حركة التعليم والصحافة والطباعة والاتصال بالعالم الخارجي بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
حركة التعليم والصحافة والطباعة والاتصال بالعالم الخارجي بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

حركة التعليم والصحافة والطباعة والاتصال بالعالم الخارجي بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية.

 
 
لقد أجمع كل من أرَّخ للمدينة المنورة على أن المسجد النبوي كان جامعة الإسلام الأولى التي تخرج فيها كثير من العلماء والفقهاء والأدباء والكتّاب، إذ كان الرسول صلى الله عليه وسلم المعلم الأول، والصحابة ومن تبعهم ينهلون من معينه الصافي، وما زال كذلك حتى الأمس القريب قبل أن تفتح المدارس الرسمية الحكومية في العهد السعودي  
 
كانت البداية الحقيقية للنهضة الثقافية العامة بالمدينة وبمنطقة الحجاز مع نهايات الحكم العثماني وبداية العهد الهاشمي، فالعهد السعودي، فقد أنشئت المدارس وصدر عدد من الصحف، وزاد اتصال أدباء الجيل الجديد بكتابات أبرز الأدباء في بلاد الشام ومصر وفي المهاجر. وما أذكى روح الانطلاق والتجديد لدى هذا الجيل شيوع خطابات التقدم والتحديث والإصلاح والنهضة لدى مختلف النخب السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية في عموم المشرق العربي الذي كان ينتقل من مرحلة تاريخية إلى أخرى. وحينما نجد اليوم أصداء قوية لأفكار جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وطه حسين والعقاد والمازني وأحمد شوقي.. وغيرهم، في كتابات أدباء الجيل الأول من رواد حركتنا الثقافية في الحجاز، فما ذلك إلا لقوة هذا التواصل من جهة، ولإعجابهم بأولئك الرموز من جهة ثانية، وقد كانت مطالب التجديد في الأدب، من حيث أساليب الكتابة وأشكالها ومضامينها، تمثل الوجه الآخر لدعوات التجديد والإصلاح في مختلف مستويات الحياة اليومية للفرد والمجتمع، وخصوصًا بعد نشوء الكيان الوطني الجديد المتمثل في الدولة السعودية الثالثة، وكأن روح المرحلة كلها تدفع الجميع في هذا الاتجاه.
 
ومن أشهر الأدباء الذين زاروا المدينة المنورة في العهد السعودي، وتركت زيارتهم أثرًا في فكرهم وأعمالهم: الدكتور محمد حسين هيكل، والدكتور طه حسين، وعلي أحمد باكثير، وأحمد رضا حوحو  ،  وغيرهم.
 
يذكر الأستاذ علي حافظ أنه في أيام دراسته في المسجد النبوي كانت العلوم الإسلامية والعربية والرياضيات والفلك والتاريخ تدرس في نحو عشرين حلقة  على يد علمائه وفقهائه من بعد صلاة الفجر حتى صلاة العشاء، وذكر بعض أسماء أولئك العلماء من بينهم: عبد الجليل برادة، وإبراهيم أسكوبي، ومحمد الطيب الأنصاري، وعبد الرحمن الإفريقي، ومحمد علي التركي، ومحمد الزغيبي، وحسن الشاعر، ومحمود شويل، وجعفر الكتاني  . 
 
وقد عاصر كثيرون بعض هؤلاء العلماء، منهم: عبد الرحمن الإفريقي، ومحمد علي التركي، ومحمد علي الحركان، ومحمد الأمين الشنقيطي، إذ كانوا يلقون دروسهم بين صلاتي المغرب والعشاء قبل أن تنشئ الدولة هيئة الإشراف على الحرمين الشريفين، وتنظم الدروس التي تلقى فيهما، ولعل من أشهر العلماء المعاصرين في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبا بكر الجزائري، وعطية محمد سالم.
 
لا غرابة إذًا أن يكون الجو العلمي والثقافي مشبعًا في هذه البلدة الطاهرة، وأن يفد إليها من يؤسس فيها المدارس الأهلية التي تقوم بتعليم التلاميذ في المرحلة الإعدادية أو ما بعدها، ثم يكملوا دراستهم المتعمقة في حلقات المسجد النبوي، فهناك (مدرسة العلوم الشرعية) التي أسسها الشيخ أحمد الفيض أبادي عام 1340هـ / 1921م الذي ولد في الهند وهاجر مع والده إلى المدينة المنورة عام 1316هـ / 1898م، ومنذ ذلك الوقت وفي ذهنه مشروع إنشاء مثل هذه المدرسة "لتعليم أبناء هذه البلدة الطاهرة ما يعيد لهم مجد أسلافهم في ناحيتي العلم والعمل"  .  و (مدرسة دار الحديث) التي أسسها الشيخ أحمد الدهلوي عام 1350هـ / 1931م، وكان هو أيضـًا قد هاجر إلى المدينة المنورة من مدينة دلهي بالهند عام 1345هـ / 1926م، وقد افتتحها بترخيص من الملك عبد العزيز رحمه الله، لحاجة البلاد في ذلك الوقت لتخريج المتخصصين في علوم القرآن والحديث لمؤازرة الدولة السعودية في دحض الخرافات والبدع التي كانت منتشرة وقتذاك  .  و (مدرسة النجاح الأهلية) التي أسسها الأستاذ عمر عادل عام 1353هـ / 1934م، وهو تركي الأصل هاجر إلى المدينة عام 1347هـ / 1928م وعمل مدرسًا في مدرسة العلوم الشرعية إلى أن أنشأ المدرسة المذكورة. وأخيرًا مدرسة (دار الأيتام) التي أسسها الشيخ عبد الغني دادا بإذن من الملك عبد العزيز عام 1352هـ / 1933م، مساهمة منه في رعاية أبناء البادية من اليتامى بعد أن أصاب ديارهم قحط شديد عامي 1350 - 1351هـ / 1931 - 1932م فمات منهم كثير. وكانت الدار تعلمهم وتؤويهم وتكسبهم بعض الصناعات التي كانت رائجة في ذلك الوقت  .  هذه المدارس تحولت فيما بعد إلى مدارس حكومية أو تحت إشراف وزارة المعارف حينذاك، وهي لا تزال تقوم بعملها خير قيام.
 
ولا يقتصر التعليم على البنين، فقبل افتتاح مدارس البنات الحكومية بعد إنشاء الرئاسة العامة لتعليم البنات، كان هناك في المدينة كثير من الكتاتيب الأهلية لتعليم البنات، وصل عددها - حسب دراسة قامت بها إحدى الأكاديميات المتخصصات - سبعة وأربعين كتّابًا. وقد شجعت الحكومة صاحبات تلك الكتاتيب بمنحهن مكافآت شهرية لتطوير كتاتيبهن، كما أنها كرمت رائدات تلك الكتاتيب بالسماح لهن بالعمل في مدارس البنات الرسمية عند افتتاحها  
 
ولا غرابة أيضًا أن يتخرج في المسجد النبوي الشريف كل أدباء المدينة وشعرائها الذين عاصروا الحكم العثماني والهاشمي ثم الحكم السعودي، ومنهم: محمد حسين زيدان، عبد القدوس الأنصاري، ضياء الدين رجب، عبيد مدني، أحمد العربي، علي حافظ، عثمان حافظ، أمين مدني، وهؤلاء من الرعيل الأول، أما من الجيل المخضرم فتبرز أسماء، ومنهم: محمد هاشم رشيد، حسن مصطفى الصيرفي، عبد الرحمن رفه، ومحمد العامر الرميح، ولنا عودة تفصيلية عن هؤلاء الأدباء وغيرهم.
 
هذا الوعي الحضاري الذي ينم عن دراية علمية وثقافية عميقة، تجلى أيضًا في أمثلة عدة، منها:
 
 إنشاء أول مدرسة نظامية غير حكومية في البادية: فقد أسس الأخوان علي وعثمان حافظ (مدرسة الصحراء الخيرية في المسيجيد) على بعد 83كم في طريق المدينة - جدة القديم، عام 1365هـ / 1945م، وبعد بداية صعبة زاد الإقبال عليها إلى أن سلمها المؤسسان إلى وزارة المعارف - حينذاك - عام 1381هـ / 1961م، وقد التحق عدد من خريجيها بسكة حديد المملكة العربية السعودية وابتعثوا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وأصبحوا من كبار العاملين في ذلك المرفق المهم  
 
 تأسيس أول صحيفة غير حكومية في المدينة المنورة، وهي صحيفة المدينة المنورة لصاحبيها علي وعثمان حافظ عام 1356هـ / 1937م تزامنًا مع إنشاء أول مطبعة كبيرة في المدينة، وسنفصل القول في هذا الموضوع لاحقًا. وقد كان فخري باشا قد أسس صحيفة الحجاز لعدم اكتمال بناء مطبعة الكلية الإسلامية بسبب الحرب العالمية الأولى. وكانت الصحيفة تنشر الحملات الصحفية على حكم الأشراف فيما بعد  . 
 
 صدور أول كتاب حديث عن آثار المدينة المنورة للأستاذ عبد القدوس الأنصاري عام 1353هـ / 1935م.
 
 صدور أول مجلة أدبية ثقافية في المملكة وهي مجلة المنهل عام 1356هـ / 1937م لصاحبها عبد القدوس الأنصاري، وسنعود لتفصيل الحديث عنها فيما بعد.
 
 تبرعات عدد كبير من أهل المدينة، وبصفة مستمرة، لمدرسة النجاح الأهلية. وكانت تراوح التبرعات بين ريال واحد وعشرة ريالات، والمتوسط خمسة ريالات. فإذا قيست قيمة الريال الشرائية في ذلك الوقت بقيمته في الوقت الحاضر، وهي أكثر من عشرين ريالاً، تبين مقدار التضحيات التي بذلها أهل المدينة في سبيل نشر العلم والثقافة. ولم تكن كل التبرعات مادية، فمنهم من تبرع بالتدريس، فعلى سبيل المثال: الشيخ حسن الشاعر، مدرس تجويد في القسم الابتدائي، والأستاذ حمزة زاهد، مدرس العلوم الاجتماعية، والأستاذ حسام الدين مدير البريد في المدينة، مدرس اللغة الإنجليزية، كما تبرع لهذه المدرسة ممن زارها من خارج المملكة، مثل: سمو حاكم البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، والسيد شكري القوتلي حين كان وزيرًا للمالية والدفاع في سورية، والسيد طلعت حرب باشا رائد النهضة الصناعية والاقتصادية في مصر، ومن داخل المملكة: أمير المدينة المنورة بالإنابة عبد العزيز بن إبراهيم، والشيخ محمد سرور الصبان وزير المالية، والشيخ عبد الله بن حسن رئيس القضاة، رحمهم الله جميعًا 
 
 في السبعينيات الهجرية من القرن الماضي (الخمسينيات الميلادية من القرن العشرين) قرر طلاب المدينة المنورة المبتعثون للدراسة إلى جامعات مصر الاستفادة من أشهر العطلة الصيفية في مساعدة طلاب المدارس المتوسطة والثانوية في المدينة الذين لم ينجحوا في امتحانات الدور الأول، بتدريسهم في فصول منتظمة، كل حسب تخصصه، سواء في العلوم الإنسانية أو العلمية. وقدم لهم مدير التعليم بالمنطقة الأستاذ عبد العزيز الربيع - رحمه الله - مبنى المعهد العلمي السعودي في حارة السحيمي للقيام بمهمتهم. ولم يكن التدريس مقصورًا على المكملين بل كانت هناك أيضًا فصول تقوية للناجحين المنقولين إلى مراحل تالية، وكان الإقبال على الدراسة جيدًا، ما حمل هؤلاء الجامعيين على إنشاء هيئة للإشراف على التدريس سمّوها (المؤسسة الثقافية).
 
وفي السنة التالية لبدء نشاطهم قرروا توسيع ذلك النشاط ليشمل الطالبات، فأسسوا أول مدرسة بنات ابتدائية منتظمة قبل بدء الدراسة الحكومية الرسمية للبنات، واختاروا لها اسم (مدرسة أمهات المؤمنين)، قام بإدارتها أحدهم وهو الأستاذ يحيى الأيوبي عن طريق زوجته الفاضلة التي كانت تديرها، ويقوم بالتدريس فيها مدرسات مقيمات مع أزواجهن أو متعاقدات، والمنهج الدراسي هو منهج وزارة المعارف حينذاك.
 
وبمساعدة الأستاذ عبد العزيز الربيع قامت الوزارة بدعم المؤسسة ومشروع المدرسة ماديًّا وعينيًّا، ما ترتب عليه زيادة الإقبال على المدرسة لدرجة أنها لم تستطع أن تلبي طلب كل من تقدم إليها، وفي نهاية العطلة الصيفية كانت تقام حفلة تقدم فيها مسرحيات اجتماعية (كوميدية) يدعى إليها المثقفون والأدباء.
 
شارك المقالة:
39 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook