عندما نتكلم عن أمراض العصر التي باتت جزءاً لا ينفصل عن تفاصيل عالمنا الحديث وتأثيراته على صحتنا، ينبغي ألا يفوتنا التكلم عن عسر الهضم Dyspepsia. فمع دخول الماكينات الحديثة في العمل والمنزل وطرق المواصلات، صار الجهد العضلي اللازم لهضم الطعام المأكول لا يتناسب مع حجم وتنوع ما يدخل إلى معدتك. انكسار هذا التوازن بين استهلاك وصرف الطاقة انعكس سريعاً على تزايد مضطرد في أمراض العصركمرض السكريوأمراض القلب والسمنة وارتفاع شحوم الدم وعسر الهضم.
عسر الهضم مصطلح نستخدمه لوصف الانزعاج أو الألم في الجزء العلوي من البطن. عسر الهضم ليس مرضاً، بل مجموعة من الأعراض التي تتضمن عادة النفخة والغثيان والتجشؤ. يعاني 30% من إجمالي البشر من عسر الهضم من حين إلى آخر، ومع أن أعراض عسر الهضم يمكن أن تحدث بعد الإصابة بأمراض معينة مثل القرحة الهضمية أو التهاب المعدة، إلا أن الغالبية العظمى من المرضى الذين يراجعون الأطباء تُشخَّص حالتهم على أنها عسر هضم وظيفي Functional Dyspepsia أو عسر هضم مزمن
لا نعرف أسباب عسر الهضم المزمن في غالب الأحيان، ومن المرجح أن سببه مركب يرجع لتآزر عوامل متنوعة. تشير بعض الأدلة إلى وجود استعداد جيني. يمكن أن تتسببجرثومة المعدة(الملوية البوابيةHelicobacter Pylori) بحدوث أعراض عسر الهضم عند نسبة قليلة من المرضى، لكن يتوافر القليل من المعطيات التي تدعم أن هذه الجرثومة هي سبب أعراض عسر الهضم المزمن في الغالبية العظمى من الحالات. ربما تؤثر العوامل النفسية على الأعراض التي يشتكي منها بعض مرضى عسر الهضم المزمن.
تم الكشف عن حدوث تغيرات في وظيفة المعدة عند كثير من مرضى عسر الهضم المزمن. عند نحو 40% من مرضى عسر الهضم، لا تسترخي المعدة استجابة لتناول الوجبة الطعامية، ونعرف هذا باسم "التكيف الضعيف" ويمكن أن يترافق بأعراض الانتفاخ والضغط عند بعض المرضى. كما يمكن ملاحظة ضعف في تقلصات المعدة وشذوذات في تفريغ المعدة عند بعض المرضى.
يترافق ضعف تفريغ المعدة مع أعراض الانتفاخ وبالشعور السريع بالشبع.
يحدث عسر الهضم في الحمل بسبب ارتجاع الأحماض المعدية عادة وهو يحصل عندما تتسرب الأحماض المعدية إلى المريء. وهذا يتسبببحرقة فم المعدةوبأعراض أخرى. تتماثل أعراض عسر الهضم في الحمل مع الأعراض العامة لعسر الهضم.
يحدث ارتجاع الحمض المسبب لعسر الهضم عند الحامل بسبب ارتخاء المعصرة الموجودة في أسفل المريء (المعصرة المريئية السفلية) والتي تمنع صعوده إليه، ويحدث هذا بسبب:
يظل طفلك معرضاً للإصابة بالأمراض حتى في حال اهتمامك بصحته ونظافته ونظامه الغذائي. فالحقيقة أنه لا يمكنك ضبطهم تماماً إلا في سنوات طفولتهم الباكرة، لكن بعد دخولهم إلى دور الحضانة والروضات والمدارس سوف يكتسبون عادات جديدة تترك تأثيرها على صحتهم وتعرضهم للكثير من الاضطرابات مثل عسر الهضم.
السبب الرئيسي لعسر الهضم عند الأطفال هو ارتجاع أحماض المعدة إلى المريء وتخريشها لبطانته الحساسة، ما يؤدي إلى الإصابة بالألم وحدوث تهيج والتهاب في المريء. اجتماع كل هذا يتسبب بانزعاج عند الطفل حتى ولو كان لفترات قصيرة. ونلخص أسباب عسر الهضم عند الأطفال بـ:
يمكن أن يصاب الأشخاص من مختلف الأعمار ومن كلا الجنسين بعسر الهضم، وتزداد خطورة الإصابة في حال:
العرض الرئيسي لعسر الهضم هو الألم أو الشعور بالانزعاج في الصدر أو البطن. تحدث الأعراض عادة بعد الأكل أو الشرب فوراً، مع أنه قد يحصل في بعض الأحيان تأخير بين تناول الوجبة وظهور الأعراض.
يصف المريض الأعراض في كثير من الأحيان بأنها حرقة فم المعدة "حرقة الفؤاد heartburn"، وهي شعور بألم حارق خلف عظم القص. تحدث حرقة فم المعدة بسبب أحماض المعدة التي تمر من المعدة باتجاهالمريء(الأنبوب الذي يصل بين المعدة والبلعوم).
يشكل عسر الهضم في بعض الحالات علامة على وجود مشكلة صحية مستبطنة خطيرة، من مثلسرطان المعدة. راجع الطبيب فوراً في حال إصابتك بعسر هضم متكرر وكنت:
عسر الهضم المزمن (أو عسر الهضم الوظيفي) مصطلح طبي نصف به اضطراب يتسبب بالتلبك المعوي أو الانزعاج أو الألم في أعلى البطن، قرب الأضلاع. عسر الهضم المزمن يأتي ويذهب بشكل متكرر. تتضمن أعراض عسر الهضم الوظيفي:
تشير الدراسات إلى وجود تداخل كبير بين عسر الهضم والقولون العصبي. فبحسب بعض تلك الأبحاث يظهر عسر الهضم عند 37% من مرضىالقولون العصبيمقارنة بـ7% عند غير المصابين به.
قال بحث جديد للأكاديمية الأمريكية للأمراض الهضمية أن كلا عسر الهضم والقولون العصبي يمثلان كياناً واحداً، وأفاد البحث أن 70% من مرضى القولون العصبي يشكون من عسر الهضم المزمن أيضاً، وأن 43% من مرضى عسر الهضم يعانون من القولون العصبي.
كما أظهرت الدراسة أن فرصة استشارة المرضى المصابين بكلا عسر الهضم والقولون العصبي للطبيب أعلى من فرصة استشارة مريض عسر الهضم لوحده.
يمكن أن يقوم الطبيب كذلك بالضغط برفق على مناطق مختلفة من البطن ليعرف إذا كان هذا مؤلماً وليلاحظ إذا كان هناك أي تورم في أعضائك الداخلية.
يمكن أن يحتاج الطبيب للقيام بالمزيد من التحريات بحسب الأعراض عندك. هذا لأن عسر الهضم يشكل أحياناً عرضاً لاضطراب مستبطن، مثل العدوى الجرثومية بجرثومة المعدة (الملوية البوابية) أو القرحة الهضمية أو سرطان المعدة.
ربما يطلب الطبيب منك القيام بإجراء اسمهالتنظير الداخلي endoscopy، وذلك بهدف استبعاد وجود سبب كامن أكثر خطورة لعسر الهضم.
يستخدم الطبيب أثناء القيام بالتنظير الداخلي أنبوباً رفيعاً مرناً مزوداً بضوء وكاميرا على نهايته اسمه المنظار من أجل مشاهدة وتفحص جسمك من الداخل.
قد يخفي تناول أدوية معينة لعلاج أعراض عسر الهضم بعض المشاكل التي يمكن أن تنكشف أثناء القيام بالتنظير. وهذا يعني أن عليك قبل أسبوعين من إجراء التنظير الداخلي التوقف عن تناول أدوية مثبطات مضخة البروتون ومناهضات مستقبلات H2.
يمكن أن يوصيك الطبيب كذلك بتغيير أدوية أخرى قد تتسبب بعسر الهضم. لكن يجب ألا تتوقف عن تناول أي دواء أو تقوم بتغييره إلا بحسب إرشادات الطبيب.
سوف يتعين عليك فحص جرثومة المعدة لو ظن الطبيب أنها تقف وراء الأعراض عندك، ومن تلك الفحوص:
يمكن أن تؤثر المضادات الحيوية ومثبطات مضخة البروتون على نتائج اختبار النفس أو اختبار المستضد البرازي. لذلك قد نحتاج لتأخير تلك الفحوص لما بعد أسبوعين من آخر جرعة مثبط مضخة بروتون تناولتها، وأربعة أسابيع بعد المضادات الحيوية.
يمكن أن تحتاج للقيام بتحاليل أخرى لاستبعاد وجود اضطرابات كامنة أخرى يمكن أن تتسبب بعسر الهضم.
فمثلاً يمكن أن يحدث الألم والانزعاج البطني بسبب اضطراب في الأقنية الصفراوية في الكبد &ndash الأقنية الصفراوية هي أنابيب تحمل الصفراء من الكبد إلى المرارة ثم الأمعاء. الصفراء سائل هضمي يفكك الدهون ويتخزن في المرارة.
قد يطلب الطبيب إجراء فحوص الوظيفة الكبدية، وهي فحوص تتحرى عن حسن قيام الكبد بوظائفه.
كما قد يجري الطبيب فحصاً بالأمواج فوق الصوتية والذي يستخدم أمواج صوتية عالية التوتر لوضع صور لداخل الجسم.
إذا كانت أعراض عسر الهضم خفيفة ولا تحدث كثيراً، فيمكن لتغييرات نمط الحياة أن تعالج الحالة. ويتضمن هذا التقليل من تناول الأطعمة الدهنية والتقليل من الكافئين والإقلاع عن التدخين، الامتناع عن شرب الكحول، التخفيف من تناول من الشكولاتة، النوم 7 ساعات على الأقل يومياً وعدم تتبيل (وضع بهارات) الأطعمة.
كما قد يوصي الطبيب بالقيام بتغييرات في أدوية المريض الحالية إذا ظن أنها تسهم في حدوث عسر الهضم. يمكن أن يوقف أحياناً الأسبرين والإيبوبروفين ويعطيه أدوية بديلة. يتعين أن يشرف الطبيب على تغيير الدواء، لا أن يقوم المريض بهذا بنفسه.
تساعد المعالجات البديلة والتكميلية على تسكين عسر الهضم، رغم أنه لا توجد أبحاث مستفيضة عن أي من تلك العلاجات. تتضمن تلك المعالجات:
تزول معظم هجمات عسر الهضم تلقائياً في غضون ساعات دون الحاجة لعلاج طبي. يتعين مراجعة الطبيب لو لم تتحسن الأعراض.
الغالبية العظمى من حالات عسر الهضم خفيفة ولا تحدث بكثرة. غير أن عسر الهضم الشديد يتسبب أحياناً بالمضاعفات التالية:
إذا حصل عسر الهضم بسبب الارتجاع الحمضي، وهي الحالة التي تحصل عندما تتسرب الأحماض المعدية إلى المريء ويخرش مخاطيتها، فسوف يتسبب ذلك بحدوث تندبات في المريء. قد يحصل عند المصابين بالتضيق المريئي صعوبة في البلع، والتصاق الطعام بالبلعوم ما يتسبب بألم صدري. نحتاج لإجراء جراحة أحياناً لعلاج التضيقات المريئية.
وهو يحصل بسبب التخريش المزمن لبطانة الجهاز الهضمي بفعل الأحماض المعدية. يصبح البواب (وهو الممر بين المعدة والأمعاء الدقيقة) ضيقاً. لا يُهضَم الطعام في هذا الاضطراب بشكل صحيح. تلزم الجراحة في بعض الأحيان من أجل توسيع البواب.
يمكن أن يتسبب عسر الهضم بالتهاب البريتوانPeritonitis(وهي طبقة نسيجية تبطن الجدران الداخلية للبطن والحوض). تستطيع الجراحة أن تعالج التلف الحاصل في البريتوان، ونستخدم المضادات الحيوية أحياناً لعلاج العدوى.
"