تطور العمران في منطقة نجران في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
تطور العمران في منطقة نجران في المملكة العربية السعودية

تطور العمران في منطقة نجران في المملكة العربية السعودية.

 
على الرغم من الزيادة الكبيرة في أعداد السكان في العالم وتطور الإنسان حضاريًا وتقنيًا - مع اختلاف درجات التطور - إلا أن الإنسان ما زال يتركز في أمكنة ومناطق معينة على سطح الكرة الأرضية يراها ذات أفضلية مكانية أكثر من غيرها من حيث تلبية حاجاته في العيش وإعمار الأرض، ويتفاوت نمط العمران من خيام بدوية مبعثرة إلى هجر، وقرى، ومدن، وبلدان.
 
وقد كانت (شبه الجزيرة العربية) من أولى مراكز الاستيطان البشري على سطح الأرض التي شهدت البدايات الأولى للحضارة الإنسانية  ؛  فقد كانت بيئتها أكثر ثراء بالأمطار، ومصادر المياه، والنبات الطبيعي والحيوان الفطري؛ وبخاصة منذ عصر البلايستوسين حتى تراجع الجليد شمالاً عند العروض الوسطى إلى مواطنه القطبية وزحفت معه الأقاليم المناخية شمالاً  .  وعمَّ الجفاف معظم أرجاء شبه الجزيرة العربية، ولجأ السكان إلى التركز حول مصادر المياه في الأودية والواحات، أو ممارسة الترحال طلبًا للمرعى في البوادي.
 
ولأن (شبه الجزيرة العربية) كانت من أقدم مراكز الاستقرار البشري وكانت مهدًا للحضارة الإنسانية، فإنها تزخر بوجود مجموعة كبيرة من الآثار التي تعكس تطورًا حضاريًا مطردًا ومتناميًا ومتواصلاً في حركة العمران وانتشاره في مختلف أرجائها على الرغم من تقلبات البيئة واختبارها المتصل لإرادة الإنسان وقدرته على إعمار الأرض. وقد كشفت بعض التنقيبات الأثرية في منطقة نجران عن مواضع مراكز عمرانية كثيرة تعود إلى فترة الحضارة الألدوانية التي كانت في العصر الحجري القديم (قبل أكثر من مليون سنة) وذلك في وادي حصنة  
 
ويُعد العصر الحجري الحديث 9000 - 3400 ق.م من الفترات المهمة في تاريخ الاستقرار الاستيطاني في (شبه الجزيرة العربية)، حيث تميز بظهور القرى الزراعية بعد النقلة الحضارية الكبرى التي حققها الإنسان وتمثلت في الانتقال من الجمع والالتقاط إلى اكتشاف الزراعة وإنتاج الغذاء، ثم التحول من سكن الكهوف والجبال إلى سكن السهول والتركز بالقرب من مجاري الأودية ومصادر المياه  
 
وتمثل المنطقة صورة مثلى لهذا التحول الحضاري، حيث تحيط بها جبال عالية بحوافها الشمالية الغربية والجنوبية وتسيل منها بعض الأودية من أهمها وادي نجران الذي يقعُ في أرض سهلية منبسطة خصبة، فكانت بذلك من المناطق التي شهدت نمو القرى الزراعية الأولى في العالم، وفي فترة الألف سنة قبل الميلاد ازدادت كثافة الحركة العمرانية في (شبه الجزيرة العربية) خصوصًا بمحاذاة الطرق التجارية القديمة التي كانت تنقل التوابل والبخور وغير ذلك من عروض التجارة الدولية وقتئذٍ. وقد ظهر كثيرٌ من المراكز العمرانية المسوَّرة (مدن الأسوار) التي كانت مراكز تجارية أو محطات تموين واستراحات مهمة على تلك الطرق.
 
وكانت مدينة نجران الحالية إحدى تلك المدن بسبب موقعها وخصائصها المكانية التي أهّلتها لذلك المنظور العمراني والسكاني  .  فقد تمتعت بموقع إستراتيجي على طريق البخور القديم بين الشرق والغرب، وهي تتوسطُ بين اليمن واليمامة والبحرين والسروات والحجاز، كما وفرت لها بعض أرضها الخصبة ومواردها المائية الوفيرة إنتاجًا زراعيًا كبيرًا ومتنوعًا، إضافة إلى صناعاتها الحرفية المتطورة؛ مما جعلها سوقًا تجارية نشطة ومهمة تقصدها قوافل التجار، ويمتد إقليمها الخدمي إلى خارج شبه الجزيرة العربية. يضاف إلى ذلك مركزها الحضاري الديني، فقد وصلها كثير من الشرائع السماوية والوضعية، مثل: الحنيفية دين إبراهيم عليه السلام، واليهودية، والمسيحية والمجوسية، ومسك الختام الإسلام  .  وقد وصف الهمداني (ت 344هـ/955م) عددًا من المراكز العمرانية القديمة في منطقة نجران  ،  وقد شاركه في ذلك كثير من الرحالة والجغرافيين العرب القدماء، مثل: الإدريسي، وابن رسته، وابن خرداذبة، والبكري، وابن خلدون، والمقدسي، إضافة إلى بعض الرحالة الأوروبيين، مما يعكس أهمية تلك المراكز.
 
ومن أهم تلك المراكز العمرانية: قرية الأخدود الأثرية التي خدّ فيها ذو نواس (وهو آخر ملوك دولة حمير في اليمن) في عام 525م الأخدود، وحرّق فيه كثيرًا من نصارى نجران الذين رفضوا الرجوع إلى اليهودية التي كان يدين بها، كما أردى آخرين منهم بالسيف، وقد قُدِّر عدد ضحايا الأخدود بـ20.000 قتيل  .  وإلى جانب تلك المأساة فإن عدد الضحايا من النصارى - وكانوا أقلية في نجران - يعكس وجود حجم سكاني وعمراني كبير في منطقة نجران. وقد ورد ذكر حادثة الأخدود في القرآن الكريم  
 
وكان ضم منطقة نجران إلى الدولة السعودية الحديثة مرحلة فاصلة في تاريخها العمراني، حيث نعمت بالأمن والتنمية المرادفين للنمو السكاني والعمراني والتطور التنموي. وكانت الطفرة الأكبر في مجال التنمية العمرانية في المنطقة تلك التي تلت عقد التسعينيات الهجرية من القرن الماضي (مرحلة الطفرة البترولية الاقتصادية) حيث عمت المملكة كلها نهضة عمرانية هائلة وسريعة أدت إلى تغيرات جذرية في نمط النسيج العمراني.
ويمكن تقسيم العمران في منطقة نجران إلى قسمين رئيسين، هما: مراكز العمران الريفية، ومراكز العمران الحضرية.
 
شارك المقالة:
43 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook