تطور العمران في منطقة عسير في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
تطور العمران في منطقة عسير في المملكة العربية السعودية

تطور العمران في منطقة عسير في المملكة العربية السعودية.

 
ساعد موقع منطقة عسير في جعلها واحدة من أقدم مناطق الاستقرار والعمران في المملكة وشبه الجزيرة العربية  ،  وهي من أُولى الأقاليم التي عرفت ظاهرة القرى الزراعية الكبيرة في العصر الحجري الأوسط والحديث، وبخاصة إلى الشرق من مدينة خميس مشيط الحالية وفي واديَي تثليث وبيشة، وذلك حين دخل الإنسان مرحلة مفصلية من تاريخه الحضاري باكتشاف الزراعة وإنتاج الغذاء وتجاوُز مرحلة الجمع والالتقاط  
 
وتمثل فترة الألفية الأولى قبل الميلاد المرحلة الأهم في تاريخ العمران في المنطقة، وذلك عندما استوطنتها قبائل مذحج والأزد في هجرتها من اليمن شمالاً وخصوصًا بعد سيل العرم وخراب سد مأرب الشهير، ووجدوا في سرواتها خير عوضٍ عن ديارهم التي هجروها في اليمن  
 
وكان للموقع الجغرافي المتميز لمنطقة عسير التي تتوسط أقاليم حضارية وطبيعية متنوعة (بين الحضارة اليمنية في الجنوب، والحجاز ونجد في الشمال، وبين البحر الأحمر وسهل تهامة الساحلي في الغرب، وحوض نجران في الشرق) دور مهم ومؤثر في أنماط العمران المتميزة في المنطقة، والتي تشربت أنماط العمران في الجنوب والشمال ونجران، وكذلك أساليب الزراعة وإقامة المدرجات والسدود المائية. وفي الماضي ساعد موقعها المتوسط في جعلها ممرًا حيويًا لطرق التجارة الدولية القديمة التي تربط جنوب شبه الجزيرة العربية بشمالها ثم بالشام (رحلة الشتاء والصيف)، ولطرق الحج، ولمسارات الجيوش القادمة من داخل شبه الجزيرة العربية ومن خارجها، وقد نما بعض مدنها وقراها بوصفها استراحات ومراكز تجارية على هذه الطرق، مثل مدينة بيشة التي كانت واحدة من أهم الأسواق والاستراحات على الطريق التجاري الواصل بين نجران ومكة المكرمة، وكذلك مدن أبها وتندحة وتنومة على طريق السروات، وبعض المدن والقرى الأخرى على الطريق الساحلي الواصل بين عدن في جنوب شبه الجزيرة العربية وساحل تهامة حتى مكة المكرمة ثم الشام (رحلة الشتاء والصيف).
 
وما زالت هذه المدن والقرى مزدهرة، وتُعد من أهم المراكز العمرانية في منطقة عسير حتى وقتنا الحاضر، وقد ورد ذكرها في كتابات المؤرخين  .  كما أورد أحد المؤرخين أيضًا أسماء القبائل التي كانت تعيش في سراة عسير والتي لا تزال موجودة بالأسماء والمواقع العمرانية نفسها. إضافة إلى ذلك توجد أطلال متعددة في مواقع متفرقة على الطرق التجارية القديمة وبخاصة طريق ظهران الجنوب - الطائف، وتمثل هذه الأطلال بعض المراكز العمرانية التي اندثرت ومن أهمها: آثار مدينة جُرَش الواقعة على بُعد 3كم إلى الشمال من مدينة أحد رفيدة الحالية، وأبها الحضرية التي عُرفت واشتهرت منذ ما قبل الإسلام بتجارتها وصناعتها المزدهرة، بالإضافة إلى مدينة الجهوة القريبة من مدينة النماص.
 
وقد تطورت حركة العمران في منطقة عسير في القرون الإسلامية الأولى حين استتب الأمن ونشطت الحركة التجارية، وازدهر عدد من المدن التي كان من أهمها مدينة جُرَش التي صارت أكثر المدن ازدهارًا في منطقة عسير حتى القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي، وربما كانت في المرتبة الثانية بعد المدن الكبرى في الحجاز واليمن  .  وبعد ضعف الخلافة الإسلامية وتفككها اضطربت الأحوال السياسية والاقتصادية في المنطقة، وانتشرت الحروب القبلية المحلية والصراعات بين القوى السياسية المختلفة الطامعة في بسط سيطرتها على المنطقة من داخل الجزيرة العربية وخارجها، وكانت النتيجة أن انكمشت حركة العمران حتى قيام المملكة العربية السعودية وضم عسير إلى مسيرة التنمية في الدولة السعودية الحديثة، إذ بدأت نهضة عمرانية حديثة وسريعة عمت مختلف أرجاء المنطقة في حضرها وريفها، مثل باقي مناطق المملكة.
 
 
شارك المقالة:
394 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook