عهد الإمام عبدالعزيز بن محمد بالرياض في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
عهد الإمام عبدالعزيز بن محمد بالرياض في المملكة العربية السعودية

عهد الإمام عبدالعزيز بن محمد بالرياض في المملكة العربية السعودية.

 
 
جاء الإمام عبدالعزيز بن محمد إلى الحكم بعد وفاة والده سنة 1179هـ / 1765م، ولكنه لم يكن بعيدًا عنه، فقد كان ملازمًا لوالده طوال فترة حكمه، وكان قائدًا للجيش لفترة طويلة، واصل الإمام عبدالعزيز الحملات العسكرية لتوسيع نفوذ الدولة، وقد ساعده في ذلك ابنه الأمير (ثم الإمام فيما بعد) سعود الذي أصبح ساعده الأيمن وقائد جيوشه.
 
شهدت الدولة السعودية في عهد الإمام عبدالعزيز بن محمد عددًا من التطورات التاريخية والسياسية والعسكرية، وتمكنت الدولة من توسيع رقعتها الجغرافية ومد نفوذها بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ السعودي، ولكن يبدو أن أهم إنجازات ذلك الإمام، هو توحيد نجد بعد ما يقارب الأربعين عامًا على قيام الدولة، ما سهل لها بعد ذلك أن تنطلق بسرعة مذهلة إلى شرق وغرب وجنوب غرب الجزيرة العربية.
 
ركز الإمام عبدالعزيز بن محمد جهوده في بداية الأمر على ما تبقى من بلدان في منطقة الرياض لم يتمكن سلفه من ضمها إلى الدولة الجديدة، كان من أهم تلك البلدان في منطقة الوشم ثرمداء وأشيقر، وكانت الدولة في عهد الإمام محمد بن سعود، قد أرسلت حملات عدة إلى هاتين البلدتين، ولكنها لم تنجح في ضمهما، واصلت دولة الإمام عبدالعزيز بن محمد السياسة السابقة، وقاد بنفسه حملة على ثرمداء سنة 1180هـ / 1766م، وتمكن من ضمها بعد أن وقع قتال بين الطرفين في معركة سميت بمعركة الصحن، ويبدو أن ظهور الدولة السعودية بهذا المظهر القوي عسكريًا، قد أقنع أهل أشيقر ومن تبعهم من أهل الوشم بضرورة الانضمام إلى الدولة الجديدة 
 
وفي إقليم سدير واصل الإمام عبدالعزيز بن محمد جهود الدولة السعودية لبسط سيطرتها عليه، وتمكن خلال عدد من السنوات من ضمِّ بلدان ذلك الإقليم؛ فمثلاً ضمَّ بلدتي جلاجل والعودة سنة 1181هـ / 1767م، ثم بلدتي حرمة والمجمعة سنة 1188هـ / 1774م، وبعد سنتين، ضمَّ بلدة الزلفي، إذ قدم وفد من أهلها وبايعوا الشيخ محمد بن عبدالوهاب والإمام عبدالعزيز بن محمد في الدرعية، أما بلدة الروضة فقد أدخلها في طاعته بعد حملة شنَّها على تلك البلدة سنة 1196هـ / 1781م، وبهذا يكون قد أتم سيطرته على إقليم سدير  
 
وعلى الرغم من تشعب اهتمامات الدولة، وتداخل أولوياتها، وكثرة حملاتها العسكرية، إلا أنه لم يغب عن بال قادتها أنه لا بد من تأمين قاعدة الدولة ومركزها قبل الانطلاق بعيدًا، ولن يتأتى ذلك إلا بالقضاء على مقاومة الرياض الشرسة، وإخضاعها لسلطة الدولة الجديدة، ولهذا شدد الإمام عبدالعزيز بن محمد ضغطه وركز حملاته على الرياض، وقد بدأ العد التنازلي لسلطة دهام بن دواس منذ منتصف الثمانينيات من القرن الثاني عشر الهجري، عندما قُتل ابناه دواس وسعدون في إحدى المعارك مع جيش الدرعية 
 
وتواصل الضغط السياسي والعسكري على دهام بن دواس، ففي سنة 1187هـ / 1773م قاد الإمام عبدالعزيز بن محمد بنفسه حملة عسكرية على الرياض، وجرت بين الطرفين وقعات عدة، وحاصر المدينة التي أوشكت على السقوط، ومع أن الإمام عبدالعزيز بن محمد فكَّ الحصار ورجع إلى الدرعية، إلا أن معنويات دهام بن دواس بدأت في الانهيار، فبعد شهرين من الحملة الأولى قدم الإمام عبدالعزيز بن محمد على رأس حملة ضد الرياض، وفي الطريق جاءه البشير بخبر هروب دهام بن دواس من المدينة بأسرته وكثير من أنصاره، ودخل الإمام عبدالعزيز الرياض دون قتال، ولهذا جمعت أموال الهاربين وممتلكاتهم ومن لم يعد منهم إلى بيته بعد دخول الجيش السعودي، وأدخلت بيت المال  .  وبهذا أسدل الستار على أطول مجابهة شهدتها الدولة السعودية الأولى مع خصومها، ليس في منطقة الرياض فحسب، بل وربما في كل المناطق التي وصل إليها نفوذ تلك الدولة
 
يعد ضمُّ الرياض مكسبًا مهمًا للدولة السعودية، فقد كان له نتائج سياسية واقتصادية وعسكرية ومعنوية انعكست على سير الأحداث، خصوصًا في جنوب منطقة الرياض التي لم يصل إليها النفوذ السعودي بعد، كان أبرز تلك النتائج في الجانب السياسي - الديني، وقد عبَّر ابن غنام، المؤرخ المعاصر، عن ذلك فسمّى حدث ضمِّ الرياض، فتحًا، وخلَّده بقصيدة، وما يدلل كذلك على أهميته الكبرى أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب تخلَّى بعد ذلك للإمام عبدالعزيز بن محمد عن كثير من المسؤوليات التي كان يقوم بها سابقًا  .  وفي الميدان الاقتصادي حصلت الدولة على كثير من الأموال التي ساعدت الشيخ محمد بن عبدالوهاب في قضاء ما كان عليه من ديون سبق أن استدانها لمساعدة المحتاجين من أنصاره عند قدومهم إلى الدرعية
 
من ناحية أخرى، كان من نتائج ضمِّ الرياض ارتفاع معنويات قادة الدولة وجيشها، ومثلما تشجع مؤيدوها، فقد خاف خصومها في كل مكان، وفتح المجال أمامها لتنطلق إلى أمكنة جديدة بعد أن أمنت عاصمتها وخطوط مواصلاتها وتموين حملاتها، وبهذا وجدت الدولة نفسها في أفضل وضع لتوجيه جهودها صوب منطقة الخرج الغنية بمنتجاتها الزراعية التي تحالف بعض زعمائها مع دهام بن دواس، قبل سقوطه، أكثر من مرة.
 
كان زيد بن زامل، أمير الدلم، أبرز زعماء إقليم الخرج، وكانت الدولة السعودية قد وجهت حملات عسكرية عدة لضمِّ هذا الإقليم المهم، أولاًها كانت في سنة 1165هـ / 1751م، ثم حملتان في سنة 1173هـ / 1759م، وبعد ذلك بعامين جاء الأمير عبدالعزيز بن محمد على رأس حملة وهاجمت بلدة نعجان  .  لكن بعد سقوط حليفه أمير الرياض سابقًا دهام بن دواس، أصبح الوضع بالنسبة إلى زيد بن زامل أكثر خطورة بعد أن ازداد الضغط عليه، إذ قاد الأمير سعود بن عبدالعزيز حملة على الدلم  سنة 1188هـ / 1774م، وفي العام التالي قاد الإمام عبدالعزيز بنفسه حملة أخرى على الخرج 
 
وتحت هذا الضغط المتزايد بدأ زيد بن زامل يبحث عن حليف جديد، فوجد ضالته في رئيس نجران، حسن بن هبة الله المكرمي الذي ما زال صدى حملته السابقة يتردد في الأذهان، تم الاتفاق بين الطرفين على أن يدفع زيد بن زامل مبالغ مالية لحسن المكرمي مقابل أن يساعده عسكريًا ضد الدرعية، ولهذا قدم بجيشه ومن انضم معه من الدواسر إلى المنطقة سنة 1189هـ / 1775م، وانضم إليهم زيد بن زامل ومن معه من أهل الخرج، وسارت كل هذه الجموع حتى وصلت الحائر، حيث جرت بعض المناوشات مع أتباع الدولة السعودية، وسقط بعض القتلى من جيش المكرمي، ولكنه على خلاف المرة الأولى، اكتفى في هذه المرة بذلك، وبعد أن عقد صلحًا في الحائر ارتحل إلى ضرما، حيث دارت معركة هناك، أرغم إثرها على الانسحاب   دون أن يحقق أي هدف لحليفه زيد بن زامل، ولسان حاله يقول: "هآنذا قد وفيت بالعقد"
 
ومما لا شك فيه أن فشل حملة المكرمي، عززت موقف الدولة السعودية، وجعلت موقف زيد بن زامل أكثر صعوبةً مما كان عليه في السابق، ولهذا لم يرَ بدًا من الذهاب فجأةً ومن دون سابق ترتيب، مع وفد من أعيان بلده، إلى الدرعية؛ حيث بايعوا وأعلنوا السمع والطاعة، ولكن أمير الدلم لم يلتزم ببيعته للدرعية، فقاد الإمام عبدالعزيز بن محمد حملةً حاصرت الدلم حتى خرج زيد منها، ثم صالح أهلها وعيَّن سليمان بن عفيصان أميرًا عليها 
 
بعد فترة من الزمن تمكَّن زيد بن زامل من العودة إلى الدلم، فأرسلت الدولة حملة بقيادة سعود بن عبدالعزيز سنة 1195هـ / 1780م، وبنت حصنًا قرب الدلم، سُمي بقصر البدع، لمضايقة تلك البلدة وإجبارها على الخضوع، وفي هذه الأثناء استعان زيد بن زامل ببني خالد في الأحساء، ولكن حملتهم لم تنجح، وبينما كان عائدًا من إحدى غزواته سنة 1197هـ / 1782م صادفته كتيبة سعودية، ودارت بين الطرفين معركة قُتل فيها زيد، ساءت أحوال الدلم بعد ذلك، فقد خلفه ابنه براك في الإمارة، ولكن لم يطل به المقام لأن خلافًا نشب على الإمارة قُتل على إثره، ولجأ القاتلون إلى الدرعية، وفي خضم هذه التطورات، قاد الأمير سعود بن عبدالعزيز حملتين سنة 1199هـ / 1784م قضت على ما تبقى من مقاومة في الدلم، فتم إخضاعها وضمُّها إلى حكم الدولة السعودية مع ما تبقى من بلدان الخرج الأخرى 
 
وضمن جهود الدولة السعودية المتواصلة لتوحيد جنوب منطقة الرياض، قام سعود بن عبدالعزيز بحملة على حوطة بني تميم سنة 1194هـ / 1780م، ودارت بين الطرفين معركة، ولكنه لم يتمكن من إخضاعها، وفي العام التالي سار الإمام عبدالعزيز بن محمد على رأس جيش قاصدًا حوطة بني تميم إذ حارب أهلها، ولم تذكر المصادر شيئًا عن خضوعها، ويبدو أن الوضع استمر على ما هو عليه، حتى بعد سقوط الدلم، إذ دخلت في طاعة الدولة، كما قال ابن بشر: "ثم أذعن جميع الخرج وأهل الحوطة والحريق وأهل اليمامة والسلمية وغيرهم" 
 
في مستهل القرن الثالث عشر الهجري، كانت الدولة السعودية قد وحدت معظم منطقة الرياض، ولم يبقَ منها إلا وادي الدواسر، وحتى ذلك الوقت، لم تذكر المصادر شيئًا عن أي حملات عسكرية أُرسلت لها، وربما أن ذلك عائد إلى موقعها البعيد عن الدرعية. كانت بداية انضمام وادي الدواسر إلى حكم الدولة السعودية سنة 1199هـ / 1784م، عندما جاء إلى الدرعية ربيع وبدن ابنا زيد الدوسري رئيس المخاريم، على رأس وفد من قومهما وبايعوا الشيخ محمد بن عبدالوهاب والإمام عبدالعزيز بن محمد على السمع والطاعة 
 
عاد الوفد إلى وادي الدواسر، وكما يحصل في المناطق بعد توحيدها، بدأ ربيع بن زيد ومن معه في نشر الدعوة السلفية هناك، ولكنها لم تلقَ القبول المطلوب في بداية الأمر، ما جعل ربيع يبني قصرًا للاحتماء به مع أنصار الدعوة هناك، وقد تطور الأمر إلى حرب مع بعض أهالي تلك المنطقة، وعندما علم الإمام عبدالعزيز بن محمد بمحاصرة القصر وخطورة الوضع في وادي الدواسر، أمد ربيع ومن معه بالمال والسلاح، كما أرسل إلى مبارك بن عبدالهادي وأمره أن يساعدهم  ،  ما أسهم في ترجيح كفة أنصار الدولة هناك.
 
ومع أن نفوذ الدولة السعودية وصل إلى وادي الدواسر، إلا أن الأمور لم تستقر بعد، فاندلعت الحرب مرةً أخرى بين الطرفين، حتى تم التوصل إلى صلح خرج بموجبه ربيع ومَنْ معه في القصر، ثم قدموا على الإمام عبدالعزيز بن محمد في الدرعية سنة 1202هـ / 1787م، فأمدهم بالمال والسلاح ورجعوا إلى وادي الدواسر ليشيدوا قصرًا آخر، ويبدو أن قوة الدولة وزيادة انتشار الدعوة هناك، أسهما في إخضاع المنطقة، ولذا بايع أهل وادي الدواسر في العام نفسه، أو كما قال ابن بشر: "وفشى الدِّين في الوادي، ورغب كثير منهم فيه، وأرسلوا إلى ربيع ومبارك يطلبون منهم أن يأتوا إليهم، فقدموا إليهم وبايعوهم"، ثم قدم ربيع ومعه وفد من جماعته إلى الدرعية لتأكيد البيعة  .  وهكذا بايع أهالي وادي الدواسر وتم توحيد هذه المنطقة، واكتمل عقد منظومة منطقة الرياض، وتم ضمُّها تحت حكم الدولة السعودية الأولى، وقد تحولت منطقة وادي الدواسر إلى محطة مهمة لنشر الدعوة، وتجهيز الجيوش، وتوسيع نفوذ الدولة فيما يليها من المناطق جنوبًا، مثل: بيشة وعسير والمخلاف السليماني (جازان).
 
بتوحيد منطقة الرياض، اكتمل تقريبًا توحيد منطقة نجد، ودخلت الدولة السعودية الأولى مرحلة جديدة من التوسع الجغرافي السريع في شرق، وجنوب شرق، وغرب وجنوب، وجنوب غرب تلك الدولة، ومن ثَمَّ تحولت معظم الأحداث عن هاتين المنطقتين إلى هذه الأمكنة الجديدة. كان من أهم الأحداث السياسية التي تعد سابقة في التاريخ السعودي، هو تعيين الإمام عبدالعزيز بن محمد ابنه الأمير سعودًا وليًا للعهد سنة 1202هـ / 1787م، إذ أمر الشيخ محمد بن عبدالوهاب المسلمين بأن يبايعوا سعودًا على الإمارة بعد أبيه... وكانت بيعة معلومة مشهورة متقنة بأحكام الشرع معدودة  .  ويبدو أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب بعد أن تقدمت به السن وشاخ، وخوفًا على مستقبل الدولة التي أسهم في إنشائها بفكره وجهده بشكل كبير، تدخل لحسم هذه المسألة، وتأمين مستقبل الدولة بعد وفاته، فقد توفي بعد ذلك بأربع سنوات  .  وما لا شك فيه أن وفاة الشيخ محمد بن عبدالوهاب تركت فراغًا كبيرًا يصعب ملؤه، ولكن الدرعية كانت قد تحولت إلى مركز علمي لا يضاهى، يزخر بالعلماء من أبناء الشيخ وغيرهم.
شارك المقالة:
44 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook