يُعرّف القرآن الكريم في الاصطلاح الشرعي بأنّه اللفظ العربيّ المعجز، الذي أوحى به الله سبحانه وتعالى إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم عن طريق جبريل عليه السلام، وهو المنقول بالتواتر، والمكتوب في المصاحف، والمتعبد لله تعالى بتلاوته، ويبدأ من سورة الفاتحة وينتهي بسورة الناس، ويشير هذا التعريف إلى عددٍ من الأمور المتعلقة بالقرآن الكريم، أوّلها أنّه كتابٌ معجز، وفي ذلك إشارة إلى كونه معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم الكبرى، وقد عجز العرب وأهل الفصاحة عن الإتيان بمثله وذلك لما حواه من إخبار عن الغيب وعن الأمم السابقة وبما جاء به من إعجاز علمي وتشريعيٍّ صالحٍ لكلّ زمانٍ ومكان، وأشار التعريف أيضاً إلى كون القرآن الكريم وحياً من الله عز وجل، أي أنّه من عند الله بجميع ألفاظه ومعانيه، فقد قال تعالى فيه (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى)، وهذا هو أهم عنصر في تعريف القرآن الكريم وفي تحديد ماهيته.
وقد أشار التعريف أيضاً إلى كون القرآن الكريم متعبداً بتلاوته، والمقصود بذلك أنّ قراءته عبادةٌ يتقرّب بها الإنسان المسلم لله تعالى، ويُكتَب له بها الأجر الجزيل والثواب العظيم، كما أشار أيضاً إلى كونه منقولاً بالتواتر، أي نَقَله جمعٌ من الناس عن جمع مثلهم منهم أيضاً، بحيث يستحيل أن يتواطئ كلّ هؤلاء على الكذب، وهذا ممّا يسلّم به تاريخياً، فقد أخذ الصحابة رضي الله عنهم القرآن عن النبي صلى الله عليه وسلم مشافهةً، وحفظه كثير منهم، ثم نقلوه إلى التابعين، وهكذا نقله التابعون إلى من بعدهم، وظلّ ينتقل بتلك الصورة من جيلٍ إلى جيلٍ حتى وصل إلى هذا الزمن، وهذا يؤدي إلى الجزم بنقل القرآن الكريم من خلال التواتر، بحيث يُقطع بصدق وضبط جموع المسلمين في كلّ طبقةٍ من الطبقات في نقلهم لكتاب الله واستحالة اتفاقهم على الكذب، وهكذا يكون هذا التعريف للقرآن الكريم محدداً لحقيقته، مميزاً له عن غيره من الحديث النبويّ، أو الحديث القدسيّ، أو القراءات الشاذة، أو الترجمة الحرفية وغير الحرفية للقرآن الكريم.
يوجد في القرآن الكريم عددٌ من السجدات، تسمّى سجدات التلاوة، فإذا مرّ المسلم بإحداها خلال تلاوته للقرآن الكريم خارج الصلاة سجد لله تعالى ولو كان على غير طهارة، فلا يُشترط لها الطهارة، ويكون سجودها بأن يُكبّر المسلم تكبيرةً عند البدء بها، ثمّ يسجد ويقول في سجوده ما يقوله عادةً أثناء سجود الصلاة المعتاد، أي (سبحان ربي الأعلى) وله أن يدعو بما تيسّر له، ولا يشتمل سجود التلاوة على تكبيرةٍ ثانية أو على تسليم في نهايته على الرأي الراجح، كما يجوز القيام به في الصلاة إن مرّ الإنسان في قراءته على سجدة منه، وحينها يكبّر عند الخفض للإتيان بها وعند الرفع منها كذلك، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يكبّر عند كل رفع وخفض، وإن كان إماماً في صلاة جهرية شُرع له السجود عندها أيضاً، ويقوم المأمومون بالسجود من خلفه كذلك، أما إن كان إماماً في صلاة سرية ومرّ على سجدة أثناء تلاوته فلا يشرع له السجود حتى لا يشوش على الناس، وحكم القيام بسجود التلاوة سنة عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
يحتوي القرآن الكريم على خمس عشرة سجدة بالأكثر، وقد نقل ابن حزم رحمه الله الإجماع على ذلك، وقد اتفق العلماء على عشر سجدات منها، أوّلها سجدة سورة الأعراف في الآية رقم مئتين وستة، وثانيها في سورة الرعد في الآية الخامسة عشر منها، وثالثها في الآية التاسعة والأربعين من سورة النحل، أما الرابعة ففي سورة الإسراء، في الآية رقم مائة وسبعة، والخامسة في الآية الثامنة والخمسين من سورة مريم، والسادسة في الآية الثامنة عشر من سورة الحج، والسابعة في سورة الفرقان في الآية رقم ستين، والثامنة في الآية الخامسة والعشرين من سورة النمل، أما التاسعة ففي سورة السجدة في الآية الخامسة عشر، وآخرها في سورة فصّلت في الآية السابعة والثلاثين، أمّا السجدات التي اختلف العلماء فيها فهي خمس آيات، أولها السجدة الثانية من سورة الحج في الآية السابعة والسبعين، وثانيها في سورة ص في الآية الرابعة والعشرين، وثالثها في الآية الثانية والستين من سورة النجم، أما رابعها ففي الآية الواحدة والعشرين من سورة الانشقاق، وآخرها في سورة العلق في الآية التاسعة عشر.
لا بدّ للإنسان المسلم من أداء واجباته اتجاه القرآن الكريم، وفيما يأتي بيانها:
موسوعة موضوع