علاقات العصفوريين الخارجية بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
علاقات العصفوريين الخارجية بالمنطقة الشرقية  في المملكة العربية السعودية

علاقات العصفوريين الخارجية بالمنطقة الشرقية  في المملكة العربية السعودية.

 

علاقتهم بالسلغريين (أتابكة فارس)

 
تمكنت الأتابكية السلغرية في فارس بقيادة الأتابك أبو بكر بن سعد بن زنكي الذي خلف والده سنة 628هـ / 1230م، من بسط سيطرتها على جزيرة قيس، وانتزاعها من أمير هرمز الذي سيطر عليها في وقت سابق، وسعى الأتابك السلغري إلى بسط نفوذه على كل المناطق التي كان لبني قيصر نفوذ عليها، فقام بإرسال عماله إلى جزيرة أوال ليطالبوا حاكمها العيوني بأن يدفع إليه مثل ما كان يدفعه إلى بني قيصر سابقًا وإلى أمير هرمز لاحقًا.
 
كانت الأموال التي تجبى في هذه المرحلة تتم باسم الخلافة العباسية  ،  غير أن الأتابك لم يكتفِ بما حصل عليه من أموال، بل تطلعت نفسه إلى السيطرة على جزيرة أوال، وربما حصل على تأييد من الشيخ عصفور بن راشد، فأرسل حملتين لهذا الغرض في سنة 630هـ / 1332م وس-ـن-ة 633هـ / 1235م استطاع الأمير العيوني صدهما  ،  ثم أعد حملة بحرية كبيرة سنة 636هـ / 1238م اشترك فيها عدد كبير من العرب استطاع من خلالها الاستيلاء على جزيرة أوال، وقتل محمد بن محمد بن ماجد آخر حاكم للجزيرة  
 
بعد مرور أكثر من خمس سنوات على استيلاء الأتابك أبو بكر السلغري على جزيرة أوال تمكن من احتلال بعض موانئ ساحل البحرين؛ ففي سنة 641هـ / 1344م أرسل حملة بحرية كبيرة تمكن خلالها من الاستيلاء على قلعة جزيرة تاروت، وقتل أبا عاصم بن سرحان بن محمد بن عميرة بن سنان أكبر شيوخ بني عامر فيها الذي وصف بأنه كان "من وجوه العرب ومشايخهم ومن أرباب المجد الشامخ والكرم الباذخ"  .  واستطاع كذلك الاستيلاء على مدينة القطيف وواحاتها، كما أشارت بعض المصادر إلى أن أبا بكر قد استحوذ على الأحساء  .  وقد أثار استيلاء السلغريين على القطيف استياء بني عصفور الذين أخذوا يشنون هجمات متتالية على الحامية التي وضعها الأتابك أبو بكر السلغري فيها؛ ما دفعه إلى تغيير الحاميات كل سنة، وفي نهاية الأمر لجأ إلى استرضاء العصفوريين بأن دفع إلى شيوخهم إتاوة سنوية مقدارها اثنا عشر ألف دينار مصري مقابل التوقف عن التعرض لحاميته  ونتيجة للصعوبات التي واجهت السلغريين في السيطرة على بعض أجزاء بلاد البحرين فقد قام أبو بكر السلغري بتسليم السلطة إلى العصفوريين بعد عشر سنوات من الاستيلاء عليها - أي نحو سنة 651هـ / 1254م على أن يدفع العصفوريون مقابل ذلك مبالغ معينة من الأموال سنويًا إلى خزينة الأتابكية في فارس - إلى كل من عصفور بن راشد بن عميرة، ومانع بن علي بن ماجد بن عميرة، وشمل ذلك كلاً من القطيف وجزيرة البحرين (أوال) وعُمان (صحار) والأحساء التي اختلفت المصادر في سيطرة السلغريين عليها  .  وهذا يعني أن سلطة إمارة العصفوريين شملت بلاد البحرين وعُمان وأجزاء من نجد (اليمامة)
 

علاقتهم بالمماليك والمغول

 
سقطت الخلافة العباسية في بغداد بيد المغول سنة 656هـ / 1258م وسيطروا على معظم أجزاء فارس والعراق والأناضول وبسقوط بغداد عاصمة الخلافة العباسية تغيرت الخارطة السياسية للمنطقة، حيث مهدت لظهور دولة المماليك في مصر على مسرح الأحداث، وهي التي أوقفت الزحف المغولي عندما دحرتهم في موقعة عين جالوت سنة 658هـ / 1260م، وتمكنت من توحيد مصر والشام في دولة واحدة، وبالتالي فإن الصراع بين المغول الإيلخانيين في فارس والعراق، ودولة المماليك في مصر والشام وتصدي إحداهما للأخرى أدى إلى وقوع صراع عسكري وسياسي وثقافي واقتصادي إلى فترة طويلة من الزمن سعى من خلالها كلٌّ منهما إلى كسب الأنصار والحلفاء، وكانت القوى القبلية أبرز العناصر التي استعانت بها دولتا المغول والمماليك، وكانت مساكن تلك القبائل تجاور أرياف العراق والشام، ومن أبرزها: آل فضل الذين بسطوا زعامتهم على قبائل طيّئ وقبائل أخرى منضوية تحت لوائهم. ومن القوى القبلية المهمة الأخرى: قبيلتا عبادة وخفاجة صاحبتا النفوذ الواسع في غرب العراق ووسطه وجنوبه، وأخيرًا قبيلة بني عامر التي بسطت نفوذها في المنطقة الممتدة من جنوب البصرة حتى عُمان الشمالي وغربًا إلى أجزاء من نجد  
 
نشأت علاقة جيّدة بين بني عصفور وسلطنة المماليك في مصر والشام، فقد ذكر القلقشندي أن بني عامر "وفدوا على السلطان بالديار المصرية في دولة الظاهر بيبرس 658 - 676هـ / 1260 - 1277م بصحبة مقدمهم محمد بن أحمد بن العقدي (العقيدي) بن سنان بن غقيلة (عقيلة) بن شبانة بن عامر، وعوملوا بأتم الإكرام، وأفيض عليهم سابغ الإنعام، ولحظوا بعين الاعتناء"  ؛  غير أن تلك العلاقة صاحبها بعض الفتور بعد وفاة السلطان الظاهر بيبرس، فتجدد الصراع على نطاق واسع وفي الميادين كلها بين المغول والمماليك، حيث قام آل فضل وآل مرا حلفاء المماليك بمهاجمة عرب البحرين سنة 684هـ / 1285م كما هاجموا المغول، ونهبوا أموالهم، وقتلوا عددًا من رجالهم، وكان من بينهم أحد زعمائهم المدعو علي بن ماجد  .  ويظهر أن ذلك الهجوم على بني عصفور كان بإيحاء من المماليك؛ لكون بني عصفور حلفاء للمغول في تلك الفترة، على أن تطور الأحداث أرغم الطرفين على إعادة توثيق علاقاتهما، وبخاصة في عهد السلطان المنصور قلاوون الذي بعث برسائل إلى التجار في الهند والسند والصين وسيلان يدعوهم فيها إلى القدوم بتجارتهم إلى مصر والشام، ويعدهم بحسن المعاملة، وكان لعرب البحرين - وبخاصة زعماؤهم من بني عصفور - دور في تلك الصلات التجارية 
 
التجأ أمير مكة المكرمة الشريف حميضة بن أبي نمي إلى السلطان المغولي اولجايتو خدابنده محمد بن أرغون 703 - 716هـ / 1304 - 1316م في بغداد، وطلب منه المساعدة لإعادته إلى إمارة مكة المكرمة، فجهز له السلطان المغولي قوة تتألف من عشرة آلاف مقاتل من المغول سارت من بغداد سنة 716هـ / 1316م، وحينما علم السلطان المملوكي الناصر محمد أرسل إلى قبائل طيّئ وأمرائهم من آل الفضل يأمرهم بالتصدي للحملة، وقد سلكت الحملة الطريق إلى مكة المكرمة عبر بلاد البحرين، وحين وصولها إلى القطيف وصلتها الأخبار بوفاة السلطان خدابنده، وبأن على رجال الحملة أن يتفرقوا، فيما هاجمت قبائل طيّئ بقية الحملة وأوقعت فيها خسائر مادية كبيرة  .  إلا أن زعيم طيّئ الأمير مهنا بن عيسى ما لبث أن أعلن عصيانه، وخرج على السلطان المملوكي الناصر محمد بن قلاوون، وقام بتهديد أرياف الشام وطرق التجارة التي تربطها بالعراق، والتجأ أخوه الفضل بن عيسى إلى السلطان المغولي أبي سعيد بن اولجايتو الذي رحب به كثيرًا، وأقطعه البصرة، غير أن بني عصفور الموالين للمماليك ما لبثوا أن هاجموه وطردوه من البصرة فهب أخوه مهنا إلى نجدته وتوجه نحو بني عصفور، لكنه اضطر إلى الانسحاب قبل الدخول معهم في معركة لأسباب غير معروفة. وقد غنم بنو عصفور وقبيلة بني عامر أموالاً طائلة خلفتها قبائل طيّئ وأتباعهم زادت على عشرة آلاف بعير 
 
بلغت العلاقة بين بني عصفور وسلاطين المماليك ذروتها في عهد السلطان المملوكي الناصر محمد بن قلاوون، وحفلت هذه العلاقة بمستوى عالٍ من التعاون في مجالات مختلفة؛ منها حماية طرق القوافل والحج القادمة من العراق، وخفارة الحاج، وحماية طرق التجارة المارة ببلاد البحرين 
 
كما أشارت المصادر إلى وفود بني عامر التي قدمت إلى مصر، وكذلك زعماء بني عامر الذين وفدوا على السلطان المملوكي الناصر محمد بن قلاوون عدة مرات والتقى بهم، وذُكر منهم هلال بن أبي الحسين العامري العقيلي الذي وصف بأنه من كبار قومه، وكلبي بن ماجد العامري العقيلي الذي وصف بأنه من أمراء البحرين  ،  وأنه ذو وقار وإجلال، حيث كان في جهاز الدولة المملوكية قسم خاص مهمته متابعة شؤون القبائل يسمى المهمندارية، ويسمى الموظف المسؤول عنه المهمندار  .  اهتمت الإدارة المملوكية بشؤون القبائل وبمراتب رؤسائهم؛ ففيما يخص أمراء البحرين ضُبطت أسماؤهم وصنفوا إلى ثلاث مراتب على الشكل الآتي:
 
المرتبة الأولى: يخاطبون في الرسائل بـ (المجلس السامي الأميري).
 
المرتبة الثانية: يخاطبون في الرسائل بألقاب مجردة من ياء النسب، مثل: المجلس الأميري.
 
المرتبة الثالثة: يخاطبون بلقب مجلس الأمير  
 
أما ما يخص العلاقة بين بني عصفور ومغول العراق فقد قام بنو عامر سنة 755هـ / 1354م بمهاجمة البصرة؛ بهدف الاستيلاء عليها، فتصدت لهم قوات المغول، إلا أنها عجزت عن صدهم، ومنيت بالهزيمة. وحينما خلف الشيخ حسن الكبير الجلايري المغول الإيلخانيين بعد انقراض دولتهم استنجد بالأمير فواز بن مهنا الطائي أحد شيوخ آل فضل والمتحالف مع الجلايريين، وقد تمكن الأمير فواز من إلحاق الهزيمة ببني عصفور بعد أن قُتل عدد كبير من الفريقين 
 

علاقتهم بحكام فارس وجزيرة قيس

 
ارتبطت بلاد البحرين في أواخر القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي) بنوع من العلاقة غير المباشرة مع المغول؛ ففي سنة 692هـ / 1293م أقطع الإيلخان كيخاتو 690 - 694هـ / 1291 - 1295م سلطان فارس والعراق، إقليم وجزيرة قيس لتاجر عراقي هو جمال الدين إبراهيم بن محمد الطيبي الملقب بابن السواملي مدة أربعة أعوام، واستطاع إبراهيم أن يجمع له ثروة طائلة من تجارة اللؤلؤ والخيول من خلال احتكار التجارة بين الخليج والمحيط الهندي، وامتلك ما يقرب من مئة سفينة   تمكن بها من ضم كل من القطيف والأحساء وجزر البحرين إلى دائرة نفوذه السياسي والاقتصادي، مستغلاً الخلافات الحادة بين الأمراء العصفوريين، ومعتمدًا على قوته الخاصة من دون الاستعانة بالمغول  
ومن أجل كسب رضا زعماء بني عصفور وولائهم لجأ إلى إعطائهم مبالغ من المال سنوية مثلما كان يفعله السلغريون  .  وبعد وفاة جمال الدين إبراهيم الطيبي سنة 706هـ / 1307م خلفه في السلطة ولده الملك عزالدين عبد العزيز، كما أن بقية أولاده كانوا يحكمون في مناطق مختلفة من الخليج خصوصًا في جزيرة قيس، وقد استمر نفوذهم قائمًا في البصرة وبلاد البحرين 
 

علاقتهم بالحبوضيين حكام ظفار

 
كان الحبوضيون أصحاب السلطة الواسعة في ظفار بجنوب عُمان، كما كانوا أصحاب النفوذ الأقوى في حضرموت أيضًا إلى الحد الذي جعلهم يتحدون الدولة الرسولية في اليمن. كانت الصلات قوية بين العصفوريين والحبوضيين في ظفار وحضرموت في النصف الثاني من القرن السابع الهجري، والدليل على ذلك أن سلطان اليمن الملك المظفر يوسف الرسولي بعث سنة 678هـ / 1279م حملة ضد الحبوضيين من ظفار. وحينما وصلت تلك القوات إلى ظفار سرت إشاعة مفادها أن قوات العصفوريين قد وصلت لنجدة الحبوضيين؛ ما أثار مخاوف القوات الرسولية، غير أن الوضع تغير بعد إنهاء سلطان اليمن حكم الحبوضيين في ظفار، حيث وصل مبعوث من صاحب البحرين إلى زبيد 
 

علاقتهم بمملكة هرمز

 
شهدت مملكة هرمز في عهد قطب الدين تهتن الثاني في نهاية العقد الرابع من القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي) عهدًا من القوة والازدهار، إذ بدأت المملكة تحل في الزعامة السياسية والاقتصادية محل جزيرة قيس بعد انتهاء حكم الطيبيين، ودخلت إمارة العصفوريين ضمن دائرة نفوذ قطب الدين، واستمرت صلتها بمملكة هرمز مدة تزيد قليلاً على القرن ونصف القرن من خلال ما أشار إليه ابن بطوطة في رحلته، إذ زار مملكة هرمز سنة 747هـ / 1346م عندما كان تهتن الثاني مشغولاً في حربه مع ابني أخيه شادي وشنبة اللذين حاولا الاستيلاء على سواحل بلاد البحرين، إذ أشار ابن بطوطة إلى أن تجارة الخليج قد خربت نتيجة أعمالهما  .  وبعد وفاة عمهما قطب الدين تهتن الثاني 748هـ / 1347م أرسل شادي حملة بحرية استولى خلالها على جزيرة قيس، فيما تولى توران شاه حكم مملكة هرمز مكان أبيه، فجهز حملة لمحاربة شادي حيث تمكن من طرده من جزيرة قيس، فهرب هذا الأخير إلى البحرين، ثم توفي، وكان له ابن صغير عهد إليه توران شاه بحكم البحرين، غير أن شنبة الموجود في شيراز سارع إلى مهاجمة جزيرة أوال، فتصدى له بعض زعمائها وعلى رأسهم أحمد بن راشد بن مانع بن عصفور، وعلي بن محمد البهلوان، والأمير عقيل الذي بادر بالهجوم على شنبة في قصره حيث تمكن من قتله  .  في هذه الأثناء حاول القائدان الآخران ضم جزيرة أوال إلى بقية بلاد البحرين فاتصلا بالشيخ ماجد حاكم القطيف الذي بادر باعتقالهما لشكوكه في نواياهما، وأنهما يهدفان إلى الاستقلال بجزيرة أوال؛ فقد فضّل أن تعود الجزيرة إلى مملكة هرمز، وأن يحافظ على علاقة التبعية معها، وبعد اعتقالهما أرسلهما مخفورين على ظهر سفينة إلى الأمير توران شاه، وهذا يؤكد عمق الخلافات بين زعماء بني عصفور، وهذا ما عبر عنه القلقشندي، إذ قال: "إلا أن الكلمة قد صارت بينهم شتى والجماعة متفرقة"  ،  وبعد أن علم توران شاه بما حدث سارع إلى جزيرة البحرين (أوال) فاستقبله عقيل، وقدم له فروض الطاعة والولاء، ثم غادرها إلى القطيف، حيث استقبله حاكمها الشيخ ماجد، ثم غادرها إلى جزيرة البحرين ومنها إلى جزيرة هرمز ويحتمل أن تكون تلك الزيارة قد تمت بين العقدين السادس والسابع من القرن الثامن الهجري 
 
 
 
شارك المقالة:
96 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook