عهد الإمام فيصل بن تركي (الفترة الثانية) في منطقة القصيم في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
عهد الإمام فيصل بن تركي (الفترة الثانية) في منطقة القصيم في المملكة العربية السعودية

عهد الإمام فيصل بن تركي (الفترة الثانية) في منطقة القصيم في المملكة العربية السعودية.

 
كانت سنة 1259هـ / 1843م حاسمة في تاريخ بلاد نجد عمومًا وتاريخ منطقة القصيم بصفة خاصة. ففي شهر صفر من هذه السنة قدم الإمام فيصل بن تركي من مصر ونـزل على أمير جبل شمر عبد الله بن علي بن رشيد   وفي منطقة القصيم انقسم الأهالي في هذه الفترة إلى قسمين تزعمهما أميرا بريدة وعنيزة، فقد مال أعيان بريدة إلى عبد الله بن ثنيان، في حين أيد أعيان عنيزة الإمام فيصل. فحينما كان عبد الله بن ثنيان في منطقة سدير جاءه رسل أمير بريدة عبد العزيز آل أبي عليان واستدعوه إلى بلادهم وأعطوه العهود والمواثيق بأنه إذا جاء إليهم فإنهم يسمعون له ويطيعونه ويحاربون معه. وكان السبب الرئيس في موقف أهل بريدة هو الثأر من عبد الله بن رشيد لهزيمتهم في موقعة بقعا السابق ذكرها. وعندما نـزل عبد الله بن ثنيان المجمعة قدم عليه رجل من أمير بريدة يستحثه ويستعجله القدوم لأنه بلغه أن الإمام فيصل رحل من جبل شمر ونـزل الكهفة، فرحل ابن ثنيان من المجمعة قاصدًا بريدة حيث نـزل خارجها. وعندما سمع أمير عنيزة عبد الله السليم تشاور مع أعيان البلد، ومنهم: الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين وابنه عبد العزيز، فغلب رأيهم أن يرسلوا عبد العزيز ابن الشيخ عبد الله على رأس وفد إلى الإمام فيصل فيبايعه نيابة عنهم ويطلب منه القدوم إليهم، فركب إليه الوفد وقابله في الكهفة وطلب منه أن يرحل معه إلى عنيزة، فعزم الإمام فيصل على المسير إلى عنيزة، وفي الوقت نفسه أرسل أخاه جلوي ومعه عبيد بن رشيد على رأس مئة رجل وطلب منهم المسير إلى محمد بن فيصل الدويش في أرض الحمادة، وكان قد حصل بينه وبين ابن ثنيان مخالفة لما أرسل إليه ابنه شقير وهو في أرض الحسي، فنـزل إليه عبيد وجلوي. أما الإمام فيصل فقد عزم على المسير إلى عنيزة يرافقه عبد الله بن علي بن رشيد ورجال من قومه وعبد العزيز بن عبد الله أبا بطين ورجال معهم. ولما بلغ ابن ثنيان رحيلهم من مكانهم إلى عنيزة نهض بجنوده من بريدة وترك مخيمه وأثقاله وترصد لهم على الطريق، لكنهم لم يصادفوهم، فوصل فيصل إلى عنيزة ودخلها في آخر الليل وفاجأ عبد الله بن ثنيان وجنوده بضرب البنادق في البلد، فعلم أن الأمر فاته فانثنى عزمه ورجع إلى مخيمه، وانضم من قومه رجال من رؤساء جنوب نجد وأهل سدير وغيرهم وقصدوا فيصل في عنيزة، فلما وصل عبد الله بن ثنيان بريدة أمر بالرحيل وذكر لجنوده أنه يريد محاربة عنيزة، فرحل وقصد المذنب في طريقه إلى الرياض، وخاف من جلوي وأتباعه والدويش وعربانه أن يغيروا على قومه في طريقهم فانهزم وواصل الليل بالنهار، فلما علم الدويش وأتباعه بذلك وهم نازلون أسفل بلد الغاط جدوا بالسير خلفهم فلحقوهم بمنطقة الوشم، وهناك تفرق عنه أتباعه إلى بلدانهم فقصد الرياض ودخله. ثم رحل عبيد بن رشيد وجلوي بن تركي وأتباعهما وقصدوا بلد ثادق ونـزلوه ورحل الدويش ونـزل قصور ثادق وأرسلوا إلى الإمام فيصل يستحثونه المسير إليهم، وأرسلوا عبد الله بن إبراهيم ابن عم الإمام فيصل إلى سدير يدعوهم إلى المتابعة والمسير معهم، فوصل عبد الله إلى المجمعة وأمرهم بالمسير، فركب الأمراء والغزو الذي قفل مع ابن ثنيان وسار معه. أما ابن ثنيان فقد تحصن بالرياض وفرّق السلاح على أتباعه وهدم البيوت التي حول القصر استعدادًا للمجابهة مع الإمام فيصل. أما الإمام فيصل فإنه لما استقر في عنيزة وبايعه أهلها ووفد عليه رجال من بلدان القصيم ومشايخ القبائل عزم على الرحيل من عنيزة في أول ربيع الأول وقصد الوشم ومعه أمير عنيزة عبد الله السليم، فسار الإمام فيصل في قواته ونـزل شقراء فبايعه أهلها، ثم رحل منها ونـزل حريملاء. وهناك كتب إلى عبد الله بن ثنيان يدعوه إلى المصالحة وحقن الدماء، ولكنه لم يستجب. وفي النهاية دخل الإمام فيصل الرياض وحاصر عبد الله بن ثنيان في الثاني عشر من جمادى الأولى وتغلب على ابن ثنيان واستعاد حكم الدولة السعودية الثانية  
 
وبدت العلاقة بين ابن رشيد وأهل القصيم مرشحة للتطور السلبي، ذلك أنه في أوائل شهر رمضان سنة 1261هـ / 1845م أخذ أمير عنيزة عبد الله السليم إبلاً لابن رشيد ثم طلب منه الأداء فأبى عليه ابن رشيد وحذره وأنذره. بعد ذلك جهز ابن رشيد حملة ضد أمير عنيزة على رأسها أخوه عبيد تتكون من مئتين وخمسين جملاً وخمسين من الخيل، فأغار على سرح عنيزة قرب البلد، ففزع أهل عنيزة، وكان ابن رشيد قد جعل لهم كمينًا، فلما نشب القتال بين الطرفين في الوادي خرج عليهم الكمين فانهزموا، وقتل منهم في المعركة نحو ثلاثين رجلاً، وعندما عرف عبيد أمير عنيزة عبد الله السليم وإخوانه وبني عمه قتل عبد الله وأخاه عبد الرحمن ومحمد الشعيبي ومحمد الخنيني وأسر منهم رجالاً وربطهم وبعثهم إلى أخيه عبد الله في جبل شمر، فركب إليه عبد العزيز ابن الشيخ عبد الله أبا بطين في مقره فطلب منه إطلاق سراح الأسرى فاستجاب لطلبه وأطلق سراحهم وكساهم  
 
لم تتعرض البلاد خلال الفترة الثانية من عهد الإمام فيصل بن تركي لغزوات خارجية خصوصًا من الدولة العثمانية، وإن ظلت لها التبعية الاسمية في بلاد نجد التي استفاد منها الإمام فيصل أكثر من استفادة الدولة العثمانية نفسها. أما فيما يتعلق بالتطورات التاريخية في منطقة القصيم فقد استمرت هذه المنطقة في التأثير والتأثر بالأحداث التي تجري في الدولة السعودية ومحيطها، وذلك لما تمثله من ثقل سياسي فرضه عليها موقعها بين ثلاث قوى متنازعة هي الدولة السعودية وقاعدتها الرياض، وإمارة آل رشيد وقاعدتها حائل، والأشراف وقاعدتهم مكة المكرمة. ومن الممكن جدًا أن تكون ظروف هذا الموقع أملت على أهل القصيم بعض المواقف التي حسبت على هذا الطرف أو ذاك دون تخطيط مسبق منهم. ومن هذه المواقف ما حصل في سنة 1263هـ / 1847م عندما قام الشريف محمد بن عبد المعين بن عون بحملته على نجد ووصل بها إلى عنيزة بالقصيم. وتتباين آراء المؤرخين حول أسباب قيامه بهذه الحملة بين من يقول إنه بطلب وتزيين من بعض زعماء القصيم الموجودين في مكة الذين أغروه بعدم مقاومة الحملة من أهل القصيم، وأن الإمام فيصل مشغول في جهات أخرى من نجد ولن يتحمل مقاومة الشريف، ومنهم من يقول إنه بأمر من الدولة العثمانية، ومنهم من يقول إنه بإيعاز من حكومة مصر. ويبدو أن الشريف قام بهذه الحملة جامعًا بين عدد من الأسباب؛ فقد كان لديه طموح بأن تكون منطقة القصيم تحت نفوذه لأهميتها من جهة، ولما يعلمه من العلاقة الهشة بين هذه المنطقة والدولة السعودية، وقد شجعه على ذلك بعض زعمائها المقيمين في مكة لرغبتهم في أن يكون لهم سلطة ونفوذ في القصيم تحت نفوذ الشريف، كما أن نجاح الحملة سيفيد الدولة العثمانية الراغبة دومًا في وأد أي محاولة لقيام دولة سعودية، وبهذا تجمع عدد من العوامل أملت على الشريف القيام بهذه الحملة  
 
جهز الشريف حملة تتكون من الجنود العثمانيين المتمركزين في المدينة المنورة والحناكية بقيادة محمد ناصر، كما طلب من الأمير خالد بن سعود المقيم عنده في مكة أن يرافقه بوصفه عامل ضغط على الإمام فيصل لكون الأمير خالد مطالبًا بالحكم. خرج الشريف بقواته من مكة وكانت وجهته منطقة القصيم حيث وصلها في شهر ربيع الآخر من السنة نفسها فأطاعه أهلها دون مقاومة، كما وفد عليه هناك أمراء القصيم وشيوخ القبائل، وكاتبه بعض أمراء البلدان مؤيدين له. وعندما علم الإمام فيصل بأمر هذه الحملة حاول معالجة الأمر بالحكمة والحزم، حيث استنفر رعاياه من مختلف البلدان، كما طلب من ابنه عبد الله القيام بحملة من الرياض إلى القصيم لمواجهة الشريف وجهزها بالخيول والرجال، فخرج عبد الله في شهر جمادى الأولى متوجهًا إلى القصيم، وفي الطريق نـزل في المجمعة حيث تكامل جيشه. وعندما علم الشريف محمد بن عون بذلك داخله الفشل حيث وجد الأمر على غير ما زين له زعماء القصيم، وأن الأمل بنصر حاسم لن يتحقق بسهولة، فبعث ابن عمه عبد الله بن لؤي يطلب الصلح من الإمام فيصل، فقدم إليه وهو في الرياض وقال له: "إن الشريف يريد واحدًا من إخوانك يركب إليه، وهدية معه تكسر عنه ظاهر الفشل" فأرسل إليه فيصل أخاه عبد الله على رأس وفد ومعهم هدايا قيمة من الخيل العمانيات، فقدموا إليه، وهو في عنيزة فأكرمهم وأخذ هديتهم. لكن أهل الفتنة حرصوا على أن يزرعوا الشوك في الطريق فزينوا للشريف أن يرد الهدية ليعلم أهل نجد أنه قوي ولا يعطي الدنية حتى يكاتبوه ويفدوا إليه، ولا يستبعد تحريض الأمير خالد بن سعود للشريف في هذا الأمر. وفي الصباح أرسل الشريف إلى الأمير عبد الله بن فيصل كسوة ورد الهدية إليهم، ثم ركب عبد الله وأصحابه من عند الشريف، فلما جاوز البلد خلع كسوته ورد إليه فرسه وقال للرسول: "إنه لم يقبل هديتنا، ونحن لا نقبل هديته". فلما وصلوا إلى شقراء قابلهم أميرها أحمد بن يحيى وأهل شقراء واتفق رأيهم أن يوافوا الإمام فيصل بالخبر دون أن يقدموا عليه، وبالفعل كتب إليه ابنه عبد الله وأخبره بما حصل، وعندما قرأ الإمام فيصل كتابهم أمر بالنفير العام، وكتب إلى ابنه عبد الله بمغادرة المجمعة والقدوم إلى شقراء فتلقاه أهلها وأكرموه وبايعوه، كما استلحق الإمام فيصل جنوده من المناطق الأخرى، ثم غادر الرياض على رأس حملة ونـزل قرب الوشم فوفد إليه الموالون له من أمراء البلدان. أما الشريف محمد بن عون فإنه لما رد هدية الإمام فيصل بعث عساكره مع رئيسهم ومعهم عبد العزيز آل أبي عليان أمير بريدة وأغاروا على ابن بصيص قرب الدوادمي فلم يصلوهم إلا بعد أن أنهكهم التعب والعطش وتلف نحو ستين فرسًا من خيلهم. ولما علم الشريف بنـزول الإمام فيصل وابنه في المكان داخله الفشل وقنع بما حصل وأرسل رسوله ابن لؤي إلى الإمام فيصل مرة ثانية للمصالحة، وكان الإمام فيصل راغبًا أيضًا في الصلح فوافق بشرط أن يسحب الشريف قواته من القصيم وما حوله من البوادي، وأن يدفع الإمام فيصل مبلغًا من المال سنويًا للدولة العثمانية قدرته المصادر بين 8000 و 10000 ريال فأعطاه ما أراد، ثم أرسل إليه الإمام فيصل هدية من الخيل والعمانيات وقليلاً من المال مع أخيه جلوي بن تركي، وحين قُدمت له الهدية طلب من أعوانه الرحيل من القصيم بجميع أحماله وأثقاله وعساكره. وبعد ذلك طلب الإمام فيصل من عبد العزيز ابن الشيخ عبد الله أبا بطين صاحب بيت مال القصيم أن يزود الشريف بالعليق والزهاب. وكان رحيله من القصيم في منتصف شهر رجب سنة 1263هـ / 1847م  
 
ومن غير شك فإن موقف أهل القصيم وعلاقتهم مع شريف مكة محمد بن عون كان لها آثار سلبية لدى الإمام فيصل. ففي آخر سنة 1263هـ / 1847م وبعد رحيل الشريف كان في نفس الإمام فيصل مآخذ على أمير عنيزة إبراهيم السليم، خصوصًا ممالأته للشريف الذي تشجع ونـزل عنيزة بإذن أميرها. وقد انتهز ناصر بن عبد الرحمن السحيمي - من أهل العقيلية المعروفة في عنيزة - هذه الفرصة ليحقق أمله في إمارة عنيزة، فذهب إلى الإمام فيصل وذكر له موقفه وموقف عشيرته الموالي للإمام، ثم طلب أن يعينه أميرًا لعنيزة، فاستجاب لطلبه بعد أن عزل إبراهيم السليم، وكتب معه إلى أهل عنيزة قائلاً: "إنني استعملته عليكم أميرًا فاسمعوا له وأطيعوا"، ثم حضهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونصحهم بالمحافظة على الصلوات وأنواع العبادات، ثم طلب من السحيمي أن ينـزل قصر الإمارة. وفي أوائل سنة 1264هـ / 1848م قدم السحيمي عنيزة وأخرج السليم من القصر وأنـزل أخاه مطلق السحيمي وهو رجل ضرير وحماه برجال معه، واستقام له الأمر وبايعه أهلها. وبعد فترة من توليه الإمارة ذهب في شهر ذي الحجة إلى الرياض لمقابلة الإمام فيصل، ولم تذكر المصادر تفصيلات عن هدف الزيارة أو ما حققه هناك  
 
وفي السنة نفسها، وفي خطوة ليست بعيدة عن آثار علاقة أهل القصيم بالشريف محمد بن عون وحملته على القصيم، أرسل الإمام فيصل محمد بن جلاجل عاملاً في القصيم حتى ينقضي الموسم ويقبض من عمال الخرص ويحاسبهم، وقد وصل إلى بريدة وأقام فيها أكثر من شهرين. وعندما عزم على الرحيل رغب أمراء القصيم في محو آثار موقفهم من حملة الشريف وتأييدهم له، فقرروا أن يفدوا إلى الإمام فيصل ويبايعوه، وقد وصل منهم أمير بريدة عبد العزيز آل أبي عليان وأمير عنيزة ناصر السحيمي وبعض الأمراء الآخرين في منطقة القصيم وبايعوا الإمام فيصل، كما قدم عليه عبد العزيز ابن الشيخ عبد الله أبا بطين مسؤول بيت مال القصيم فأكرمه الإمام فيصل  
 
يتبين مما سبق ومما سيأتي أن منطقة القصيم كانت حبلى بالمفاجآت التي يصعب معرفة أسبابها ودوافعها، خصوصًا علاقتها مع الدولة التي تعاقبت عليها موجات شد وجذب. ومن مجريات الأحداث السابقة؛ وبخاصة علاقة منطقة القصيم بأمير جبل شمر، الحليف القوي والصديق المخلص للإمام فيصل، يمكن تلمس بعض الأسباب للعلاقة الجافة بين الإمام فيصل وأمراء المنطقة. إن ما جرى في سنة 1265هـ / 1849م يمثل هذه العلاقة خير تمثيل، فالإمام فيصل يأخذ على أهل القصيم - وخصوصًا أهل عنيزة - تعاونهم مع الشريف محمد بن عون، وأهل عنيزة من جانبهم لم يرتاحوا لعزل أميرهم إبراهيم السليم وتعيين ناصر السحيمي بدلاً عنه دون رضاهم أو رغبتهم  
 
تطورت الأمور سريعًا عندما حاول أمير عنيزة السابق عبد الله بن يحيى السليم وأعوانه مهاجمة ناصر السحيمي بهدف قتله حيث ترصدوا له في طريقه إلى بيته ورموه ثلاث رميات أخطأته اثنتان وأصابته الثالثة، لكنها لم تكن في مقتل فوصل بيته وأغلق بابه. وأسرع عبد الله السليم ومن معه يريدون الاستيلاء على القصر فوجدوا من فيه قد تحصنوا داخله، وعندما أدركوا أنهم قاموا بعمل خطير ولم يحققوا ما أرادوا غادروا البلد متجهين إلى أمير بريدة عبد العزيز آل أبي عليان، فأرسل إلى الإمام فيصل يخبره بما قام به عبد الله وأعوانه وأنهم موجودون عنده، وبين له أنهم لم يقوموا بما قاموا به إلا بسبب أشياء حدثت من السحيمي. ومن جانبه بعث السحيمي إلى الإمام فيصل يخبره بما وقع وذكر أنهم اعتدوا عليه بلا سبب ولا جرم. وبعد ذلك بعث الإمام فيصل خادمه فرحان ومعه عشرون رجلاً إلى أمير بريدة وطلب منه أن يبعث له عبد الله بن يحيى وأعوانه مع خادمه، لكن أمير بريدة لم يفعل، وبدلاً من ذلك أخذ يردد رسله إلى الإمام فيصل يعتذر عنهم في حين كان خادم الإمام فيصل ما يزال موجودًا عنده، لكن الإمام فيصل أصر على مثولهم عنده فحضروا إلى الرياض ومعهم هدية له فأكرمهم وعفا عنهم.
 
كان من الممكن لهذه المشكلة أن تنتهي لولا أن أخا السحيمي (الضرير) أرسل إلى رجل من أعوان زامل فضربه حتى مات. وزاد الطين بلة أن السحيمي عندما برئ من جرحه قبض على إبراهيم السليم أمير عنيزة السابق وقتله وجرح أخاه عليًا وهرب إلى المذنب. فكتب الإمام فيصل إلى السحيمي يلومه على ما قام به ويتوعده إن لم يقدم عليه ويجلس مع خصمه بشأن القتل والجراحات عند القاضي الشرعي، فذهب السحيمي إلى الرياض وجلس للخصومة أمام القاضي الذي حكم على السحيمي بديات الرجال وحكم له بدية جرحه  .  ثم بعث حملة بقيادة عبد الله المداوي إلى عنيزة لضبط الأمور في المنطقة وطلب منه دخول قصر الإمارة والجلوس فيه بسبب الخلاف بين أمير عنيزة وأهل بريدة وما حدث منهم من تعاونهم مع الشريف، وعندما وصل المداوي إلى عنيزة رفض الضرير أخو الأمير الخروج من القصر وتشجع بمساعدة رجال من أهل البلد، فذهب المداوي إلى بريدة وأقام بها. ويبدو أن أهل عنيزة ندموا على موقفهم من المداوي فأرسلوا إليه وقدم عليهم فأنـزلوه بيتًا في البلد فكتب المداوي بذلك إلى الإمام، ولم يكتف بذلك بل أظهر العداوة ورفع أتباعه راية الحرب، فخاف أهل عنيزة وأغلقوا الأبواب عليهم بالليل وأوقدوا عندها النار واجتمعوا عندها بأسلحتهم، فلما علم الإمام فيصل خشي من تظاهر البلدان كلها واجتماعهم على الحرب فبادره السحيمي وذكر له أنه إذا أطلقه وأرسله إليهم فإنه سيعمل على إخماد الفتنة "ووعده بذلك وعدًا مبرمًا وعاهده عليه بالله وميثاقه عقدًا محكمًا، أنه له باطنًا وظاهرًا ومساعدًا ومظاهرًا" ثم قال له: "تجهز بالمسلمين وانـزل لي أدنى بلدانك لتكون ردءًا على إصلاح شأني وشأنك، ولا بد أن آتيك بالخيل والأموال وأسوق إليك رؤساءهم من الرجال، وأجهز لك غزوهم من بدوهم وحضرهم"، فصدقه الإمام فيصل ولم يعرف ما يضمره   
 
سار السحيمي من الرياض في شهر جمادى الأولى سنة 1265هـ / 1849م فلما وصل عنيزة وجد أهلها مجمعين على الحرب فدخل فيما دخلوا فيه فأخلف بذلك وعده للإمام فيصل ونقض العهد، ثم تشاور المتآمرون فيما بينهم ورأوا أنه ليس لهم قدرة على الحرب ما لم يكن أمير بريدة عبد العزيز آل أبي عليان معهم بعد أن ينكث وعده للإمام فيصل حتى يكونوا كلهم في الحرب سواء. وكان أمير بريدة قد غزا بأهل القصيم ونـزل ماء جراب حيث أقام عليه نحو شهر يخوف الناس؛ وبخاصة الأعراب، ثم أرسلوا إليه فرحل من جراب ونـزل عنيزة بجنوده، وهو بذلك قد نقض عهده وأخلف وعده وقال لهم: "الحرب علي وعندي والصلح إلي ومني"، فتعاقدوا على نقض عهدهم للإمام فيصل، واجتمعوا على حربه بعد أن اجتمعت لديهم جموع كثيرة من الحاضرة والبادية  
 
عندما تأكد الإمام فيصل من نقض أميري عنيزة وبريدة وأتباعهما العهد وإجماعهم على الحرب طلب من أهل البلدان الاستعداد، ثم خرج من الرياض يوم الخميس السابع والعشرين من شهر ربيع الثاني 1265هـ الموافق 1849م، وكان يرافقه ابناه عبد الله ومحمد ثم لحقه ابنه سعود في قوة من أهل الخرج، كما سار معه أخوه جلوي، وكذلك الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ ليكون إمامًا وقاضيًا، كما سار معه الشيخ القاضي عبد الله بن جبر إمامًا لابنه عبد الله. وقد استخلف أخاه عبد الله أميرًا في الرياض وطلب منه ألا يخرج من القصر، وطلب من الشيخ عبد العزيز بن عيبان أن يكون عنده إمامًا. سار الإمام فيصل على رأس الحملة حتى نـزل المذنب وأقام فيها أيامًا طلب خلالها من أولاد يحيى السليم أن يرحلوا برجال معهم وينـزلوا العوشزية عند أرحام لهم لعل فرصة تسنح لهم في البلد، ثم رحل ونـزل المذنب فخرج إليه أهله وبايعوه ونصروه، ثم طلب من محمد السديري ومن معه من رجال سدير أن يرحلوا وينـزلوا العوشزيات، كما استنفر البلدان من الوشم والمحمل وسدير فلم يتخلف منهم أحد.
 
أرسل الإمام فيصل إلى رؤساء أهل القصيم يدعوهم، وذكر لهم أنه لا يستقيم دين إلا بجماعة ولا يكون إلا بالسمع والطاعة، وقال لهم: "أنتم نبذتم أمرنا وخرجتم عن طاعتنا، وأن الحرب نار ووقودها الرجال، وأنه يعز عليّ أن يقتل رجل واحد من المسلمين، فلا تكونوا سببًا في إهراق دمائكم، وادخلوا فيما دخلتم فيه أنتم وآباؤكم".
 
فأرسلوا إليه أحد أعيان بريدة هو مهنا الصالح أبا الخيل، فذكر للإمام فيصل أنه إنما جاء لطلب الصلح، فلم يزل يتودد إليه ويذكر له الأمر الذي عمدوه عليه، فوافق الإمام فيصل على شرط أن يستسلموا وينهوا العصيان، وينضووا تحت سلطة الدولة، وأن يدفعوا الزكاة بشكل عادي مع دفع ما تأخر منها. رجع مهنا بهذا الجواب إلى أهل القصيم وتأكد الإمام فيصل قبولهم لهذه الشروط، وأنهم قبلوا منه النصح الذي دعاهم إليه وأطاعوا.
 
وفي موضوع آخر في القصيم بلغ الإمام فيصل نـزول عربان من قبيلة عنـزة على الطرفية قرب بريدة بزعامة ثلاب الفنتشة من الدهامشة، وكانوا من الذين لم يدخلوا في طاعة الإمام فيصل، فطلب من ابنه عبد الله أن يقوم بحملة عليهم فجمع جيشه، وأوصاه أبوه قبل مسير الحملة قائلاً: "إن أهل القصيم قد صدر منا لهم أمان لما أرسلوا إلينا أنهم قد ندموا على ما فعلوا، فإياك أن تتعرض لهم ولطوارفهم". سارت الحملة بقيادة الأمير عبد الله بن فيصل وكان معه الشيخ القاضي عبد الله بن جبر، وفي الطريق قابلته قافلة لأهل القصيم فتركها. وفي الطريق هاجم بعض الأعراب وأخذ أغنامهم وأثاثهم، فهربوا إلى عنيزة واستنصروا أمير بريدة فأراد أن ينصرهم، وهنا انقسم أعوانه بين من يؤيد مهاجمتهم وبين معارض. سار الأمير عبد الله حتى نـزل النفود المسمى اليتيمة   بين بلدة الشماسية والطعمية وترصد لهم فيه. ومرة أخرى استشار عبد الله أتباعه فأشاروا عليه بالعدول عن الحرب، لكنه خالف رأيهم وقال: "لا والله لا بد أن يطأهم جيشنا وتجول عليهم فرسان خيلنا حتى يحكم فينا وفيهم ربنا". دارت المعركة بين الطرفين على رمال اليتيمة، وقد لجأ عبد الله بن فيصل إلى الخدعة نظرًا إلى قلة عدد جيشه فانهزم أهل القصيم وقتل منهم عدد كثير، وعند هذا الحد أوقف عبد الله القتال، وهرب أمير بريدة عبد العزيز آل أبي عليان وتحصن في قصر الطعمية، فأشار بعض رجال عبد الله أن يحاصرهم فيه فقال: "كفاهم ما وطأهم" فتركهم وأخذ رجال عبد الله جميع جيشهم وما معهم من السلاح. ولما رأى عبد العزيز آل أبي عليان أنهم تركوه خرج من القصر ومر ببريدة فلم يدخلها بل قصد عنيزة ودخلها وهو لا يدري عن مصير أتباعه. أما بقية جيشه المسلوبين والمجروحين فقد دخلوا بريدة ووصفوا ما جرى لهم بقولهم: "قتل أصحابنا، ونحن لحقنا رجال فمنوا علينا بدمائنا، وأخذوا ما معنا". وقد جاء الرسول إلى الإمام فيصل يبشره بالنصر فحمد الله، ونهى جيش عبد الله عن العرضة واللعب وأمرهم بإعلان الحمد والشكر لله. أما أهل القصيم فقد كانت الوقعة سيئة عليهم، خصوصًا أهل بريدة فإن النساء لما سمعن بما جرى فيها من القتل خرجن حاسرات من البيوت يستغثن بالله حيث قتل نحو ثمانين من الرجال، وقيل إن الذين قتلوا من أهل القرايا بلغ أكثر من 150 رجلاً. أما أمير بريدة عبد العزيز آل أبي عليان فإنه لما وصل عنيزة طلب من رجاله ومن أهل البلد أن يؤدوا العرضة ويلعبوا ويغنوا وهو يشجعهم على الحرب والقتال خلاف ما قال، فتقاعس عنه الناس، وكان قد كتب إلى أخيه عبد المحسن في بريدة وذكر له أسماء أكثر من عشرة رجال منهم سعد التويجري وعلي بن ناصر وذكر له أنهم تخلفوا عن القتال ودخلوا البلد وطلب منه إلزامهم بالقدوم عليه، فكتب إليه أخوه عبد المحسن معاتبًا بقوله: "إني إذا نصحتك أو خالفتك في شيء من الأمر قلت لي أنت مجنون، وهؤلاء الرجال الذين عددتهم كلهم في المفازة صرعى، هربت وتركتهم، ونجوت بنفسك وأسلمتهم، فحقك عليهم بالأمس مضى، واليوم نفذ فيهم حكم القضاء، وحقهم عليك تدفن أجسادهم وتعزي أولادهم"
 
وبعد ذلك اختلط على عبد العزيز آل أبي عليان الرأي والتدبير وكثر عذاله ومثيروه فتارة يقول: دعونا نسر إلى من كان بالعوشزيات من جنود فيصل، وتارة يشير بغير ذلك، فلم ينفذ له أمر، ولم يدر ما يفعل. فأتى إليه الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبابطين، قاضي بلدان القصيم، فقال له: "يا هذا اتق الله واربأ بنفسك فإن البلد ليست لك ولا بيدك، وأمرها بيد أهلها، وليس لك فيها أمر ولا نهي، وهم يريدون إصلاح أنفسهم مع الإمام فيصل فإن أردت أن تكون كذلك فافعل". ولما رأى أمير بريدة عبد العزيز آل أبي عليان أن الأمر خرج من يده ذهب إلى بلده بريدة وتبعه أعوانه، كما غادر السحيمي وأعوانه عنيزة والتحق بابن رشيد في القوارة، البلد المعروف في القصيم، حيث كان الإمام فيصل - عندما كان مقيمًا في بلد المذنب - قد طلب من طلال بن عبد الله بن رشيد التوجه بقواته إلى القصيم، وعندما وصل إلى القوارة بلغه أن مشكلة أهل القصيم قد حلت ودان له زعماء القصيم، وطلب منه أن يلبث في مكانه حتى يطلب منه ذلك. ومن جهة أخرى جاء زعماء عنيزة إلى الشيخ عبد الله وقالوا له:
 
"إن هذه الأمور التي وقعت منا، والحوادث التي جرت لا يصلحها إلا أنت، ولا يزيل غضب الإمام غيرك، فقال لهم: إنكم تعلمون أني لست من أهل بلدكم، ولا من عشيرتكم، ولا يحسن مني الدخول في هذا الشأن الذي من أوله إلى آخره من تسويل الشيطان، فاعفوني ودعوني، وأرسلوا في هذا الأمر غيري. فقالوا له: إن هذا الأمر تعين عليك والصلح لا يصلح إلا على يديك، فقال لهم: إني أخاف من إخلاف وعد، ونكث عهد، وحدوث أمر ثانٍ؛ لأن الواحد منكم يغلب على الثاني، فأكون لكم شريكًا في مخالفة الإمام ومسبة لأهل الإسلام، لا سبيل إلى ما ذكرتم إلا بكفالة محمد بن عبد الرحمن بن بسام عن جميع المخالفات وحوادث أهل السفاهات. وعلى أن كل ما أصلحت عليه وعقدت لكم عند الإمام عليه فهو تام ليس فيه كلام، فأجابوه إلى ذلك: وهذا الكفيل على ما بدا لك"  
 
وكان محمد بن بسام من أعيانهم مقبولاً قوله فيهم، وهو الذي يدبر أمرهم في السلم والحرب والصلح، فذهب الشيخ إلى الإمام فيصل وهو في بلد المذنب فأكرمه وأجابه إلى كل ما طلب من العفو والصفح عنهم. وبعد ذلك انتقل الإمام فيصل من المذنب إلى عنيزة وأرسل أمامه محمد بن أحمد السديري وأمرهم أن يدخلوا القصر فدخلوه، ثم قدم الإمام فيصل إلى عنيزة ودخلها وضبطها وبنى خيامه خارج البلد، ثم دخل أتباعه. وقد بايعه أهل عنيزة كلهم على السمع والطاعة وكانوا خائفين من التنكيل وإجلاء الرجال والحمايل، لكن الإمام فيصل أمّنهم وأحسن إليهم، فدعوا له وانصرفوا. أما في بريدة فقد أرسل الإمام فيصل إلى عبد العزيز آل أبي عليان يدعوه إلى السلم أو الحرب، فأراد الهرب من البلد، فأشار عليه إخوانه وأولاده ورؤساء قومه، بطلب الصفح من الإمام فيصل وأكدوا له ما يتمتع به من الحلم والكرم والعفو، لكنه كان يحس بذنبه وخيانته العهد، فقام بعض أقاربه بالشفاعة له عند الإمام فيصل وبينوا له ندمه وتوبته حتى عفا عنه الإمام فيصل وسمح لإخوانه وولده وجعله أميرًا في بلده   
وهكذا أسدل الستار على معركة من أشهر المعارك وأعنفها في تاريخ الدولة السعودية الثانية  .
أقام الإمام فيصل في عنيزة سنة 1265هـ / 1849م نحوًا من شهر، وفدت عليه فيها وفود من عنـزة ومطير وغيرهم، وأهدوا إليه كثيرًا من الخيل والركاب، حيث بلغ ما أهدي إليه منها أكثر من أربعين فرسًا، ثم وفد عليه الدويش ورؤساء قومه ورؤساء سبيع بهداياهم. ولما أراد مغادرة القصيم عين أخاه جلوي أميرًا على القصيم وممثلاً له هناك، على أن يكون منـزله قصر عنيزة، ثم زوده الإمام فيصل بالأعوان والخدم من أهل الرياض وغيرهم، كما أعطاه ما يصلح شأنه، وقد بادر الأهالي بمبايعته. وبذلك أصبحت منطقة القصيم تدار من قبل ممثل الإمام بعد أن كانت كل بلد فيها تحكم من قبل أمير من زعمائها  
 
لم يمضِ عدد من الأشهر على عودة الإمام فيصل إلى الرياض حتى كان على موعد مع منطقة القصيم، ذلك أنه قام بحملة جهة الشمال لمعاقبة قبيلة عتيبة وهم على أرض جراب، لكنهم هربوا إلى قبة قبل أن يصل إليهم، ثم علم الدويش فأقبل ونـزل عليهم فتتبعهم الإمام فيصل، لكن الدويش جاءه ومعه رؤساء قومه وقدموا له الهدايا وطلبوا منه الصفح والعفو فسمح لهم، ثم رحل الإمام فيصل ونـزل أبا الدود الماء المعروف شمال القصيم، وكان قد استدعى أخاه جلوي بقوات أهل القصيم فوصلوا إليه وكان ذلك في عام 1266هـ / 1850م. وكان أمير بريدة عبد العزيز آل أبي عليان قد داخله الخوف من قدوم الإمام فيصل بسبب مواقفه السابقة، فطلب من أهل بلده التجهز للقتال، لكنه كان يضمر أمرًا آخر، فلما خرجوا قاصدين الإمام فيصل صرف ركائبه وخيله وأخذ معه أولاده وترك نساءه وأمواله وأسلحته وقصد الشريف محمد بن عون في مكة المكرمة   فلما علم الإمام فيصل بذلك رحل بقواته متجهًا إلى بريدة وهناك وافاه عبد العزيز ابن الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين فأضافه ومن معه من أمراء القصيم. وفي بريدة استدعى الإمام فيصل إخوان أمير بريدة عبد العزيز آل أبي عليان وقال لهم: "إن أخاكم هرب من البلد بلا سبب أتاه منا ولا من طوارفنا، والآن ليس في ذمة الإسلام والمسلمين منه شيء" فخافوا على أمواله وأجابوه وتلطفوا له بالقول وقالوا: "عادتك الصفح والإحسان لمن أساء، وقد جرت عادة الله لك فيمن أحسنت إليه وكفر إحسانك أنه لا بد أن يكون في قبضتك جالس بين يديك على أمرك" فترك الإمام لهم جميع أمواله الداخل منها في البلد والخارج عنها، كما عين أخاه عبد المحسن أميرًا في بريدة، ثم أقام في بريدة أيامًا رتب بعض أمورها، ومنها تعيين عبد العزيز بن عبد الله أبا بطين على بيت مال القصيم، ثم غادر القصيم وأذن لأهل النواحي بالرجوع إلى أوطانهم  
 
بقي عبد العزيز آل أبي عليان في ضيافة الشريف محمد بن عون عددًا من الأشهر يتودد إليه فقال له الشريف: "إن هذه الجنود عندنا لا تسير إلا بدراهم ولا يمشي الرجل الواحد منهم إلا بعطاه قبل ممشاه" وبهذا الجواب أدرك عبد العزيز أن قدومه إلى الشريف كان قرارًا غير صائب، فأخذ يتحين الفرصة للعودة إلى بلاده وإلى مركزه، وقد طلب من الشريف الشفاعة له عند الإمام فيصل بأن يعود إلى بلاده هو وأولاده ويستعيد أمواله. وقد جاءته الفرصة عندما قام الإمام فيصل بحملة عسكرية إلى قطر، فسارت الرسل بين الشريف والإمام فيصل وحققت نجاحًا. وقد صادف أن الإمام فيصل طلب من أخيه جلوي مددًا، لكنه طلب منه ألا يغادر القصيم حتى يقدم عليه عبد العزيز آل أبي عليان، فما زال الشريف يتودد إليه ويشفع لعبد العزيز أن يرده أميرًا في بلاده دون أن ينال عقابًا، ودون أن يكون له صلاحيات واسعة، فسمح له بذلك وصحب جلوي إلى قطر فرحل جلوي بغزو أهل القصيم ومعه عبد العزيز وذلك في أول شهر ربيع الأول سنة 1267هـ / 1851م. وقد قابل الإمام عبد العزيز في العريق فأنّبه الإمام فيصل على ما مضى من المخالفة ومفارقة الجماعة، فاعترف عبد العزيز بخطئه وطلب العفو والمسامحة، وقد استجاب الإمام فيصل لطلبه فعفا عنه وسامحه، فأقام معه حتى عاد من قطر، ووفى له بما وعده وأعاده أميرًا في بلده بريدة  
 
بقي جلوي بن تركي أميرًا في منطقة القصيم خمس سنوات، وفي شهر شعبان سنة 1270هـ / 1854م قام أهل عنيزة على جلوي بن تركي وأخرجوه منها، فقصد بريدة؛ ما تسبب في أزمة بين أهل عنيزة والإمام فيصل عُرفت بحرب عنيزة الأولى، ولم تذكر المصادر المعاصرة سببًا واضحًا لهذا التصرف، لكنها أبانت ما ترتب على هذا العمل، سواء من قبل بعض العلماء والزعماء أو من جانب الدولة: فعلى الجانب المحلي غضب الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبابطين قاضي عنيزة وعموم بلدان القصيم من هذا العمل غير الحصيف، وغادر عنيزة بحرمه وعياله إلى بريدة، وعلى الجانب الرسمي غضب الإمام فيصل بن تركي لما حصل وأرسل حملة عسكرية عاجلة من أهل الرياض بقيادة عبد الرحمن بن إبراهيم توجهت إلى بريدة، كما طلب مقاتلين من أهل ضرماء والقويعية بالمسير معه، وقد وصل عبد الرحمن إلى القصيم وهاجم أطراف عنيزة، وأخذ بعض مواشيهم ثم رحل إلى بريدة.
 
وفي الثالث من شهر ذي الحجة من السنة نفسها خرج الأمير عبد الله بن فيصل على رأس حملة من أهل الرياض وجنوب نجد، كما واعد مقاتلي أهل سدير والوشم في بلد شقراء، وفي يوم عيد الأضحى تجمعت القوات فسار بهم عبد الله إلى عنيزة لمعاقبة أهلها على موقفهم من أميرهم.
 
وفي يوم الخامس والعشرين من شهر ذي الحجة صبّح أهل وادي عنيزة وأخذ جميع ما عندهم من متاع وأثاث ومواشٍ، وقطع جملة من نخل الوادي، فخرج عليه أهل عنيزة ومعهم عدد كبير من أهل القصيم فوقعت بينه وبينهم معركة في الوادي قتل فيها عدد من الرجال من الجانبين منهم سعد بن محمد بن سويلم أمير ثادق وستة رجال غيره، ثم ارتحل عبد الله بن فيصل ونـزل العوشزية، ثم رحل منها ونـزل على روضة الربيعية حيث قدم عليه هناك طلال بن عبد الله الرشيد بمقاتلي الجبل من الحاضرة والبادية. كما قدم عليه هناك مقاتلون من مختلف بلاد نجد، ثم سار على رأس هذه القوات لمقاتلة أهل عنيزة، حيث نـزل الحميدية، ثم ارتحل منها ونـزل الغزيلية. وقد بقي الفريقان بين ثمانية وتسعة أشهر لم يحسم أي منهما الموقف لصالحه، واستمر الوضع حتى السنة التالية 1271هـ / 1855م حيث تم في النهاية الصلح بين الطرفين بطلب من أهل عنيزة عندما كتبوا بذلك إلى الإمام فيصل فأجابهم إلى ذلك وأعطاهم الأمان، وكان الصلح مشروطًا بموافقة الإمام فيصل، حيث ذكر لابنه عبد الله ما نصه: "إنهم إن طلبوا الصلح فأجبهم إليه، ويكون ذلك على مواجهتي وعلى يدي" وقد وصل عبد الله بن يحيى السليم إلى الرياض وقابل الإمام فيصل وطلب منه العفو واعترف بالخطأ والإساءة والعصيان، فقبل الإمام معذرته وصالحه على أشياء طلبها الإمام منه، والتزم بها عبد الله، وتم الصلح فأذن له بالرجوع إلى بلده. ولم تذكر المصادر شروط الصلح، ولم تتضح معالمه، لكن الفاخري وصفه بقول: "ثم رحل عنهم بمصالحة فيها ما فيها"، ويبدو أن من شروط الصلح أن يترك جلوي بن تركي الإمارة، إذ يذكر ابن عيسى أن جلوي بن تركي رحل مع عبد الله بن فيصل إلى الرياض، وقد ذكر عبد الله بن يحيى السليم أنه أمير عنيزة. ثم كتب الإمام فيصل إلى ابنه عبد الله يخبره بأمر الصلح بينه وبين أهل عنيزة وطلب منه الرجوع وأن يأذن لأهل النواحي بالعودة إلى بلادهم. وقد عاد عبد الله ومعه عمه جلوي بن تركي ورحل معه الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبابطين بحرمه وعياله إلى بلده شقراء وكان ذلك في ربيع الآخر من السنة نفسها  
 
وفي بريدة لم يستمر أميرها عبد العزيز آل أبي عليان على عهده الذي قطعه للإمام فيصل، إذ إنه في شهر رجب من سنة 1275هـ / 1858م كتب إليه الإمام فيصل يطلب منه القدوم عليه، فقدم ومعه ولداه عبد الله وعلي وثلاثة من خدمه، فلما جلس بين يدي الإمام انتهره وأغلظ عليه في الكلام، وأخذ يعدد عليه أفعاله وما حصل منه من الشقاق، فقال: "كل ما تقوله حق، وأنا أطلب العفو والمسامحة". فأنـزله الإمام في بيت هو ومن معه، وأجرى عليهم ما يكفيهم، وطلب منهم البقاء عنده في الرياض، وعين مكانه في إمارة بريدة عبد الله بن عبد العزيز بن عدوان وهو من آل أبي عليان أسرة عبد العزيز. ولم تستمر الأمور على ما يرام، ففي شهر صفر من السنة التالية 1276هـ / 1859م قتل عبد الله بن عدوان أمير بريدة من قبل رجال من عشيرته آل أبي عليان. وعندما علم الإمام فيصل غضب على عبد العزيز وأمر بحبسه، وعين محمد الغانم أميرًا في بريدة مكان ابن عدوان. وقد كثر القيل والقال وأخذ عبد العزيز وهو في الحبس يكتب إلى الإمام فيصل ويحلف له أيمانًا مغلظة أنه ليس له علم بذلك الأمر، ولا رضي به، وقال للإمام "لو أذنت لي بالمسير إلى بريدة لأصلحت ذلك الأمر، وأمسكت الرجال الذين قتلوا ابن عدوان، وأرسلتهم إليك مقيدين بالحديد، أو نفيتهم عن البلاد". فأطلقه الإمام فيصل من الحبس وأحضره بين يديه، وجعل يحلف للإمام، فأخذ الإمام عليه العهود والمواثيق على ذلك، وأذن له بالرجوع إلى بريدة، وعينه أميرًا عليها بعد أن عزل محمد الغانم، وقد وصل إلى بريدة في شهر جمادى الأولى من السنة نفسها. وقد طلب الإمام فيصل منه أن يبقي ابنه عبد الله بن عبد العزيز آل أبي عليان عنده في الرياض. ولما وصل عبد العزيز إلى بريدة أخذ يقرب الذين قتلوا ابن عدوان ويدنيهم منه، ثم أخذ يكتب للإمام فيصل بأشياء لم تكن صحيحة. وفي السنة التالية 1277هـ / 1860م كان الأمير عبد الله بن فيصل على رأس حملة لمعاقبة جماعة من مطير بالقرب من الزلفي، ثم توجه إلى القصيم ونـزل روضة الربيعة. ولما بلغ الخبر أمير بريدة عبد العزيز آل أبي عليان ركب خيله ورواحله هو وأولاده حجيلان وتركي وعلي ومعهم عشرون رجلاً من عشيرتهم وخدامهم، وهربوا إلى عنيزة، ثم خرجوا منها متوجهين إلى مكة. وعندما علم عبد الله بن فيصل أرسل في طلبهم قوة بقيادة أخيه محمد بن فيصل في الثالث عشر من شهر شوال من السنة نفسها فلحقوهم وأدركوهم في الشقيقة وأخذوهم وقتلوا منهم سبعة رجال، وهم: أمير بريدة عبد العزيز وأولاده حجيلان وتركي وعلي وعثمان الحميضي واثنان من مواليهم، وتركوا الباقين. وبعد ذلك رحل عبد الله بن فيصل إلى بريدة وأقام فيها عددًا من الأيام، وكتب إلى أبيه يخبره بما حصل؛ وبخاصة مقتل عبد العزيز وطلب منه أن يعين في بريدة أميرًا، فأرسل الإمام فيصل عبد الرحمن بن إبراهيم أميرًا هناك  
 
تردّت العلاقة بين عنيزة والإمام فيصل في سنة 1278هـ / 1862م فطلب في شهر شعبان من هذه السنة من البوادي أن يهاجموا عنيزة فهاجمها آل عاصم في آخر الشهر وأخذوا سوارح أهلها، كما أرسل الإمام فيصل قوة مع صالح بن شلهوب إلى بريدة وكتب إلى أميرها عبد الرحمن بن إبراهيم بأن يهاجم أطراف عنيزة، ففعلوا في شهر رمضان وأخذوا إبلاً وأغنامًا، ففزع أهل عنيزة وحصل بين الطرفين قتال، ثم تكاثر أهل عنيزة فترك ابن إبراهيم ما أخذ منهم وعاد إلى بريدة.
 
وفي شهر شوال من السنة نفسها وصل إلى عنيزة محمد الغانم من آل أبي عليان أمراء بريدة قادمًا من المدينة، وكان من الذين قتلوا ابن عدوان كما سبق تفصيله في حوادث سنة 1276هـ / 1859م، فشجعهم على الحرب وزين لهم الهجوم على بريدة، فخرجوا من عنيزة قاصدين بريدة، فدخلوها آخر الليل وصاحوا في وسط البلد، ثم توجه بعضهم إلى بيت مهنا الصالح أبا الخيل، وبعضهم إلى قصر الإمارة وفيه عبد الرحمن بن إبراهيم أمير بريدة وعدة رجال من الرياض، كما كان معه صالح بن شلهوب وأصحابه، فانتبه لهم أهل البلد ونهضوا إليهم من كل جانب، وقاتلوهم حتى أخرجوهم من البلد، فانهزموا راجعين إلى عنيزة، وقد قتل منهم عدد من الرجال. ولما وصل الخبر إلى الإمام فيصل طلب من أهل البلدان الخروج للحرب وأرسل قوة إلى بريدة وأمرهم بالمقام فيها عند عبد الرحمن بن إبراهيم، ثم أمر المقاتلين من الوشم وسدير بالمسير إلى بريدة، واستعمل عليها أميرًا عبد الله بن عبد العزيز بن دغيثر، فساروا إليها. واجتمع عدد كبير من المقاتلين عند أميرها عبد الرحمن بن إبراهيم، وكثرت الغارات منهم على أهل عنيزة، ثم إنه حصل بين ابن إبراهيم وابن دغيثر وبين أهل عنيزة وقعة في رواق حلت فيها الهزيمة على ابن إبراهيم ومن معه، وقتل من أتباعه نحو عشرين رجلاً منهم عبد الله بن عبد العزيز بن دغيثر.
 
وبعد هذه الوقعة غضب الإمام فيصل على ابن إبراهيم لأشياء نقلت عنه، فاستدعاه إلى الرياض وأمر بأخذ جميع ما عنده من المال. واستمر الوضع بين الإمام فيصل وأهل عنيزة متوترًا حتى السنة التالية 1279هـ / 1862م، فأمر ابنه محمد بن فيصل أن يسير بقوة من أهل الرياض وجنوب نجد إلى بريدة، ويسير بمن فيها من المقاتلين من أهل الوشم وسدير لقتال أهل عنيزة.
 
توجه محمد بن فيصل إلى بريدة ومعه الشيخ حسين بن حمد بن حسين بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، والشيخ عبد العزيز بن محمد بن علي بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، والشيخ ناصر بن عيد. وعندما وصل محمد بن فيصل إلى عنيزة أمر من فيها من المقاتلين من أهل سدير والوشم بالمسير معه، كما قدم عليه عبيد بن علي بن رشيد وابن أخيه محمد بن عبد الله بن علي بن رشيد بقوة من أهل جبل شمر، فسار الجميع إلى عنيزة فحصل بين الفريقين قتال شديد وصارت الهزيمة على أهل عنيزة، وقتل منهم نحو عشرين رجلاً، ونـزل محمد بن فيصل بمن معه من الجنود في وادي عنيزة وشرعوا في قطع نخيله، وفي اليوم الخامس عشر من شهر جمادى الآخرة من السنة نفسها خرج عليهم أهل عنيزة، فحصل بين الطرفين قتال شديد، وصارت الهزيمة أول الأمر على محمد بن فيصل ومن معه حيث تراجعوا إلى خيامهم، وفي هذا الوقت قدر الله أن تمطر السماء وكان غالب سلاح أهل عنيزة البنادق الفتيل فبطل عملها من شدة المطر، فهجم عليهم محمد بن فيصل وأصحابه فانهزم أهل عنيزة إلى بلدهم. وفي هذا الوقت قدم على محمد بن فيصل وهو في منـزله طلال بن عبد الله بن علي بن رشيد في بقية أهل الجبل.
 
لم تنته حالة التوتر بين أهل عنيزة وبين الإمام فيصل، ذلك أنه في آخر شهر شعبان من السنة نفسها 1279هـ / 1863م خرج عبد الله بن فيصل بمن معه من الجيش بكامل أسلحته وتوجه إلى عنيزة، فلما وصل إلى شقراء أرسل المدافع والأثقال إلى أخيه محمد وهو في الوادي قرب عنيزة، أما عبد الله فقد أغار على جماعة من عتيبة وهم على الرشاوية فأخذهم وتوجه إلى عنيزة ونـزل عليها وحاصرها ونصب عليها المدافع ورماها رميًا هائلاً، كما وصل إليه أخوه محمد بمن معه من الجنود وأحاطوا البلدة حيث دار قتال عنيف استمر عددًا من الأيام.
 
وعندما أدرك أهل عنيزة أن الكفة في غير صالحهم طلبوا الصلح من عبد الله بن فيصل، فتذكر قول والده بأنهم "إن طلبوا الصلح فأجبهم إليه وإياك وحربهم، وأن عقد الصلح يكون على يدي وفي مواجهتي". وقد كتبوا إلى الإمام فيصل بذلك فأجابهم حقنًا للدماء وأعطاهم الأمان على أن يقدم إليه أمير عنيزة عبد الله بن يحيى السليم في الرياض. فخرج عبد الله بن يحيى إلى عبد الله بن فيصل واعتذر واعترف بالخطأ والإساءة وطلب منه العفو والصفح والمسامحة، فقبل معذرته وصلحت حالهم، فحصل بذلك الأمن، ثم رجع عبد الله بن فيصل عائدًا إلى الرياض وأذن لمن معه من المقاتلين بالعودة إلى بلادهم، كما عاد معه أمير عنيزة عبد الله بن يحيى السليم ويحيى الصالح، وقدما إلى الإمام فيصل وجلسا بين يديه وطلبا منه العفو والصفح وعاهداه على السمع والطاعة، فعفا عنهما وسامحهما، وأقاما عنده في الرياض عددًا من الأيام ثم كساهما وأعطاهما عطاء جزيلاً وأذن لهما بالرجوع إلى بلدهما.
 
وبعد انتهاء التوتر بين الإمام فيصل وأهل عنيزة عين الإمام فيصل محمد بن أحمد السديري أميرًا على بريدة وسائر بلدان منطقة القصيم، حيث قدم إلى بريدة ومعه عدد من رجال أهل الرياض ومن خدمه ونـزل في قصر الإمارة. وهكذا أسدل الستار على فترة من التوتر بين أهل عنيزة والإمام فيصل بن تركي تخللها عدد من الحروب حتى عرفت عند أهل عنيزة بحرب الثمانية أشهر ووقعاتها: وقعتا رواق والمطر  
 
ومع أن علاقة منطقة القصيم بالدولة السعودية الثانية استقرت في آخر الأمر إيجابيًا إلا أن أوضاعها الداخلية لم تهدأ بعد. فقد تم تعيين سليمان الرشيد أميرًا في بريدة، لكن الخلافات زادت بينه وبين أهل بريدة في عام 1280هـ / 1863م وكثرت الشكاوى ضده، فعزله الإمام فيصل عن الإمارة وولى مكانه في شهر ربيع الأول مهنا الصالح آل حسين أبا الخيل. وفي الوقت نفسه طلب من محمد بن أحمد السديري أمير عموم بلاد القصيم أن يرتحل من بريدة إلى الأحساء أميرًا فيه، حيث كان أميرًا هناك قبل أن يعين في القصيم، وكان معروفًا بالكرم والشجاعة  
 
شارك المقالة:
136 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook