للصلاة في الإسلام منزلةٌ عظيمةٌ؛ فهي عمود الدين، والطريق المُوصل إلى الجنة، وأول عملٍ يُحاسَب عليه العبد يوم القيامة؛ فإن صَلُحت صلُح سائر عمله، وبالصّلاة يتميّز المُتّقون عن غيرهم، قال -تعالى-: (ۛهُدًى لِّلْمُتَّقِينَ*الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ)، وهذه المكانة تتعلّق بالصلاة بشكلٍ عام، أمّا صلاة الفجر على وجه التّحديد، ولعِظم مكانتها، فقد وردت بخصوصها العديد من الفضائل التي تميّزها عن غيرها من الصلوات، وهذه المميزات الخاصّة بصلاة الفجر إنّما هي لميزة وقتها؛ إذ إنّ وقتها يأتي أثناء سكون النّاس ونومهم، وبالقيام لأدائها تظهر الهمّة والعزيمة، والمبادرة؛ ولذلك قِيل عن صلاة الفجر إنّها الفاضحة؛ لأنّها تميّز المؤمنين الحريصين الذين ينالون فضل المحافظة عليها، عن أولئك الذين يتثاقلون عن أدائها،وتسمّى صلاة الفجر بصلاة الصبح، فهُما فريضةٌ واحدةٌ.
يُؤدّي المسلم صلاة الفجر في المسجد جماعةً، أو في البيت، ويجوز لمن يُؤدّيها في البيت أن يُؤدّيها بمُجرّد قول المُؤذّن: "الله أكبر"؛ فهي إعلامٌ بدخول الوقت، ولا يُشترط انتظار انتهاء المؤذّن، إلّا أنّ من السنّة أن يُردّد المسلم عقب المؤذّن، ويدعو بالدعاء المأثور: (اللَّهُمَّ رَبَّ هذِه الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، والصَّلاةِ القائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الوَسِيلَةَ والفَضِيلَةَ، وابْعَثْهُ مَقامًا مَحْمُودًا الذي وعَدْتَهُ)، وإن صلّاها في جماعةٍ وكانت الصلاة قائمةً، فلا يشتغل عنها بصلاة تحيّة المسجد، أو السنّة القبليّة لصلاة الفجر؛ لقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فلا صَلَاةَ إلَّا المَكْتُوبَةُ)، وإن شاء قضى السنّة بعد الفرض.
وصلاة الفجر المفروضة ركعتان؛ يبدأهما بتكبيرة الإحرام، وذلك بقول: "الله أكبر"، ثمّ يقرأ سورة الفاتحة، ويُسَنّ أن يقرأ بعدها بطِوال المُفصَّل من سور القرآن؛ من سورة الحُجرات إلى آخر سورة البروج، أو ما بين الستّين آيةً إلى المئة؛ لِما ثبت في صحيح البخاري عن أبي برزة الأسلمي -رضي الله عنه-: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُصَلِّي الصُّبْحَ وأَحَدُنا يَعْرِفُ جَلِيسَهُ، ويَقْرَأُ فيها ما بيْنَ السِّتِّينَ إلى المِائَةِ)، وذلك في حال الحضر، أمّا في السفر، فيقرأ المُصلّي ما شاء من القرآن بعد الفاتحة؛ فقد ثبت أنّ النبي -عليه الصلاة والسلام- صلّى الصبح بالمُعوَّذتَين في سفره. ثمّ يُكبّر للركوع رافعاً يديه، ويُسبّح في ركوعه قائلاً: "سبحان ربّي العظيم" ثلاثاً على الأقلّ، ثمّ يُكبّر رافعاً يديه، مُعتدلاً من الركوع، قائلاً: "سمع الله لمن حَمِده، ربّنا لك الحمد"، ثمّ ينتقل إلى السجود، ويُسبّح قائلاً: "سبحان ربّي الأعلى" ثلاثاً، وهكذا في الركعة الثانية، ثمّ يجلس في نهايتها للتشهُّد، والصلاة الإبراهيميّة، ثمّ يُسلّم عن يمينه وشِماله.
سُنّة الفجر ركعتان يركعهما المسلم قبل الفريضة، وقد وردت عن الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- عدّة أحاديث ترغّب فيهما، منها قول رسول الله: (رَكْعَتَا الفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَما فِيهَا)، وهما سبب لدخول الجنة إن أدّاهما المسلم مع بقية النوافل، وذلك كما ورد في الحديث: (من ثابرَ على اثنتي عشرةَ رَكعةً في اليومِ واللَّيلةِ دخلَ الجنَّةَ أربعًا قبلَ الظُّهرِ، ورَكعتينِ بعدَها، ورَكعتينِ بعدَ المغربِ، ورَكعتينِ بعدَ العشاءِ، ورَكعتينِ قبلَ الفجرِ)، ويُسَنّ للمُصلّي أن يقرأ في الأولى بعد الفاتحة قوله -تعالى-: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّـهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) وفي الثانية قوله -تعالى-: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّـهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّـهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)، وله أن يقرأ في الأولى بسورة الشرح، وفي الثانية بسورة الفيل، أو بسورتَي الكافرون والإخلاص.
تُعَدّ صلاة الفجر من مواطن الجهر بالصلاة؛ فقد اتّفق الفقهاء على أنّه يُسَنّ الجهر بالقراءة في الفجر للإمام، أمّا المنفرد في صلاته فيُخيّر بين الجهر والإسرار في الصلاة الجهرّية، والجهر أفضل؛ سواءً كان يُصلّيها أداءً، أو قضاءً، في وقتها، أو في غيره، وللعلماء في ضبطِ حدّ الجهر والإسرار فيها أقوال عدّة، بيانها فيما يأتي:
أمّا بالنسبة للجهر والإسرار حال القضاء؛ فإن قُضِيت الفجر ليلاً فيُجهَر بها، واختلف العلماء في أقوالهم إن قُضِيت نهاراً؛ فقِيل إنّها تُقضى سرّاً؛ بالنظر إلى وقت القضاء، وقِيل تُقضى جهراً؛ بالنظر إلى الأصل فيها.
تعريف القنوت
للقنوت في اللغة عدّة معانٍ، منها: الطاعة، والصلاة، وطول القيام، والسكوت أثناء الصلاة، وأشهرها الدعاء، فالقانت هو الداعي، أمّا القنوت في الشرع، فهو: الدعاء في الصلاة بموضعٍ مخصوصٍ، وينحصر في صلاة الصبح، وصلاة الوتر، وحين النوازل.
حكم قنوت الفجر
قنوت صلاة الفجر عند أهل العلم موضع اختلاف في الآراء تبعاً لأدلة كلّ منهم، وخلاصة أقوالهم في المسألة كما يأتي:
صيغة القنوت
وردت عدّة صِيغٍ لدعاء القنوت، وفيما يأتي ذكرٌ لبعضها:
صلاة الفجر أو صلاة الصُّبح، والصُّبح في اللغة يُراد به: أوّل النهار، كما يُطلَق عليها صلاة البرد، ولها خمسة أوقاتٍ؛ بالنظر إلى حُكمها، وبيان ذلك فيما يأتي:
أول وقت صلاة الفجر
يبدأ وقت صلاة الفجر بطلوع الفجر الثاني، ويُسمّى الفجر الصادق، وذلك كما ورد في الحديث الذي رواه أبو هريرة عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم-، حيث قال: (إنَّ للصلاةِ أولًا و آخرًا، وإنَّ أولَ وقتِ الفجرِ حين يطلعُ الفجرُ، وإنَّ آخرَ وقتِها حين تطلعُ الشمسُ)، وهو الوقت ذاته الذي يُمسك فيه الصائم، ويُفرَّق بين الفجر الأول والثاني بثلاثة أمورٍ، هي:
آخر وقت صلاة الفجر
يمتدّ وقت صلاة الفجر إلى ما قبل طلوع الشمس؛ وذلك لِما ثبت عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم-: (ووَقْتُ صَلاةِ الصُّبْحِ مِن طُلُوعِ الفَجْرِ ما لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ)، وتُكرَه الصلاة بعد صلاة الصبح وطلوع الشمس من جهة الفعل والزمان، وتنتهي الكراهة بتمام طلوع الشمس، وكماله
موسوعة موضوع