عهد الإمام فيصل بن تركي (الفترة الأولى) في منطقة القصيم في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
عهد الإمام فيصل بن تركي (الفترة الأولى) في منطقة القصيم في المملكة العربية السعودية

عهد الإمام فيصل بن تركي (الفترة الأولى) في منطقة القصيم في المملكة العربية السعودية.

 
تقلد الإمام فيصل الحكم بعد والده وقام به خير قيام، كيف لا وقد كان الساعد الأيمن لوالده في السلم وفي الحرب. وليس من شأن هذا البحث التفصيل عن كيفية تولي الإمام فيصل الحكم  .  أما ما يخص منطقة القصيم من التطورات التاريخية التي حدثت خلال حكم الإمام فيصل، ففي سنة 1251هـ / 1835م طلب أهل القصيم من الإمام فيصل أن يبعث إليهم الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين قاضيًا في بلدانهم ومعلمًا لطلبة العلم لديهم، وقد استجاب الإمام لطلبهم وكلف الشيخ أبا بطين، وكان قاضيًا لأهل الوشم، وكلّف بالقضاء في عنيزة فذهب إلى هناك وأقام فيها، ثم رغبوا في أن يقيم عندهم بصفة دائمة فطلبوا أن ينتقل هو وعائلته، ومنذ ذلك الوقت استوطن عنيزة فأكرموه غاية الإكرام، وعظموه بما يستحقه من التقدير فتوافد عليه عدد من طلبة العلم، ووفد عليه المغتربون من طلاب العلم من باقي بلدان القصيم، وقد انتفع عدد كبير من الناس بعلمه  
 
وفي الجانب السياسي لم يكن والي مصر محمد علي باشا راضيًا عن عودة الحكم السعودي في بلاد نجد، وهو الذي لم يهنأ بعيش حتى شن الحملات المتوالية التي استطاعت إسقاط الدولة السعودية الأولى. ورغم قيام الدولة السعودية الثانية فعليًا بقيادة الإمام تركي بن عبد الله رغمًا عن والي مصر إلا أن بنيتها السياسية لم تصل إلى ما وصلت إليه الدولة السعودية الأولى؛ وذلك بسبب مواقف والي مصر. ولم يكن حكم الإمام فيصل بن تركي أكثر حظًا من حكم أبيه، إذ لم يكد يمضي على توليه حكم الدولة السعودية الثانية سوى ثلاث سنوات حتى بعث والي مصر محمد علي باشا في آخر سنة 1252هـ / 1836م حملة عسكرية ضد الدولة السعودية بقيادة إسماعيل بك يرافقها الأمير خالد بن سعود المقيم في مصر منذ مدة طويلة، وقدر عدد أفراد هذه الحملة بألفي مقاتل بين فارس وراجل. وقيل إن محمد علي أراد من إرساله خالد بن سعود مع الحملة فرضه أميرًا على نجد  ،  وعندما وصلت الحملة إلى ينبع علم الإمام فيصل فأرسل محمد بن ناهض الحربي رئيس قصر بسام لاستطلاع الأمر ومعه هدية لهم، ثم عاد وأخبر الإمام فيصل بأمر هذه الحملة. ثم غادرت الحملة ينبع إلى المدينة المنورة ومنها إلى الحناكية في طريقها إلى منطقة القصيم. وقد تعززت بقوات إضافية قدمت من مصر قوامها بين ألف وألف وخمسمئة فارس وخمسمئة جندي من المشاة مزودين باثني عشر مدفعًا وأربعة هاون، حيث تمكنت هذه القوة من إخضاع القصيم  ،  وعند هذا الحد استشار الإمام فيصل أعوانه ومنهم عبد الله بن علي بن رشيد أمير جبل شمر فأشار عليه بإعداد حملة والاتجاه إلى القصيم لملاقاة جيش إسماعيل بك وخالد بن سعود قبل أن يصلوا إلى هناك. وقد استحسن الإمام فيصل هذا الرأي وجمع جموعه من مختلف البلدان وغادر الرياض في آخر شهر شوال من السنة نفسها حتى وصل الصريف قرب بلدة التنومة في القصيم حيث عسكر هناك لمدة شهر. وخلال وجوده هناك بلغه أن إسماعيل بك وخالد بن سعود نـزلوا في الرس، فرحل في آخر شهر ذي الحجة بجنوده وقصد عنيزة ونـزلها واستنفر أهلها، فصحبه أميرها يحيى السليم الذي عاد إلى إمارة عنيزة بعد عزل الإمام تركي له كما ذكر سابقًا، كما استنفر أمير بريدة عبد العزيز آل أبي عليان فصحبه بقواته، وسار الجميع حتى نـزلوا رياض الخبراء في أيام التشريق. وقد أقام فترة هناك في مواجهة قوات والي مصر المتمركزة في الرس، لكن لم يحصل بين الطرفين قتال. وكان الإمام فيصل قد كاتب أهل الشنانة المعروفة قرب الرس فطلبوا منه أن يرسل لهم قوة تعضدهم، فأرسل لهم قوة من مئة جمل بقيادة مولاه زويد، وعندما وصلوا الشنانة وجدوا أميرها في الرس، فلم يستطع أهلها تقديم المساعدة حتى يعود أميرهم، فأدى ذلك إلى فشل مهمتهم وعادوا من حيث أتوا. وبناء على هذه التطورات استشار الإمام فيصل رؤساء قومه في البقاء أو الرحيل فأشاروا عليه بالرحيل إلى عنيزة؛ لأنه من هناك يستطيع أن يشن غارات خاطفة ويعود إلى مقره. ويبدو أن هذه الحركة أتت بنتائج عكسية عندما ظن الناس أن القوات السعودية فشلت. وعبثًا حاول الإمام فيصل تهدئتهم وإقناعهم، ولكنه لم يستطع فاضطر إلى الرحيل إلى عنيزة في الثالث والعشرين من ذي الحجة من السنة نفسها. وفي عنيزة شاور الإمام فيصل رؤساء قومه في المقام أو الرحيل إلى الرياض فأشاروا عليه بالرحيل فوافق وأذن لأتباعه بالذهاب إلى بلدانهم وعاد هو إلى الرياض. وفي هذه الظروف الحرجة وجد الأمور في الرياض على غير ما عهد؛ فبدأ الإمام فيصل يعد العدة لمغادرة الرياض وبدأ في جمع سلاحه وأمتعته وخيله، وعندما علم بعض الأهالي خاف من أن يكشف سره فأسكتهم بالعطايا. وعندما أصبح كل شيء جاهزًا للرحيل أخرج رِحَاله وخيامه وأمتعته وجعلها مع رجال من أهل جنوبي نجد، ثم خرج هو خفية ولحق بهم وكان معه من الخيل نحو أربعمئة وعدد كبير من العمانيات والنجائب، وسار حتى وصل الخرج وأقام فيه عشرة أيام، ثم لحق به أعوانه، حيث خرج الجميع إلى الأحساء ونـزل في الرقيقة المعروفة، واستقبله عمر بن عفيصان وزعماء أهل الأحساء وبايعوه على النصرة  
 
أما القوات المصرية بقيادة إسماعيل بك ومعها خالد بن سعود فعندما علموا برحيل الإمام فيصل من الخبراء انتقلوا من الرس ونـزلوا الخبراء. وفي شهر المحرم سنة 1253هـ / 1837م، نـزل إسماعيل بك هو وخالد بن سعود عنيزة، لكن الأهالي لم يرحبوا بهم وأغلقوا الأبواب في وجوههم وحاربوهم، ثم تصالحوا فخرج إليهم أمير عنيزة يحيى السليم وزعماء بلده، كما قدم عليهم أمير بريدة عبد العزيز آل أبو عليان وبعض زعماء بريدة، ثم تابعهم بقية بلدان القصيم. ونظرًا إلى أهمية منطقة القصيم بوصفها مقرًا لجيش محمد علي، وللاستفادة من قوة أهل القصيم حاول إسماعيل بك إخضاع منطقة جبل شمر لتحمي ظهره، فبعث حملة عسكرية قوامها أربعمئة فارس من قواته ومئة جمل تابعة ليحيى السليم أمير عنيزة تحت قيادة إبراهيم المعارك، ومعهم عيسى بن علي أمير جبل شمر السابق، وكانت خطتهم أن يفاجئوا عبد الله بن رشيد أمير جبل شمر في بلده ويأسروه، لكن عيونه أخبروه قبل وصول الحملة فتخفى قبل وصولهم، فدخل عيسى بن علي حائل ونـزل مقر الإمارة، وهرب المناوئون من أهلها. ولما استقر عيسى عاد يحيى السليم بعد أن أبقى قوة مع عيسى تقدر بمئة جمل. وتأكيدًا لهيمنة القوات المصرية على بلاد القصيم بعث إسماعيل بك وخالد بن سعود عمالاً من بين عسكره يخرصون ثمار أهل القصيم، أما البلاد الأخرى خارج منطقة القصيم فتركهم يخرصون ثمارهم بوساطة رجال منهم. وخلال وجوده في القصيم قدم وفد من الرياض على إسماعيل بك وهو في عنيزة وبايعوه. وبذلك صارت أغلب بلاد نجد تابعة للوجود المصري ما عدا الخرج والفرع (الحريق والحوطة) وما يليها من جنوب نجد. وفي تطور لافت للأحداث علم إسماعيل بك ومعه خالد بن سعود بخروج الإمام فيصل بن تركي من الرياض إلى الأحساء، فارتحلوا في العاشر من المحرم سنة 1253هـ الموافق 1837م ومعهم عساكرهم من عنيزة متوجهين إلى الرياض حيث وصلوا هناك في السابع من شهر صفر من العام نفسه واستولوا عليه  
 
وعلى الرغم من أن الإمام فيصل غادر الرياض إلى الأحساء إلا أن خطوته هذه كان الهدف منها التقاط أنفاسه ومعرفة مدى قوة عدوه، ولم يكن هدفه التخلي عن الحكم مطلقًا؛ ولذلك نجد أنه في السنة نفسها يقوم بهجمات خاطفة على الرياض بهدف معرفة نقاط الضعف التي تمكنه من العودة إليها. ودون الدخول في تفاصيل هذه المرحلة نكتفي منها بالتطورات التي شهدتها منطقة القصيم مما له علاقة بوضع الدولة السعودية الثانية والنـزاع بين الإمام فيصل والأمير خالد بن سعود المدعوم بالقوات المصرية. ففي أواخر شهر رمضان من سنة 1253هـ / أواخر سنة 1837م جاء ابن عمران السبيعي من القصيم ومعه عدد من الرجال على خمسة عشر جملاً من أتباعه ومن المؤيدين للأمير خالد بن سعود، وكان الإمام فيصل قد بذل جهده للقبض عليه، لكنه لم يستطع. وفي هذه المرة سار ابن عمران إلى القصيم ومعه أموال كثيرة نفقة للعسكر، فلما وصل أراضي قبيلة سبيع في بلدة عشيرة في منطقة سدير ركب فهيد الصييفي وقاسي بن عضيب ومعهم ثلاثمئة جمل وخمسة وعشرون خيالاً، وكان الإمام فيصل قد أرصد لهم إرصادًا من الخيل والرجال، فلم يظفروا بهم لأنهم سلكوا طريقًا مخالفًا لطريقهم حيث دخلوا الرياض في الخامس من شهر شوال وأقاموا فيها نحوًا من ستة أيام. وفي هذا الوقت تشاور خالد وإسماعيل وأعوانهما في أفضل طريقة تمكنهم من جلب عسكرهم من القصيم إلى الرياض ليكون مددًا لهم حيث مكثوا في القصيم خوفًا من فيصل وجنوده. وصلت الأخبار بعزم خورشيد باشا التوجه إلى القصيم عندما بعث الشريف عبد الله أمير ينبع رسولاً عنه إلى الإمام فيصل في 22 شوال 1253هـ الموافق 1837م يحمل هدية إلى الإمام فيصل ومراسلات (أسماها ابن بشر خدايع) يعرض على الإمام فيصل أحد أمرين إما الانسحاب من نجد إلى الأحساء كما جرت المفاوضات بينه وبين الأمير خالد بن سعود، وأن يرسل أخاه جلوي بوصفه رهينة لضمان تنفيذ الاتفاق أو لا مناص من الحرب، ووعده مقابل ذلك أن يبقيه على حكم نجد دون منازع، في حين تذكر مصادر أخرى أن خورشيد أرسل في منتصف شهر شوال الشريف عبد الله إلى الإمام فيصل وهو مقيم في منفوحة وأعطاه الهدية وأخذ يتودد إليه ويعده ويمنيه، فرحل فيصل من منفوحة في أول ذي القعدة وأخذ جميع أمواله من الرياض وغيرها  
 
وفي شهر ذي الحجة من السنة نفسها 1253هـ / 1838م أرسل الإمام فيصل بن تركي أخاه جلوي إلى خورشيد باشا، وهو في المدينة، ومعه هدية من العمانيات، والخيل وغيرها. وفي هذا الوقت كان خورشيد يتجهز للمسير من المدينة إلى القصيم فسار معه جلوي. وقد وصل خورشيد باشا ومعه عدد كبير من العساكر إلى عنيزة في العشرين من شهر صفر سنة 1254هـ الموافق 1838م فتابعوه، ثم وفد عليه أمراء القصيم وكثير من رؤساء القبائل. وفي أول شهر ربيع الأول حصل بين خورشيد وبين أهل عنيزة نـزاع، ثم جرت بينهم وقعة من غير قصد، بسبب سرقة عمانيتين من الركائب من معسكره، وقد قتل خلالها من العسكر نحو تسعين رجلاً، ومن أهل عنيزة نحو خمسين، ثم تصالحوا. وأقام خورشيد باشا في عنيزة إلى شهر رجب، وخلال إقامته وفد عليه عبد الله بن علي بن رشيد أمير جبل شمر من قبل الإمام فيصل فأعطاه وكساه وأكرمه، ثم رحل ابن رشيد ونـزل في البصيري وأرسل ثلاث ركائب إلى بريدة، وكان فيها رجل من أهل جبل شمر هارب من ابن رشيد خوفًا منه؛ لأنه من أعوان آل علي، فدخل عليه منهم ثلاثة رجال فأمسكوه فصاح ولد له صغير ففزع أهل البلد وقتلوا منهم رجلين وأخذوا ركائبهم وأمسكوا منهم رجلاً فأخبرهم بالأمر وبالموضع الذي يقيم فيه عبد الله بن رشيد، فأمر أمير بريدة عبد العزيز آل أبي عليان أهل البلد بالتوجه إليهم فباغتوهم بين صلاتي المغرب والعشاء ومعهم خمسة وأربعون جملاً وكثير من اللباس والسلاح والركائب النجيبة، فأخذوهم ومن معهم، وقتلوا منهم ستة رجال وهرب عبد الله بن رشيد على فرسه إلى خورشيد باشا، فكساه وأعطاه ثم رجع إلى بلاده  
 
وخلال إقامة خورشيد في عنيزة قدم عليه محمد الدويش شيخ مطير وفهيد الصييفي شيخ سبيع، كما استلحق أحمد السديري أمير سدير فقدم إليه فأكرمه وكساه ونصب له خيمة وحده، كما كسا خدامه فأقام عنده. وقد استأذن جلوي بن تركي خورشيد باشا في أن يقصد بريدة لقضاء حاجة له فيها فأذن له، فلما وصلها هرب إلى أخيه الإمام فيصل وهو في الخرج، بعد أن عرف أن خورشيد عازم على محاربة أخيه الإمام فيصل. ومن الأمور التي قام بها خورشيد خلال إقامته في عنيزة أنه بنى قصر الصفا المعروف في عنيزة ثم وضع فيه العسكر. وفي آخر شهر رجب من سنة 1254هـ / 1838م ارتحل بعساكره وأسلحته من عنيزة ونـزل الوشم في طريقه إلى الرياض حيث وصلها متتبعًا الإمام فيصل الذي غادر الرياض إلى الدلم فلحق به خورشيد، وقد انتهى الأمر بالصلح بين الطرفين  .  وفي المحرم سنة 1255هـ / 1839م غادر خورشيد باشا الخرج عائدًا إلى الرياض ونـزل فيها، وفي خطوة تبين مدى سيطرته على الوضع أرسل إلى معاونه في ثرمداء وأمره أن يبعث رجالاً يخرصون ثمرة الزرع فخرصوا جميع الزروع من الأحساء إلى القصيم. وفي شهر ربيع الأول رحل خورشيد باشا من الرياض وقصد ثرمداء ونـزلها وبنى له فيها قصرًا، في حين أبقى العساكر خارج البلد. ومن هناك بعث رجالاً من العسكر ينظرون في خرص كل بلد ويأخذون نصفه، فنـزل رجاله في البلدان يأخذون من كل بلد نصف زرعها. وفي شهر شعبان من هذه السنة قدم إليه في ثرمداء الأمير خالد بن سعود ومعه نساء الإمام فيصل وأبناؤه عبد الله ومحمد وإخوته، وذلك أن فيصل عندما أقام في مصر طلب من محمد علي باشا أن يحضر أولاده فكتب إلى خورشيد بذلك فرحلوا من ثرمداء في آخر شهر شعبان  
 
شارك المقالة:
62 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook