشيخ تحت ضغط زعيم بني خالد، وبعد أن أدرك خطأه وحاول إقناع الشيخ بالعودة إلى العيينة، ولم ينجح في مسعاه، وفي خضم هذه التطورات، أعلن انضمامه إلى الدرعية وشارك في بعض غزواتها، ولكن ثارت حوله بعض الشكوك، ما أدى إلى تذمر نفر من أهل العيينة المتحمسين للدعوة من مواقفه، فقتلوه في الجامع بعد صلاة الجمعة سنة 1163هـ / 1749م، وقد ذهب الشيخ محمد بن عبدالوهاب بنفسه إلى العيينة وتشاور مع زعمائها حول الإمارة، وتمكن من إقناعهم بتعيين مشاري بن معمر على الرغم من معارضة أنصار الدعوة في العيينة  
 
من ناحية أخرى أحرزت الدولة الجديدة بعض الإنجازات المهمة، فانضمت إليها بعض البلدان المهمة سلمًا، مثل: شقراء، قاعدة إقليم الوشم، إذ أعلن أهلها تأييدهم للدعوة الإصلاحية سنة 1168هـ / 1754م، وثبتوا على موقفهم مع تعرضهم لبعض الهجمات من خصوم الدولة السعودية  .  وفي العام التالي انضمت بلدة القويعية إلى الدولة الجديدة، وذلك عندما قدم ناصر بن جماز العريفي وسعود بن حمد وناصر (هكذا ورد اسمه) إلى الدرعية، وبايعوا الشيخ محمد بن عبدالوهاب والأمير محمد بن سعود على السمع والطاعة 
 
واصلت الدولة السعودية توسعاتها في عهد الإمام محمد بن سعود الذي أرسل الحملات العسكرية ضد البلدان التي لم تنضم طوعًا، فبعد حملات عدة ضد بلدة ثادق، قاعدة المحمل، قدم وفد من أهلها إلى الدرعية سنة 1170هـ / 1756م، وبايعوا على السمع والطاعة  .  كما قام الأمير عبدالعزيز بن محمد سنة 1172هـ / 1758م بحملة على بلدة القصب، وتصالح معهم وبايعوا على السمع والطاعة، وبعد ذلك بثلاث سنوات تمكنت الدولة من ضم بلدتي مرات والفرعة (المجاورة لبلدة أشيقر)، أما بلدة أثيثية فقد بايعت مبكرة ولكنها نقضت البيعة سنة 1176هـ / 1762م، فتمكن الإمام محمد بن سعود من ضمها إلى الدولة السعودية مرةً أخرى، دون الحاجة إلى إرسال حملات عسكرية، وكل هذه البلدان تقع في إقليم الوشم 
 
وفي الوقت الذي كانت تتوسع فيه الدولة وتزداد رقعتها الجغرافية، وترسل الحملات تباعًا ضد مناوئيها في منطقة الرياض وخارجها، كانت أحداث أخرى تمر بها الدولة السعودية، من أهمها التدخل الخارجي في الصراع الدائر في هذه المنطقة، وقد جاء التدخل الخارجي في بداية الأمر، كما كان متوقعًا، من زعماء بني خالد، إذ أرسل عريعر بن دجين حملة إلى نجد سنة 1172هـ / 1758م انضم إليها المعارضون للدولة، ولكنهم فشلوا في هجومهم على حريملاء والجبيلة ولم يتمكنوا من الاستيلاء على أي منهما  .  ومن المؤكد أن فشل هذه الحملة ترك أثرًا كبيرًا على تطور الأحداث في هذه المنطقة، وقد سارعت بعض البلدان في الانضمام إلى الدرعية، وبالإضافة إلى ذلك، تجرأت الدولة السعودية على إرسال حملة إلى الأحساء ذاتها سنة 1176هـ / 1762م  
 
كان الهجوم الخارجي الآخر من نجران، وهي جهة غير متوقعة نظرًا إلى بعدها الجغرافي وعدم وجود صلات سابقة معها، وقد شكل خطرًا حقيقيًا كاد يقضي على مستقبل الدولة السعودية، وكان الأمير عبدالعزيز بن محمد قد هاجم جماعة من قبيلة العجمان، فاستنجد الناجون منهم بأبناء عمهم من قبائل يام، فجاءت قبائل يام بقيادة حسن بن هبة الله المكرمي على رأس جيش كبير سنة 1178هـ / 1764م، والتقت مع الجيش السعودي في معركة الحائر، وانتهت بهزيمة كبيرة، إذ قتل من الجانب السعودي نحو خمسمئة رجل، وأُسر كثير غيرهم، وعلى الرغم من خطورة الوضع، فقد تمكن السعوديون من التوصل إلى صلح مع المكرمي دفعوا إليه بموجبه مبالغ مالية، وتبادل معهم الأسرى، ثم عاد إلى بلاده 
 
توفي الإمام محمد بن سعود سنة 1179هـ / 1765م، ووصل نفوذ دولته من ناحية الشرق والجنوب إلى الحائر، أما في الشمال فقد وصل نفوذ الدولة إلى إقليمي الشعيب والمحمل وجزء كبير من إقليم سدير، ومن ناحية الغرب وصلت حدود الدولة إلى ضرما والقويعية وكثير من بلدان الوشم، ما عدا بلدتي ثرمداء وأشيقر.
 
شارك المقالة:
71 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook