وردت كلمة المُخلَصين بفتح اللَّام في مواضع عديدةٍ من كتاب الله، فالله -سبحانه- يستخلص من عباده المؤمنين أُناساً قد اجتمعت فيهم صفات الكمال والتَّقوى، منهم أنبياءُه -عليهم الصَّلاة والسَّلام- ومنهم المؤمنون عموماً، ومن هنا نستنتج وجود درجةٍ أعلى من درجة الإخلاص، وهي الدَّرجة التّي يتحوَّل المسلم فيها من رتبة المخلِصين إلى رُتبة المخلَصين، وهذه الدَّرجةُ لا يصلها إلَّا القليل من المسلمين؛ حيث إنَّ المخلَصين هم الذين أخلصهم الله، واصطفاهم، واختارهم لطاعته، أمّا المخلِصون فهم الذين أخلصوا لله -تعالى- في أعمالهم فعبدوه عبادةً خالصةً، وإنَّ قيام المؤمن بأعماله بإخلاص لا يستلزم رفعته على الذين أخلصهم الله واصطفاهم، وربَّما يجتمع فيه الأمران، فهو مخلِصٌ في أعماله لله بالإضافة إلى أنَّ الله أخلصه واصطفاه واختاره لطاعته.
ولأصحاب الإخلاص الذين أخلصهم الله ميِّزاتٍ ذكرها الله في القرآن الكريم، وذكرها الرسول -صلى الله عليه وسلم- في سنته الشريفة، وهي:
إنَّ مادة كلٍّ من الكلمات مُخلصٌ بفتح اللَّام وكسرها، وخالصٌ، وإخلاصٌ، وخلاصٌ هي خَلَصَ، والمعنى الذي تدور عليه هذه المادة هو تصفية الشيء وتنقيته عن الشَّوب والخلط وتهذيبه؛ فقولنا خلص الشَّيء أي سلِم ونجا، وخَلَص الماء من الكدر أي صفا، وخُلاصة الشَّيء ما صفا وهو مأخوذٌ من خُلاصة السَّمن، وخلَّصته أي اخترته وميَّزته من غيره، وخَلَص إلى فلان يعني وصل إليه.
والفرق بين مفردتي الصَّافي والخالص أنَّ الخالص هو ما زالت عنه شائبةٌ بعد أن كانت فيه، أمَّا الصافي قد تُطلق لما لا شوب فيه، فخلص الشَّيءُ خلوصاً إذا كان قد شابه شيءٌ ثمَّ نجا وسلِم، والخلاصُ يكون مصدراً للشَّيء الخالص، وأخلص للّه العمل أي جعله محضاً لله ولم يخلط معه في دينه أحد، فالإخلاص هو التَّوحيد للّه خالصاً، ولذلك قيل لسورة (قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَد) سورة الإخلاص، وقوله تعالى: (إِنَّهُ مِن عِبادِنَا المُخلَصينَ)، وقُرئ المُخلِصين، فالمُخلَصون هم المُختارون، والمُخلِصون هم الموحِّدون، والتَّخليص هو التَّنحية من كل ما علق.
والإخلاص من العبد في مقابل الله -عزَّ وجلّ- هو إخلاص النِّية من الشوائب، وتوحيدُه في التوجُّه إليه، والانقطاعُ عمَّا سواه، أمَّا الإخلاص من الله في مقابل العبد هو التَّخليص التَّكوينيُّ واختيار العبد تكويناً من بين سائر العباد على صفاتٍ متميزةٍ، واستعدادٍ خاصٍّ يليق بأن يجعل فيه الرِّسالة وأنوار المعرفة، وهذا المعنى هو المُراد من الآيات الكريمة: (إِنَّهُ كانَ مُخلَصًا وَكانَ رَسولًا نَبِيًّا)، وقوله تعالى: (إنَّهُ مِن عِبادِنَا المُخلَصينَ)، والاعتبار الذي اختيرت عليه مادَّة الخلوص دون مادَّة الاصطفاء، أو الاجتباء، أوالاختيار، أوالامتياز وأمثالها، هي أنّ المُخلَص من الخُلُوص وهو نقاء الذَّات وصفاؤها، أمَّا تلك المواد الأخرى فهي راجعةٌ إلى جهةٍ خارجيَّةٍ وخصوصيَّةٍ زائدةٍ على الذات.
الإخلاص شرطٌ من شروط قبول العمل الصَّالح الذي يُبتغى به وجه الله، وهنا ذكرٌ لبعض الأمور المُعينة للعبد على تحقيق الإخلاص:
موسوعة موضوع