في الإسلام يحق لولاة الأمر بل عليهم أن يحموا أراضي معينة، إذا كان في حمايتها مصلحة عامة كإدارة المراعي والغابات وكذلك تجمعات المياه والحيوانات الفطرية والمحافظة عليها. وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحميات الخاصة بزعماء العشائر، وهي المحميات التي لا ينتفع منها سوى زعيم القبيلة دون ضعفاء قومه. وشرع صلى الله عليه وسلم وقف أراض في سبيل الله للمصالح العامة، كما زاد عليها الخلفاء الراشدون من بعده. فعلى ولاة الأمر أن يحموا أهم الأراضي وأنسبها لإصلاح المراعي وإدارتها ولرعاية الحيوانات الفطرية وإنمائها، ولحماية الغابات والتشجير فيها، وللمحافظة على تجمعات المياه وتحسينها، ولولاة الأمر في داخل هذه المحميات أن يمنعوا التعمير وقطع الشجر والرعي والصيد أو أن يقيدوه بحسب الأهداف المعينة لكل حمى.

 

وقد أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم مكة المكرمة منطقة محمية يحرم فيها التعدي على الأحياء إلا ما استثني من ذلك، وفيما يأتي بعض نصوص الحديث التي تلقي الضوء على ذلك:

 

/ 32 "عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّه عَنْهمَا قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ افْتَتَحَ مكة المكرمة: لا هِجْرَةَ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا فَإِنَّ هَذَا بَلَدٌ حَرَّمَ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لأحَدٍ قَبْلِي وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلاَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا يُعْضَدُ شَوْكُهُ وَلا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ وَلا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إِلاّ مَنْ عَرَّفَهَا وَلا يُخْتَلَى خَلاهَا. قَالَ الْعَبَّاسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلاّ الإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَلِبُيُوتِهِمْ قَالَ إِلا الإِذْخِرَ" / 32  

 

وفي رواية أخرى: / 32 "عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّه عَنْهمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مكة وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلا لأَحَدٍ بَعْدِي، وَإِنَّمَا حَلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، لا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلا يُعْضَدُ شَجَرُهَا وَلا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلا يُلْتَقَطُ لُقْطَتُهَا إِلا لِمُعَرِّفٍ، وَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِالْمُطَّلِبِ: إِلا الإِذْخِرَ لِصَاغَتِنَا وَلِسُقُفِ بُيُوتِنَا، فَقَالَ: إِلا الْإِذْخِرَ، فَقَالَ عِكْرِمَةُ: هَلْ تَدْرِي مَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا هُوَ أَنْ تُنَحِّيَهُ مِنَ الظِّلِّ وَتَنْزِلَ مَكَانَهُ، قَالَ عَبْدُالْوَهَّابِ عَنْ خَالِدٍ لِصَاغَتِنَا وَقُبُورِنَا" / 32  

 

"عن عبَّاد بن تميم عن عمه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن إبراهيم حرَّم مكة ودعا لها وإني حرَّمت المَدِيْنَة كما حرَّم إبراهيم مكة"  

 

وعن جَابِرٍ قَالَ / 32 جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الضَّبُعِ يُصِيبُهُ الْمُحْرِمُ كَبْشًا وَجَعَلَهُ مِنْ الصَّيْدِ) / 32  . 

 

وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ (أَنَّ رَجُلا جَاءَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ إِنِّي أَجْرَيْتُ أَنَا وَصَاحِبٌ لِي فَرَسَيْنِ نَسْتَبِقُ إِلَى ثُغْرَةِ ثَنِيَّةٍ فَأَصَبْنَا ظَبْيًا وَنَحْنُ مُحْرِمَانِ فَمَاذَا تَرَى فَقَالَ عُمَرُ لِرَجُلٍ إِلَى جَنْبِهِ تَعَالَ حَتَّى أَحْكُمَ أَنَا وَأَنْتَ قَالَ فَحَكَمَا عَلَيْهِ بِعَنْزٍ)  .  والرجل الذي كان بجانبه هو عبدالرحمن بن عوف.

 

وعَنْ اَبِي الزُّبَيْرِ (أنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَضَى فِي الضَّبُعِ بِكَبْشٍ وَفِي الْغَزَالِ بِعَنْزٍ وَفِي الأرنب بِعَنَاقٍ وَفِي الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ)  

 

وعن الأجلح بن عبداللّه عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال / 32 في الضبع إذا أصابه المحرم كبش وفي الظبي شاة وفي الأرنب عناق وفي اليربوع جفرة قال والجفرة التي قد أرتعت) / 32  

 

وعن ابن جريج، عن عطاء أن عثمان بن عبيدالله بن حميد قتل ابن له حمامة، فجاء ابن عباس، فقال له ذلك، فقال ابن عباس: (تذبح شاة فتصدق بها، قال ابن جريج: فقلت لعطاء: أمن حمام مكة؟ قال: نعم)  .

 

ويتضح من هذه النصوص قدم حمى حرم مكة المكرمة إذ إن النبي إبراهيم عليه السلام هو الذي حماه كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبهذا فهي محمية مقدسة سابقة لنظام المناطق المحمية الدولي الذي بدأ بأول محميَّة وطنية بالعالم وهي محمية يلوستون (Yellowstone) عام 1289هـ / 1872م