تاريخ البحث الأثري في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
تاريخ البحث الأثري في المملكة العربية السعودية

تاريخ البحث الأثري في المملكة العربية السعودية.

 
 
ترجع بدايات التوثيق الإنساني للأحداث في الجزيرة العربية إلى ما قبل الإسلام، أما البحث الأثري وفق منهج منظم فلا يتجاوز مئة عام الماضية، فقد وصل من الكتابات القديمة المدونة بالخط المسند الجنوبي والشمالي والكتابات الأخرى ما يدل على اهتمام الإنسان بماضيه، ويوثِّق لما حققه من أعمال وأمجاد وانتصارات ومفاخر، ثم ينتقل هذا الاهتمام إلى التوثيق الشفوي، ويُقصد به الشعر الجاهلي والخُطَب النثرية.
وعندما تكونت الدولة الإسلامية ثم ظهرت الدولة الأموية عام 40هـ / 660م ظهر شعراء كبار دوَّنوا أمجاد قومهم ونقائص خصومهم وأعدائهم؛ فنتجت أشعار تتضمن كثيرًا من أخبار الأقوام السابقة ومواطنهم وإنجازاتهم وشخصياتهم.
وبعد استقرار الأوضاع في عهد الدولة العباسية نشطت حركة التأليف، فاهتم عدد من الكُتَّاب والمؤرخين بماضي الجزيرة العربية وسكانها؛ بوصفها موطن الإسلام الأول، وموطن العرب الذين حملوا رسالة الإسلام إلى الأمم الأخرى، فظهرت الكتب البلدانية التي اهتمت بكل مظهر من مظاهر الجزيرة العربية، ففي بعض الكتب يتبدى الاهتمام بالمواضع والأمم التي سكنت تلك المواضع  ،  والطرق التي يسلكها التُّجَّار والحُجَّاج، والقرى والبلدات الواقعة على تلك الطرق والقبائل التي كانت تقطنها، وما فيها من المعالم والآثار  ،  ومن حيث الكتب التاريخية يوجد عدد من الكتب عن الأمم القديمة التي سكنت الجزيرة العربية  . 
وبعد بداية تدوين التاريخ عمومًا في العهد العباسي ظهرت كتب فيها اهتمام بالأمم التي سكنت الجزيرة العربية بما فيها أرض المملكة، فأُمَّات الكتب مثل: تاريخ الأمم والملوك للطبري، والبداية والنهاية لابن كثير، والبدء والتاريخ للمقدسي؛ تحفل بالأخبار عن الأمم التي سكنت الجزيرة العربية، مثل: ثمود، وعاد، وكِندة، وحنيفة، وتميم، وبني عامر، وعَبْس، وأسد، وخثعم، وعدد آخر من القبائل الكبيرة.
ومع حلول العصر الحديث وبداية الاهتمام بالعلوم المختلفة وابتداء النهضة الحديثة بدأ الاهتمام بالآثار، وكانت بدايات هذا الاهتمام بأنشطة هواة أحبُّوا الآثار فبحثوا عنها ودوَّنوا ما شاهدوا، دون أن ينهجوا منهجًا علميًا واضحًا. وكانت الحال بالنسبة إلى المملكة لا تختلف عن ذلك؛ فقد بدأ الرَّحَّالة الأجانب يتوافدون على أراضيها منذ بداية القرن الثالث عشر الهجري / التاسع عشر الميلادي، يدوِّنون ما يلاحظون من آثار خلال ترحالهم، وقد كانت أطرافها الشمالية والشمالية الغربية أوفر نصيبًا من الأجزاء الأخرى التي لم يكن من السهل التغلغل فيها، ولعل من أشهر رحالة تلك الفترة المبكرة الذين اهتموا بالآثار: أوجست والين، وتشارلز داوتي، وبورتن، وبوركهارت، ووليم بالجريف، ولويس بلي  . 
وخلال القرن الرابع عشر الهجري / القرن العشرين الميلادي توغَّل عدد من الرَّحَّالة في المملكة، ولعل من أهمهم على الإطلاق: هاري سنت جون فيلبي (الحاج عبدالله فيلبي) الذي أقام في المملكة عام 1335هـ / 1917م، وبقي فيها إلى ما بعد وفاة الملك عبدالعزيز عام 1373هـ / 1953م، باستثناء فترات قصيرة. وقد استطاع فيلبي أن ينفِّذ عشرات الرحلات في جميع أرجاء المملكة والبلدان المجاورة، وأن يكتب عشرات التقارير والمقالات والكتب التي تضمَّنت كثيرًا من المعلومات عنها، بل كتب بعضها مخصَّصًا لآثار بعض المواقع، مثل: موقع قُريَّة في منطقة تبوك  ،  وآثار الأفلاج في محافظة الأفلاج، والفاو في محافظة وادي الدواسر  ،  وكتابات جبل مأسل الجمح  . 
 
وفيما يأتي استعراض لتاريخ البعثات الأثرية التي نُفِّذت في المملكة:
 
أ - البعثات الأجنبية:
 
1 - بعثة الأبوين:
 
وهي البعثة الفرنسية المكونة من الأبوين جوسن سافينياك في عامَي 1325 و 1332هـ / 1907 و 1914م، وقد أنجزت أعمالاً ميدانية في العُلا ومدائن صالح وتيماء ومواضع أخرى في شمال غرب المملكة، كما أصدرت عددًا من الدراسات أهمها أربعة مجلدات، تُرجم المجلد الأول منها إلى اللغة العربية  . 
 
2 - بعثة فيلبي وريكمانـز وليبنـز:
 
وهي البعثة الإنجليزية المكونة من هاري سنت جون فيلبي، وجورج ريكمانـز، وفيليب ليبنـز، في عامَي 1369 - 1370هـ / 1950 - 1951م. وقد بدأت من جدة وعبرت وسط المملكة إلى مستوطنة الفاو، ثم إلى الأخدود في نجران. وبعد إجراء عدد من الدراسات عادت البعثة أدراجها عبر وسط الجزيرة العربية إلى الرياض، ثم إلى جدة، فأوروبا. ثم نشرت هذه البعثة كثيرًا من الدراسات المتخصصة، وجاء مجمل أخبارها في كتاب نشره فيليب ليبنـز، وقد تُرجم إلى العربية  . 
 
3 - البعثة الكندية:
 
تكونت البعثة الكندية من فردريك وينت ووليم ريد، وشملت أعمالهما الميدانية شمال المملكة وشمال غربها، وأجرت دراسة للنقوش والآثار، ونشرت عددًا من المقالات وكتابًا ظهر عام 1390هـ / 1970م  . 
 
4 - البعثة الدانماركية:
 
عملت هذه البعثة تحت إشراف الباحث الإنجليزي جفري بيبي عام 1388هـ / 1968م، وقد أمضت ثلاثة أشهر في المنطقة الشرقية من المملكة، وقد بدأت بموقع ثاج في شمال المنطقة، ثم تاروت وواحة يبرين وجنوبًا إلى وادي الفاو، حيث نفَّذت بعض الأعمال التنقيبية التي نتج منها تقرير نُشر عام 1393هـ / 1973م تضمَّن النتائج الأولية لأعمال تلك البعثة  . 
 
5 - البعثة الإنجليزية:
 
نفذها بيتر بار ولنكستر هاردنج وجون دايتون عام 1388هـ / 1968م، وقد أجرت مسحًا لشمال غرب المملكة، إذ تمكَّنت من زيارة مواقع: قُريَّة، والبدع، ومغاير شعيب، والخريبة والمابيات في محافظة العُلا، ومدائن صالح، وتيماء. وقد نشرت تقريرين عن أعمالها ظهر أحدهما عام 1390هـ / 1970م  ،  وظهر الآخر عام 1392هـ / 1972م  . 
 
6 - بعثة ألبرت جام:
 
وهو ألبرت جام الباحث المعروف في الكتابات القديمة، وكانت وجهته إلى موقع الفاو في محافظة وادي الدواسر، حيث نسخ عددًا كبيرًا من النقوش ونشرها في عدد من المجلدات  ب - الأبحاث المحلية:
 
1 - جهود فردية:
 
كان لبعض الباحثين السعوديين إسهام في تقديم بعض المعلومات عن الآثار في المملكة ضمن كتب جغرافية وبلدانية؛ ومنهم: حمد الجاسر الباحث المعروف الذي أسهم في الكتابة عن المنطقة الشرقية في كتابه: (المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية: المنطقة الشرقية (البحرين قديمًا))، وعن شمال غرب الجزيرة في كتابه: (في شمال غرب الجزيرة)، وعن مدينة الرياض في كتابه: (مدينة الرياض عبر أطوار التاريخ). ومنهم: عبدالقدوس الأنصاري الذي قدَّم دراسات عن آثار المدينة المنورة ومكة المكرمة في كتابه: (المدينة المنورة: تاريخها وآثارها)، وعبدالله بن محمد بن خميس الذي قدَّم دراسات عن آثار منطقة الرياض في مواقع كثيرة في عدد من الإصدارات منها كتابه: (تاريخ اليمامة)، ومحمد بن أحمد العقيلي الذي أسهم في دراسة آثار منطقة جازان في كتابه: (الآثار التاريخية في منطقة جازان).
وفي عام 1396هـ / 1976م اعتُمدت الخطة الخمسية للمسح الشامل لآثار المملكة، وبُدئ في تطبيقها عام 1397هـ / 1977م. ونتيجةً للخطة الخمسية والخطط التي تلتها تمَّ مسح كثير من المواقع، فكل منطقة من مناطق المملكة تعرَّضت لموسمَيْ مسح على الأقل، وبعضها طاله أكثر من ذلك. ونتج من هذه المسوح نشر تقارير دورية أولية في حولية (أطلال)  التي تصدر عن قطاع الآثار والمتاحف بالهيئة العامة للسياحة والآثار، وصدر منها حتى عام 1427هـ / 2006م 18 عددًا، وفي هذه الأعداد نُشرت التقارير الأولية التي أفادت بوجود مختلف الحضارات البشرية في المملكة بدءًا بالعصر الحجري القديم الأسفل وإلى اليوم.
وبعد انتهاء الأعمال المسحية في بعض المناطق بدأت الأعمال التنقيبية التي شملت مواقع كثيرة من أهمها: ثاج، ومدافن الظهران، والدفي، وتاروت، والربيعية، وواحة يبرين، في المنطقة الشرقية، وموقع تيماء في تبوك، ومواقع خيف الزهرة، وتل الكثيب، والمابيات، ومدائن صالح، في المدينة المنورة، وموقع الأخدود في نجران، وموقعا عثر وسهي في منطقة جازان، وموقع دوقرة في الحدود الشمالية، ومواقع دومة الجندل، والصنيميات، والشويحطية؛ في الجوف، وموقعا الثمامة ووادي صفاقة، في الدوادمي بالرياض
 
2 - جهود جامعية:
 
أسهم قسم الآثار بجامعة الملك سعود (كلية السياحة والآثار حاليًا) - منذ إنشائه عام 1398هـ / 1978م - في مسار البحث الأثري في المملكة، وقد نفَّذ القسم أعمالاً ميدانية تنقيبية في بعض المواقع في مناطق مختلفة. ويُضاف إلى النشاط الميداني للقسم ابتعاثه عشرات الطلاب الذين حصلوا على شهادات عليا، وأسهموا في تقديم كثير من الأعمال البحثية. وعندما بدأ القسم في برنامج الدراسات العليا أسهم في تخريج عدد من الباحثين الذين أصبحوا يعملون في مجالات بحثية كثيرة لها صلة بدراسة الآثار.
ومن الجهود الأثرية لقسم الآثار والمتاحف في جامعة الملك سعود: الحفريات التي أجراها في موقع الفاو بمحافظة وادي الدواسر على مدى 27 موسمًا، وحفرياته في موقع الربذة الإسلامي على مدى 21 موسمًا، وقد نتج من هذه الحفريات كميات كبيرة من المواد الأثرية التي تشكِّل مصدرًا مهمًا للباحثين الأثريين والمؤرِّخين.
كما توجد أعمال أثرية أخرى قام بها أساتذة قسم الآثار، مثل: مشروع عين فرزان في محافظة الخرج الذي وُثِّق في ثلاثة مجلدات.
ويوجد عدد من الرسائل العلمية والأبحاث الأكاديمية التي أعدَّها منسوبو قسم الآثار والمتاحف خارج المملكة وداخلها، وأخرى أعدها بعض موظفي وكالة الآثار والمتاحف، وأعضاء هيئة التدريس وطلاب الدراسات العليا في قسم الحضارة والنظم الإسلامية في جامعة أم القرى.
 
3 - جهود وكالة الآثار:
 
نفذت وكالة الآثار بوزارة التربية والتعليم (الهيئة العامة للسياحة والآثار حاليًا) عددًا من المسوح والتنقيبات الأثرية على مستوى مناطق المملكة؛ ففي منطقة الرياض نَفَّذت مُسُوحًا على بعض المواضع في شمال المنطقة، وجنوبها، وجنوب غربها، وفي محافظات ومراكز: المجمعة، والغاط، والثمامة، ومواقع في شمال غرب المنطقة، وأجرت حفريات في صفاقة في الدوادمي، وأخرى في الثمامة، كما مسحت مواضع حول مدينة الرياض.
وفي المنطقة الشرقية نُفِّذ مسح عام للمنطقة، ومُسُوح في كل من: الجزء الجنوبي، والجزء الشمالي، وجنوب الظهران، وأُجريت تنقيبات في عدد من المواقع في جنوب الظهران وُثِّقت في تقرير مبدئي عن دراسة الكائنات القديمة في موقع الصرار.
أما ثاج فتم مسحها وإجراء أكثر من تنقيب فيها، وإجراء عدد من الحفريات في تل الزاير، كما تتبَّع الباحثون درب الجرهاء، وأجروا تنقيبات في بعض مواقعه، وعثروا على بعض آثاره.
وأجريت مُسُوحٌ وتنقيبات في كل من: موقع الدفي، وتل الربيعة، وسبخة الظبطية، وجوف طويلع.
كما أُجري عدد من المسوح للمنطقة الشمالية، ولدرب زبيدة، وجبة، وموقع دوقرة، وأُجريت دراسة لموقع الرجاجيل  ، ودراسة لمصادر المياه على درب زبيدة، وقُدِّمت تقارير عن حفريات دومة الجندل، والرسوم الصخرية للمنطقة الشمالية، وموقع مجرى الذي يعود إلى العصر الحجري الحديث الأول (البلايستوسيني) بقرية الشويحطية، فضلاً عن الدراسات الجيولوجية الأثرية للحياة البشرية القديمة في الشويحطية، ودراسة تحليلية لبعض الرسوم الصخرية.
أما المناطق الشمالية الغربية من المملكة فقد أُجري فيها عدد من المُسُوح لعموم المنطقة، ودربَي الحج المصري والشامي، ومناطق التعدين غرب الحجاز، وموقع خيف الزهرة، وأُجْريت دراسات عن طبيعة السيادة الدادانية في واحة العلا.
كما أُجْريت تنقيبات في تيماء، والمابيات، والأنباط، ومدائن صالح، والحجر؛ ما أسفر عن العثور على نقوش كوفية، وفخار من موقع البجيدي بتيماء، ورجوم، كما قُدِّمت معلومات عن أنظمة الري والسدود القديمة.
وفي المناطق الجنوبية، والجنوبية الغربية أُجريت مُسُوحٌ في نجران (موقع الأخدود)، وأُجريت تنقيبات في جنوب تهامة، وحُصرت الرسوم والنقوش الصخرية، كما أُجريت دراسة تحليلية للنقوش الواقعة في عشر ذهبان، والمعلمات، وظهران الجنوب، وطريق الحج اليمني الأعلى، وسهل تهامة جنوب موقعَي عثر وسهي.
وتمت مسوحات للمناطق الغربية كاملةً، وكذا لمجموعة من المواقع في جدة ووادي فاطمة، وقُدِّمت دراسة مبدئية لدرب الفيل (طريق الفيلة)، وتم مسح منطقة المدينة المنورة.
 
شارك المقالة:
83 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook