إن الأنبياء والمرسلين هم أفضل الخلق على الإطلاق، وأفضل رجل من بعدهم هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وقد فضّل الله -تعالى- الرسل بعضهم على بعض، فأفضلهم الذين أوحى إليهم وشرع لهم الشرائع، ويأتي بعدهم الأنبياء الذين أوحى الله إليهم وأمرهم بالبلاغ، وأفضل هؤلاء الرسل هم أولو العزم، وهم نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ)، والخليلان محمد وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام؛ هما الأفضل من هؤلاء الخمسة، وقد وردت بعض الأحاديث التي تنص على النهي عن تفضيل الأنبياء بعضهم على بعض، وهذه الأحاديث لا تتعارض مع ما جاء من الآيات التي تنص على تفضيل بعض الرسل؛ وإنما جاء النهي عن التفضيل الذي ينبع من العصبية، والذي يؤدي إلى الفتنة وانتقاص بعض الأنبياء، كما هو الأمر عند الشيعة الإمامية الذين فضّلوا أئمتهم على الأنبياء، وهذه ادعاءات باطلة مخالفة لما جاء في الكتاب والسنة.
يسعى الإسلام دوماً إلى تحقيق الاستقرار لدى الأفراد والجماعات، وقد اعتنى عناية كبيرة بالعمل، فقال تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ)، ولكل واحد من الأنبياء والرسل مهنة يعتزّ بها ويتقنها، فمن الدين أن يقوم الإنسان بإنجاز ما تتطلّبه شؤون حياته في المجالات المختلفة من الزراعة، والصناعة، والتجارة وغيرها، بالأسلوب الذي وضّحه الإسلام، والأساليب المتاحة في جميع مجالات العمل، ومن شرف المهنة أن الله علّمها لأنبيائه، فسيدنا آدم -عليه السلام- كان فلّاحاً يحرث الأرض ويزرعها، وتساعده في أعماله زوجته حواء، وإدريس كان خياطاً، ونوح نجّاراً يصنع الفلك، أما سيدنا موسى فقد كان راعياً للغنم، قال تعالى: (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَىٰ* قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ)، وهي مهنة مارسها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
جاءت في القرآن الكريم لسيدنا موسى -عليه السلام- تسع آيات، قال تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ۖ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَىٰ مَسْحُورًا)، وفيما يأتي بيان لهذه الآيات:
أرسل الله سيدنا موسى وأخاه هارون إلى فرعون، فدعواه إلى توحيد الله، فأنكر وجحد، فذكّره موسى بأنه مخلوق من العدم ومصيره إلى العدم، فادّعى فرعون أن رسول الله مجنون، فكان رد موسى -عليه السلام- بأن الجنون هو إنكار خالق السماوات والأرض، ولما عجز فرعون عن الردّ على موسى توعّده بالسجن هو ومن معه، حيث كان من سلطانه وقوته ونفوذه ما يمكّنه من سجن الناس، فأوحى الله إلى موسى أن يَسري بقومه ليلاً إلى مصر، فاهتمّ فرعون لذلك وجمع جنوده وخرج خلف سيدنا موسى باتجاه البحر الأحمر، وكان البحر من أمام موسى ومن معه، وفرعون من خلفه، فقال موسى: (كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ)، فأمره الله أن يضرب البحر بعصاه، فانفلق البحر إلى اثنتي عشر طريقاً يسير الماء من بينها، فدخل موسى ومن معه هذه الطرق، وتبعهم فرعون وجنوده، ولما قطع موسى الطريق خارجاً من البحر، أمر الله البحر فأطبق على فرعون ومن معه وكانوا من المغرقين.
عندما أصبح موسى داعياً إلى الله -تعالى- وقائداً للناس في طاعة ربهم، واجه أطغى رجل وهو فرعون، فاستخدم في دعوته الوسائل المتعددة، من الجدال الحسن، وإظهار المعجزات، وبعد ذلك كانت نهاية فرعون وجنوده بالغرق، ولقد ذكر الله في كتابه قصص أنبيائه تسليةً لرسوله صلّى الله عليه وسلّم، وقد أكثر الله -تعالى- من ذكر قصة سيدنا موسى مع فرعون ما لم يُطل في غيرها؛ لِما في قصته من الدروس والعبر والعظات التي يستفيد منها الناس أجمعين، وفيما يأتي بعض من هذه الدروس:
موسوعة موضوع