طرق الاحتفال بالمناسبات الاجتماعية والدينية بمنطقة الجوف في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
طرق الاحتفال بالمناسبات الاجتماعية والدينية بمنطقة الجوف في المملكة العربية السعودية

طرق الاحتفال بالمناسبات الاجتماعية والدينية بمنطقة الجوف في المملكة العربية السعودية.

 
الفرح بهطلان الأمطار
 
كان أهل البادية في السابق يفرحون بنـزول المطر، ويتبعون الأمكنة التي نـزل بها بحثًا عن الماء والكلأ لمواشيهم، وكانوا يذهبون إلى العسة (مصطلح محلي معناه: البحث عن المكان المناسب للرعي)، ولأن المطر من نعم الله الكثيرة التي أنعم بها على عباده فإن أهالي المنطقة يتوجهون إثر هطلانه أفرادًا وجماعات إلى المتنـزهات الخلوية التي ازدانت بالثوب الأخضر، ليمتعوا أنفسهم بالأجواء الطبيعية الباهرة، ويشكروا الله على جزيل نعمائه، كما أن الرعاة يتنقلون بمواشيهم بين المناطق التي كساها العشب لترعى بها.
 
وللمطر أسماء عند الأهالي؛ فإذا كان قويًا يُسمَّى (سيلاً)، وإذا كان متوسطًا يُسمَّى (ري أرض)، وإذا كان خفيفًا يُسمَّى (واكف بيت) أي: نقط الطرف الأمامي من بيت الشعر، وإذا كان أخف من ذلك يُسمَّى (طشًا).
 
عادات الزواج والزفاف والطلاق
 
كان الاقتران بين سكان منطقة الجوف ميسورًا ومبسطًا وغير معقد، وكان تعدد الزوجات معلمًا من معالم الوجاهة والرجولة. وتبدأ رحلة الزواج بـ (المرسال) الذي يكون رجلاً أو امرأة، بحيث يقوم بشرح وجهة نظر الخاطب، وميزاته، ومطلبه، وغالبًا لا يعطي ولي أمر المخطوبة المرسال أي جواب بالرفض أو الإيجاب، وإنما يطلب منه إعطاءه مهلة للتشاور مع أهل بيته، علمًا بأنه لم يكن يؤخذ - آنذاك - رأي البكر في الغالب، وكذلك الثيب في معظم الحالات. يعود المرسال بعد فترة يُتفق عليها ليأخذ الجواب، وعند الموافقة يحدد الخاطب تاريخ كتابة العقد (عقد النكاح) ووقتها، وبعد التشاور مع ولي أمر المخطوبة يحضر الخاطب في الوقت المحدد ومعه عدد لا يزيد - غالبًا - على أربعة رجال من أقاربه، أحدهم (الخطيب) الذي يقوم بعقد القران، أما في حال الرفض فيتم عمل جاهة (أو وجاهة كما يسميها بعضهم) مختارة من الوجهاء تتجه إلى ولي أمر المخطوبة، ويُقابَل كثير من الجاهات بموافقة ولي الأمر إكرامًا للجاهة.
 
وقد كان التزاوج بين الأقارب عادة قديمة، إذ يُفضَّل زواج ابن العم بابنة عمه على من سواه، وهي تقول: (ابن عمي يصبر علي ويستر خملتي)، وكذلك ابن العم يقول: (بنت العم هي التي تقف إلى جانبي)، ويردد أهل الجوف في هذا السياق المثل القائل: (بنت العم وإن بارت، والطريق وإن طالت).
 
أ - الحيار (الحجر أو التحجير):
 
كانت عادة الحيار موجودة، إذ يقوم ابن العم بتحيير أو (تحجير) بنت عمه عند ولادتها أو في طفولتها، كما أن الأخ يحير أو (يحجر) بنت أخيه لابنه. وفي هذه الحالة لا يستطيع أبو البنت المحيرة أو (المحجرة) أو أخوها أن يزوجها بأي حال من الأحوال، وإذا زوجها من رجل آخر دون موافقة المحيِّر أو (المحجِّر) فقد يصل الأمر إلى حدّ القتل. وكثيرًا ما يحدث أن ترفض البنت الزواج من ابن عمها عندما تكبر، ويبقى المحيّر على تحيير بنت عمه ويتزوج بامرأة أخرى، فيتدخل بعض العقلاء، ويقومون بواجب الجاهة أو (الوجاهة) إلى ابن عم المحيَّرة، لعله يفك حيارها، وتقديرًا منه لتدخل أهل الخير؛ يرفع الحيار في معظم الحالات.
 
وفي بعض الحالات قد يقسو المحيِّّر، خصوصًا عند شيوع خبر رغبة المحيَّرة بشاب آخر، فيرفض السماح لها بالزواج من آخر، وقد لا تتزوج الفتاة أبدًا؛ لأن ولي أمرها يكون في خطر من جهة، ومن جهة أخرى فإن الأب يتضامن مع المحيِّّر؛ لأن ابنته قد أُشيعت رغبتها برجل آخر أو حبها له، وكثيرًا ما تكتسب هذه البنت شهرة واسعة في القبيلة، ويتحدث الناس عن أوصافها، وجمالها، وعنادها، وأحقيتها بالرفض أو عدمه، ويُقال فيها الشعر، ويُنظَم على لسانها، وفي حالات كثيرة يتدخل أهل الخير والمعروف لدى المحيِّر بشكل جاهة، ويعطي المحيِّر حرية الزواج حسب شروطه، ولكن بعد أن تمضي من عمر الفتاة سنوات عدة  .  ولكن بفضل الله بعد أن انتشر الوعي في المملكة زالت هذه العادة السيئة ولم يكن العريس يشاهد العروس إلا عند الزفاف، أما الآن فإن الخطوبة وافقت السنة الشريفة.
 
ب - الزفاف:
 
كان الزواج في الماضي قليل التكاليف، وكان أصعب شيء على الإنسان اختيار شريكة الحياة فقد يبحث عن ذات الأصل والدين والتربية، يقول الشاعر:
 
عرب وليدك عربة النار في مقباسها
بنت الردى لا تاخذها لو هو طويل راسها
العز بأخذ النسا اللي عريبٍ ساسها  
 
وكذلك الحال بالنسبة إلى المرأة، فهي لا توافق على الزواج إلا بعد السؤال عن الزوج، وها هو الشاعر يوصي النساء بالزواج من صاحب الأصل الطيب فيقول
 
يـا بنـت يـا بنـت يـاام جذيلة هلَّه     لا  تـأخذين الـردي لـو كثـير المال
تـرى  الـردي مثـل غـارٍ لايذٍ ظلَّه     يلـوذ  عنـك ولا لـك فيـه مقيـال  
وعندما يتقرر موعد الزفاف، يرسل العريس المهر وجهاز العرس إلى بيت ولي أمر العروس، ويتألف الجهاز - حسب العادة في ذلك الزمان - من عدد من قطع الأقمشة للعروس وذواتها من النساء، وكذلك يرسل الحلي التي تُسلَّم باليد من قِبَل والدة العريس أو إحدى قريباته، ومعظم الحلي يكون من الفضة، وكلٌّ حسب مقدرته. ومن لوازم الجهاز أيضًا العباءات النسائية والرجالية، لأهل العروس وأقاربها، حيث لا تقل عن عشر عباءات رجالية، ومثلها نسائية. وكان يرسل مع الجهاز أيضًا كمية من الحبوب: تمَّن، قمح، طحين، وكلٌّ حسب قدرته، وكان لدى بعض الجماعات مهور متفق عليها ومحددة، تُسلَّم لوالد العروس  
 
ج - ليلة الزفاف:
 
تُزف العروس عصرًا من بيت أهلها إلى بيت زوجها، بشكل رتل (طابور) نسائي منفرد حافل مهيب، ويرافقها عدد من النسوة يحملن على رؤوسهن الجهاز (الزنابيل، والمحافر، والمفارش) وهو على هيئة حِزَم. ويتم استقبال الزفة بإطلاق النار والغناء من قِبَل شباب الحي وبناته. وحسب مكانة العريس الاجتماعية يخرج أهل الهجن والسواني يعرضون ويطاردون أمام الزفة، خصوصًا عندما تكون العروس من عشيرة أخرى  .  وتجلس النساء داخل بيت العريس بانتظار قدوم العروس. ويكون الشباب بالخارج، وكان الزواج يتم في أي وقت، وإذا كانت العروس من مكان بعيد كانت الزفة تتم على الحيوانات، خصوصًا الإبل، حيث تركب العروس في الهودج.
 
د - صندوق العروس: 
 
هو صندوق خشبي موشىً بشرائح نحاسية، تتفاوت قيمته حسب الإمكانات، فمنه الصندوق الكبير ومنه الصغير، والمصنوع محليًا والمستورد. وأجمل الصناديق هو المنقوش الذي يكون غطاؤه من أعلى نصف دائري - تقريبًا - والمزين بمسامير ذات طبعة صفراء، وبالنجوم والأهلَّة، وشرائح النحاس الطويلة الجميلة تطوق الصندوق، وله علاَّقتان قويتان يُحمل بوساطتهما على الحيوانات أو على رأس إحدى المشتركات في الزفة. ويحتوي الصندوق على ملابس العروس، ويوضع بداخله صندوق صغير يكون مخصصًا - في الغالب - للأشياء الثمينة، مثل: الحلي والعطورات وأدوات الزينة وغيرها. وأقل الصناديق قيمة هو المصنوع من خوص النخيل، ويكون بشكل أسطواني، مزينًا برسومات من الخوص المصبوغ بالألوان بشكل مثلثات أو مستطيلات أو نجوم، وله غطاء جميل من الخوص نفسه الذي صُنع منه الصندوق.
 
تسير العروس خلف حاملة الصندوق، في حين يسير يمينًا ويسارًا عدد محدود من الشباب، وهم يحملون العصي حتى يصلوا إلى بيت العريس، وهناك رتل (طابور) الزفة من النساء، وهن يسرن بخطوات قوية ثابتة، وبكل وقار ومهابة. وهنا تستقبل العروس من قِبل نساء حي العريس بالزغاريد ومظاهر الفرح والبهجة، ويرششن العطر وماء الورد على العروس والضيوف، ثم تُقام داخل منـزل العريس حفلات الرقص للنسوة أمام العروس من قِبَل قريبات العريس وبنات الحي. وقد يكون من بين المدعوات من النساء مَنْ هن من أحياء بعيدة، وربما كان بينهن زوجات لأصدقاء العريس من قرى بعيدة، وتقوم والدة العريس بتوزيع بعض الهدايا على مرافقات العروس وقريباتها، وكلٌّ حسب قدرته، وتكون هذه الهدايا نقودًا أو قطعًا من القماش  .  وفي صباح اليوم الثاني، يقدم العريس هدية إلى عروسه، قد تكون نقودًا أو هدية ذهبية أو فضية أو ما شابه ذلك، بعضهم يقدم الهدية في بداية اللقاء، وكذلك يقدم هدية إلى أمها.
 
هـ - الوليمة:
 
تكون حسب قدرة العريس؛ فمنهم مَنْ يذبح جملاً، ومنهم مَنْ يذبح شاة. وترى الصبية الصغار، وهم يهتفون عندما يرون الاستعدادات لتقديم الوجبة، حيثُ يقولون: (العرس اللي ما نذوقه يلعب الشيطان فوقه، المرأة بُكرة تطلَّق والرجل ياخذ حقوقه).   والصبية حين ينشدون هذه الأنشودة يريدون بذلك من أهل العريس أن يُحسب حسابهم في الطعام. فإذا كان العريس من الفقراء يقوم الجيران بالإسهام في صنع الطعام وتقديمه، ومعظم ما يُقدَّم في مثل هذه الحالة (الجريش أو التمَّن أو الثريد أو ما شابه ذلك) والمطلوب هو تقديم مائدة تكفي الكبار والصغار والنسوة  
 
و - غرفة العروس: 
 
كانت تُسمى (الحجرة)، وتُزيَّن بالفرش الجميل، حيث تكسى الجدران بالبُسْط الملونة أو (الزوالي)، فيما يُغطى السقف بقماش أبيض أو ملون، وتُفرش الأرضية بالكامل بالسجاد و (الطراريح) لتبدو في منتهى البهاء والجمال الذي يليق بالعريس وعروسه. وقبل التغطية بالقماش تكون الجدران قد دُهنت بالكلس الأبيض، ولا بد من الدخون (البخور وعود الند) الذي يعبق به جو الغرفة. وكانت وسيلة الإنارة سابقًا فتلة من القطن تُغمس في الدهن، وتدرج الأمر إلى القنديل، وثُمَّ إلى السراج.
 
وبعد تناول الطعام الذي أُعد خصيصًا لهذه المناسبة والذي يُقدَّم عادة قبل غروب الشمس يدخل العريس على عروسه، بمعية والدة العروس ووالدته، فيتقدم ويرفع غطاء الوجه بيديه، ويسلم على عروسه التي تنظر إلى الأرض باستحياء شديد، وكثيرًا ما تتقدم والدة العروس وترفع ذقنها، ويقول العريس: (ألف مبروك)، وأحيانًا ينقدها ما يُسمى (فك كلام) كي تتكلم معه، وأحيانًا يُترك فك الكلام للصباح  
 
ز - الطلاق:
 
يحصل الطلاق في حالات كثيرة، فإذا كانت المرأة هي السبب يدفع ولي أمر الزوجة ما دفعه الزوج من تكلفة في زواجه. وفي حالات أخرى يفتعل الرجل تصرفًا خاطئًا ضد زوجته حتى يجعلها تعاف الحياة معه، ليتمكن من استعادة ما دفعه من مهر. ويحدث الطلاق - مثلاً - عندما يزوج أحدهم ابنته وهي صغيرة من رجل مسنّ؛ بسبب الحاجة والعوز، أو من باب الغير ة على ابن عمه أو قريبه الذي تقدمت به السن، ولم يستطع الزواج؛ لأن الرجل من (لحمه ودمهـ). وعندما تكبر البنت تجد نفسها مظلومة، فتذهب إلى دار أهلها، وترفض العودة، وفي كلتا الحالتين يحصل النشوز. فإذا كان أبو البنت عاجزًا عن الدفع، ولا يستطيع الزوج استعادة ما دفعه من مهر، فإن الزوج لا يسقط الحقوق من باب الانتقام، أما قريب العائلة الذي يُزوَّج من باب العطف والغيرة فيخلي سبيل زوجته دون مقابل، ويتم الطلاق بالمعروف  
 
 مظاهر الثبات والتغير
 
شهدت الاحتفالات والأنماط المرتبطة بها، وطريقة ممارستها عددًا من أنواع التغير في مجتمع الجوف، حيث اختفى بعض أنواع الاحتفالات؛ لتغير الظروف الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع، إلا أن هنالك بعض الاحتفالات التي ما زالت محتفظة بطابعها الثقافي والممارسات التي كانت تُمارس فيها، مثل: الاحتفال بالعيدين، وكذلك الاحتفالات الخاصة بالزواج وغيره من المناسبات التي أصبحت تقتصر على دعوة الناس إلى الولائم.
 
ومن اللافت للنظر خروج بعض حفلات الزواج عن الطابع التقليدي، فلم تعد تُمارَس فيها الفنون الشعبية كما كانت الحال في الماضي، وارتفعت نسبة تكاليفها، بل أصبحت مظهرًا من مظاهر التفاخر الاجتماعي في البذخ والإنفاق، كما أصبحت احتفالات الزواج تُقام في صالات الأفراح. وقد صارت الولائم المختلفة الخاصة بالأفراح تُقام في المطابخ المخصصة لذلك، وشهدت الأفراح عددًا من أنواع التغيير في مراسمها عن الماضي، كما أخذ يظهر فيها بعض المحاكاة والتقليد المأخوذ من المجتمعات الأخرى؛ نتيجة للاحتكاك الثقافي والحضاري الذي جاء بصورة مكثفة عن طريق ما تبثه وسائل الإعلام المختلفة.
 
شارك المقالة:
104 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook