صفات الفائزين بالأجر والثواب من الله

الكاتب: مروى قويدر -
صفات الفائزين بالأجر والثواب من الله

صفات الفائزين بالأجر والثواب من الله.

 

 

احتساب الثواب والتقرب من الله عزَّ وجل:

 

إنَّ العبودية لله تعالى، واحتساب الأجر منه وحده من أجلِّ العبادات القلبية، التي من شأنها أن تزيد الإخلاص وتُقوّي الإيمان، وإذا قويت العبودية في القلب؛ سهُل على العبد القيام بالطاعات واجتناب المحرّمات، واتَّصف بمكارم الأخلاق من الصدق والعفة والرحمة، فالعبودية خير معين للنفس على صعوبات الحياة التي لا تتوقف، فيغدو العابد لله -تعالى- راضياً حتى في أشدِّ الأوقات، كما أنَّها تُبعده عن الرياء، فلا يفعل الخير طلباً للثناء من الناس، وإنَّما يتلذذ بعبادة الخفاء ويكتفي باستشعار قُرب الله -تعالى- ورضاه، ومن الأحاديث التي تدعو إلى طلب الأجر من الله وحده، قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمالُ بالنياتِ، وإنما لكلِّ امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرتُه إلى دنيا يصيُبها، أو إلى امرأةٍ ينكحها، فهجرتُه إلى ما هاجر إليه).


ومن المواقف التي تُظهر عظم العبودية في نفوس الصحابة الكرام، قول أم حارثة للنبي -صلى الله عليه وسلم وقد تُوفي ابنها حارثة وهو غلام: (يا رسولَ اللهِ، قد عرفت منزلة حارثة مني، فإن يكن في الجنة أصبر وأحتسب، وإن تكن الأخرى تر ما أصنع؟ فأجابها النبي -صلى الله عليه وسلم: ويحك، أو هبلت، أو جنة واحدة هي، إنها جنان كثيرة، وإنه في جنة الفردوس) وقد كان السلف يقاربون الخطى عند ذهابهم للمسجد احتساباً للأجر من الله تعالى، ففي كل خطوة تُخطى للمسجد تُرفع درجة وتُحط خطيئة، وهذا الاحتساب يُخفِّف من مشقة العبادة ويزيد من الرغبة فيها، بتحويل العادات إلى عبادات، يقول الصحابي معاذ بن جبل: (أما أنا فأنامُ وأقومُ، فأحتَسِبُ نوْمتي كما أحتَسِبُ قوْمتي).

 

صفات الفائزين بالأجر والثواب من الله:

 

عندما وصل النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة المنورة، وجد أهلها يحتفلون بالكثير من الأعياد، فأخبرهم أنَّ الله -تعالى- أبدلهم بعيدَيّ الفطر والأضحى، وتأتي هذه الأعياد بعد مواسم الطاعات؛ لإدخال الفرح والسرور على قلوب المسلمين بعد قيامهم بالعبادات التي افترضها الله -تعالى- عليهم، يقول الله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ)، ويقول السعدي في تفسير هذه الآية: (أي لا يفوز بالمطلوب، ولا ينجو من المرهوب، إلا من اتصف بصفاتهم وتخلق بأخلاقهم)، فالقرآن الكريم هو دستور المسلمين الذي وضَّح أسباب الفوز وصفات الفائزين في الكثير من آياته، فالصابرين على البلاء والطائعين لله -تعالى- بفعل الواجبات وترك المحرمات هم الفائزين؛ لفعلهم أسباب الثواب وتركهم أسباب العقاب، أمَّا من غفل عن ذكر الله -تعالى- فهو في شقاء دائم في الدُنيا، وعذابٍ مُقيم في الآخرة.


وينحصر مفهوم الفوز في أذهان البعض بأنه المتع الزائلة في هذه الدنيا الفانية؛ من فوز تجاري أو فوز في مباراة رياضية وغير ذلك، ويغيب عن أذهانهم أنَّ الفوز الحقيقي يكون عند لقاء الله -تعالى- وتحصيل المرغوب والنجاة من المرهوب، وهذا الفوز لا يكون إلا لأهل الجنة في ذلك المشهد الرهيب الذي يُنصب فيه الصراط، فينقسم الناس إلى أقسام، فمنهم من يَمر عليه كطرفة عين أو كالبرق، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يكون مروره كأجاويد الخيل، وكذلك من يمر جريا أو مشيا أو زحفا، وهذا التباين يعود إلى اختلافهم في الأعمال في هذه الدنيا، فتفكر في حالك في وأنت صائر إلى هذا المقام لا محالة، فمنهم ناجٍ مسلم، ومنهم من تلفحه النار وتخدشه، ثمَّ يُطلقه الله -تعالى- بعد ذلك من العذاب، ومنهم من يُدسّ في نار جهنم.


أمَّا صفات الفائزين فهي أربع صفات وردت في كتاب الله تعالى، وما اجتمعت هذه الصفات في عبد إلا كان من الفائزين، أُولاها: طاعة الله -تعالى- وإيثار أمره في النفس على جميع المُتع والشهوات، وثاني هذه الصفات: طاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- وتقديم محبته على النفس والمال والأهل والولد، والثالثة: الخوف من الله -تعالى- في السر والعلن، والرابعة: تقوى الله -تعالى- والبعد عن المعاصي والآثام، يقول تعالى: (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا* حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا* وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا* وَكَأْسًا دِهَاقًا* لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا* جَزَاءً مِّن رَّبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا).

 

أبواب تحصيل الأجر والثواب وتكفير السيئات:

 

الناس في الدُنيا في حاجة دائمة للتطهير من التقصير في حق الله تعالى، المُتَّمثل بالوقوع بالمحرمات وترك الواجبات، مما يؤدي إلى خلل في العبودية، فيبتلي الله -تعالى- عباده لجبر هذا الخلل، فتكون عموم المصائب التي تُصيب الناس من الهموم والغموم كفارة من الذنوب والمعاصي على اختلاف مواقف الناس من هذه المصائب، فمنهم من يسخط على قضاء الله -تعالى- الذي له ملك السماوات والأرض، ومنهم من يصبر ويتحمَّل المصيبة، رغم أنَّه يرى صعوبتها، ومنهم من يرضى بها؛ لأنَّها من الله تعالى، دون أن يحمل في قلبه حسرة أو ندم، ومرتبة الرضا أعلى من الصبر، فالراضي ينظر إلى من أُصيب بما هو أعظم من المصائب، فيشكر الله تعالى، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (انظروا إلى من هو أسفلَ منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقَكم، فإنه أجدَرُ أن لا تزدَروا نعمةَ اللهِ عليكم).


والراضي يعلم أنَّه يحصل له بالمصيبة تكفير السيئات، وأنَّ الله -تعالى- يبتلي العباد على قدر إيمانهم، فأكثر الناس بلاءً هم الأنبياء ثمَّ الصالحون ثمَّ الأمثل فالأمثل، أمَّا إذا ارتكب المسلم ما يوجِب الحد أو التعزير كان هذا العقاب كفارة للذنب في الدنيا فلا يُعاقب عليه بالآخرة، كما أنَّ التوبة النصوح كفارة، فلا يُستحب لمن ارتكب معصية في حق الله -تعالى- وقد ستره، أن يهتك هذا الستر، وإنَّما عليه أن يستر نفسه ويكتفي بالتوبة، لهذا كره النبي -صلى الله عليه وسلم- إقرار الغامدية وماعز -رضي الله عنهما- على فعل الزنا، كما أن الخلل بالفرائض يُجبر بالنوافل وهكذا الحال في جميع العبادات، ومن أسباب تحصيل الأجر القيام بالأعمال الصالحة والهَمَّ بها، فمن همَّ بالصيام أو الصدقة أو العمرة، ثمَّ عدَل عن القيام بالعمل لعجزه، كان أجره مثل أجر العامل.

شارك المقالة:
60 مشاهدة
المراجع +

موسوعة موضوع

هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook